الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعمره، وحصنه، ووعر طريقه، وعمق خندقه. وجعل الملك العادل، بإزاء الفرنج بالرملة.
وتوفي الملك المظفر تقي الدين، على منازكرد، وهو محاصر لها، بعد أن جرى له مصاف مع بكتمر صاحب خلاط، وكسره تقي الدين.
ودخلت سنة ثمان وثمانين والسلطان بالبيت المقدس، والملك العادل في الرملة، وقد صار بيد الفرنج مما كان بيد المسلمين من الفتوح، ما بين عكا والداروم، ولم يمكنهم مفارقة الساحل، خوفاً من أن يحول المسلمون بينهم وبين مراكبهم، فتنقطع مادتهم.
وعصى فيها الملك المنصور بن تقي الدين على السلطان بميافارقين، وحني، وحران، والرها، وسميساط، والموزر، فسير إليه ابنه الملك الأفضل وأقطعه تلك البلاد الشرقية، فسار إلى حلب ومعه أخوه الملك الظافر، ووصلا إلى حلب. فأرسل السلطان أخاه الملك العادل، جريدة، في عشرين فارساً من مماليكه، وأمره أن يرد الملك الأفضل، ويطيب قلب الملك المنصور، ويعطيه ما يريد، فوصل الملك العادل، واجتمع بالملك المنصور، وقرر أمره.
الصلح مع الفرنج
ثم أن السلطان جرت له أحوال مع الفرنج، ووقعات، ومراسلات، يطول الكتاب بتعدادها، إلى أن انتظم الصلح بينه وبين الفرنج، في حادي وعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين، لمدة ثلاث سنين وخمسة أشهر، على أن سلموا إلى المسلمين عسقلان، وغزة، والداروم. واقتصروا من البلاد الساحلية على ما بين صور، ويافا بعد أن فتح السلطان يافا،، وبقي القلعة.
اتفق ملوك الجزائر من الفرنج على تمليك الساحل رجلاً منهم يعرف
بالكندهري، وزوجوه بنت ملكهم القديم، التي قد استقر عندهم أن يجعلوها على كل من ملكوه.
وسار السلطان من القدس إلى بيروت في شوال، ووصل إلى خدمته صاحب أنطاكية الابرنس وولده قومص طرابلس خلع عليهم، وجدد بينه وبينهما الهدنة والعقد.
وفي سادس عشري ذي القعدة، دخل إلى دمشق، بعد مدة تقارب أربع سنين. وكان الملك الظاهر قد ودعه من القدس، ورحل إلى حلب في شهر رمضان. وأخبرني القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم: أنه ودعه، ثم سير إليه، واستأذنه في مراجعته في أشياء فأدخله عليه وكنت، حاضراً ثم قال للملك الظاهر: أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل خير: وأمرك بما أمرك الله به، فإنه سبب نجاتك. وأحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد لها، فإن الدم لا ينام. وأوصيك بحفظ قلوب الرعية، والنظر في أحوالهم، فأنت أميني وأمين الله عليهم. وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء، وأرباب الدولة والأكابر. فما بلغت ما بلغت إلا بمداراة الناس. ولا تحقد على أحد، فإن الموت لا يبقي على أحد، واحذر ما بينك وبين الناس، فإنه لا يغفر إلا برضاهم، وما بينك وبين الله يغفره بتوبتك إليه، فإنه كريم وفي شهر ذي القعدة، سلم إلى الملك المنصور ما كان لأبيه بالشام، وهو منبج، وحماة، وسلمية، ومعرة النعمان وانقضت سنة ثمان وثمانين.
والهدنة مع الفرنج مستمرة، والملك الناصر بدمشق، والملك الظاهر بحلب، والملك العزيز بمصر، والملك الأفضل، وهو أكبر ولد السلطان، معه بدمشق.
فمرض السلطان، في اليوم الخامس عشر، من صفر، بحمى حادة، واختلط ذهنه في السابع، وحبس كلامه، وانجذبت مادة المرض إلى دماغه. وتوفي رحمه الله في الثالث عشر من مرضه، في وقت الفجر، من يوم الأربعاء، السابع والعشرين من صفر، في سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
ليس في خزانته من المال يوم وفاته سوى دينار واحد صوري، وسبعة وأربعين درهماً نقرة. ودعوته على المنابر من أقصى حضرموت في الجنوب إلى أوائل بلاد أراينه في الشمال عرضاً، ومن طرابلس الغرب إلى باب همذان طولاً. ونقودها من الدراهم والدنانير مضروبة باسمه، وعساكرها مطيعة لأمره، سائرة تحت لوائه. ومن جملة ملكه ديار مصر، والشام جميعه، والجزيرة وديار بكر، واليمن.
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وكان وزيره القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني، صاحب البلاغة في الكتابة.
واستقر ملك ابنه السلطان الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب لحلب، والبيرة، وكفر طاب، وعزاز، وحارم، وشيزر، وبارين، وتل باشر. واستقل بملك حلب، وأنعم على رعيته، واستمال قلوبهم بالإحسان، وعمل بوصية أبيه في الأفعال الحسان. وشارك أهل حلب في سرورهم والحزن، وقلد أعناقهم أطواق الأنعام والمنن، وجالس الكبير منهم والصغير. واستمال الجليل والحقير. وكان رحمه الله مع طلاقة وجهه، من أعظم الملوك هيبة، وأشدهم سطوة، وأسدهم رأياً، وأكثرهم عطاء. وكانت الوفود في كل عام تزدحم ببابه من الشعراء، والقراء، والفقراء، وغيرهم. وكان يوسعهم فضلاً وإنعاماً. ويوليهم مبرة وإكراماً.
ولم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد سيف الدولة بن حمدان ما اجتمع ببابه رحمه الله وزاد على سيف الدولة في الحباء والفضل والعطاء.