الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومرض أتابك شهاب الدين طغرل بن عبد الله في أواخر هذه السنة، ودام مرضه، إلى أن مات، ليلة الاثنين الحادية عشرة، من محرم سنة إحد وثلاثين وستمائة، وحضر السلطان الملك العزيز، محمد ابن الملك الظاهر، جنازته، صبيحة الليلة المذكورة. ومشى خلف جنازته، من داره إلى أن صلى عليه خارج باب الأربعين. ودفن بتربته، التي أنشأها بتل قيقان، ووقفها مدرسة على أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وبكى السلطان عليه بكاء عظيماً، وحضر عزاءه، يومين بعد موته، بالمدرسة التي أنشأها أتابك، وجعل فيها تربة للسلطان الملك الظاهر رحمهم الله.
الحرب ضد كيقباذ
وفي هذه السنة: نزل الملك الكامك، من مصر، واتفق مع أخيه الملك الأشرف، على قصد بلاد السلطان كيقباذ بن كيخسرو، للوحشة التي تجددت بينهم، بسبب استيلاء كيقباذ على بلاد أخلاط، وانتزاعها من أيدي نواب الملك الأشرف.
وسارا من دمشق، وخرج معهما الملك المجاهد، صاحب حمص، والملك المظفر، صاحب حماة، ووصل معهم الملك الناصر، صاحب الكرك، ووصلوا إلى منبج بإذن السلطان الملك العزيز.
وسير الملك العزيز، إليه إلى منبج، الإقامة العظيمة، والزردخاناه، وعسكره، ومقدمه عمه الملك المعظم، وساروا من ناحية تل باشر، فنزل إليه الملك الزاهر داود ابن الملك الناصر.
وقدم إليه صاحب سميساط الملك المفضل موسى، وصاحب عين تاب الملك عالح ابن الملك الظاهر، والملك المظفر شهاب الدين ابن الملك العادل، والملك الحافظ أخوه، وغيرهم، من الملوك. حتى اجتمع في عسكره ستة عشر أميراً.
وسير ملك الروم إلى الملك العزيز، وقال له: أنا راض منك بأن تمد بالأجناد والأموال، على أن لا تنرل إليه أبداً. وأعفاه الملك الكامل، من مثل ذلك. ورضي كل واحد من الملكين بفعله.
وسار الملك الكامل في جيوشه، في أوائل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، إلى أن نزل على نهر الأزرق، في طرف بلاد الروم، وجاء عسكر الروم حتى نزل قبلي زلى بينها وبين الدربند والسلطان معهم، وصعد الرجالة إلى فم الدربند، بالقرب من نور كغال، وبنوا عليه سوراً، وقاتلوا منه، ومنعوا من يطلع إليه، وقلت الأقوات على العسكر الشامي.
فرجع الملك الكامل، وخرج إلى طرف بلد بهسنى، ونزل على بحير انرنيت، ووصل إليه صاحب خرتبرت، ودخل في طاعته، وأشار عليه بالدخول من جهته، فسار إلى ناحية خرتبرت ووقعت طائفة من عسكر الروم، على طائفة من عسكر الملك الكامل وفيهم الملك المظفر صاحب حماة وشمس الدين صواب، فكسر العسكر الكااملي، واعتصم من نجا منهم بخرتبرت، فحاصرهم ملك الروم إلى أن نزلو بالأمان، وأطلقهم، واستولى كيقباذ على خرتبرت، وعفا عن صاحبها، وعوضه عنها بأقطاع في بلاده.
ومرض الملك الزاهر في العسكر، فحمل مريضاً إلى البيرة، وقوي مرضه، وطمع بعض أولاده بملكها، وشرع في تحصينها وتقويتها، وبلغ الملك الزاهر ذلك، فسير إلى السلطان الملك العزيز، واستدعاه إليه، وأصعده إلى
القلعة، وأوصى إليه بالقلاع التي في يده، والخزائن وعين لأولاده شيئاً من ماله، وتوفي بالبيرة، والسلطان بها عنده، في أوائل صفر، من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
وأقام السلطان بها يرتب أحوالها، وأقام فيها والياً من قبله، فاتفق وفاة القاضي بهاء الدين بحلب، في يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر، من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
وطلب الكمال بن العجمي قضاء حلب، وكاتب السلطان في ذلك، فلم يجبه إلى ذلك. وسار السلطان من البيرة إلى حارم، فخرج ابن العجمي إليه، إلى حارم، فمنعه الدخول إليه، وبذل له في قضاء حلب ستين ألف درهم، وأن يحمل في كل سنة، للسلطان، من فواضل أوقاف الصدقة، ومن كتابة الشروط، خمسين ألف درهم، فلم يصغ السلطان إلى شيء من ذلك.
وكتب إلى القاضي زين الدين، كتاباً يأمره بأن يحكم بين الناس، على جاري عادته، إلى أن يدخل إلى المدينة.
فلما دخل السلطان اجتهد ابن العجمي في قبول ما بذله، وبذل شيئاً كثيراً غير ذلك، لخواص السلطان، وحسنوا للسلطان قبول ما بذله، وإجابته إلى ما سأله، فجرى على مذهب أبيه وجده في الإحسان، ولم يبع منصب النبي صلى الله عليه وسلم بالأثمان ونظر في مصلحة الرعية، وأرضى الله ونبيه، وقلد القضاء بمدينة حلب وأعمالها، في يوم الجمعة، الرابع عشر، من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، القاضي زين الدين أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن علوان المعروف بابن الأستاذ وكان نائب القاضي بهاء الدين في الحكم.
وأما الملك الكامل، فإنه عاد في تلك الجيوش العظيمة، ولم يحظ بطائل، ودخل فصل الشتاء، وحال بين الفريقين، وعاد كل إلى بلاده.
ولما خرج فضل الشتاء، خرج علاء الدين كيقباذ إلى الجزيرة، والرها،