الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحين بلغ من بقنسرين مع الأثقال هزيمة من كان في مقابلة صاحب زردنا رحلوا إلى حلب، وانزعج أهل حلب غاية الإنزعاج، فوصلهم البشير بعد ساعتين بما بدل غمهم سروراً وهمهم حبوراً.
وكان البشير من الفرنج قد مضى إلى بلادهم وأخبر بكسرة صاحب زردنا للمسلمين، فزينوا بلادهم، وأظهروا فيها الجذل والمسرة فوصل ابن
صنجيل من الكسرة بعد ذلك، فانقلب سرورهم حزناً وراحتهم تعباً وعناء.
وكان صاحب زردنا، وهو القومصى الأبرص واسمه روبارد، قد سقط عن فرسه، فأدركه قوم من أهل جبل السماق من أهل مريمين، فقبضوه وحملوه إلى إيلغازي بظاهر حلب، فأنفذه إلى أتابك طغتكين، فقتله صبراً.
ثم دخل إيلغازي إلى حلب، وأحضر الأسرى فأفرد أصحاب القلاع والمقدمين وابن بيمند صاحب أنطاكية ورسول ملك الروم ونفراً يسيراً ممن كان معه مال فأخذه وأطلقهم، وبقي من الأسرى نيف وثلاثون رجلاً بذلوا من المال ما رغب عنه، فقتلهم بأسرهم.
وتوجه من حلب إلى ماردين في جمادى الأولى من سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، ليجمع من التركمان من يعود به إلى بلد حلب، وكانت حلب ضعيفة عن مقامه فيها، فخرج الفرنج إلى بلد المعرة، فسبوا جماعة، وأدركهم جماعة من الترك فرجعوا.
غارات بغدوين وجوسلين
ثم خرج بغدوين من أنطاكية في عسكره ونزل على زور، غربي البارة وهو حصن كان لابن منقذ وسلمه إليهم ولما جرت الوقعة الأولى
على البلاط عاد وأخذه، فقاتله بغدوين، وأخذه في جمادى الأولى، وأطلق من كان فيه.
ورحل إلى كفر روما فأخذ حصنها بالسيف، وقتل جميع من كان فيه، ووصلوا إلى كفر طاب، وقد أحرق ابن منقذ حصنها، وأخذ رجاله منه خوفاً منهم، فرمموه، ورتبوا رحالهم فيه، وساروا إلى سرمين ومعرة مصرين فتسلموها بالأمان، ثم نزلوا زردنا، ورحلوا عنها إلى أنطاكية.
ومع هذا فغارات عسكر حلب متواصلة على ما يقرب منهم، وتعود بالظفر والغنيمة.
ووصل جوسلين إلى بغدوين خاله وقت أخذه سرمين، فأقطعه الرها وتل باشر، وسيره إليهما، فأسرى إلى وادي بطنان دفعتين، وإلى ما يلي الفرات من جهة الشام، وقتل وسبى ما يقارب ألف نفس. وأغار جوسلين على منبج والنقرة وأعمال حلب الشرقية، وأخذ كل ما وجده من دواب، وأسر رجالاً ونساء، وأسرى إلى الراوندان يتبع طائفة من التركمان كانت قطعت الفرات، فاقتتلوا فانهزم الفرنج وقتل منهم جماعة.
وفي صفر من سنة أربع عشرة وخمسمائة، وقعت مشاحنة بين والي الأثارب بلاق بن اسحاق صاحب نجم الدين إيلغازي وبين الفرنج فأسرى ومعه جماعة من عسكر حلب إلى أنطاكية، فلقيهم عسكر أنطاكية
فكسرهم، وعاد فتبعه الفرنج والتقوا ما بين ترمانين وتل اغدي، من فرضة ليلون.
ووصل في هذه السنة إيلغازي بجمع كثير من التركمان، وقطع الفرات في الخامس والعشرين من صفر، وتوجه إلى تل باشر، وأقام أياماً ولم يقاتلها، ورحل إلى عزاز يريد أخذها، ولم يمكن أحداً من التركمان من تشعيث ضياعها، ورحل إلى أنطاكية وأقام عليها يوماً واحداً، وأقام في أعمال الروم أياماً يسيرة.
ثم خرج إلى قنسرين فتشوشت قلوب التركمان لأنهم أملوا من الغنائم مثل السنة الخالية، ولم يقاتل بهم حصناً، ولا غنموا شيئاً، وباع الأسرى الذين أسرهم في الوقعة الأولى، فعادوا إلى بلادهم، وبالغوا في التشقي من المسلمين والقتل والسبي.
وجرى من نجم الدين إساءة إلى بعض التركمان على شيء أنكره عليهم، فبالغ في هوانهم وحلق لحى بعضهم، وقطع أعصابهم، فتفرق عسكره وبقي نفر يسير متفرقين في أعمال حلب.
فطمع الفرنج وخرجوا إلى دانيث، فوصل طغتكين وعسكر دمشق، واجتمعوا مع إيلغازي في عسكر يقاوم الفرنج، فساروا إلى الفرنج، وهم في ألف فارس وراجل كثير، فدار الترك حولهم فلم يخرج منهم أحد، وكرهوا
أن يعودوا على
أعقابهم فتكون هزيمة، فساروا نحو معرة مصرين لا ينفرد منهم فارس ولا راجل. وأشرف الترك على أخذهم، ومن خرج منهم قتل، ومن وقفت دابته تركها وأخذت، ولا يقدرون على الماء وهم على حالة الهلاك، وإيلغازي وطغتكين يردان الناس عنهم بالعصا، فنزلوا بقرب معرة مصرين، وعاد الترك عنهم إلى حلب، وعادوا إلى أنطاكية.
وصالحهم إيلغازي إلى آخر سنة أربع عشرة، على أن لهم المعرة وكفر طاب والجبل والبارة، وضياعاً من جبل السماق برسم هاب، وضياعاً من لبلون برسم تل أغدي، وضياعاً من بلد عزاز برسم عزاز.
وسار نجم الدين إيلغازي إلى ماردين ليجمع العساكر. وهم إيلغازي زردنا في شهر ربيع الأول. وكان أهل حلب قد شكوا إليه تجديد رسوم جددت عليهم في أيام رضوان، لم تجر بها عادة، في دولة العرب. ولا دولة المصريين ولا في أيام أق سنقر، فأمر بكشف مقدارها، فأخبر أنها مبلغ اثني عشر ألف دينار في كل سنة، فرسم بحذفها، ووقع لهم بذلك، وكتب لوحاً بذلك، وسمره على باب الجامع وذلك في هذه السنة.
وخرج الفرنج فقبضوا على الفلاحين الذين تحت أيديهم في هذه الأعمال من المسلمين وعاقبوهم وصادروهم، وأخذوا منهم من الأموال والغلات ما تقووا به، وكانت الضياع التي في أيدي المسلمين قد عمرت، واطمأنوا بالصلح، فغدر اللعين جوسلين، وخرج فأغار على النقرة والأحص، واحتج بأنه أسر له والي منبج أسيراً، وأنه كاتب في ذلك فلم ينصف، وذلك في شوال، وقتل وسبى وأحرق كل ما في النقرة والأحص، ونزل الوادي وعاث فيه.
ثم سار إلى تل باشر، ثم عاد وحشد وخرج وعمل كفعله الأول، وأخذ في غارته الأولى المشايخ والعجايز والضعفاء، فنزع عنهم ثيابهم وتركهم في البرد عراة، فهلكوا بأجمعهم.
فأنفذ والي حلب إلى بغدوين في ذلك، وقال: إن نجم الدين لم يترك هذه البلاد خالية من العساكر إلا ثقة بالصلح فقال: ما لي على جوسلين يد. وتتابعت من جوسلين غارات متعددة.