الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطلبه ولده الملك الظاهر أن يتوجه معه إلى حلب، فسار معه إليها، ودخلها في حادي عشر شعبان، وأقام بقلعتها ثلاثة أيام في ضيافة الملك الظاهر، وأنعم الملك الظاهر على جماعة كثيرة من عسكره، فأشفق السلطان عليه. وسار من حلب في رابع عشر شعبان، فوصل دمشق قبل دخول شهر رمضان.
فسار في أوائل شهر رمضان حتى نزل صفد، ونصب عليها المناجيق، وداومها بالقتال حتى تسلمها بالأمان في رابع عشر شوال. وكان أصحابه الدين جعلهم على حصار الكرك لازموا الحصار هذه المدة العظيمة، وصابرهم من بها من الفرنج، حتى فنيت أزوادهم وذخائرهم، وأكلوا دوابهم. فراسلوا أخا السلطان الملك العادل وكان قريباً منهم، منارلاً بعض القلاع فطلبوا منه الأمان فأمنهم، وتسلمها. وتسلم أيضاً الشوبك، وغيرها من القلاع التي تجاورها.
فتح كوكب وشقيف أرنون
ثم سار السلطان من صفد إلى كوكب، ف نزل على سطح الجبل، وأحدق العسكر بالقلعة، وضايقها بالقتال، حتى تمكن النقب من سورها، فطلب أهلها الأمان فتسلمها في النصف من ذي القعدة. وسار بعد ذلك بمدة إلى بيت المقدس فدخله يوم الجمعة ثامن ذي الحجة، وسار إلى عسقلان مودعاً أخاه الملك العادل وكان متوجها إلى مصر، فأخذ من أخيه عسقلان، وأعطاه الكرك. وتوجه لتفقد البلاد الساحلية ودخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة وهو بعكا. وتوجه إلى دمشق فدخلها مستهل صفر.
ثم توجه في الثالث من شهر ربيع الأول، إلى مرج فلوس محاصراً لشقيف أرنون، ورحل من مرج فلوس، فأتى مرج عيون، وهو قريب من شقيف أرنون في سابع عشر ربيع الأول.
وضاق على الفرنج المجال، وقلت أزوادهم. فنزل أرناط صاحب الشقيف إليه وكان عظيماً فيهم ذا رأي ودهاء، فأظهر الطاعة والمودة للسلطان، ووعده بتسليم المكان وقال: أريد أن تمهلني حتى أخلص أولادي وأهلي من الفرنج، وأسلم إليك الحصن، وتعطيني موضعاً أسكن فيه بدمشق، وأقطاعاً تقوم بي وبأهلي وتمكنني الآن من الإقامة بالشقيف، حتى أخلص أولادي.
فأجابه السلطان إلى ذلك. وجعل يتردد إلى خدمته. وكانت الهدنة بين أنطاكية وبينه قد قرب وقتها، وخاطره مشغول بذلك. وقد سير إلى تقي الدين أن يجمع من يقارب تلك الناحية من العساكر، ويكون بإزاء أنطاكية.
وبلغه أيضاً أن الفرنج قد تجمعوا بصور في جموع عظيمة، وكان الأمر قد استقر مع أرناط أن يسلم إليه الشقيف، في جمادى الآخرة، وهو مقيم بمرج عيون ينتظر الميعاد، وأرناط في هذه المدة يشتري الأقوات من سوق المسلمين، ويقوي الشقيف، والسلطان يحسن الظن به، ولا يسمع فيه قول من يعلمه بغدره ومكره.
فلما بقي من المدة ثلاثة أيام وحضر عنده أرناط قال له في معنى تسليم الشقيف، فاعتذر بأولاده وأهله، وأن المركيس لم يمكنهم من المجيء إليه، وطلب التأخير مدة أخرى.
فعلم السلطان مكره، فأخذه وحبسه، فأجاب إلى التسليم، فسير مع جماعة من العسكر إلى تحت الشقيف، فأمرهم بالتسليم، فامتنعوا، وطلب قسيساً حدثه بلسانه وعاد بما قال إليهم، فاشتدوا في المنع.
فعلم حينئذ أن ذلك كان تأكيداً مع القسيس، فأعادوه إلى السلطان، وسيره إلى بانياس، وتقدم إلى الشقيف فحصره، وضيق عليه، وجعل عليه من يحفظه،