الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنرل جدي، وجلس بشمالية الجامع تحت المنارة، واستدعى المؤذنين، وأمرهم بالأذان المشروع على رأي أبي حنيفة، فخافوا فقال لهم: ها أنا أسفل منكم ولي أسوة بكم.
فصعد المؤذنون وشرعوا في الأذان، فاجتمع تحت المنارة من عوام الشيعة وغوغائهم خلق كثير فقام القاضي إليهم، وقال: يا أصحابنا، وفقكم الله، من كان على طهارة فليدخل وليصل، ومن كان محدثاً فليجدد وضوءه ويصلي، فإن المولى نور الدين بحمد الله في عافية، وقد تقدم بما يفعل، فانصرفوا راشدين. فانصرفوا وقالوا: ايش نقول لقاضينا! ونزل المؤذنون وصلى بالناس، وسكنت الفتن.
فلما عوفي نور الدين قصد حران، فهرب نصرة الدين أمير أميران، وترك أولاده بالقلعة بحران فتسلمها، وأخرجهم منها، وسلمها إلى زين الدين علي كوجك، نائب أخيه، قطب الدين.
ثم سار إلى الرقه وبها أولاد أميرك الجاندار، وقد مات أبوهم، فشفع إليه بعض الأمراء في إبقائها عليهم، فغضب، وقال: هلا شفعتم في أولاد أخي لما أخذت منهم حران، وكانت الشفاعة فيهم من أحب الأشياء إلي، وأخذها منهم.
تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة
وخرج مجد الدين ابن الداية من حلب إلى الغزاة، في شهر رجب من سنة خمس وخمسين، فلقي جوسلين بن جوسلين، فكسره، وأخذه أسيراً، ودخل به إلى قلعة حلب.
ثم إن الفرنج أغاروا على بلد عين تاب، فأخذوا التركمان، ونهبوا أغنامهم، وعادوا يريدون أنطاكية، فخرج إليهم مجد الدين، ولقيهم بالجومة، وكسرهم،
وقتل منهم خلقاً عظيماً، وأسر البرنس الثاني وخلقاً معه، ودخل بهم إلى حلب في مستهل ذي الحجة من سنة ست وخمسين وخمسمائة.
وفي سنة سبع، ولى نور الدين كمال الدين أبا الفضل محمد بن الشهرزوري قضاء ممالكه كلها، وأمر القضاة ببلاده أن يكتبوا في الكتب بالنيابة عنه، وكان قد حلف له على ذلك وعاهده عليه، وكان ذلك بدمشق في السنة المذكورة، فامتنع زكي الدين قاضي دمشق، فعزل، وكتب إلى جدي أبي الفضل بحلب، فامتنع أيضاً.
ووصل نور الدين ومعه مجد الدين ابن الداية، واستدعاه نور الدين إلى القلعة، وقال: كنا قد عاهدنا كمال الدين، وحلفنا له على هذا الأمر، وما أنت إلا نائبي، وله اسم قضاء البلاد لا غير فامتنع وقال: لا أنوب عن مكانين فولى قضاء حلب محيي الدين أبا حامد ابن كمال الدين، وأبا المفاخر عبد الغفور بن لقمان الكردي، وذلك بأشارة مجد الدين لوحشه كانت بينه وبين جدي.
ثم إن نور الدين جمع العساكر بحلب، في سنة سبع، وسار إلى حارم، وقاتلها، فجمع الفرنج جموعهم، وساروا إليه. فطلب منهم المصاف فلم يجيبوه، وتلطفوا معه حتى عاد إلى حلب.
ثم جمع العساكر في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، ودخل إلى بلاد الفرنج، ونزل في البقيعة تحت حصن الأكراد محاصراً له، وعازماً على أن يقصد طرابلس.
فاجتمع الفرنج، وخرج معهم الدوقس الرومي، وكان قد خرج في جمع كثير من الروم واتفق رأيهم على كبسة المسلمين نهاراً، فإنهم يكونون آمنين، فركبوا لوقتهم ولم يتوقفوا، وساروا مجدين إلى أن قربوا من يزك المسلمين، فلم يكن
لهم بهم طاقة وأرسلوا إلى نور الدين يعرفونه الحال فرهقهم الفرنج بالحملة عليهم فلم يثبت المسلمون وعادوا منهزمين إلى نور الدين والفرنج في ظهورهم، فوصلوا جميعاً إلى عسكر نور الدين، ولم يتمكن المسلمون من ركوب الخيل وأخذ السلاح، حتى خالطهم الفرنج، فقتلوا، وأسروا، قتلاً عظيماً وأسراً كبيراً.
وكان الدوقس أشدهم على المسلمين، فلم يبق أصحابه على أحد، وقصدوا خيمة نور الدين، وقد ركب فيها فرسه، فنجا بنفسه، ولسرعته ركب الفرس والشبحة في رجله، فنرل إنسان كردي، وفداه بنفسه، فقطع الشبحة، ونجا نور الدين، وقتل الكردي فأحسن إلى مخلفيه، ووقف عليهم الوقوف.
ووصل نور الدين إلى بحيرة قدس، وبينه وبين المعركة نحو أربعة فراسخ، وتلاحق به من سلم من العسكر، فقال له بعضهم: المصلحة أن نسير، فإن الفرنج ربما طمعوا وجاؤوا إلينا، ونحن على هذه الحال، فوبخه وأسكته، وقال: إذا كان معي ألف فارس التقيتهم، ووالله لا أستظل بسقف حتى أخذ بثأري وثأر الإسلام.
وأرسل إلى حلب ودمشق، وأحضر الأموال الثياب والخيام والسلاح والخيل، فأعطى الناس عوضاً عما أخذ منهم بقولهم، وأصبح عسكره كأن لم يهزم ولم ينكب، وكل من قتل أعطى أولاده أقطاعه.
ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خرجه قال له بعض صحابة السوء: إن لك في بلادك إدرارات وصلات ووقوفاً كثيرة على الفقهاء، والفقراء، والقراء،