المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العراق، في جماعة من أصحابه، وجذب سيفه لما قارب باب - زبدة الحلب في تاريخ حلب

[كمال الدين ابن العديم]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأولحلب قبل الإسلام

- ‌اسمها زمن إبراهيم الخليل

- ‌عند اليونانيين

- ‌بناؤها في قديم الزمان

- ‌حكامهامن اليونان

- ‌قنسرين

- ‌من الرومان

- ‌القسم الثانيحلب في صدر الإسلام

- ‌حلب

- ‌خالد بن الوليد

- ‌إمارة خالد

- ‌عمر وخالد بن الوليد

- ‌ولاية حبيب بن مسلمة

- ‌موقعة صفين

- ‌القسم الثالثحلب في العصر الأموي

- ‌خلافة معاوية بن أبي سفيان

- ‌خلافة يزيد بن معاوية

- ‌خلافة مروان بن الحكم

- ‌خلافة عبد الملك في مروان

- ‌خلافة الوليد بن عبد الملك

- ‌خلافة سليمان

- ‌خلافة عمر بن عبد العزيز

- ‌خلافة يزيد بن عبد الملك

- ‌خلافة هشام

- ‌خلافة الوليد بن يزيد

- ‌خلافة يزيد بن الوليد

- ‌خلافة إبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد

- ‌القسم الرابعحلب في العصر العباسي

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة أبي جعفر المنصور

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافه هارون الرشيد

- ‌خلافة الأمين

- ‌خلافة المأمون

- ‌خلافة المعتصم

- ‌خلافة الواثق

- ‌خلافة المتوكل

- ‌خلافة المنتصر

- ‌خلافة المستعين

- ‌خلافة المعتز

- ‌خلافة المعتمد

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي

- ‌خلافة المقتدر

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي

- ‌خلافة المتقي

- ‌خلافة المستكفي

- ‌القسم الخامسحلب والحمدانيون

- ‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

- ‌القسم السادسحلب في أيام سعد الدولة الحمداني 356 - 381 هجرية

- ‌القسم السابعسعيد الدولة الحمداني 381 - 392 هجرية

- ‌موت سعيد الدولة

- ‌القسم الثامنولدا سعيد الدولة علي وشريف

- ‌لؤلؤ الكبير

- ‌منصور بن لؤلؤ

- ‌أبو الهيجاء بن سعد الدولة

- ‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

- ‌القسم التاسعحلب والفاطميون

- ‌فتح القلعي مبارك الدولة

- ‌فاتك الحاكمي عزيز الدولة

- ‌محمد الكتامي صفي الدولة

- ‌ابن ثعبان سند الدولة

- ‌ثعبان سديد الملك

- ‌صالح بن مرداس

- ‌القسم العاشرحلب والمرداسيون

- ‌نهاية صالح بن مرداس

- ‌في الوزير تاذرس

- ‌القسم الحادي عشرثانياً نصر بن صالح بن مرداس

- ‌حرب الأخوين

- ‌نصر والروم

- ‌نهاية نصر بن صالح بن مرداس

- ‌القسم الثاني عشرثمال بن صالح بن مرداس

- ‌نهاية الدزبري

- ‌ثمال حاكماً في حلب

- ‌قدوم رفق الخادم ونهايته

- ‌السيدة والمستنصر

- ‌المرداسيون والروم

- ‌في الوزارة

- ‌خلع الفاطميين

- ‌البساسيري وثمال

- ‌خصائل ثمال

- ‌تسليمه حلب وخروجه إلى مصر

- ‌حكم ابن ملهم

- ‌حلب بين محمود بن نصر وناصر الدولة

- ‌حلب بين عطية بن صالح ومحمود بن نصر

- ‌ثمال في حلب

- ‌وساطة ومصالحة

- ‌حرب الروم

- ‌القسم الثالث عشرعطية بن صالح بن مرداس

- ‌عطية وابن أخيه

- ‌استنجاد المرداسيين بالترك

- ‌حلب من عطية إلى محمود

- ‌القسم الرابع عشرمحمود بن نصر بن صالح

- ‌هزيمة الروم

- ‌بين المرداسيين والروم

- ‌السلطان العادل ومحمود

- ‌وقعة منازكرد

- ‌خبر عطية بن صالح

- ‌الوزير أبو بشر

- ‌ابن منقذ

- ‌خبر الخفاجي

- ‌الشاعر ابن حيوس

- ‌وفاة محمود بن نصر

- ‌القسم الخامس عشرنصر بن محمود بن نصر بن صالح

- ‌مقتل نصر

- ‌القسم السادس عشرسابق بن محمود بن نصر

- ‌هزيمة وثاب

- ‌إعانة ملكشاه لوثاب بن محمود

- ‌قصيدة ابن النحاس

- ‌عودة تاج الدولة

- ‌أعمال تاج الدولة

- ‌شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين

- ‌لقسم السادس عشرحلب ومسلم بن قريش

- ‌مسلم في حلب

- ‌عودة مسلم بن قريش

- ‌من دمشق إلى حران

- ‌سلطان ومسلم بن قريش

- ‌سليمان وأنطاكية

- ‌غارات سليمان ومقتل مسلم

- ‌القسم السابع عشرحلب وملكشاه السلجوقي التركي

- ‌سليمان حولى حلب

- ‌مقتل سليمان بن قطلمش

- ‌تتش في حلب

- ‌ملكشاه في حلب

- ‌آق سنقر وال على حلب

- ‌وفاة السلطان ملكشاه

- ‌انتصار تتش

- ‌السلطان بركيارق في حلب

- ‌موقعة سبعين ومقتل أق سنقر

- ‌القسم الثامن عشرحلب ورضوان بن تتش

- ‌487 - 507 هجرية

- ‌تتش في حلب

- ‌مقتل بوزان ثم تتش

- ‌رضوان في حلب

- ‌دقاق في دمشق

- ‌خلف بن ملاعب

- ‌المؤامرة على جناح الدولة

- ‌من سروج إلى بيت المقدس

- ‌المجن ويوسف بن أبق

- ‌الحرب بين دقاق ورضوان

- ‌الخطبة للفاطميين

- ‌الفرنج في الشام

- ‌الخيانة ودخول أنطاكية

- ‌المجن الفوعي

- ‌صنجيل في عزاز والبارة والمعرة وشيزر

- ‌حلب والفرنج

- ‌تحرك جناح الدولة ومقتله

- ‌الفرنج حول حلب

- ‌انتصارات رضوان وموت دقاق

- ‌نكبة المسلمين

- ‌الباطنية

- ‌الفرنج بين مد وجذر

- ‌الخجندي والباطنية

- ‌نهاية رضوان

- ‌القسم التاسع عشرحلب وابنا رضوان

- ‌ألب أرسلان وسلطان شاهألب أرسلان من أخويه إلى الباطنية

- ‌ألب أرسلان وطغتكين

- ‌رئاسة حلب وأمرها ومقتل ألب أرسلان

- ‌سلطان شاه

- ‌حلب بين لؤلؤ والزلازل

- ‌خسارة المسلمين أمام الفرنج

- ‌نهاية لؤلؤ الخادم

- ‌ياروقتاش أتابك في حلب

- ‌إيلغازي من حلب إلى ماردين

- ‌بلد حلب بين الغلاء والفرنج

- ‌القسم العشرونحلب وإيلغازي

- ‌استدعاء إيلغازي إلى حلب

- ‌وقعة تل عفرين

- ‌فتح الأثارب وزردنا وانتصار دانيث

- ‌غارات بغدوين وجوسلين

- ‌نائب حلب سليمان بن إيلغازي وعصيانه

- ‌مناورات إيلغازي والفرنج

- ‌مرض إيلغازي وموته

- ‌القسم الحادي والعشرونحلب وبقية الأرتقيين

- ‌أولاً سليمان بن عبد الجبار بن أرتق

- ‌ثانيا بلك بن بهرام بن أرتق

- ‌ثالثاً تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق

- ‌اطلاق سراح بغدوين

- ‌أعمال الفرنج حول حلب وحصارها

- ‌رابعاً أق سنقر البرسقي

- ‌مقتل البرسقي

- ‌خامساً عز الدين مسعود ووفاته

- ‌القسم الثاني والعشرونحلب وعماد الدين

- ‌عماد الدين زنكي في حلب

- ‌التوقيع له بجميع البلاد الشامية

- ‌زواج وطلاق

- ‌سيف الدين سوار

- ‌من حماة إلى حمص

- ‌أنطاكية

- ‌خبر دبيس ومقتله

- ‌بين المسلمين والفرنج

- ‌حروب داخلية وخارجية

- ‌مقتل شمس الملوك وتسلم شهاب الدين

- ‌زنكي في حماه وحلب وحمص وبغداد

- ‌توسع عماد الدين وتحرك الروم

- ‌الروم حول حلب وشيزر

- ‌زلازل عام 533 هجرية

- ‌زنكي يفتح بعلبك ويحاصر دمشق

- ‌غارات الفرنج والمسلمين

- ‌فتح الرها وسروج

- ‌نهاية عماد الدين

- ‌القسم الثالث والعشرونحلب ونور الدين زنكي

- ‌نور الدين زنكي في حلب والرها

- ‌نصر المسلمين في العريمة ويغري

- ‌بناء المدارس

- ‌اقتسام مناطق النفوذ

- ‌انتصارات نور الدين وضم دمشق

- ‌الزلازل في بلاد الشام

- ‌مرض وعافية

- ‌تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة

- ‌نور الدين وشيركوه

- ‌من أمهات المعارك

- ‌موقعة البابين

- ‌توسع نور الدين

- ‌قتل شاور وموت أسد الدين

- ‌وزارة صلاح الدين

- ‌من الزلازل إلى وفاة قطب الدين

- ‌انتقال الخطبة من الفاطميين إلى العباسيين

- ‌تراجع صلاح الدين الأيوبي

- ‌التراجع الثاني

- ‌موت والد صلاح الدين ثم موت نور الدين

- ‌القسم الرابع والعشرونالخطبة والحداد

- ‌استقلال سيف الدين غازي ببلاد الجزيرة

- ‌حصار بانياس الداخل

- ‌المراسلات في شأن الملك الصالح

- ‌الفتنة الطائفية

- ‌استدعاء صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق

- ‌مسيره إلى حمص وحماه وحلب

- ‌من بعلبك إلى قرون حماة

- ‌بعد صلح تحرك صاحب الموصل

- ‌صلاح الدين وسيف الدين في تل السلطان

- ‌بزاعا ومنبج وعزاز ومحاولة قتل صلاح الدين

- ‌حصار حلب والصلح

- ‌أخبار الإسماعيلية

- ‌تحرك الفرنج بغياب صلاح الدين

- ‌وفاة إسماعيل بن نور الدين زنكي

- ‌القسم الخامس والعشروندخول عز الدين حلب

- ‌دخول عماد الدين حلب بعد المقايضة

- ‌صلاح الدين الأيوبي في بلاد الشام

- ‌صلاح الدين في أرض الجزيرة

- ‌القسم السادس والعشرونصلاح الدين يحاصر حلب

- ‌التهيئة للتسليم والاستلام

- ‌دخول صلاح الدين قلعة حلب

- ‌حارم وتل خالد وعزاز

- ‌صلاح الدين والفرنج

- ‌حلب وأبو بكر بن أيوب

- ‌خبر شيخ الشيوخ

- ‌غزو الكرك ونابلس وسبسطية وجنين

- ‌نحو حران والموصل وميافارقين

- ‌الشفاء وإعادة التوزيع

- ‌القسم السابع والعشرونغازي في حلب

- ‌العساكر الإسلامية والفرنج

- ‌حطين وأنهزام الفرنج ونهاية أرناط

- ‌فتح طبرية وعكا وبيروت وغيرها

- ‌تسلم القدس من الفرنج

- ‌هونين وطرطوس وجبلة واللاذقية وصهيون

- ‌بكاس والشغر وسرمانية وبرزية

- ‌درب ساك وبغراس وصفد والكرك

- ‌فتح كوكب وشقيف أرنون

- ‌القتال حول عكا

- ‌تحرك الصليبيين الألمان

- ‌الأساطيل البحرية

- ‌عودة الفرنج إلى عكا وهدم عسقلان

- ‌الصلح مع الفرنج

- ‌القسم الثامن والعشرونالتنافر والاتفاق

- ‌التنافر الثاني وخروج الأفضل عن دمشق

- ‌تحرك الظاهر غازي حول حلب

- ‌الخوف من الفرنج

- ‌من نتائج موت العزيز بمصر

- ‌حصار دمشق وفشل الحصار

- ‌الملك العادل في مصر

- ‌الملكان الأفضل والظاهر يحاصران دمشق

- ‌الأفضل والظاهر يختلفان

- ‌من حوادث سنة 600 هجرية

- ‌غارات ابن ليون الأرمني

- ‌الرد على الفرنج وظهور كيخسرو

- ‌العادل في الجزيرة

- ‌زواج الظاهر وعنايته بالعمران

- ‌ولاية العهد وموت الظاهر

- ‌القسم التاسع والعشروناتفاق الأمراء

- ‌تحرك الفرنج وملك الروم

- ‌موت العادل وملك الكامل

- ‌إنجاد دمياط وتحرك ابن المشطوب

- ‌تحرك الأشرف إلى الموصل ومصر

- ‌خبر الملك المعظم

- ‌عودة الأشرف من مصر وعصيان المظفر

- ‌من الحرب إلى الاتفاق فالموت

- ‌القسم الثلاثونالتنازل عن القدس

- ‌الأشرف والكامل يقتسمان

- ‌خبر خلاط وتحرك الفرنج

- ‌ممارسة العزيز صلاحياته

- ‌الحرب ضد كيقباذ

- ‌موت العزيز محمد بن غازي

- ‌خلافة الأخوين

- ‌تحرك الفرنج

- ‌وفاة كيقباذ والأشرف

- ‌الملك الكامل في دمشق ووفاته فيها

- ‌زواج الملك الناصر وفتح معرة النعمان

- ‌ابن العديم رسول السلطان

- ‌قوة الخوارزمية

- ‌الدعوة للسلطان كيخسرو

- ‌دمشق بين الملوك الجواد والصالح والصالح إسماعيل

- ‌تحرك الخوارزمية

- ‌النجدات ضد الخوارزمية

- ‌خسارة الخوارزمية

- ‌موقعة المجدل

- ‌حوادث متفرقة

الفصل: العراق، في جماعة من أصحابه، وجذب سيفه لما قارب باب

العراق، في جماعة من أصحابه، وجذب سيفه لما قارب باب القلعة، وهجمها فلم يمانعه أحد من الأجناد لهيبته، وتبعه أصحابه مجردين سيوفهم، فجلس في المركز وقال: إن من قدم أخي علي فقد أساء لأنني أولى بمداراة الرجال، وهو أولى بمداراة النساء.

ومن ذلك اليوم جعل لأبواب قلعة حلب سلسلة تمنع الراكب الصعود فجاء، ورسم أن لا يدخلها أحد متقلداً سيفاً، ولو أنه أقرب الناس مودة إلى مالكها.

فتفرد نصر بالأمر في القلعة والبلد، وذلك في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وكان وزيره أبا الفرج المؤمل بن يوسف الشماس، الذي ينسب إليه حمام الشماس بحلب، في الجلوم، وكان نصرانياً وكان حسن التدبير، محباً لفعل الخير وكان أخوه ناظراً في البلد البراني، فعمره، وعمر المساجد البرانية.

فجمع أبو علوان ثمال بن صالح الأعراب، وعزم على منازلة أخيه نصر، فسير نصر إلى ملك الروم أرمانوس وكان قد هلك باسيل في سنة

خمس عشرة، وولي أرمانوس يستدعيه إلى حلب فخرج على ما قيل في ستمائة ألف حتى وصل إلى أنطاكية.

فتوسط مقدمو العرب بين نصر وثمال، ووقفوا بينهما على أن يكون لنصر حلب، ولثمال بالس والرحبة، فرجع نصر عما كان راسل به ملك الروم.

‌نصر والروم

وأرسل ابن عمه مقلد بن كامل بن مرداس إلى ملك الروم، يسأله أن لا يقصده، ويحمل إليه من القطيعة ما كان يحمله أولاد سيف الدولة إلى باسيل، فأبى واعتقل مقلد بن كامل عنده، فحين تحقق رجوع نصر عن رأيه الأول جبن وضعف عن منازلة حلب.

وسار من أنطاكية إلى قيبار في بضعة عشر يوماً، وكسرت سرية له عرب حلب، وكانوا قد طاردوا عسكر الروم، فاستظهر الروم عليهم، وكان معه ملك

ص: 136

البلغر، وملك الروس، والأبخاز، والخزر، والأرمن والبجناك، والأفرنج.

ونزل الملك بجيوشه على تبل قريباً من الجبل، في موضع بعيد عن الماء، وضرب على عسكره خندقاً، وكانت أمواله على سبعين جمازة، وكان قدر موضع عسكره لمن يدور حوله مقدار يوم في يوم للمجد الراكب على فرس.

ولقيه في طريقه أبو علوان دفاع بن نبهان الكلابي في خيل قليلة، فنال من سرياه كل ما طلب، وأرسل الملك سرية فيها صناديد عسكره إلى عزاز،

فلقيتها بنو كلاب، فظفروا بها، وقتلوا بطارقها، وأسروا جماعة من أولاد الملوك الذين معهم، وجسرت عليهم بنو كلاب، فحاصروهم في الموضع الذي نزلوا فيه.

ولقد أخبر بعض من شاهدهم أن مقثاوة كانت قريبة من العسكر بمقدار رمية سهم، وأن الروم لم يقطعوا منها قثاءة واحدة، خوفاً من العرب أن تتخطفهم.

ولما كسرت السرية التي أرسلها الملك أجمع رأيه على العود إلى بلاده، واعتذر قائلاً: لولا عطش عسكري لبلغت مرادي.

وهجم نصر والعرب على سوق الملك فنهبوه، وتأخر رحيل ملك الروم من منزلته ثلاثة أيام.

وأقبل شبل الدولة نصر في تسعمائة وثلاثة وعشرين فارساً، وقيل في سبعمائة فارس، فحين أشرف على الروم ظنوا أنها كبسة فانهزموا، ومنح الله أكتافهم يوم الاثنين لسبع ليال خلت من شعبان سنة إحدى وعشرين.

ونزع ارمانوس الملك خفه الأحمر لئلا يعرف، ولبس خفا أسود ولا يلبس الخف الأحمر عندهم إلا الملك وهرب. وأخذ شبل الدولة تاجه وبلاطه ولباده، وهرب في أرمن كانوا معه حموه بالسهام.

ص: 137

وأخذ الروم الطريق إلى الجبل منهزمين وطلعوا فيه، وحصلوا في بلد

قورس، وكان للروم. ولحق بعضهم ولم يبق مع الملك إلا القليل. وقتل المسلمون من بطارقته وغيرهم ما لا يحصى، وأسروا من أولاد الملوك وغيرهم كذلك، واشتغل الناس بالنهب، وأخذوا من الدواب والثياب والديباج والأمتعة وآلات العسكر ما لا يوصف.

وذكر أن طائفة من بني قطن من نمير وردت عند الهزيمة، فأخذت ثقل الملك نحواً من ثلاثمائة بغل محملة، حتى أنهم تقاسموا الدنانير الأرمانوسية بالقصعه، فحصل لكل واحد منهم ثماني عشرة جفنة.

وكان ملك الروم لما رحل طرح النار في المنجنيقات والعرادات والتراس، ونهب الناس منها ما أبقته النار، حتى أن أكثر سقوف بلد حلب جعلت التراس عليها عوض الدفوف.

وقيل: إن الناس بحلب باتوا على السور قبل الوقعة بيوم، وفيهم ابن نمير العابد، فبات يصفي على السور، وسجد في آخر الليل، فنام وهو ساجد، فرأى في منامه علياً عليه السلام راكباً، ولباسه أخضر، وبيده رمح، وهو يقول له:" ارفع رأسك يا شيخ، فقد قضيت حاجتك. فانتبه بقوله فحكى للناس ذلك، فتباشروا به. وحكي عن مرتضى الدولة إنه قال، " استدعاني أرمانوس في آخر تلك

الليلة التي رأى ابن نمير تلك الرؤيا فيها، فقال لي: لكم بحلب راهب. فعلمت أنه يعني أبن نمير، فقلت: نعم، فقال: صفه لي، فوضفته، وحليته، فقال لي: رأيت هذا الرجل بعينه في هذه الساعة، وكأني قد أشرفت على سور هذه المدينة، وهو قائم عليه يومىء إلي بيده ويقول: ارجع، فما تصل إلى هذا البلد. وتكرر ذلك، ولا أرى أنه يتم فيه شيء. فلما كان من غد كسرت السرية التي أرسلها الملك إلى عزاز، ثم كانت الوقعة والهزيمة بعد ذلك.

وقد ذكرنا عن ابن نمير نحواً من هذه الحكاية، عند منازلة ملك الروم حلب.

وحكى بعض الكتاب بحلب: إنه كان في خدمة وثاب بن محمد بن نصر، عند

ص: 138

تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان، وهو في نوبتيه على ظاهر حماة، فخلع على وثاب فرجية وشق، وقال: " هذه مباركة أخذها أبي السلطان ألب أرسلان من ديوخانس ملك الروم لما كسره.

قال: فاستدعى وثاب قحف مينا ظاهراً وباطناً، وقال:" هذا يا مولانا مبارك نشرب به لأن جدي نصراً أخذه من الملك أرمانوس بناحية عزاز ". فقال تاج الدولة: " يا وثاب لم يكن بد من مساواتي في الافتخار. فقال، " لا بل عزفت مولانا كبر بيتي، وإنني له كبعض العبيد الصغار. فقال له بالتركي: بل أنت أخي الكبير. فقام وثاب، وقبل الأرض قدام السرير، فزاد في إقطاعه، وخلع وحمله على مركوبه.

وقيل: إن ثمالاً ونصراً حقد عليهما ملك الروم ما جرى منهما على ميخائيل بناحية قيبار، فخرج بنفسه، فسيرا ابن عمهما مقلد بن كامل يبذلان له الطاعة والخدمة، وكان قد سير إليهما يسومهما تسليم حلب، ويقول إنه يخاف أن تتم عليهما حيلة فتخرج حلب من أيديهما وعرض عليهما عوضاً عنها ما اختاراه، فاعتقلا رسوله انتظاراً لما يرد من جواب رسالتهما.

فبلغه ذلك فاعتقل مقلد بن كامل، وخرج بنفسه، فأخرجا حرمهما من حلب إلى البرية خوفاً منه، حتى كان من أمره ما ذكرناه، وكان ثمال في القلعة يحفظها، ونصر باشر القتال.

فلما عاد ملك الروم سار نصر وثمال لاحضار حرمهما، فسبق نصر إليها، واستولى عليها، وعوض ثمالاً بوساطة من توسط بينهما الرحبة وبالس ومنبج وأعمالها.

وخرج بعد هذه الكسرة قطبان أنطاكية الخادم المعروف بنقيطا وتفسيره بالعربية الدويك في خلق عظيم، فعاث في البلد العربي، وأفسد، وفتح حصن المنيفة، وهجم رفنية، وسبى عشرة آلاف من أهلها، ونقض أبرجة سورها في سنة

ص: 139

إحدى وعشرين، وفتح في سنة اثنتين حصن بني الأحمر، وحصن بني غناج، وغير ذلك من الحصون وخربها.

فراسله شبل الدولة ولاطفه إلى أن صالحه، وجعله سفيراً بينه وبين ملك الروم في طلب الهدنة، فاستقر أن يحمل نصر في كل سنة إلى ملك الروم دراهم خمسمائة ألف درهم، في نجمين من السنة، قيمتها ثمانية ألاف مثقال ذهب.

وأطلق الملك مقلد بن كامل بن مرداس رسول نصر، وأعطاه صليباً من ذهب مرصعاً أماناً لنصر، ووفاء بالشرط.

وسير شبل الدولة نصر شيخ الدولة أبا الحسن بن الأيسر إلى الظاهر بمصر، وحمل إليه هدية من جملة ما غنمه من الروم، من الثياب، والصياغات، والأواني، والألطاف الكثيرة. وقاد في صحبته نحو مائة وخمسين رأساً من الدواب، خيلاً وبغالاً ووقع فعله عندهم أحسن موقع. وقام أبو الحسن الجرجرائي بتمهيد أمره. وأقام ابن الأيسر إلى أن توفي الظاهر، فخلع المستنصر على ابن الأيسر، وسير معه خلعاً لنصر بن صالح، ولفبه مختص الأمراء، خاصة الأمامة، شمس الدولة ومجدها، ذو العزيمتين.

وفي أيام نصر اجتمع بجبل السماق قوم يعرفون بالدرزية منسوبون إلى رجل خياط أعجمي، وجاهروا بمذهبهم، وخربوا ما عندهم من المساجد، ودفعوا نبوة الأنبياء، وجحدوهم إلا الإمام الحاضر الذي يدعو إليه الدرزي،

وأحلوا نكاح المحارم، وتفاقم أمرهم، وتحصنوا في مغاير شاهقة على العاصي، وانضوى إليهم خلق من فلاحي حلب، وطمعوا بالاستيلاء على البلاد.

ص: 140