الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المدونة) أو غيرها للحديث، فلا دليل فيه على العمل أصلاً، بل هي دعوى، وإلى الله المشتكى» (1).
تحليل الاستدراك:
فصاحب (الفكر السامي) يستدرك على بعض متأخري المالكية طريقةَ استثمارهم لدليل عمل أهل المدينة بحيث صار إلى الدعوى أمام ثبوت الأحاديث بغير ما هم عليه.
المسألة الثانية: الاستدراك التفصيلي على الاجتهاد في الاستدلال، وتطبيقاته
.
والمقصود بهذا النوع: تلافي خلل في كيفية استثمار دليل جزئي، بعمل فقهي؛ لإنشاء نفع أو تكميله في نظر المتلافي.
تطبيقاته:
النموذج الأول:
حكى المازري (2)
أن بعض أهل العلم (3) يرى مشروعية استسقاء المخصبين للمجدبين، مستدلين بأدلة، وهي: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (4)،
(1)(2/ 169).
(2)
هو: أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي، الإمام العلامة المتفنن، كان أحد الأذكياء الموصوفين، والأئمة المتبحرين، وكان بصيرا بعلم الحديث، وله تواليف في الأدب، وأقبل على تعلم الطب حتى فاق فيه، وكان ممن يفتي فيه كما يفتي في الفقه، من تصانيفه: المعلم بفوائد شرح مسلم، وإيضاح المحصول، وله شرح على التلقين لعبد الوهاب، توفي سنة 536 هـ
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (20/ 104). و: الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (279)].
(3)
هكذا حكاه ولم ينسبه.
(4)
المائدة: 2
وحديث: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» (1)، وحديث:«دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة» (2).
قال - مُستدركًا على هذا الاستدلال -: «وفي استسقاء المخصبين للمجدبين عندي نظر، والظواهر التي ذكروها لا تتضمن إقامة صلاة الاستسقاء ليسقى قوم آخرون غير المصلين، وإنما تحمل الظواهر على الدعاء لهم والرغبة إلى الله سبحانه في رفع اللأواء عن سائر المسلمين، ولا شك أن دعاء المخصبين للمجدبين مندوب إليه، وأما إقامة سنة صلاة الاستسقاء في مثل هذا فلم يقم عليه دليل» (3).
تحليل الاستدراك:
فهنا استدرك على استدلالهم بأنه استدلال بالعام، والعام لا إشعار له بأخص معين (4).
النموذج الثاني:
في (إحكام الأحكام): «ولقد أبعد الظاهري إبعادًا يكاد يكون مجزومًا ببطلانه، حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى اغتسل (5) قبل الغروب كفى عنده، تعلقًا بإضافة الغسل إلى اليوم في بعض الروايات، وقد تبين من بعض الأحاديث أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة، ويفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة. وكذلك أقول: لو قدّمه بحيث لا يحصل هذا المقصود لم
(1) رواه مسلم في صحيحه: (1048)، ك السلام، ب استحباب الرقية من العين والنملة والحمّة والنظرة، رقم (61 - 2199، 62 - 2199).
(2)
رواه مسلم في صحيحه: (1254)، ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، رقم (88 - 2733).
(3)
شرح التلقين، (1103).
(4)
يُراجع في تفصيل قاعدة الأعم لا يُشعر بأخص معين: الفروق للقرافي مع تعليق ابن الشاط عليه، (2/ 23).
(5)
هكذا في النسخة التي عندي، ولعل من المناسب إضافة (لو) أو (ولو) أو نحوهما قبل (اغتسل)؛ لتستقيم العبارة.
يعتد به. والمعنى إذا كان معلومًا كالنص قطعًا أو ظنًّا مقاربًا للقطع، فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ» (1).
تحليل الاستدراك:
يستدرك صاحب (الإحكام) على الاستدلال الظاهري الذي غلا في التمسك بظاهر النص دون النظر في علة الأمر بالاغتسال يوم الجمعة، مما أثمر حُكمًا لا يخدم مقصده الأصلي الذي من أجله جاء الأمر وهو النظافة وعدم تأذي الحاضرين بالرائحة الكريهة.
(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، محمد بن علي بن دقيق العيد، (235).