الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا من أمر الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين لجميع أهل حلب وأعمالها.
إنه لما انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنتم فيه من الظلمة المدلهمة، وقبيح ظفر من يتولى أموركم في المعاملات وزيادتهم عليكم في الخراج والجبايات، إضعافاً لكم، وعدولاً عن سنن الحق بكم، أمر زاد الله أمره علواً ونفاذاً بإطلاق المؤن من دار كوره ونظائرها، والصفح عن الواجب عليكم من مال الخراج لاستقبال سنة سبع وأربعمائة، لتعلموا أن ضياء الدولة النبوية قد لمع وظهر، وأن حندس الظلام قد انجاب ودثر.
وذكر تمامه.
ووصل من قبل الحاكم والي طرابلس مختار الدولة بن نزال الكتامي، ووالي صيدا مرهف الدولة بحكم التركي، وكانوا جميعاً في البلد من قبل الحاكم.
ثم كتب الحاكم إلى حسان بن المفرج بن الجزاح الطائي وعشيرته، وسنان بن عليان الكلبي وعشيرته، بالاحتياط على حفظ حلب، وأتبع ذلك بمكاتبة إلى فتح، يمنيه ويعده الجميل إذا سلم القلعة. فأجاب إلى ذلك تسليمها، وأخذ جميع ما كان بها من الذخائر لمنصور من عين، وورق، ومتاع، وسلاح.
فاتك الحاكمي عزيز الدولة
وكتب بولاية صور، فسلم القلعة إلى الأمير عزيز الدولة أبي شجاع فاتك، في شهر رمضان من سنة سبع وأربعمائة. وكان الحاكم قد خلع عليه في جمادى الأولى من سنة سبع وأربعمائة. وحمله على عدة من الخيل بسروج محلاة بذهب مصفحة، وقلده سيفاً ومنطقه بمنطقه وسيره إلى حلب.
وتوجه فتح إلى صور. وولى الضيف بحلب في سنة سبع
وأربعمائة، حين تولى، القاضي أبا جعفر محمد بن أحمد السمناني الحنفي القضاء بحلب.
وكان عزيز الدولة غلاماً أرمنياً لبنجوتكين مولى العزيز صاحب مصر. وكان
بنجوتكين شديد الشغف به، وكان أديباً عاقلاً، كريماً كبير الهمة. فولاه الحاكم حلب وأعمالها، ولقبه أمير الأمراء، عزيز الدولة، وتاج الملة. ودخل حلب يوم الأحد الثاني من شهر رمضان من سنة سبع وأربعمائة.
وكان محباً للأدب والشعر. وصنف له أبو العلاء بن سليمان رسالة الصاهل والشاحج، وكتاب القائف.
وفيه يقول القائد أبو الخير المفضل بن سعيد العزيزي، شاعره يمدحه، ويذكر وقود قلعة حلب ليلة الميلاد، وكان الغيم قد ستر النجوم:
ابق للمعروف والأدب
…
آمناً من صولة النوب
يا عزيز الدولة الملك ال
…
منتضى للمجد والحسب
كيف يخشى الدين حادثة
…
وعزيز الدين في حلب
سد منه ثغرها بفتى
…
لا يشوب الجد باللعب
أضرم العنقاء قلعته
…
فبدت في منظرعجب
لزت الأرض السماء بها
…
فثنت كشحاًعلى وصب
ورمتها بالشرار كما
…
رمت الغبراء بالشهب
أوقدت تحت الغمام فما
…
يلقها من مزنة يذب
سخنت حوض الحيا فهمى
…
بجحيم عنه منسكب
لو تدوم النار نشفه
…
حر ما يلقى فلم يصب
ليلة غابت كواكبها
…
خجلاً منا فلم تؤب
طلعت شمس النهار بها
…
والدجى مسدولة الحجب
فلو أن النار لاحقة
…
بالنجوم الزهر من كثب
حكت الشماء غانية
…
حليت بالدر والذهب
حاربتها الريح فاضطرمت
…
غضبة من شدة الغضب
جاذبتها في تغيظها
…
شعلاً محمرة العذب
ضوءها عمن ألم على
…
نأي شهر غير محتجب
يا أمير الآمرين ويا
…
مستجار القصد والطلب
قد نفيت الليل عن حطب
…
نفي مظلوم بلا سبب
وتركت الشمس حائرة
…
في دجى الظلماء لم تغب
وعزيز الدولة هذا، هو الذي جدد القصر تحت قلعة حلب، وتناهى في عمارته، وحمام القصر كانت له، وجعله ملاصقاً لسفح القلعة، وقصد بعمارته قربه إلى القلعة، خوفاً ممن جرى لمرتضى الدولة. وكان متصلاً بالقلعة وهو الذي أمر بعمارة القناديل الفضة للمسجد الجامع، وهي باقية إلى الآن واسمه عليها.
وكلف عزيز الدولة أسد الدولة صالح بن مرداس أن يحمل والدته إلى حلب، لتسكن الأنفس ويعلم العوام التئام الكلمة والتضافر على الأعداء، ففعل ذلك في سنة ثمان وأربعمائة.
ثم إن عزيز الدولة تغير عليه الحاكم فعصى عليه، وضرب الدينار والدرهم باسمه بحلب، ودعا لنفسه على المنبر، فأرسل الحاكم إلى الجيوش، وأمرها أن تتجهز إليه في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
فلما بلغ عزيز الدولة ذلك أرسل إلى باسيل ملك الروم يستدعيه ليسلم إليه حلب، فخرج باسيل الملك، فلما بلغ موضعاً يعرف بمرج الديباج، بلغ عزيز الدولة وفاة الحاكم، فأرسل إلى باسيل يعلمه إنه قد انتقض ما كان بينهما من الشرط، وأنه إن ظهر كان هو وبنو كلاب حرباً له.
فعدل باسيل إلى منازكرد فأخذها من الخزر، وكان الناس قد أجفلوا من ملك الروم إلى حلب، فكانت هذه الجفلة تسمى جفلة عزيز الدولة لأنها بسببه.
ولما اطمأن عزيز الدولة بموت الحاكم، ووصلته من الظاهر الخلع من مصر، ودخل غلام له يدعى تيزون، وكان هندياً، وكان يميل إليه، ودخل في أول الليل عليه، وهو نائم في المركز، وفي يده سيف مجرد مستور في كمه ليقتله، فوجد صبياً من رفقته يغمزه فلما رآه الصبي حرك مولاه ليوقظه، فبادر الهندي، وضرب عزيز الدولة فقتله، وثئى بالصبي، وقتل الهندي. وذلك كله لأربع ليال خلت من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.