الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما استقر أمر الأتابكية لشهاب الدين طغرل، كره ذلك جماعة من الممالكيك الظاهرية، فعمد عز الدين أيبك الجمدار الظاهري، واستضاف إليه جماعة من المماليك الظاهرية، والأجناد. وكاتب الأسد أقطغان، وكان والي حارم واتفق معه على أن يأتي إليه، إلى حارم بالجماعة الذين وافقهم، ويفتح له القلعة، فإذا حصلوا بها انضم إليهم جماعة غيرهم، وكان لهم شأن حينئذ.
وكان العسكر المقيم بحارم قد أصعد إلى القلعة، ورتب بها، وفيها المبارز أيوب ابن المبارز أقجا، فأحسوا باختلاف أمر الأسد الوالي، وأنكروا عليه أشياء، فاستيقظوا لأنفسهم، واتفقوا على حفظ القلعة، والإحتياط عليها.
وسار أيبك الجمدار إلى حارم، ووقف تحت القلعة، ورام الصعود إليها، فمنعه الأجناد والأمراء، الذين في القلعة من ذلك، ولم يمكنوا الوالي من التحرك فيها بحركة، واحتاطوا عليه.
فسار أيبك إلى دربساك، وطمع أن يتم له فيها حيلة أيضاً، فلم يستتب له ذلك، وعصى ألطنبغا بقلعة بهسنى، وانضاف إلى ملك الروم كيكاوس. وانتظم الأمر بعد ذلك، وسكنت الفتنة، في أواخر شوال من السنة.
ونزل الملك العادل من مصر إلى الشام، وأرسل إلى أتابك بما يطيب نفسه، وسير خلعة للملك العزيز، وسنجقاً، وحلف له على ما أوجب السكون والثقة.
تحرك الفرنج وملك الروم
واتفق خروج الفرنج من البحر، وتجمعوا في أرض عكا، وأغاروا على الغور، واندفع الملك العادل بين أيديهم، إلى عجلون، ثم إلى حوران، ثم نازل الفرنج الطور، وزحفوا عليه، فكانت النصرة للمسلمين، وقتل منهم جمع كثير، وانهزموا عنها، وهدمها الملك العادل.
وسار الفرنج إلى دمياط، ونزلوا عليها، وبينها وبينهم التيل، والملك الكامل في مقابلتهم، واستدعى الملك العادل ابنه الملك الأشرف، فسار في عسكره إلى حمص، ودخل بلاد الفرنج، ليشغلهم عن محاصرة دمياط.
فدخل إلى صافيتا، فخربوا ربضها، ونهبوا رستاقها، وهدموا ما حولها من الحصون، ودخلوا إلى ربض حصن الأكراد، فنهبوه، وحاصروا القلعة، حتى أشرفت على الأخذ، والملك العادل مقيم في عالقين.
وتحرك ملك الروم كيكاوس، ومعه الملك الأفضل، طالباً أن يملك حلب، ويطمع الأفضل أن يأخذها له، ليرغب الأمراء في تمليكه عليهم، وكاتب جماعة من الأمراء، وكتب لهم التواقيع، ومن جملة من كاتبه علم الدين قيصر. وكتب له توقيعاً بأبلستان.
واغتنما شغل قلب الملك العادل بالفرنج، ووافقهما الملك الصالح صاحب آمد وكان كيكاوس يريد الملك لنفسه، ويجعل الأفضل ذريعة لتوصل إليه، وكاتبه أمراء حلب الذين كانوا يميلون إلى الأفضل. فجمع العساكر، واحتشد، واستصحب المناجيق، وسار في شهر ربيع الأول، فنزل رعبان وحصرها، وفتحها.
فسير الأتابك شهاب الدين زين الدين بن الأستاذ رسولاً إلى الملك العادل، يستصرخه على الرومي، والأفضل. فكتب إلى ولده الملك الأشرف، يأمره بالرحيل إلى إنجاد حلب بالعساكر، وسير إليه خزانة، وجعل الملك المجاهد صاحب حمص في مقابلة الفرنج.
وسار الملك الأشرف، حتى نزل حلب بالميدان الأخضر. وخرج الأمراء إلى خدمته، واستحلفهم، وخلع عليهم، وأتاه مانع أمير العرب بجموعه المتوافرة، وعاث العرب في بلد حلب، والملك الأشرف يداريهم لحاجته إليهم.
وسار علم الدين قيصر إلى ملك الروم من دربساك، وجاهر بالعصيان، ونزل نجم الدين ألطنبغا إليه من بهسنى، وتسلم الرومي المرزبان، وسار إلى تل باشر وهي في يد ولد بدر الدين دلدرم فنازلها، وحصرها، وفتحها. ولم يعط الملك الأفضل شيئاً من البلاد التي افتتحها.
فتحقق الملك الأفضل فساد نيته، وسار إلى منبج، ففتحها بتسليم أهلها، وكان قد صار في جملته رجل يقال له الصارم المنبجي، وله اتباع بمنبج فتولى له أمر منبج، وشرع في ترميم سورها، واصلاحه.
وسار الملك الأشرف نحوه من حلب إلى وادي بزاعا على عزم لقائه، وجماعة من الأمراء المخامرين في صحبته، فنزل في وادي بزاعا. وسير الرومي ألف فارس، هم نخبة عسكره، ومقدمهم سوباشي سيواس، فوصلوا إلى تل قباسين فوقع عليهم العرب، واحتووا عليهم، وعلى سوادهم.
وركب الملك الأشرف، فوصل إليهم، وقد استباحوهم قتلاً وأسراً، وسيروا الأسرى إلى حلب، ودخلوا بهم والبشائر تضرب بين أيديهم، وأودعوا السجن.
ولما سمع كيكاوس ذلك، سار عن منبج هارباً، ورحل الملك الأشرف من منزلته، واتبعه يتخطف أطراف عسكره، حتى وصل إلى تل باشر، فنزل عليها، وحاصرها حتى افتتحها، وسلمها إلى نواب الملك العزيز، وقال: هذه كانت، أولاً، للملك الظاهر رحمه الله وكان يؤثر ارتجاعها إليه، وأنا أردها إلى ولده. وذلك في جمادى الأولى، من سنة خمس وعشرة وستمائة.
ثم إنه ملكها للأتابك شهاب الدين طغول، في سنة ثمان عشرة وستمائة، بجميع قراها.