الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة أو القول ولو لم يُكتَبَا، من طريق المجاز الذي ثبت به المعنى لتحرير الكتاب والكتابة (1).
المسألة الثانية: حقيقة التحرير اصطلاحًا
.
لمعرفة حقيقة التحرير في الاصطلاح، يلزم معرفة ما يفعله المحرِّر في تحريره، ومعرفة الأمور التي يُبرّئ كتابه أو كتابته منها.
جاء في (الكليات) أن «تحرير المبحث: تعيينه وتعريفه» (2). وَ «التحرير: بيان المعنى بالكتابة» (3). وهذا التعيين والتعريف والبيان، يكون بإظهار ذلك خالصًا، بدون حشو ولا تطويل (4)، بل بذكر الخلاصة المنافية لهما، كما تقتضي المعاني السابقة أن لا يكون الكلام مختلطًا، بل تتميز فيه المسائل، والأبواب (5).
وعليه فيُمكن استخلاص صفات الكتاب المُحَرَّر أو الكتابة المحررة، وهي:
1 -
قصْر الكلام على المُراد بعبارة موجزة، ويُنافيه الحشو والتطويل.
2 -
الوضوح، ويُنافيه الغموض بإشكال أو بإبهام.
(1) حيث إن إطلاق التحرير بهذه المعاني على الكتاب أو الكتابة نسبته المعاجم إلى المجاز. يُنظر مادة (حرر) في: أساس البلاغة، (1/ 180). و: تاج العروس، (10/ 588).
(2)
(310).
(3)
الكليات، (310).
(4)
والفرق بين الحشو والتطويل أفاده قليوبي في: حاشيته على المنهاج المطبوع مع حاشية عميرة وشرح المنهاج للمحلي، حيث عرف الحشو بأنه:«الزيادة المتميزة لغير فائدة" والتطويل بأنه: "الزيادة غير المتعينة على أصل المراد لا لفائدة» . [(1/ 3)]
وبأخصر منه أفاده عميرة فعرف الحشو بأنها: «الزيادة المستغنى عنها، والتطويل الزيادة على المراد» . [المرجع السابق، (1/ 3 - 4)].
(5)
وهو ما يُستفاد من: التوقيف، (163). و: دستور العلماء، (1/ 278). و: معجم لغة الفقهاء، (122).
3 -
الحُسن والجودة، وهذا يُمكن تصوره في عبارته، وتبويبه، وترتيبه، ويُنافيه خلط المسائل، وتفريق الكلام عنها في مواضع مشتتة.
4 -
الإصلاح أو الصلاح، فهو مُصلحٌ لما سبقه من أعمال، وهذا يُتصوّر عند ارتباط التحرير بعمل سابق. وهو صالحٌ في نفسه - في نظر المُحرِّر - بحسب ما أدى إليه اجتهاده.
وعلى هذه المعاني تدور تحريرات المحرِّرين، وكلام الفقهاء في معنى التحرير، ففي (المحرر) قال الرافعي: «
…
وأستوفقك (1) لما هممتُ به من نظم مختصر في الأحكام، محرر عن الحشو والتطويل، ناصٍّ على ما رجحه المعظم من الوجوه والأقاويل، مفرغ في قالب مهذب الجملة والتفصيل، مخمر التفريع والتأصيل
…
» (2). وفي (محرر ابن تيمية): «
…
هذّبتُه (3) مختصرا، ورتبته محرّرًا، حاويًا لأكثر أصول
(1) بمعنى أطلب منك التوفيق. والكلام تتمة لدعاء قبله.
(2)
بدراسة وتحقيق: الشيخ محمد عبد الرحيم بن الشيخ محمد علي سلطان العلماء، من أول الكتاب إلى آخر المعاملات، إشراف/ أ. د. رمضان حافظ عبد الرحمن، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، قسم الدراسات العليا الشرعية، فرع الفقه والأصول، 1418 هـ - 1998 م، (1/ 3 - 4). (دكتوراة).
(3)
أي الكتاب الذي ألفه.
المسائل، خاليًا من العلل والدلائل، واجتهدتُ في إيجاز لفظه
…
» (1). وفي (تحرير الفتاوي): «
…
فهذا تعليق على (التنبيه)(2) و (المنهاج)(3) و (الحاوي)(4) محكم
…
» (5).
ولم أجد - فيما اطلعتُ عليه - من عرّف التحرير منهجًا في الصنعة الفقهية، إلاّ ما كان من الباحثة د. حنان الحازمي، حيث عرّفت الكتب المشتملة على التحرير والنكت فقالت:«وخلاصة ما يكون من معاني كتب التحرير والنكت هي: الكتب التي اشتملت على المسائل الدقيقة التي استخرجت بإمعان، وكانت المؤثرة في القلب، مع تحرير المسألة عما تلتبس بها» (6).
ويُلاحظ في التعريف:
- استهدافُ تعريف كتب التحرير، وليس منهج التحرير.
(1) المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، (1/ 1). من قسم التحقيق، ويُنظر في تعريف الفقهاء للفظ التحرير: العناية شرح الهداية لمحمد بن محمد بن محمود البابرتي مع فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي لمحمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام وحاشية جلبي، (1/ 8). و: البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني، (1/ 73). و: مغني المحتاج، (1/ 32). و: حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب بتحرير تنقيح اللباب، عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشافعي، (1/ 24). كما فُسر التحرير بالتهذيب، يُنظر: مغني المحتاج، (1/ 32). و: شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، (1/ 11).
(2)
للشيرازي.
(3)
للنووي.
(4)
هو الحاوي الصغير للقزويني.
(5)
قسم التحقيق من: تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي للإمام أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 826 هـ من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الجنائز - دراسة وتحقيق، هدى أبو بكر باجبير، (1).
(6)
قسم الدراسة من: تحرير الفتاوى على التنبيه والمنهاج والحاوي لأحمد بن عبد الرحيم ولي الدين أبي زرعة بن العراقي (763 - 836 هـ) من كتاب البيوع إلى آخر كتاب الغصب - دراسة وتحقيق، (1/ 192).
- جمعُ مُعرَّفين في تعريف واحد، وهما: كتب التحرير، وكتب التنكيت.
ولعل ذلك راجع إلى طبيعة رسالتها حيث إنها تحقق كتابًا في التحرير، وهو يحتوي نكتًا.
تعريف التحرير في اصطلاح الفقهاء:
وقبل اقتراح التعريف الاصطلاحي أحدد مساره ووجهته بأمور:
1 -
يهدف التعريف إلى بيان التحرير منهجًا في الصنعة الفقهية، ولا يدخل فيه اصطلاح الفقهاء في التعبير عن العتق بأنه تحرير رقبة.
2 -
لا يقتصر التعريف على الكتب التي حملت اسم التحرير وما تصرف من مادته، بل يعم تحرير المسائل داخلَ المؤلفات الفقهية، ولو لم تحمل ذلك الاسم.
3 -
لا يقتصر التعريف على التحرير المكتوب، بل يشمل التحرير المقول.
وبعدُ، فأستفيدُ من المعاني اللغوية، والتعريفات الاصطلاحية، وتصرفات الفقهاء في هذا المنهج لأستنبط من ذلك تعريفًا للتحرير عند الفقهاء، فأقول: التحرير في اصطلاح الفقهاء هو:
«عملٌ فقهيٌّ منظَّمٌ، خالٍ من الزيادة على المُراد، واضحُ العبارة، في نظر المُحرِّر»
وأقرر دلالات ألفاظ التعريف بما يلي:
أولاً: لفظ (عمل): يشمل الكتابة، والقول.
ثانيًا: لفظ (فقهي): فصلٌ خرج به غير الفقهي؛ لأن التعريف استهدف التحرير في استعمال الفقهاء دون غيرهم.
ثالثًا: لفظ (منظم): أي مرتّب الكلام والتبويب والتقسيم، وينافيه تشتيت الكلام عن المسألة في مواضع مختلفة، أو تقديم ما حقه التأخير
…
ونحو ذلك.
رابعًا: لفظ (خالٍ من الزيادة على المراد): ينافيه الحشو والتطويل.