الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعن بذلك في مجلس السطان محمد بن ملكشاه، فأمر أبا الغنائم ابن أخي أبي الفتح الباطني الذي عمل في قتل ابن ملاعب ما دبر الخروج من حلب فيمن معه، فانسل وخرج بجماعة من أصحابه بعد أن قتل أفراد منهم.
الفرنج بين مد وجذر
وفي سنة إحدى وقيل: اثنتين وخمسمائة اجتمع جاولي سقاوه وجوسلين الفرنجي، على حرب طنكريد صاحب أنطاكية، واستنجد
طنكريد بالملك رضوان، فأمده بعكسر حلب والتقوا، فقتل من الفرنج جماعة.
ووصل إلى جاولي من أخبره أن الفرنج يريدون الاجتماع عليه فمال على أصحابه من الفرنج وقتل فيهم، وهرب بعد أن قتلهم عن آخرهم وهلك جميع رجالة طنكريد وأكثر خيله.
وعاد إلى أنطاكية وعاد عسكر حلب إلى رضوان، فتسلم بالس من أصحاب جاولي، وخرج بيمند من بلاده ومعه خلق عظيم، ثم عاد وتوفي سنة أربع إخمسمائة، وكفي المسلمون شره.
وفي سنة ثلاث وخمسمائة، كاتب السلطان الأمير سكمان القطبي صاحب أرمينية ومودود صاحب الموصل، يأمرهما بالمسير إلى جهاد الفرنج، فجمعا وسارا، وصل إليهما نجم الدين إيلغازي بن أرتق في خلق كثير من التركمان، فرحلوا إلى الرها فنزلوا عليها وأحدقوا بها في شوال من هذه السنة.
فاتفق الفرنج كلهم، وأزالوا ما كان بينهم من الشحناء، وكان المسلمون في جمع عظيم، فتصافى طنكريد وبغدوين وابن ضنجيل بعد النفار، وقصدوا إنجاد من بها من الفرنج، وأحجموا عن العبور إلى الجانب الجزري لكثرة من به من عساكر المسلمين.
فاندفع المسلمون عن الرها إلى حران ليعبر الفرنج ويتمكنوا منهم ووصلهم عسكر دمشق
فحين عبر الفرنج وبلغهم خبر المسلمين عادوا ناكصين على الأعقاب إلى شاطىء الفرات، فنهض المسلمون في أثرهم، وأدركتهم خيول الإسلام، وقد عبر
الأجلاد منهم، فغنم المسلمون جل سوادهم وأكثر أثقالهم، واستباحوهم قتلاً وأسراً وتغريقاً في الماء، وأقام المسلمون بإزائهم على الفرات.
ولما عرف الملك رضوان هزيمة الفرنج عن الرها خرج ليتسلم أعمال حلب التي كانت في أيدي الفرنج، وقاتل ما امتنع عليه منها، وأغار على بلد أنطاكية وغنم منها ما يجل قدره، وكان بينه وبينهم مهادنة نقضها.
وكاتب الفرنج رضوان يوهنون رأيه في نقض الهدنة، فلما تحقق سلامة طنكريد وعوده رجع إلى حلب. وعاد الفرنج من الفرات فقصدوا بلد حلب من شرقيها، فقتلوا من وجدوا، وسبوا أهل النقرة، وأخذوا ما قدروا عليه من المواشي.
وهرب الناس نحو بالس، وعاد طنكريد، فنزل على الأثارب، وطيب قلوب الفلاحين من المسلمين، وأمنهم، ونصب على الأثارب المناجيق وكبشاً عظيماً ينطح به شرفات الأسوار فيلقيها، فخرب أسوارها وكان يسمع نطحه من مسيرة نصف فرسخ.
وبدل رضوان لطنكريد في الموضع عشرين آلف دينار على أن يرحل فامتنع، وقال: قد خسرت ثلاثين آلف دينار، فإن دفعتموها إلي وأطلقتم
كل عبد بحلب منذ ملكت أنطاكية فأنا أرحل، فاستعظم ذلك واتكل على الحوادث.
وكان الذي بقي في القلعة مائة دينار، وأخذها الخازن على وسطه، وهرب إلى الفرنج، وهرب جماعة أخر من المسلمين إليهم فكتبوا إلى الملك رضوان كتاباً على جناح طائر يخبرونه بما تجدد من قوة الحصار وقلة النفقة وقتل الرجال وأرسلوا الطائر فسقط في عسكر الفرنج، فرماه أحدهم بنشابة فقتله.
وحمل الكتاب إلى طنكريد، ففرح وقويت نفسه، وبدل رضوان المال المطلوب له على أن يكون أقساطاً ويضع عليه رهائن فلم يفعل، ويئس من في الأثارب من نجدة تصل إليهم فسلموها إلى طنكريد في جمادى الآخرة منها، وأمن أهلها وخرجوا منها
ثم صالح رضوان على عشرين آلف دينار وعشرة رؤوس من الخيل، وقبضها وعاد إلى أنطاكية.
ثم عاد وخرج إلى الأثارب، وقد أدركت الغلة، وضعفت حلب بأخذ الأثارب ضغفاً عظيماً، وطلب من حلب المقاطعة التي قررها حلب وأسرى من الأرمن كان رضوان أخذهم وقت إغارته على بلد أنطاكية، والفرنج على الفرات، فأعادهم إليه وطلب بعض خيل الملك رضوان فأعطاه، وطلب حرم الفلاحين المسلمين من الأثارب، وكانوا وقت نزول طنكريد على الأثارب حصلوا بحرمهم في حلب فأخرجهن إليه.
وضاق الأمر بأهل حلب، ومضى بعضهم إلى بغداد واستغاثوا في أيام الجمع، ومنعوا الخطباء من الخطبة مستصرخين بالعساكر الإسلامية على الفرنج، وقلت المغلات في بلد حلب، فباع الملك رضوان في يوم واحد ستين خربة من بلد حلب لأهلها بالثمن البخس، وطلب بذلك استمالتهم، وأن يلتزموا بالمقام بها بسبب أملاكهم، وهي ستون خربة معروفة في دواوين حلب إلى يومنا هذا، غير ما باعه في غير ذلك اليوم من الأملاك.
ولذلك يقال أن بيع الملك من أصح أملاك الحلبيين لأن المصلحة في بيعها كانت ظاهرة لاحتياج بيت المال إلى ثمنها، ولعمارة حلب ببقاء أهلها فيها بسبب أملاكهم. ولما استصرخ الحلبيون العساكر الإسلامية ببغداد وكسروا المنابر، جهز السلطان العساكر للذب عنهم، فكان أول من وصل مودود صاحب الموصل بعسكره إلى شبختان، ففتح تل قراد، وعدة حصون ووصل أحمديل الكردي في عسكر ضخم وسكمان القطبي، وعبروا إلى الشام فنزلوا تل باشر، وحصروها حتى أشرفت على الأخذ، وكان طنكريد قد أخذ
حصن بكسرائيل، وتوجه مغيراً على بلد شيزر ونازلها.
وشرع في عمارة تل ابن معشر وضرب اللبن وحفر الجباب ليوعي بها الغلة، فلما بلغه نزول عساكر السلطان محمد على تل باشر رحل عنها وأما العساكر الإسلامية النازلة على تل باشر فإن سكمان مات عليها، وقيل: بعد الرحيل عنها، وأشرف المسلمون على أخذها فتطارح جوسلين الفرنجي صاحبها على أحمديل الكردي وحمل إليه مالاً، وطلب منه رحيل العسكر عنه فأجابه إلى ذلك، وكتب الملك رضوان إلى مودود وأحمديل وغيرهما: إنني قد تلفت وأريد الخروج من حلب فبادروا إلى الرحيل، فحسن لهم أحمديل الرحيل عنها بعد أن أشرفوا على أخذها، ورحلوا إلى حلب، فأغلق رضوان أبواب حلب في وجوههم، وأخذ إلى القلعة رهائن عنده من أهلها لئلا يسلموها.
ورتب قوماً من الجند والباطنية الذين في خدمته لحفظ السور ومنع الحلبيين من الصعود إليه، وبقيت أبواب حلب مغلقة سبع عشرة ليلة. وأقام الناس ثلاث ليالي ما يجدون شيئاً يقتاتون به، فكثرت اللصوص من الضعفاء، وخاف الأعيان على أنفسهم.
وساء تدبير الملك رضوان فأطلق العوام ألسنتهم بالسب له وتعييبه، وتحدثوا بذلك فيما بينهم، فاشتد خوفه من الرعية أن يسلموا البلدة وترك الركوب بينهم.
وصفر إنسان من السور فأمر به فضربت عنقه ونزع رجل ثوبه ورماه إلى آخر. فأمر به فألقي من السور إلى أسفل، فعاث العسكر فيما بقي سالماً ببلد حلب بعد نهب الفرنج له وسبيهم أهله.
وبث رضوان الحرامية يتخطف من ينفرد من العساكر فيأخذونه، فرحلوا إلى معرة النعمان في آخر صفر من سنة خمس وخمسمائة، وأقاموا عليها أياماً ووجدوا حولها ما ملأ صدورهم مما يحتاجون إليه من الغلات وما عجزوا عن حمله.