الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلط عليه الملك رضوان فسجنه في ذي القعدة من سنة تسعين وعذبه عذاباً مديداً بأنواع شتى، وأراد بذلك أن يستصفي ماله، فمما عذبه به أنه أحمى الطست حتى صار كالنار، ووضعه على رأسه، ونفخ في دبره بكير الحذاد، وثقبت كعابه، ضرب فيها الرزز والحلق.
ولما وضع التجار المثقب على كعبه قطع الجلد واللحم ولم يدر المثقب، فلطمه المجن وقال: ويلك لا تعرف، أحضر خشبة، وضعها على الكعب. فأحضر خشبة ووضعها على كعبه، فدار المثقب ونزل ونزل، وثقب الكعب.
فلما فرخ قيل له: كيف تجد طعم الحديد، فقال: قولوا للحديد كيف يجد طعمي. ولم يقر المجن مع هذا كله بدرهم واحد، ولم يحصل للملك رضوان من ماله إلا ما أقربه غلام أو جارية، وذلك شيء يسير واستغنى جماعة من أهل حلب من ماله.
ولما طال الأمر على رضوان أشير عليه بقتله، فأخرج إلى ظاهر باب الفرج من نحو الشرق، ومعه ابنان له شابان مقتبلا الشباب، فقتلا قبله، وهو ينظر إليهما ولا تتكلم.
ثم قتل بعد ذلك في سنة إحدى وتسعين وسلمت رئاسة حلب إلى صاعد بن بديع ولما قدم المجن للقتل صاح بصوت عال: يا معشر أهل حلب، من كان لي عنده مال، فهو في حل منه.
وكان ابن بديع من أولاد الديلم الذين كانوا في أيام سيف الدولة، وولد أبوه بحلب.
صنجيل في عزاز والبارة والمعرة وشيزر
وفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة عصى عمر والي عزاز على الملك رضوان فخرج عسكر حلب وحصره، فاستنجد بالفرنج، فوصل صنجيل بعسكر كبير، فعاد عسر حلب فنهب صنجيل ما قد عليه وعاد إلى أنطاكية، وأخذ ابن عمر رهينة،
فم عنده فوقع الملك رضوان على عمر إلى أن أخذه من تل هراق فسلم إليه عزاز وأقام عنده بحلب مدة، ثم قتله.
وخرج صنجيل في ذي الحجة، وحصر البارة فقل الماء فأخذها بالأمان، وغدر بأهلها، وعاقب الرجال والنساء، واستصفى أموالهم وسبي بعضاً وقتل بعضاً، ثم خرج بقية الفرنج من أنطاكية والأرمن الذين في طاعتهم والنصارى، وانضموا إليه، ووصلوا إلى معرة النعمان لليلتين بقيتا من ذي الحجة في مائة ألف.
وحصروا معرة النعمان في سنة اثنتين وتسعين، وقطعوا الأشجار، واستغاث أهلها بالملك رضوان وجناح الدولة فلم ينجدهم أحد. وعمل الفرنج برجاً من خشب يحكم على السور وزحفوا إلى البلد، وقاتلوه من جميع نواحيه حتى لصق البرج بالسور فكشفوه وأسندوا السلالم إلى السور وثبت الناس في الحرب من الفجر إلى صلاة المغرب، وقتل على السور وتحته خلق كثير، ودخلوا البلد بعد المغرب ليلة الأحد الرابع والعشرين من محرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
ودخل عسكر الفرنج جميعه إلى البلد، وانهزم بعض الناس إلى دور حصينة، وطلبوا الأمان من الفرنج فأمنوهم، وقطعوا على كل دار قطيعة، واقتسموا الدور، وهجموها وناموا فيها، وجعلوا يهدئون الناس حتى أصبح الصبح، فاخترطوا سيوفهم، ومالوا على الناس، وقتلوا منهم خلقاً، وسبوا النساء والصبيان.
وقتل فيها أكثر من عشرين آلف رجل وامرأة وصبي، ولم يسلم إلا القليل ممن كان في شيزر وغيرها من بني سليمان وبني أبي حصين
وغيرهم، وقتلوا تحت العقوبة جمعاً كثيراً، فاستخرجوا ذخائر الناس، ومنعوا الناس من الماء، وباعوه منهم فهلك أكثر الناس من العطش، وملكوها ثلاثة وثلاثين يوماً بعد الهجمة، ولم يبقوا ذخيرة بها إلا استخرجوها