الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الزيادات
.
لمناقشة الشبه والاختلاف بين الزيادات والاستدراك الفقهي، يلزم التعرُّض لحقيقة الزيادات في اللغة والاصطلاح، وعليه فيتم البحث هنا في ثلاث مسائل على النحو التالي:
المسألة الأولى: حقيقة الزيادات لغة
.
الزيادات جمع زيادة، والزيادة مصدرٌ من زاد، وتُجمعُ الزيادة على زيادات وزوائد وزَيايِد وزَيائِد (1).
ومادة «(الزاء والياء والدال) أصلٌ واحدٌ يدل على الفَضْل» (2). وعلى هذا المعنى تعريف (التوقيف) للزيادة بأنها: «استحداث أمر لم يكن في موجود الشيء» (3). وما جاء في (بصائر ذوي التمييز): «أن ينضم إلى ما عليه الشيء شيءٌ آخر» (4). وتُطالعُنا المعاجم أن وصفها بالمدح أو بالذم لا يُخرجها من الماهية (5). وتُفيدُنا (الكليات) بأن القياس أن الشيء لا يوصف بالزيادة إلا إذا كان من جنس المزيد عليه، وقد تتحقق الزيادة من غير جنسه استحسانًا (6).
المسألة الثانية: حقيقة الزيادات اصطلاحًا
.
في استعمال لفظ الزيادة في الاصطلاح تُفيدُنا (الكليات) باستعمالين:
- أن الزيادة تُستعمل بمعنى الزائد المُستدرَك، وأنه هو المعنى المشهور.
(1) يُنظر مادة (زيد) في: معجم مقاييس اللغة، (3/ 40). و: القاموس المحيط، (259).
(2)
معجم مقاييس اللغة، (3/ 40)، مادة (زيد).
(3)
(391).
(4)
(3/ 150). ويُنظر: المفردات في غريب القرآن، (216).
(5)
يُنظر: بصائر ذوي التمييز، (3/ 150). فقد فصل في ذلك بدلائل من القرآن في مبحث لطيف.
(6)
(487).
- أن الزيادة تستعمل فيما به الشيء ويكمل به في عين الكمال (1).
ولم أجد فيما توفر بين يدي من مراجع من عرّف الزيادات منهجًا في التأليف في الفقه، ولكن ما تطالعنا به المعاجم وتصرف العلماء في هذا اللفظ يُمكن أن أستفيد منه لأستنبط منه تعريفًا للزيادات، وقبل ذكر التعريف المستنبط أحدد مساره ووجهته بأمور:
1 -
راعيتُ في التعريف معنى الزيادات التي هي من جنس المزيد عليه، لأن هذا المعنى هو المناسب للزيادات في المؤلفات، وهو ما تدل عليه تصرفات الفقهاء وغيرهم في التأليف (2).
(1)(487).
(2)
يُنظر في علم الحديث مثلاً: الزيادات على مسند الإمام أحمد من ابنه عبد الله ومن تلميذه أبي بكر القطيعي. و: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري. و: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، له. و: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي. و: تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد المسمى بالتقصّي لحديث الموطأ وشيوخ مالك، يوسف بن عبد البر النمري، خصص بابًا في آخره لذكر ما يُذكر في الموطأ من رواية يحيى ين يحيى من الحديث، (259) وما بعدها. و: مقدمة تحقيق التمهيد لابن عبد البر، محمد التائب وسعيد أحمد أعراب، (4/ج)
…
وغيرها.
وفي علم العقيدة مثلاً: الزوائد على مسائل الجاهلية، عبد الله بن محمد الدويش.
وفي علم الفقه مثلاً: زيادات الزيادات، محمد الشيباني. و: النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني. و: منتقى الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. و: زيادات النووي في (الروضة) على الرافعي في (شرح الوجيز). و: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي. و: الزوائد على زاد المستقنع، محمد بن عبد الله آل حسين.
واستفدتُ من: ظاهرة الزيادات والاستدراكات في التراث الإسلامي، د. ليث سعود جاسم، من حولية الجامعة الإسلامية العالمية - إسلام أباد - باكستان، ع 4، 1417 هـ - 1996 م. و: تعريف الزوائد في علم الحديث من: علم زوائد الحديث - دراسة ومنهج ومصنفات، عبد السلام محمد علوش. و: المقصد العلي في زوائد يعلى الموصلي تحقيق ودراسة، د. نايف بن هاشم الدعيس، (59) وما بعدها
…
وغيرها
2 -
يهدف التعريف إلى تعريف الزيادات النافعة في نظر المُضيف العالم، ولا يدخل فيه الزيادات التي تكون من النُسَّاخ، أو الزيادات المُفتراة المدسوسة على مؤلف الكتاب في كتابه.
3 -
يهدف التعريف إلى تعريف الزيادات باعتبار الصنعة التأليفية في المؤلفات الفقهية.
وبعدُ، فأستفيد من مجموع ما سبق لأستنبط تعريفًا للزيادات، فأعرفها بأنها:
«مسائلُ فقهيةٌ مُضافةٌ لعملٍ فقهيٍّ سابقٍ، من جنسه؛ ينشأ منها نفعٌ أو يكمُل، في نظر المُضيف» .
وأقرر دلالات ألفاظ التعريف بما يلي:
أولاً: لفظ (مسائل): تعبير عن جنس الزيادات، يُخرج غيرها.
ثانيًا: لفظ (فقهية): قيد للمسائل، فلا تدخل غير الفقهية في الزيادات، كالمسائل النحوية أو التاريخية، فهي وإن كانت زيادة بالنظر إلى المعنى اللغوي، ولكن لم يظهر لي دخولها بالمعنى الاصطلاحي عند التأمل في تصرفات الفقهاء.
ثالثًا: لفظ (مُضافة): صفة للمسائل تقتضيها طبيعة المعنى اللغوي والتصرف الاصطلاحي للزيادات.
رابعًا: لفظ (لعمل فقهي سابق): هذا هو المُضاف إليه الزيادة، وهو يعني أن الزيادات لا تكون مستقلة، بل ترتبط بعمل سابق، إذ لا تكون إلا بذلك تصوُّرًا ووقوعًا.
خامسًا: لفظ (من جنسه): عائد الضمير هو العمل السابق، فالزيادة تكون من جنس ذلك العمل، فالزيادات على مؤلَّف في الفقه الحنفي - مثلاً - تكون بمسائل من الفقه الحنفي، وذكر مسائل من غير الفقه الحنفي ليس بزيادة اصطلاحًا، وإن كانت زيادةً لغةً، وهو ما ظهر لي من التأمل في تصرف الفقهاء في الزيادات.
سادسًا: لفظ (ينشأ منها نفع): هذه صفة للمسائل المُضافة، تُشير إلى الهدف الأول من الزيادات، وهو إنشاء نفعٍ من إضافتها.
وإنشاء النفع قد يكون تلافيًا، كاستدراك ما فات في العمل السابق ومن صوره زيادات محمد بن الحسن (1) على (الجامع الكبير) في (الزيادات) و (زيادات الزيادات)، وزيادات مالك في (موطئه).
وقد لا تكون تلافيًا، كأن تُضاف مسائل هي على غير شرط العمل السابق؛ جمعًا للمسائل في مكان واحد، ومن صوره (النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات)(2).
سابعًا: لفظ (أو يكمل): ضمير الفاعل المستتر عائد على النفع، والمعنى أن يكون في العمل السابق نفعٌ، ولكن يحتاج لإضافة مسائل ليكمل، كزيادة قيد، أو استثناء لم يُذكر في العمل السابق. واللفظ يُشير إلى الهدف الثاني من الزيادات.
ثامنًا: لفظ (في نظر المُضيف): الجار والمجرور متعلقان بـ (ينشأ) وبـ (يكمل)، وهو قيد يُفيد عدم التلازم بين الزيادات النافعة حقيقة في نظر كل ناظر وبين إطلاق الماهية، فيكفي في إطلاق الماهية أن تكون الزيادات نافعة في نظر المُضيف.
(1) هو: أبو عبد الله، محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني، الكوفي، العلامة، فقيه العراق، صاحب أبي حنيفة، أخذ عنه بعض الفقه، وتمم الفقه على القاضي أبي يوسف. وخرج إلى الرقة وهارون أمير المؤمنين بها فولاه قضاء الرقة ثم عزله.
كان الشافعي يقول: ما ناظرت سمينًا أذكى منه، ولو أشاء أن أقول: نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن، لقلتُ؛ لفصاحته. أقام عند مالك ثلاث سنين وكسرًا، وسمع من لفظه سبعمئة حديث. قال إبراهيم الحربي: قلت للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقاق؟ قال: من كتب محمد بن الحسن. ألف الكتب المعروفة بظاهر الرواية: المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير والجامع الكبير والسير الصغير والسير الكبير، وله رواية لموطأ مالك، وله كتاب الآثار. توفي سنة 189 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (2/ 172). و: سير أعلام النبلاء، (9/ 134). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، (163)].
(2)
لأبي زيد القيرواني.