الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومات الملك الأفضل، بسميساط، في هذه السنة في صفر، وحمل إلى حلب، فدفن في التربة، التي دفن فيها أمه قبلي المقام.
ووصل محيي الدين أبو المظفر بن الجوري، إلى حلب بخلعة من الإمام الظاهر، إلى الملك العزيز، وكان قد تولى الخلافة، في سنة اثنتين وعشرين، بعد موت أبيه الإمام الناصر، فألبسها السلطان الملك العزيز، وركب بها، وكانت خلعة سنية، واسعة الكتم، سوداء، بعمامة سوداء، وهي مذهبة، والثوب بالزركش. وكان قد أحضر إلى الملك الأشرف خلعة، ألبسه أياها، وسار بخلعة أخرى إلى الملك المعظم، وخلعة أخرى، إلى الملك الكامل.
من الحرب إلى الاتفاق فالموت
وكاتب الملك المعظم خوارزمشاه، وأطمعه في بلاد أخيه الملك الأشرف، ونزل الملك المعظم من دمشق، ونازل حمص، وكان سير جماعة من الأعراب، فنهبوا قراها ووصل مانع، في جموع العرب لإنجاد حمص، من جهة الملك الأشرف، فانتهبوا قرى المعرة وحماة، وقسموا البيادر، ولم يؤدوا عداداً، في هذه السنة، لأحد.
ولما وصل الملك المعظم إلى حمص، اندفع مانع وعرب حلب، والجزيرة، إلى قنسرين، ثم نزلوا قرا حصار، ثم تركوا أظعانهم، بمرج دابق، وساروا جريدة إلى نحو حمص، فتواقع مانع وعرب دمشق، وقعات، وجرد عسكر من حلب إلى حمص، فوصلوا إليها، قبل أن ينازلها الملك المعظم، فحين وصلوها اتفق وصول عسكر دمشق، فاقتتلوا، ثم دخلوا إلى مدينة حمص.
وكان الملك الأشرف، على الرقة، فجاءه الخبر بحركة كيقباذ، وخروجه إلى بلاد صاحب آمد، وأخذه حصن منصور، والكختا، فسير الملك
الأشرف نجدة إلى آمد، فالتقاهم جيش الرومي، وهزمهم، فعاد الملك الأشرف إلى حران، وخرج من بقي من عسكر حلب إلى حاضر قنسرين لإنجاد صاحب حمص.
ووقع الفناء في عسكر الملك المعظم، وماتت دوابهم، وكثر المرض في رجالهم، فرحل عن حمص، في شهر رمضان من السنة.
وسار الملك الأشرف، عند ذلك بنفسه إلى دمشق، واجتمع بأخيه الملك المعظم قطعاً لمادة شره، وزينت دمشق لقدوم الملك الأشرف، وعقدت بها القباب. وأظهر الملك المعظم السرور بقدومه، وحكمه في ماله، وباطنه ليس كظاهره، ورسله تتردد إلى خوارزمشاه في الباطن، وجاءته خلعة من خوارزمشاه فلبسها. وكانا لما انقضى شهر رمضان، قد خرجا عن دمشق، إلى المرج، وورد عليهما رسولا حلب: القاضي زين الدين ابن الأستاذ نائب القاضي بهاء الدين، ومظفر الدين بن جورديك، يطلبان تجديد الأيمان للملك العزيز، وأتابك.
فوجد الملك الأشرف، وقد أصبح مع الملك المعظم، بمنرلة التبع له، ويطلب مداراته بكل طريق، وهو لا يتجاسر أن ينفرد بهما في حديث، دون الملك المعظم. والملك المعظم يشترط شروطاً كثيرة، والمراجعات بينهما وبين أتابك إلى حلب مستمرة مدة شهرين.
إلى أن وردت الأخبار بنرول خوارزمشاه على أخلاط، ومحاصرتها، وفيها الحاجب علي نائب الملك الأشرف فهجم بعض عسكره أخلاط، وقام من بهما من أهلها وجندها، وأخرجوهم منها، كرهاً.
فوافق الملك الأشرف أخاه، على ما طلبه منه، واستدعى رسولي حلب، وحلفا لهما، ورحل خوارزمشاه عن خلاط.
وشتى الملك المعظم، والملك الأشرف بالغور. وأضحى الملك الأشرف كالأسير في يدي أخيه الملك المعظم، لا يتجاسر على أن يخالفه في أمر من الأمور، وهو يتلون معه، وكلما أجابه الملك الأشرف إلى قضية، رجع عنها إلى غيرها، وأقام عنده، إلى أن دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة.
وانقطعت مراسلة الملك الأشرف إلى حلب، لكثرة عيون أخيه عليه، وكونه لا يأمن من جهة أمر يكرهه، لأنه أصبح في قبضته.
واتفق وصولي من الحج، في صفر من هذه السنة، فاستدعاني الملك الأشرف، وحملني رسالة إلى أتابك شهاب الدين، مضمونها ما قد وقع فيه مع أخيه. وأنه يتلون معه، تلون الحرباء، ولا يثبت على أمر من الأمور، وإن آخر ما قد وقع بيني وبينه، أنه التمس مني أن يحلف له أتابك على مساعدته ومعاضدته، وأن لا يوافق الملك الكامل عليه، وأنه متى قصده الملك الكامل، كان عوناً له على الملك الكامل. فلما أبلغت أتابك ما قال، امتنع من الموافقة على ذلك، وقال: أنا حلفني الملك الأشرف للملك الكامل، وفي جملة يمينه: أنني لا أهادن أحداً من الملوك على قضية إلا بأمره، فإذا أراد هذا مني فليأتني بأمر من الملك الكامل، حتى أساعده على ذلك.
وحين رأى الملك الأشرف وقوعه في أنشوطة أخيه، وأن لا مخلص له إلا بما يريده، ساعده على كل ما طلبه منه، واستحلفه على الملك الكامل، وصاحبي حماة وحمص، فاطمأن الملك المعظم إلى ذلك، ومكن الملك الأشرف من الرحيل، فسار إلى الرقة، في جمادى الآخرة من السنة.
فرجع الملك الأشرف عن جميع ما قرره مع أخيه، وتأول في أيمانه التي حلفها، بأنه كان مكرهاً عليها، وأنه علم أنه لا ينجيه من يدي أخيه إلا موافقته فيما طلب. وندم الملك المعظم على تمكينه من الإنفصال عنه، وسير العربان إلى بلد حمص وحماة، فعاثوا فيهما، ونهبوا.
وخرج عسكر الأنبرور ملك الفرنج إلى عكا، في جموع عظيمة، فطمع صاحب حماة، وصاحب حمص في الملك المعظم حينئذ، وأرسلا إليه يطلبان العوض عما أخذه من بلادهما، فلاطف حينئذ أخاه الملك الأشرف،
وأرسل إليه يطلب موافقته، فعنفه على أفعاله التي عامله بها، وقرعه على ما اعتمد في حقه وحق أهله.
ومرض الملك المعظم بدمشق ومات سلخ ذي القعدة. وملك دمشق بعده الملك الناصر ولده.
وفي هذه السنة، سلمت عين تاب، والراوندان والزوب، إلى الملك الصالح ابن الملك الظاهر، وأخذ منه الشغر وبكاس، وما كان في يده معها. ودخل الحاجب، في هذه السنة، وجمع من قدر عليه من العساكر، إلى بلد أذربيجان، وافتتح خوي، وسلماس، وأخذ زوجة أربك وكانت في خوى وهي التي سلمت خوى إليه، وكانت قد تزوجت بخوارزمشاه.
وخرج الملك الكامل من مصر حين سمع بموت أخيه. وسير الملك الناصر، إلى عمه الملك الأشرف، يعتضد به، ويستمسك بذيله، مع ابن موسك. فوصل إليه إلى سنجار وطلبه ليأتي إلى دمشق، فسار إليه إلى دمشق. ونزل الملك الكامل، فخيم بتل العجول في مقابلة الفرنج، وسير الملك الأشرف إليه، سيف الدين بن تلج يطلب منه ابقاء دمشق على ابن أخيه، ويقول له: إننا كلنا في طاعتك، ولم نخرج عن موافقتك. فخاطبه بما أطمع الملك الأشرف في دمشق.