الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الخامس والعشرون
دخول عز الدين حلب
وأما علم الدين سليمان بن جندر، وحسام الدين طمان بن غازي، وأهل الحاضر، فإنهم راسلوا عماد الدين صاحب سنجار، وكتموا أمرهم، وشاذبخت هو الوالي بالقلعة، والحافظ لخزانتها، والمدبر للأمور مع النورية، فسير إلى علم الدين سليمان، وحسام الدين طمان، وطلب منهما الموافقة في اليمين لعز الدين، فماطلا، ودافعا. فلما تأخر وصول عماد الدين عليهما، وافقا على اليمين لعز الذين. ولما وصل رسول الأمير إلى عز الدين، سار هو ومجد الدين قايماز إلى الفرات، فنرل على البيرة ووصجل شهاب الدين أخو عماد الدين مختفياً واجتمع بطمان وابن جندر، وأعلمهما أن عماد الدين في بعض الطريق، فأخبروه بأخذ اليمين عليهم، وأن تربصه بالحركة أحوجهم إلى ذلك، فعاد إليه أخوه وعرفه، فعاد إلى بلاده.
وأما عز الدين، فحين وصل إلى البيرة أرسل إلى الأمراء الدين بحلب، واستدعاهم إليه. فخرجوا والتقوه بالبيرة، وساروا معه إلى حلب، ودخلها في العشرين من شعبان. واستقبله مقدموها ورؤساؤها، وصعد إلى القلعة.
وكان تقي الدين عمر، ابن أخي الملك الناصر بمنبج، فعزم على أن يحول بين عز الدين وحلب، حين وصل إلى البيرة لأنه وصل جريدة، وتخلف عنهم الغلمان والحشد، ثم إنه تثاقل هو وأصحابه عن ذلك.
ولما وصل عز الدين إلى حلب، سار تقي الدين من منبج إلى حماة، وثار
أهل حماة، ونادوا بشعار عز الدين فأشار عسكر حلب على عز الدين بقصدها، وقصد دمشق، وأطمعوه فيها وفي غيرها من الشام، وأعلموه محبة أهل الشام لأهل بيته.
وكان الملك الناصر بالديار المصرية، فلم يفعل، وقال: بيننا يمين، ولا نغدر به. ولما بلغ الملك الناصر أخذ عز الدين حلب قال: خرجت حلب عن أيدينا، ولم يبق لنا فيها طمع.
وأقام عز الدين بحلب، فسير إليه أخوه عماد الدين زنكي بن مودود، وقال كيف: تختص أنت ببلاد عمي وابنه وبأمواله، دوني. وهذا أمر لا صبر لي عنه. وطلب منه تسليم حلب إليه، وأن يأخذ منه سنجار عوضاً عنها.
فامتنع عز الدين، ولم يجبه إلى ما أراد، فأرسل إليه وهدده بأن يسلم سنجار إلى الملك الناصر فيضايق الموصل بها. فأشار عليه طائفة من الأمراء بأخذ سنجار منه وإعطائه حلب. وكان أشد الناس في ذلك مجاهد الدين، وهو الذي كان يتولى تدبيره. وكان أمراء حلب لا يلتفتون إلى مجاهد الدين، ولا يسلكون معه ما يسلكه عسكر الموصل، فلذلك ميل عز الدين إلى ذلك.
وشرع عز الدين في الميل إلى الأمراء، الدين حلفوا له أولاً، والإعراض عن الذين مالوا إلى أخيه عماد الدين، وأحسن إلى أهل حلب، وخلع عليهم، وأجراهم على عادتهم في أيام عمه نور الدين، وابنه الملك الصالح، وأبقى قاضيها والدي، وخطيبها عمي، ورئيسها صفي الدين طارق ابن الطريرة لما على ولاياتهم، وولى بقلعة حلب شهاب الدين إسحاق بن أميرك الجاندار، صاحب الرقة. وأبقي شاذبخت في القلعة ناظراً معه، وولى مدينة حلب والديوان مظفر الدين بن زين الدين.
وكان الصلح قد انفسخ، بموت الملك الصالح، بين الفرنج والمسلمين. وكانت شيح الحديد مناصفة بين المسلمين والفرنج، فأضافها عسكر حلب، قبل وصول عز الدين إلى الدربساك واختصوا بها دون الفرنج، وحضر أهلها إلى طمان، فأعطاهم الأمان.
فلما وصل عز الدين، سير العساكر إلى ناحية لاحارم، وحاولوا نهب العمق فانحاز أهله كلهم إلى شيح لعلمهم بأن طماناً أمنهم، فأراد عسكر الموصل أن ينهبوها، فقال لهم: إن شيح لحلب، وإنهم في أماني. فلم يتلفتوا إلى قوله، وسار واليها ليلاً، فسبقهم إلى المخاض، ووقف في وجوههم يردهم، فقتل منهم جماعة. ثم تكاثروا وعبروا، فسبقهم طمان إلى شيح، وأمرهم أن يجعلوا النساء في المغاير ودربها.
فوصل عسكر الموصل، فرأوا ذلك، فعزموا على القتال، فصاح طمان: إذا كنتم تخفرون ذمتي، فأنا أرحل إلى الفرنج. وسار فى أصحابه إلى أن قرب من يغرا فوصله من أخبره بأنهم عادوا عنها، ولم ينالوا منها طائلاً. وخافوا من ملامة عز الدين، فعاد طمان، ونزل كل منهم في خيامه بحارم.
وكاتب المواصلة عز الدين، يطعنون على طمان، وإنه وافق أهل شيح، في العصيان، وأراد اللحاق بالفرنج، فأحضر طمان والمواصلة، وتقابلوا بين يديه. فقال لعز الدين: الحق مع حسام الدين، ولا يجور نقض العهد لواحد من المسلمين. وكان ذلك في شهر رمضان من السنة.
وبقيت المواحشة بين أمراء حلب والمواصلة، والحلبيون لا يرون التغاضي لمجاهد الدين. ومجاهد الدين يحاول أن يكونوا معه كأمراء الموصل. والأمراء الحلبيون يمنون عليه بأنهم اختاروه لهذا الأمر، ويطلبون منه الزيادة، ويختلق المواصلة عليهم الأكاذيب.
فهرب الأمير علم الدين سليمان بن جندر، قاصداً الملك الناصر إلى مصر.
فقالوا لعز الدين: إن طماناً سيهرب بعده، فأمر عز الدين مظفر الدين بن زين الدين، وبني الغراف، والجرايحي وغيرهم أن يميدوا من السعدي إلى المباركة في طريقه، وأن يقف جماعة حول دار طمان وكان يسكن خارج المدينة.
فلما لم يجر من طمان شيء من ذلك، جاؤوا إليه نصف الليل، وطلبوه، فخرج إليهم، فوجد ابن زين الدين وبني الغراف، فسألهم عما يريدون، فقالوا. إنه أنهي إلىعز الدين بأنك تريد الهرب، وقد أمرنا بأن نعوقك فقال: والله ما لهذا صحة، ولو أردت المسير عن حلب لمضيت لا على وجه الخفية، ولا أخاف من أحد.
فجعلوا لهم طريقاً آخر إلى نيل غرضهم، وأصبحوا، وعز الدين منتظر ما يكون، فقالوا له: كان قد عزم على الهرب، فلما علم أن الطريق قد أخذ عليه، وأن الدار قد أحيط بها آخر ذلك إلى وقت ينتهز فيه الفرصة، والمصلحة قبضه قبل هربه. فأمرهم بأن يقبضوه محترماً، ويحضروه إليه.
فجاؤه ليلاً، من أعلى الدار وأسفلها، وأزعجوه، وكان نائماً، فخرج إلى الباب، فوجد مظفر الدين بن زين الدين مع بني الغراف، فقالوا له: إن المولى عز الدين قد أمرنا بالقبض عليك. فقال لهم: السمع والطاعة، فشأنكم وما أمرتم به، فأركبوه، وحملوه، والرجال محيطة به، وفتحوا باليل باب القلعة، واعتقلوه بها غير مضيق عليه.
وأحضره عز الدين، ووانسه، وقال: لم أفعل ما فعلت إلا لشدة رغبتي فيك، وافتقاري إلى مثلك، فعرفه ما ينطوي عليه، وأن ما نقل عنه لم يخطر بباله. فقال: إن وقيعة أعدائك فيك، لم تردك عندي إلا حظوة.
وبقي معتقلاً في القلعة أسبوعاً، ثم خلع عليه، وأطلقه وزاد في أقطاعه الأخترين.
وأقام عز الدين حتى انقضت مدة الشتاء، ثم تزوج أم الملك الصالح، في خامس شوال من السنة، ثم سيرها إلى الموصل، واستولى على جميع الخزائن التي