الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
المظهر الرابع: الاستدراك الفقهي على الاجتهاد في التأويل
(1).
وقد ناقشتُهما أنواعًا في المبحث السابق.
المسألة الثانية: الاستدراك الفقهي على التصديقات، وتطبيقاته
.
والتصديقات جمْع تصديق، والجمع لتعدد الأنواع.
استهدف المستدركون الفقهاءُ جانبَ التصديقات، ويُفهم ذلك من تصرفاتهم في الاستدراك عمومًا، ومن تعدادهم لأعمالهم الاستدراكية الفقهية على العمل المُستدرك عليه خصوصًا، كما سيأتي في التطبيقات.
وتمظهر الاستدراك الفقهي بهذا النوع في مظاهر تحصّل لي منها المظاهر التالية:
المظهر الأول: الاستدراك الفقهي على نسبة الأقوال والآراء والأشخاص، وتطبيقاته
.
والمقصود بهذا المظهر: تلافي خلل في نسبة قول أو رأي أو شخص، بعمل فقهي؛ لإنشاء نفع أو تكميله في نظر المتلافي.
ويشمل التعريف جميع مُتعلّقات نسبة الأقوال والآراء، سواء كانت نسبة إلى فقيه، أو مذهب، أو معتمد فيه، أو راجح فيه، أو مشهور فيه، أو وجه فيه
…
كما يشمل جميع متعلقات نسبة الأشخاص، كنسبتهم إلى مذهب، أو مرتبة علمية.
وقد صرّح مُستدركون فقهاء باستهداف هذا الخلل بالاستدراك.
جاء في (التنقيح في شرح الوسيط): «والمقصود بيان اثني عشر نوعًا
…
الرابع: إطلاقُه (2) قولين مكان وجهين وعكسه، وهذا كثير جدًّا» (3).
(1) سبقت مناقشته في (190).
(2)
أي إطلاق الغزالي ذلك في كتابه الوسيط.
(3)
التنقيح في شرح الوسيط مع الوسيط ومجموعة، (1/ 79).
وجاء في (الإنصاف): «وتارة يحكي (1) الخلاف وجهين، وهما روايتان» (2). وفي موضع آخر قال: «وتارة يقطع بحكم مسألة، وقد يزيد فيها فيقول: «بلا خلاف في المذهب»
…
أو يقول: «وجهًا واحدًا. أو رواية واحدة» وهو كثير في كلامه، ويكون في الغالب فيها خلافٌ» (3).
وفي (تصحيح الفروع): «واعلم أن المصنف أيضًا تارة يطلق الخلاف في موضع، ويقدّم حكمًا في موضع آخر (4) في تلك المسألة بعينها» (5).
بل إن هذا النوع كان دافعًا لتخصيص مؤلفات فيه ككتاب (بيان خطأ من أخطأ على الشافعي)، قال مؤلفه:«وكنت قد نظرت في كتب أهل العلم بالحديث والفقه، وجالست أهلها، وذاكرتهم، وعرفت شيئًا من علومهم، فوجدت في بعض ما نقل من كتبه (6) وحوّل منها إلى غيره خللاً في النقل، وعدولاً عن الصحة بالتحويل، فرددت مبسوط كتبه القديمة والجديدة إلى ترتيب المختصر؛ ليتبين لمن تفكر في مسائله من أهل الفقه ما وقع فيه من التحريف والتبديل، ويظهر لمن نظر في أخباره من أهل العلم بالحديث ما وقع فيه الخلل بالتقصير في النقل» (7).
(1) أي صاحب (المقنع) موفق الدين بن قدامة المقدسي.
(2)
المرداوي، مع المقنع والشرح الكبير، (1/ 8).
(3)
مع المقنع والشرح الكبير، (1/ 11 - 12).
(4)
ووجه الخلل هنا هو التناقض بين إطلاق الخلاف وبين تقديم الحكم؛ إذ إن تقديم الحكم اصطلاح على أنه الراجح في المذهب، وإطلاق الخلاف دليل على الخلاف في الترجيح. [يُنظر: الفروع مع التصحيح والحاشية، ابن مفلح، (1/ 6)].
(5)
مع الفروع والحاشية، المرداوي، (1/ 17). ويُنظر فيه من هذا النوع أيضًا:(1/ 27، 28، 30).
(6)
يعني كتب الشافعي.
(7)
أحمد بن الحسين البيهقي، (95).
وكذلك (كشف الجُلَّة عن الغلط على الأئمة)(1). ورسائل علمية في جامعة الإمام محمد بن سعود في استدراكات شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نسب إلى الإمام أحمد (2).
وقد دعا فقهاء إلى التدقيق في النظر عند النسبة، تدقيقٌ قد ينتج عنه استدراك لبعض ما نُسب، من ذلك ما في (العواصم والقواصم):«وإذا نقلت مذاهبهم فاتق الله في الغلط عليهم، ونسبة ما لم يقولوه إليهم» (3). قال صاحب (المدخل المفصل) بعد إيراد هذا النص: «فاجتهد - رحمك الله - أن تكون في المذهب ممن نقّح، وحقّق، وصحّح، وكشف ما تتابع عليه بعض الأصحاب من غلط، أو تعاقب عليه النساخ من عيوب النظر، وسبق القلم» (4).
وتوالت تحذيرات الفقهاء من نسبة الكلام جُزافًا دون تدقيق، وعابوا ذلك على بعض الكتب.
(1) هي رسالة لـ د. بكر أبو زيد، أشار إليها في رسالته (التعالم) قائلاً:«كما يُزجر عن الفتوى بالشاذّ والترخص، فكذلك عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة؛ لعدم صحة النقل، أو انقلاب الفهم، إذ عند التحقيق ينتقح القول بغلط العزو، فعلىأهل العلم التوقي في حكاية الأقوال، والتحري عن صحة نسبتها وسلامة لفظها من التتصحيف، والتحريف. وقد حصل لي تتبع أشياء في ذلك، جمعتها في رسالة باسم: (كشف الجُلَّة عن الغلط على الأئمة)» . [المجموعة العلمية - التعالم، بكر بن عبد الله أبو زيد، (119)].
(2)
وهي بحوث تكميلية لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن.
بحَث الاستدراكات في باب العبادات إبراهيم بن عبد العزيز بن حمد الغنام، بإشراف د. يوسف الشبيلي، عام 1425 هـ.
وبحثها في كتاب النكاح إلى نهاية كتاب الظهار صالح بن حمود التويجري، بإشراف عبد الرحمن السند، عام 1426 - 1427 هـ.
وبحثها في باب المعاملات صفوان بن سليمان بن عبد الله السويكت، بإشراف د. عبد الرحمن السند، عام 1427 - 1428 هـ.
(3)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم بن الوزير، (1/ 186).
(4)
المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب، بكر بن عبد الله أبو زيد، (1/ 121).
من ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية: «المنحرفون من أتباع الأئمة في الأصول والفروع
…
انحرافهم أنواع» ذكر من هذه الأنواع مما يخص موضوعنا في قوله: «قول قاله الإمام فزيد عليه نوعًا أو قدرًا» وَ «أن يفهم من كلامه ما لم يرده، أو ينقل عنه ما لم يقله» وَ «أن يُجعل كلامه عامًّا أو مطلقًا، وليس كذلك» و «أن يكون عنه في المسألة اختلاف فيتمسكون بالقول المرجوح» و «أن لا يكون قد قال أو نقل عنه ما يزيل شبهتهم، مع كون لفظه محتملاً لها» (1).
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية، (20/ 184 - 185).
(2)
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، (2/ 608).
(3)
(2/ 501).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1): «أكثر ما في الإقناع (2) والمنتهى (3) مخالف لمذهب أحمد ونصه» (4).
بل إن القرافي استدرك على طريقةٍ في نسبة الأقوال والآراء شاعت في الكتب الفقهية بقوله: «وأضيفُ الأقوال إلى قائلها إن أمكن؛ ليعلم الإنسان التفاوت بين القولين بسبب التفاوت بين القائلَين، بخلاف ما يقول كثير من أصحابنا: (في المسألة قولان) من غير تعيين، فلا يدري الإنسان من يجعله بينه وبين الله تعالى من القائلَين، ولعل قائلهما واحد، وقد رجع عن أحدهما، فإهمال ذلك مؤلمٌ في التصانيف» (5).
كما دعا بعض الفقهاء إلى سلوك منهج الاستدراك على نسبة الأقوال والآراء، من ذلك ما جاء عن أبي شامة (6) بعد أن ذكر اختلاف نقل الشافعية لنصوص الشافعي، مع
(1) هو: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان الوهيبي التميمي، من بيت علم كبير، تلقى بداية علمه في العيينة وسافر من نجد إلى مكة للحج وتردد على علماء مكة، ثم توجه إلى المدينة وأخذ فيها عن المحدث محمد حياة سندي وعبد الله بن إبراهيم السديري ثم رحل البصرة ولازم محمد المجموعي، ولي قضاء حريملاء، دعا إلى تصحيح العقيدة وصفاء التوحيد، وتعهد له أمير الدرعية محمد بن سعود بالمنعة والنصر لدعوته، له: كتاب التوحيد، ومختصر السيرة النبوية، ومختصر الإنصاف والشرح الكبير، وغيرها، وتخرج عليه علماء أكابر، توفي سنة 1206 هـ.
[يُنظر: تاريخ نجد، حسين بن غنام، (81). و: علماء نجد خلال ثمانية قرون، (1/ 125).].
(2)
للحجّاوي.
(3)
لابن النجّار الفتوحي.
(4)
مقدمة حاشية ابن قاسم على الزاد، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، (1/ 17).
(5)
الذخيرة، (1/ 38).
(6)
هو: أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، أبو القاسم، شهاب الدين، مؤرخ، محدث، باحث، ولي بها مشيخة دار الحديث الأشرفية، له: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، مختصر تاريخ ابن عساكر، إبراز المعاني في شرح الشاطبية، الباعث على إنكار البدع والحوادث. توفي سنة 665 هـ.
[يُنظر: طبقات الشافعية، (2/ 133). و: الأعلام، (3/ 299)].
وجود كتبه مدوّنةً مرويةً، حيث قال:«أفلا كانوا يرجعون إليها، ويُنقُّون تصانيفهم من كثرة اختلافهم عليها» (1).
وفي هذا السياق اعتبر الفقهاء بعض الناقلين عن الأئمة أوثق من غيرهم، تُستدرَك برواياتهم مرويّات غيرهم، «فإن النقل قد اختلف في بعض المسائل عن أئمة المذاهب؛ كما ترى أبا حنيفة رحمه الله نقل أقواله محمد بن الحسن منها ما أخذه عنه، ومنها ما رواه عن أبي يوسف عنه، وقد نقل عن أبي يوسف غير محمد من الأصحاب كالحسن بن زياد (2)، وعيسى بن أبان (3) وغيرهما، وكتب محمد رواها كذلك عنه أكثر من واحد، وقد تجدهم يختلفون في النقل، وذلك ناشئ إما من خطأ بعض النقلة عليهم، وإما من تردد الإمام نفسه في الرأي، فيروي كل غير ما روى الآخر. وكذلك الشافعي يروي عنه الربيع بن سليمان (4)
(1) خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول، عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة، (116).
(2)
هو: أبو علي، الحسن بن زياد، الأنصاري، مولاهم الكوفي اللؤلؤي، العلامة، فقيه العراق، صاحب أبي حنيفة، نزل بغداد، وصنف، وتصدر للفقه، وكان أحد الأذكياء البارعين في الرأي، ولي القضاء بعد حفص بن غياث، ثم عزل نفسه، له: كتاب «المجرد» ، و «الأمالي» .توفي سنة 204 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (9/ 543). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (60)].
(3)
هو: أبو موسى، عيسى بن أبان بن صدقة، قاضي البصرة، فقيه العراق، تلميذ محمد بن الحسن، وله تصانيف وذكاء مفرط، وفيه سخاء وجود زائد. قال أبو خازم القاضي: ما رأيت لأهل بغداد أكثر حديثا من عيسى وبشر بن الوليد.
توفي بالبصرة، سنة 221 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (10/ 440). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (151)].
(4)
هو: أبو محمد، الربيع بن سليمان بن عبد الجبار، المرادي، مولاهم المصري المؤذن، المحدث الفقيه الكبير، صاحب الشافعي وراوية كتبه والثقة الثبت فيما يرويه حتى لقد تعارض هو وأبو إبراهيم المزني في رواية فقدم الأصحاب روايته، مع علو قدر أبى إبراهيم علما ودينا وجلالة وموافقة ما رواه للقواعد. توفي سنة 270 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (12/ 587). و: طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 131)].
والمزني (1) وحرملة (2) والبويطي (3) وغيرهم، وقد يختلفون في النقل للسببين المتقدمين. وكذلك مالك يروي عنه ابن القاسم وابن وهب (4)
وابن الماجشون (5) وأسد بن
(1) هو: أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو، المزني المصري، تلميذ الشافعي. الإمام، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه، مناظرا محجاجا، قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. من مصنفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور. توفي سنة 264 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (12/ 492). و: طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 93)].
(2)
هو: أبو حفص، حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران، التجيبي، الإمام الفقيه المحدث الصدوق. حدث عن ابن وهب، فأكثر جدا، وعن الشافعي، فلزمه، وتفقه به، توفي سنة 243 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (11/ 389). و: طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 127)].
(3)
هو: أبو يعقوب، يوسف بن يحيى، القرشي البويطي المصري، الفقيه، أحد الأعلام من أصحاب الشافعي لازمه مدة وتخرج به، قال الربيع: وكان له من الشافعي منزلة، وكان الرجل ربما يسأله عن المسألة فيقول سل أبا يعقوب. فإذا أجاب أخبره فيقول: هو كما قال. توفي سنة 231 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (12/ 58). و: طبقات الشافعية، (1/ 70)].
(4)
هو: أبو محمد، عبد الله بن وهب بن مسلم، الفهري، مولاهم المصري، الإمام شيخ الإسلام، الحافظ. طلب العلم وله سبع عشرة سنة، روى عن مالك والليث والثوري وابن عيينة وغيرهم، وقرأ على نافع، كان يكتب إليه مالك: عبد الله بن وهب فقيه مصر، من تآليفه: موطّؤه الكبير، وجامعه الكبير، وكتاب تفسير الموطأ، توفي سنة 197 هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (3/ 228). و: سير أعلام النبلاء، (9/ 223)].
(5)
هو: أبو مروان، عبد الملك بن الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن الماجشون، التيمي، مولاهم المدني، المالكي، العلامة، مفتي المدينة، تلميذ الإمام مالك. والماجشون: المورد، بالفارسية، سمي بذلك لحمرة في وجهه. وقيل إن ماجش موضع بخراسان نسبوا إليه. حدث عن أبيه، وخاله يوسف بن يعقوب الماجشون، ومسلم الزنجي، ومالك، وإبراهيم بن سعد، وطائفة. حدث عنه: محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الملك بن حبيب الفقيه، والزبير بن بكار، ويعقوب الفسوي، وآخرون. توفي سنة 213 هـ.
[ترتيب المدارك، (3/ 136). و: سير أعلام النبلاء، (10/ 359)].
الفرات (1)
وغيرهم، فكان من عمل العلماء بعد تقرر المذاهب أن يبدوا رأيهم في أي الروايتين أرجح؛ فيرجحوا رواية من اطمأنت أنفسهم إليه؛ لازدياد الثقة به، كما رجح الحنفية روايات محمد على غيره من الأصحاب، ورجحوا من كتبه التي رواها عنه الثقات كأبي حفص الكبير (2) والجوزجاني (3)، وسموها ظاهر الرواية، وكذلك رجح الشافعية ما يرويه الربيع بن سليمان، حتى ولو تعارض هو والمزني في رواية قدموا رواية الربيع مع اعترافهم بعلو كعب المزني في الفقه وترجيحه في ذلك على الربيع، وضعفوا مايرويه حرملة إذا تعارض معهما، وكذلك المالكية، رجحوا روايات ابن
(1) هو: أبو عبد الله، أسد بن الفرات، الحراني، ثم المغربي، الإمام العلامة القاضي الأمير، مقدم المجاهدين. غلب عليه علم الرأي، وكتب علم أبي حنيفة، وروى عن مالك الموطأ، وعن يحيى بن أبي زائدة، وأبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن. دخل على ابن وهب، فقال: هذه كتب أبي حنيفة، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك، فأبى، وتورع، فذهب بها إلى ابن القاسم، فأجابه بما حفظ عن مالك، وبما يعلم من قواعد مالك، وتسمى هذه المسائل الأسدية، دخل القيروان مع أبيه في الجهاد، وكان أبوه الفرات بن سنان من أعيان الجند، ولاه زيادة الله الأغلبي - متولي المغرب - أميرا على الغزاة، فافتتح بلدا من جزيرة صقلية، وأدركه أجله هناك سنة 213 هـ
[يُنظر: ترتيب المدارك، (3/ 291). و: سير أعلام النبلاء، (10/ 225)].
(2)
هو: أبو حفص، أحمد بن حفص، البخاري، الحنفي، المعروف بأبي حفص الكبير، الإمام، الفقيه، شيخ ما وراء النهر، فقيه المشرق، ووالد العلامة شيخ الحنفية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حفص الفقيه، ارتحل، وصحب محمد بن الحسن مدة، وبرع في الرأي، وله أصحاب لا يحصون، توفي ببخارى سنة 217 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (10/ 157). و: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، (1/ 166). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (18)].
(3)
هو: أبو سليمان، موسى بن سليمان، الجوزجاني، الحنفي، العلامة الإمام، صاحب أبي يوسف ومحمد، وحدث عنهما، وكان صدوقا محبوبا إلى أهل الحديث، وكتب مسائل الأصول والأمالي، توفي بعد المئتين، وله السير والنوادر وغير ذلك.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (10/ 194). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (216)].
القاسم عن مالك على سائر الرواة عنه، وقد يختلف النقل عن ابن القاسم نفسه فيرجحون بازياد الثقة في الرواة» (1).
وإرشادًا للاهتمام بدور من استدرك على النقل والنسبة يقول صاحب (الفكر السامي) في كلامه عن شرح خليل: «وقد وقع للزرقاني أغلاط في النقل وغيره، فاعتنى المغاربة بتصحيحه، ووضعوا عليه حواشي مستمدة من حواشي الشيخ مصطفى الرُّماصي (2) على التتائي وغيرها» (3).
تطبيقاته:
النموذج الأول:
قال ابن تيمية: «وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى أَنَّهُ إذَا أُوجِبَ النِّكَاحُ لِغَائِبِ وَذَهَبَ إلَيْهِ الرَّسُولُ فَقَبِلَ فِي مَجْلِسِ الْبَلَاغِ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ. فَظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْهُ ثَانٍ: بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَرَاخِي الْقَبُولِ مُطْلَقًا - وَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ - بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا وَطُولِ الْفَصْلِ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي مِثْلِ (الْهِدَايَةِ)(4) وَ (الْمُقْنِعِ)(5) وَ (الْمُحَرَّرِ)(6)
(1) بتصرف يسير من: تاريخ التشريع الإسلامي، محمد الخضري بك، (285).
(2)
هو: أبو الخيرات، مصطفى بن عبد الله بن موسى الرماصي، من بلد قريب من مازونة، الإمام الفقيه المدقق، أخذ عن شيوخ مازونة ومصر منهم الخرشي والزرقاني، له حاشية على شرح الشمس التتائي على المختصر، توفي سنة 1136 هـ.
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 334)].
(3)
…
(4/ 79).
(4)
لأبي الخطاب الكلوذاني.
(5)
لموفق الدين بن قدامة.
(6)
لمجد الدين أبي البركات بن تيمية.
وَغَيْرِهَا: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَذَلِكَ خَطَأٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْجَدُّ (1) - فِيمَا أَظُنُّ - فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ» (2).
تحليل الاستدراك:
فهنا يستدرك ابن تيمية على نسبة خاطئة لرواية إلى أحمد، وهذا الخطأ نشأ من تأويل خاطئ لقول الإمام.
النموذج الثاني:
استدراك ابن غازي (3) وأحمد بابا التنبكتي (4) على ابن عرفة نفي مرتبة الاجتهاد عن ابن القاسم؛ لأنه يرى أنه مزجي البضاعة في الحديث.
(1) هو جدّ شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو: مجد الدين، أبو البركات، عبد السلام ابن تيمية الحراني.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية، (12/ 140).
(3)
هو: أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني المكنانسي، مؤرخ حاسب فقيه من المالكية، أخذ عن جلة منهم النيجي والقوري، ألف في القراءات والحديث والفقه والعربية والفرائض والحساب والعروض، ولي خطابة مكناسة ثم فاس الجديدة، ثم الإمامة والخطابة بجامع القرويين، له: شفاء الغليل، أوضحَ به غوامض مختصر خليل، وإرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب، وتفصيل الدرر في القراءات. توفي سنة 919 هـ.
[يُنظر: نيل الابتهاج بهامش الديباج المذهب، (333). و: الأعلام، (5/ 336)].
(4)
هو: أبو العباس، أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر التكروري التنبكتي السوداني، الصنهاجي، المالكي، العلامة المحقق، مؤرخ، عالم بالحديث والفقه، أخذ العلم عن أبيه وعمه أبي بكر، والشيخ محمد بغيع، ولازمه، وأخذ عنه أئمة منهم الرجراجي ومحمد يعقوب المراكشي، وكذا الشهاب المقري، وعارض في احتلال المراكشيين لبلدته (تنبكت)، وظل معتقلا إلى سنة 1004 هـ، وأطلق فأقام ثم أذن له بالعودة إلى وطنه. وتوفي في تنبكت سنة 1036 هـ.
له تصانيف منها: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، وكفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، وله حواش ومختصرات أكثرها في الفقه والحديث والعربية.
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 298). و: الأعلام، (1/ 102)].
قال ابن غازي: كيف يثبت الاجتهاد لشيوخه كابن عبد السلام (1)،
وينفيه عن ابن القاسم بعبارة فظيعة، مع أنه شيخ هداية المالكية (2).
وقال أحمد بابا: «ولا ريب في إمامة ابن القاسم في الحديث، وناهيك بثناء النسائي (3) عليه فيه» (4).
تحليل الاستدراك:
يستدرك ابن غازي على ابن عرفة الخلل في نسبة مرتبة الاجتهاد إلى من هو دون ابن القاسم في المرتبة العلمية، مع نفيها عنه، ويستدرك التنبكتي على مُعتمد ابن عرفة في هذه النسبة - وهو أنه ضعيف في الحديث - بثناء النسائي على ابن القاسم فيه.
النموذج الثالث:
في (الاتجاهات الفقهية): لما ذكر أن من أبرز ما اتُهم به أبو حنيفة هو أن القياس عنده أجل من الحديث لدرجة تقديمه على الحديث عند التعارض، قال: «ولسنا بصدد تفصيل هذا الاتهام أو تفنيده، فسوف يأتي هذا في موضعه، ولكنا نجمل القول هنا بأن المذهب الحنفي كغيره من المذاهب السنية في اعتبار الحديث والأخذ به، وإذا وجدت
(1) هو: أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الهواري التونسي، قاضي الجماعة بها وعلمائها، أدرك جلة من الشيوخ وأخذ عنهم كالمعمر بن هارون، وابن جماعة، وتخرج عليه جماعة كابن عرفة وابن حيدرة، وابن خلدون، وله شرح على مختصر ابن الحاجب الفرعي، تولى القضاء، وتوفي سنة 749 هـ.
[نيل الابتهاج مع الديباج المذهب، (242). و: شجرة النور الزكية، (1/ 210)].
(2)
يُنظر: نيل الابتهاج مع الديباج المذهب، (352). و: الفكر السامي، (2/ 213).
(3)
أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، صاحب السنن، من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، ونقد الرجال، وحسن التأليف، جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن، أخرج من دمشق لما ذكر فضائل علي رضي الله عنه، توفي سنة 303 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (14/ 125). و: طبقات الشافعية الكبرى، (3/ 14)].
(4)
نيل الابتهاج مع الديباج المذهب، (352).
بعض أحاديث رفضها العراقيون، فإنما ذلك لمأخذ قوي في نظرهم، من تضعيف الحديث أو تأويله، أو ادعاء نسخه، أو غير ذلك، وهم ليسوا بدعًا في ذلك، فعمر بن الخطاب رفض رواية فاطمة بنت قيس في عدم وجوب النفقة والسكنى للمطلقة البائن، كما رفض حديثها هذا أسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم» (1).
تحليل الاستدراك:
فالاستدراك اتجه إلى نسبة غير صحيحة للمذهب الحنفي في موقفه من العمل بالحديث.
النموذج الرابع:
في (التنبيه على مبادئ التوجيه): «وقد قدمنا أيضا أن عورة الأمة كهي من الرجل. وأراد أبو الحسن اللخمي أن يجعل المذهب على قولين: أحدهما: ما قدمناه. والثاني: وجوب ستر سائر الجسد في الصلاة. وعول على ألفاظ وقعت في (المدونة)، منها: «لا تصلي الأمة إلا وعلى جسدها ثوب يستر جميع جسدها» . وهذا يحتمل أن يريد به الكمال لا الإجزاء. ولا شك أن من قال في الرجل يلزمه ستر جميع جسده في الصلاة يكون لزوم ذلك في الأمة أولى وأحرى عنده» (2).
تحليل الاستدراك:
استدرك صاحب (التنبيه) على اللخمي ما نسبه للمذهب المالكي من قول ثانٍ في مسألة عورة الأمة في الصلاة، والخلل في هذه النسبة يُرجعه صاحب (التنبيه) إلى التأويل الخاطئ لبعض ألفاظ (المدونة).
النموذج الخامس:
في (عقد الجواهر الثمينة): «وعزي إلى مالك رضي الله عنه في الرسالة المنسوبة إليه - وتعرف بكتاب السر - أنه حد للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يومًا وليلة. قال علماؤنا: ولا
(1) عبد المجيد محمود، (68 - 69). وتقدم تخريج حديث فاطمة بنت قيس في: هـ (6)، ص (212).
(2)
التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات، ابن بشير، ت/بلحسان، (1/ 482).
تثبت هذه الرسالة. قال القاضي أبو محمد (1): وكان الشيخ أبو بكر (2) في جماعة من الشيوخ ينكرونها، ويقولون: لا تصح عن مالك» (3).
تحليل الاستدراك:
استدرك جماعة من شيوخ المذهب المالكي على نسبة رسالة السر لمالك، مما يُفيد عدم اعتمادها في نسبة الأقوال إلى مالك.
النموذج السادس:
في (شرح التلقين): «وذكر أبو الوليد (4) أن أصحابنا اختلفوا في القصر: هل هو واجب أو مندوب إليه أو مباح؟ وما أضافه إلى المذهب من الإباحة لا يكاد يوجد؛ لاتفاق المذهب على أن القصر مأمور به إما إيجابًا وإما ندبًا» (5).
(1) هو: أبو محمد، عبد الوهاب بن نصر، القاضي، فقيه من مالكية العراق، وكان متأدباً شاعراً، ووليَ القضاء بالدينور وغيرها، وكان تفقهه على كبار أصحاب الأبهري، ودرس الفقه والأصول والكلام على القاضي أبي بكر الباقلاني وصحبه، وخرج في آخر عمره إلى مصر فحصل له حال من الدنيا، من تواليفه: التلقين، والمعونة لدرس مذهب عالم المدينة، والرد على المزني، وعيون المسائل، والتلخيص في أصول الفقه. توفي سنة 422 هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (7/ 220). و: سير أعلام النبلاء، (17/ 429)].
(2)
هو: أبو بكر، محمد بن عبد الله بن صالح، الأبهري، إمام أصحابه في وقته، جمع بين القرآن وعلو الإسناد والفقه الجيد، انتشر عنه مذهب مالك في البلاد، خرج له جملة الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان، والحجاز ومصر، وإفريقية، كأبي جعفر الأبهري، وأبي سعيد القزويني، وأبي القاسم الجلاب، وأبي الحسن بن القصار. له شرح المختصر الصغير، والكبير لابن عبد الحكم، وكتاب فضل المدينة على مكة، والرد على المزني. توفي سنة 375 هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (6/ 183)].
(3)
عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، عبد الله بن نجم بن شاس، (1/ 161).
(4)
هو الباجي.
(5)
المازري، (889).
تحليل الاستدراك:
فيستدرك صاحب (شرح التلقين) على أبي الوليد نسبة القول بإباحة القصر إلى المذهب المالكي.
النموذج السابع:
جاء في (الشرح الصغير): «(و) جاز (حمل غير أربعة) للنعش من الرجال، كأن يحمله اثنان أو ثلاثة» (1).
في (حاشية الصاوي) عليه: «قوله: (وجاز حمل غير أربعة): أي خلافًا لمن قال بندب الأربعة، وهو أشهب وابن حبيب (2)، وفي (الخرشي) أن ابن الحاجب شهَر قول أشهب وابن حبيب باستحباب الأربعة، ومثله في الأجهوري (3).
قال (بن)(4): وهو غلط
(1) مع حاشية الصاوي، (1/ 369).
(2)
هو: أبو مروان، عبد الملك بن حبيب بن سليمان، السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي، فقيه الأندلس، حمل عن: وعدة من أصحاب مالك والليث، ورجع إلى قرطبة بعلم جم، وكان موصوفا بالحذق في الفقه، إلا أنه في باب الرواية ليس بمتقن، استقدمه الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فرتبه في الفتوى بقرطبة، وقرر معه يحيى بن يحيى في النظر والمشاورة، فتوفي يحيى بن يحيى، وانفرد ابن حبيب برئاسة العلم. له: الواضحة، وغريب الحديث، وتفسير الموطأ. توفي سنة 238 هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (4/ 122). و: سير أعلام النبلاء - (12/ 102)].
(3)
هو: أبو الإرشاد، نور الدين، علي بن زين العابدين بن محمد بن زين العابدين، الأجهوري، شيخ المالكية في عصره، المحدث الرحلة، أخذ عن أعلام كالبدر القرافي والبرموني، وأخذ عنه خلق منهم عبد الباقي الزرقاني، له: ثلاثة شروح على مختصر خليل: كبير ووسيط وصغير، وله حاشية على شرح التتائي على الرسالة، وشرح على ألفية العراقي في السيرة، وشرح التهذيب في المنطق، توفي في 1066 هـ.
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 303)].
(4)
يُرمزُ به لمحمد البناني [يُنظر: بلغة السالك لأقرب المسالك، (1/ 3)].
والبناني: هو أبو عبد الله، محمد بن الحسن البناني، الإمام المحقق، أخذ عن أعلام منهم الشيخ أحمد بن مبارك، ومحمد جسوس، ومحمدبن عبد السلام البناني، وعنه الرهوني والطيب بن كيران، منتآليفه حاشية على شرح الزرقاني على المختصر، وحواش على التحفة، توفي سنة 1194 هـ.
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 357)].
منهم؛ فابن الحاجب لم يُشهر إلا ما عند المصنف، ونصه: ولا يستحب حمل أربعة على المشهور. ا. هـ. من حاشية الأصل» (1).
تحليل الاستدراك:
فاستدرك البنّاني نسبة القول باستحباب حمل الأربعة للجنازة إلى المشهور من المذهب المالكي، حيث اعتمد هذا القول على أن ابن الحاجب شهره، فغلّط البناني هذا المعتمد، بأن ابن الحاجب لم يُشهر الاستحباب بل أشهر الجواز.
النموذج الثامن:
قال في (الفكر السامي) عن أبي ثور الكلبي (2): «وقد عدّه السبكي على عادته من المقلدين للشافعي، والذي صرح به غير واحد أنه كان مجتهدًا مستقلاًّ، فنسبته إليه نسبة المتعلم للمعلم، لا المقلد للمقلد، فقد كان له مذهب مدون وأتباع كما في (المدارك). قال في (الديباج): إن أصحابه لم يكثروا، ولا طالت مدتهم، وانقطعوا بعد ثلاثمئة» (3).
تحليل الاستدراك:
استدرك صاحب (الفكر السامي) على نسبة السبكي أبا ثور الكلبي إلى مرتبة التقليد، لأن هذه النسبة مُخالفة لما نقل عنه من وجود مذهب له مدوّن وأتباع، ونسبة غير واحد له إلى مرتبة الاجتهاد المستقل.
(1) بلغة السالك لأقرب المسالك، (1/ 369).
(2)
هو: أبو ثور، إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، ويكنى أيضًا أبا عبد الله، الإمام المجتهد الحافظ، كان يتفقه بالرأي ويذهب إلى قول أهل العراق، حتى قدم الشافعي بغداد فاختلف أبو ثور إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث، الدين وله كتب مصنفة في الأحكام جمع فيها بين الحديث والفقه، توفي سنة 240 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (6/ 65). و: تذكرة الحفاظ، (2/ 512)].
(3)
(3/ 14).
النموذج التاسع:
قال التاج السبكي: «وسماعي من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أن الذي صح عنده عن داود (1)
أنه لا ينكر القياس الجلي، وإن نقل إنكاره عنه ناقلون. قال: وإنما ينكر الخفي فقط (2).
قال: ومنكر القياس مطلقًا جليه وخفيه طائفةٌ من أصحابه زعيمهم ابن حزم (3)» (4).
(1) هو: أبو سليمان، داود بن علي بن خلف، البغدادي الأصبهاني، مولى أمير المؤمنين المهدي، رئيس أهل الظاهر، الحافظ، العلامة. أخذ العلم عن إسحاق وأبى ثور وكان زاهدا متقلّلًا، له في فضائل الشافعي مصنفات، ومن مصنفاته: الإجماع، إبطال القياس، إبطال التقليد، الذب عن السنة والأخبار. توفي سنة 270 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (13/ 97). و: طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 284)
(2)
يشرح مقصودَ السبكي قولُ ابن عبد البر، حيث قال في القياس الذي يقول به داود: «وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا الدَّلِيلَ وَالِاسْتِدْلَالَ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَوْجَبُوا الْحُكْمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ الْعُدُولِ كَقَوْلِ سَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالدَّلِيلُ عِنْدَ دَاوُدَ وَمَنْ اتّبَعَهُ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لَوْ قَالَ قَائِلٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفُسَّاقِ كَانَ مُسْتَدِلًّا مُصِيبًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ،
…
وَمِثْلُ هَذَا النَّحْوِ حَيْثُ كَانَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ وَضَرْبٌ مِنْهُ، عَلَى مَا رَتَّبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْقِيَاسِ وَضُرُوبِهِ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ الْقِيَاسَ مِنَ الْعِلَلِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ هُوَ القِيَاسُ بِعَيْنِهِ وَفَحْوَى خِطَابِهِ». [جامع بيان العلم وفضله، (2/ 887)].
(3)
هو: أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الفارسي، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي، الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير الظاهري، تفقه للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم (الحزمية). من مصنفاته: الفصل في الملل والأهواء والنحل، والمحلى، وإبطال القياس والرأي، وطوق الحمامة، وغيرها، توفي سنة 456 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (18/ 184). و: نفح الطيب، (2/ 77). و: الأعلام، (4/ 254)].
(4)
طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 290).
تحليل الاستدراك:
يستدرك السبكي الوالد على نسبة القول بإنكار القياس مطلقا جليه وخفيه إلى داود، بأن هذه النسبة لم تصح، ومن نقلها فقد نقل غير الصحيح، وأن الذي ينكره من القياس إنما هو القياس الخفي، وأن إنكار القياس مطلقًا منسوب إلى طائفة من أصحابه، وليس إليه.
النموذج العاشر:
جاء في (التعليقات السنية): «علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني (1)،
صاحب (الهداية) ذكره ابن كمال باشا (2) من طبقة أصحاب الترجيح، القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض برأيهم النجيح، وتُعُقِّب بأن شأنه ليس بأهون من
(1) هو: أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، برهان الدين، من أكابر فقهاء الحنفية. كان حافظا مفسرا محققا أديبا، من المجتهدين، من تصانيفه: بداية المبتدي، وشرحه: الهداية في شرح البداية، ومنتقى الفروع، ومختارات النوازل. توفي سنة 593 هـ.
[يُنظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، (2/ 627). و: الأعلام، (4/ 266)].
(2)
هو: أحمد بن سليمان الرومي الشهير بابن كمال باشا، درّس بمدينة أورنه، ثم صار قاضيا بها، ثم جعله السلطان سليم خان قاضيا بالعسكر، ودخل القاهرة ولقيه أكابر العلماء، وناظروه وأعجبهم، ثم صار مفتيا بقسطنطنية، وتوفي وهو مفتٍ بها سنة 940 هـ.
له تصانيف كثيرة منها: متن وشرحه سماهما: الإصلاح والإيضاح، تغيير التنقيح، وهو متن في الأصول، وشرحه، وحواشي تهافت الفلاسفة، وغيرها. وله تصانيف بالفارسية.
[يُنظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (21)].
قاضي خان (1)، وله في نقد الدلائل واستخراج المسائل شأن أي شأن، فهو أحق بالاجتهاد في المذهب، وعده من المجتهدين في المذهب إلى العقل السليم أقرب» (2).
تحليل الاستدراك:
استُدرك على نسبة ابنِ كمال باشا الفرغانيَّ إلى طبقة أصحاب الترجيح، مع نسبته قاضي خان إلى مرتبة الاجتهاد، وحال الفرغاني في تصرفاته في المذهب تقضي له بأنه أحق بمرتبة الاجتهاد من قاضي خان.
النموذج الحادي عشر:
في (شرح العمدة): «وقال حرب (3): سألت أحمد: قلت: فإن رمى الجمرة من فوقها؟ قال: لا. ولكن يرميها من بطن الوادي
…
وذكر القاضي عن حرب عن أحمد: لا يرمي من بطن الوادي، ولا يرمي من فوق الجمرة.
(1) هو: حسن بن منصور بن محمود، فخر الدين، ، الأورزجندي، الفرغاني، قاضيخان، إمام كبير، مجتهد فهامة، له: الفتاوي المشهورة المتداولة، والواقعات، والأمالي، والمحاضر، وشرح الزيادات، وشرح الجامع الصغير، وشرح أدب القضاء، توفي سنة 592 هـ.
[يُنظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، (2/ 93). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (64)].
(2)
التعليقات السنية على الفوائد البهية المطبوع مع الفوائد البهية، كلاهما لأبي الحسنات عبد الحي اللكنوي، (141).
(3)
هو: أَبُو مُحَمَّدٍ، وقيل: أبو عبد الله، حَرْب بن إِسْمَاعِيل بن خلف الحنظلي الكرماني، العَلَاّمَةُ، تِلْمِيْذُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، قَالَ الخَلَاّلُ: كَانَ رَجُلاً جَلِيْلاً، حَثَّنِي المَرُّوْذِيُّ عَلَى الخُرُوْجِ إِلَيْهِ. قال الذهبي:(مَسَائِلُ) حَرْبٍ مِنْ أَنْفَسِ كُتُبِ الحَنَابِلَةِ. توفي سنة 280 هـ.
[يُنظر: طبقات الحنابلة، (1/ 143). و: سير أعلام النبلاء، (13/ 244). و: المقصد الأرشد، (1/ 354)].