الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم خرج الفرنج من أنطاكية عقيب ذلك، وأغاروا على بلد شيزر وأخذوا ما لا يحصى، وأسروا جمعاً، وطلبوا المقاطعة التي جرت عادتهم قبل الوقعة بأخذها، فبذل لهم ابن منقذ ذلك على أن يردوا ما أخذوه، فلم يجيبوه إلى ذلك، فجعل لهم مالاً حمله، وصالحهم إلى آخر السنة.
وهرب ملك العرب دبيس بن صدقة الأسدي من المسترشد والسلطان محمود، فوصل إلى قلعة جعبر، فأكرمه نجم الدولة مالك، وأضافه، ثم
سار إلى إيلغازي إلى ماردين، وتزوج ابنته فاستد به وأجاره، ووصل معه الأموال العظيمة والنعمة الوافرة، وحمل إليه إيلغازي ما يفوت الإحصاء.
فاشتغل إيلغازي بدبيس عن العبور إلى الشام، فخرب بلد حلب، واستولى الفرنج على معظمه، وأغار جوسلين إلى صفين، وسبى العرب والتركمان، ونزل بزاعا وقاتلها، وأحرق بعض جدارها، وصونع على شيء ودخل بلده.
ثم هجم الفرنج، في صفر من سنة خمس عشرة وخمسمائة، الأثارب، وقتلوا جماعة وأحرقوها وأسروا من لم يعتصم بالقلعة.
ثئم إنهم في ربيع الآخر من السنة، نزلوا نواز، زحفوا إلى الأثارب ثانية، وأحرقوا الدور والغلة. وسار بغدوين، وأغار على حلب، وأخذ الناس والدواب من حاضر حلب ومن الفنادق، وأخذ ما يجل قدره من الماشية، وأسر نحواً من خمسين أسيراً.
وصاح الصائح فخرج نفز يسير من العسكر فظفروا بالفرنج وخلصوا المواشي، وعاد الفرنج إلى أعمالهم.
نائب حلب سليمان بن إيلغازي وعصيانه
وكان النائب بحلب شمس الدولة سليمان بن نجم إيلغازي. وكان إيلغازي قد
ولى رئاسة حلب، في سنة أربع عشرة في رجب، مكي بن
قرناص الحموي، وجعله بين يديه، فكتب إلى ولده ونوابه يأمرهم بصلح الفرنج على ما يريدون، فصالحوهم على سرمين والجزر وليلون وأعمال الشمال على أنها للفرنج، وما حول حلب للفرنج منه النصف، حتى أنهم ناصفوهم في رحى العربية، وعلى أن يهدم تل هراق بحيث لا يبقى للفئتين فيه حكم، وطلبوا الأثارب فأجاب إيلغازي إلى ذلك، فامتنع من كان فيها من التسليم فبقيت في أيدي المسلمين.
وكان الذي تولى الصلح جوسلين وجفري، وكان بغدوين في القدس، فلما وصل رضي بذلك، وشرع في عمارة دير خراب قديم، بالقرب من سرمدا، وحصنه ثم أطلقه لصاحب الأثارب سيرألان دمسخين.
وأمر إيلغازي ولده باخراب قلعة الشريف المجددة بحلب وإخراج من كان فيها من جند رضوان، فأخرجهم شمس الدولة وابن قرناص بعذر الإغارة على أعمال الفرنج، وأغلقت أبواب حلب في وجوههم، وتولى الرئيس مكي بن قرناص خرابها في جمادى الآخرة.
واستنجد الملك طغرل بإيلغازي بن أرتق على الكرج وملكهم داود، فسار إليه في عالم عظيم ومعه دبيس بن صدقة، فكسرهم المسلمون، ودخلوا وراءهم في الدرب، فكر الكرج عليهم في الدرب، فانهزم المسلمون
وتبعهم الكرج قتلاً وأسراً. ونهب لدبيس ما مقداره ثلاثمائة ألف دينار، ووصل مع نجم الدين إيلغازي إلى ماردين سالماً.
وأنفذ إيلغازي إلى ابنه سليمان بحلب يلتمس منه أشياء، فقبح ذلك عنده، وقيل له أشياء أوجبت عصيانه على والده، فعصى وأخرج الملوك سلطان شاه وابراهيم وغيرهما من حلب، فمضوا إلى قلعة جعبر، ومد يده في مصادرة أهل حلب وظلمهم والفساد.
وقيل: إن دبيس بن صدقة لما سار مع إيلغازي إلى الكرج سأل إيلغازي في الطريق أن يهب له حلب وأن يحمل إليه دبيس مائة ألف دينار يجمع بها التركمان
ويعاضده حتى يفتح أنطاكية، فأجابه إيلغازي إلى ذلك، وأخذ يده على ذلك.
فلما وقعت كسرة الكرج بدا له من ذلك، فأنفذ إلى ولده سليمان وكان خفيفاً، وقال له: أظهر أنك قد عصيت علي حتى يبطل ما بيني وبين دبيس. فحمله الجهل على أن عصى ونابذ أباه، ووافقه مكي بن قرناص والحاجب ناصر، وهو شحنة حلب وغيرها.
وقبض سليمان حجاب أبيه فصفعهم وحلق لحاهم، ومد يده إلى أموال الناس وظلمهم، فطمع الفرنج وقربهم سليمان، فنزلوا زردنا وعمروها لابن صاحبها كليام بن الأبرص.
ثم سار الفرنج إلى باب حلب، فكبسوا في طريقهم حاضر طيء وغيرها، فخرج إليهم الحاجب ناصر والعسكر فكسروهم وقتلوا منهم جماعة.
وخرج بغدوين في جمادى الآخرة، فنازل خناصرة، وأخذها وخربها، وحمل باب حصنها إلى أنطاكية، ونزل برج سينا ففعل به كذلك، وكذلك فعل بغيرهما من حصون النقرة والأحمق، وسبى وأحرق ونهب.
وعاد فنزل صلدع على نهر قويق، وخرج إليه اتزر بن ترك طالباً منه الصلح مع سليمان، فقال: على شرط أن يعطيني سليمان الأثارب حتى أحفظه، وأنا أذب عنه وأقاتل دونه. فقال له: " ما يجوز أن نسلم ثغراً من ثغور حلب في بدو مملكته، بل التمس غير هذا مما يمكن ليوافقك عليه فقال له: الأثارب لا يقدر صاحب حلب على حفظها، فإني قد عمرت عليها الحصون بما دارت، وأنا أعلمكم أنها اليوم تشبه فرساً لفارس قد عطبت يداها، وللفارس هري شعير يعلفها رجاء أن تبرأ ويكسب عليها، فنفد هري الشعير، وعطبت الفرس، وفاته الكسب. ثم رحل نحوها، فحصرها ثلاثة أيام، واتصل به ما أوجب رحيله إلى أنطاكية.
ولما بلغ إيلغازي إصرار ولده على العصيان ضاقت عليه الأرض، وأعمل في الوصول إليه وأخذ حلب منه، فكاتبه أقوام وعرفوه أن ما بحلب من يدفعه عنها، فسار حتى وصل إلى قلعة جعبر فضعفت نفس ابنه سليمان
على العصيان على أبيه،