الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي، وتطبيقاته
.
والمقصود بالدرس الفقهي كل ما يتعلق بمنهج دراسة الفقه تعلُّمًا وتعليمًا، مأخذًا وتوصيلاً.
لما كان التفقه في الدين يستلزم سلوك الطريق الصحيح في الدرْس والطلب؛ اعتنى الفقهاء بالاستدراك على المظاهر المُخلة بالاستقامة على هذا الطريق.
ويُمكن تقسيم نواحي الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي إلى ثلاث نواح:
- ناحية المنهجية في التحمّل.
- ناحية المنهجية في الأداء.
- ناحية الأخلاقيات.
وأُناقش كل ناحية منها في فرع:
الفرع الأول: الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي باعتبار منهج التحمل، وتطبيقاته.
والمقصود بمنهج التحمل طريقة تلقّي الفقه.
وقد اعتنى الفقهاء بالاستدراك على الخلل في منهج طالب الفقه لتحمله، ومن مظاهر هذا الاستدراك النماذج التالية:
النموذج الأول: الاستدراك على الاقتصار على مختصر مع شروحه، وإهمال النظر فيما عدا ذلك.
علّق صاحب (الفكر السامي) على قول الشاطبي (1) وابن خلدون (2): إن ابن شاس (3)
وابن بشير (4) وابن الحاجب أفسدوا الفقه، فإذن خليل أجهز عليه. فقال: «لكن
(1) هو: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الشهير بالشاطبي، مالكي، أصولي حافظ، أخذ عن أئمة منهم: أبو القاسم البتي، والشريف التلمساني، والمقري، والزواوي وغيرهم، له: الموافقات في أصول الفقه، والإفادت والإنشادات، والاعتصام، والمقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية، توفي سنة 790 هـ.
[نيل الابتهاج مع الديباج المذهب، (46). و: الأعلام، (1/ 75)].
(2)
هو: أبو زيد، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون، ولي الدين الحضرمي الاشبيلي، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي البحاثة. وولي فيها قضاء المالكية بمصر، أخذ عن أعلام منهم والده والأبلي، والزواوي، وابن عبد السلام، والشريف التلمساني، وغيرهم، وعنه جلة منهم: الدماميني والبسيلي وابن حجر، وغيرهم، اشتهر بكتابه: العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر، أوله: المقدمة، وهي تعد من أصول علم الاجتماع، ترجمت هي وأجزاء منه إلى الفرنسية وغيرها، وله كتاب في الحساب، ورسالة في المنطق. توفي سنة 808 هـ
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 227). و: الأعلام، (3/ 330)].
(3)
هو: أبو محمد عبد الله بن محمد بن شاس، نجم الدين الجلال، الجذامي السعدي، من بيت إمارة وفقه، حدث عنه الحافظ زكي الدين المنذري، ألف الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة على ترتيب الوجيز للغزالي، توفي مجاهدًا في دمياط سنة 610 هـ.
[شجرة النور الزكية، (1/ 165)].
(4)
هو: أبو الطاهر، إبراهيم بن عبد الصمد، التنوخي، الشيخ بن بشير، كان إماماً مفتياً ضابطاً متقناً حافظاً للمذهب إماماً في أصول الفقه والعربية والحديث من العلماء المبرزين في المذهب المترفعين عن درجة التقليد إلى رتبة الاختيار والترجيح، وكان بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة وتعقبه في كثير من المسائل ورد عليه اختياراته الواقعة في كتاب التبصرة وتحامل عليه في كثير منها. له: التنبيه على مبادئ التوجيه، وكتاب الأنوار البديعة إلى أسرار الشريعة، والتذهيب على التهذيب.
قال ابن فرحون: ولم أقف على تاريخ وفاته - غير أنه ذكر في تأليفه المختصر أنه أكمله في سنة ست وعشرين وخمسمائة رحمة الله تعالى عليه.
قلتُ: وتوصل الباحث/د. محمد بلحسان، إلى أنه عاش بعد سنة 536 هـ
[يُنظر: الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (87). و: قسم التحقيق من: التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات، ابن بشير، تحقيق ودراسة محمد بلحسان، (1/ 111)].
في الحقيقة أن الذي أجهز عليه هم الذين جعلوه ديوان دراسة المبتدئين والمتوسطين، وهو لا يصلح إلا للمحصلين، على أن صاحبه قال في أوله:«مُبيّنًا لما به الفتوى» ولم يقل جعلته لتعليم المبتدئين، فلا لوم عليه» (1).
النموذج الثاني: الاستدراك على إهمال الطالب النظرَ والتدبر في نصوص الكتاب والسنة.
قال صاحب (تلبيس إبليس): «كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث، فما زال الأمر يتناقص، حتى قال المتأخرون: يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن، وأن نعتمد الكتب المشهورة في الحديث
…
ثم استهانوا بهذا الأمر أيضًا، وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها، وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا؟ وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم؛ لقلة التفاته إلى معرفة النقل، وإنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة، فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه؟ ! ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح هو أم لا؟ ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتى تعرف (2) ذلك، فصنفت الكتب وتقررت السنن، وعرف الصحيح من السقيم، ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث» (3).
(1)(4/ 79).
(2)
كذا بالتاء
(3)
(115).
وروى ابن عبد البر بسنده إلى يحيى بن سعيد القطان (1) أنه قال: سمعتُ شُعبة (2)
يقول: «إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟ » . قال ابن عبد البر: إنما عابو الإكثار خوفًا من أن يرتفع التدبر والتفهم. (3)
وقال في موضع آخر: «أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عصرنا اليوم دون تفقه فيه ولا تدبر لمعانيه فمكروه عند جماعة من أهل العلم» (4).
النموذج الثالث: الاستدراك على التكثّر بالمسائل.
روى ابن عبد البر بسنده عن عبدة بن أبي لبابة (5) أنه قال: «ودِدْتُ أن أحظى من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم» (6).
(1) هو: أبو سعيد، يحيى بن سعيد بن فروخ، التميمي مولاهم البصري، القطان، الإمام، الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث، عني بشأن الحديث أتم عناية، ورحل فيه، وساد الأقران، وانتهى إليه الحفظ، وتكلم في العلل والرجال، وتخرج به الحفاظ، وكان يقول: لزمت شعبة عشرين سنة. وتوفي بالبصرة 198 هـ في خلافة عبد الله بن هارون.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (7/ 293). و: سير أعلام النبلاء، (9/ 175)].
(2)
هو: أبو بسطام، شعبة بن الحجاج بن الورد، الأزدي العتكي، مولاهم الواسطي، الإمام الحافظ، عالم أهل البصرة وشيخها، سكن البصرة من الصغر، ورأى الحسن، وأخذ عنه مسائل، وكان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث. وقال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق. توفي بالبصرة، 160 هـ.
[الطبقات الكبرى، (7/ 280). و: سير أعلام النبلاء، (7/ 202)].
(3)
جامع بيان العلم وفضله، (1029).
(4)
جامع بيان العلم وفضله، (1020).
(5)
هو: أبو القاسم، عبدة بن أبي لبابة، الأسدي ثم الغاضري، مولاهم الكوفي التاجر، أحد الأئمة، نزل دمشق، ثقة، توفي سنة 127 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (5/ 229). و: تهذيب الكمال، (18/ 541)].
(6)
جامع بيان العلم وفضله، (1059). قال المحقق: إسناده حسن.
النموذج الرابع: الاستدراك على الاقتصار على معرفة الأحكام الفرعية من علوم الشريعة.
في (تلبيس إبليس): «ومن ذلك أن إبليس لبس عليهم بأن الفقه وحده علم الشرع، ليس ثَم غيره، فإن ذكر لهم محدّث قالوا: ذاك لا يفهم شيئًا. وينسون أن الحديث هو الأصل. فإن ذكر لهم كلام يلين به القلب قالوا: هذا كلام الوعاظ» (1).
النموذج الخامس: الاشتغال بالمناظرة عن حفظ علوم الشرع وحفظ المذاهب.
في (تلبيس إبليس): «ومن ذلك أنهم اقتصروا على المناظرة وأعرضوا عن حفظ المذهب وباقي علوم الشرع؛ فترى الفقيه المفتي يسأل عن آية أو حديث فلا يدري، وهذا غبن، فأين الأنفة من التقصير؟ ! » (2).
النموذج السادس: المبالغَة بصرف الوقت الكثير في علوم الآلة على حساب التفقه.
في (تلبيس إبليس): «ومن ذلك أن قومًا استغرقوا أعمارهم في سماع الحديث والرحلة فيه وجمع الطرق الكثيرة، وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة، وهؤلاء على قسمين: قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه، وهم مشكورون على هذا القصد، إلا أن إبليس يلبس عليهم بأن يشغلهم بهذا عما هو فرض عين من معرفة ما يجب عليهم والاجتهاد في أداء اللازم والتفقه في الحديث
…
القسم الثاني قوم أكثروا سماع الحديث، ولم يكن مقصودهم صحيحًا، ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق، وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب، فطافوا البلدان؛ ليقول أحدهم:
(1)(117).
(2)
(116).
لقيت فلانًا، ولي من الأسانيد ما ليس لغيري، وعندي أحاديث ليست عند غيري
…
» ثم قال: «وهذا كله من الإخلاص بمعزل، وإنما مقصودهم الرياسة والمباهاة» (1).
النموذج السابع: الاستدراك على مطالعة كتب ضارة، أو غير نافعة.
في (تلبيس إبليس): «وعن سعيد بن عمرو البرذعي (2) قال: شهدت أبا زرعة (3)
- وسئل عن الحارث المحاسبي (4) وكتبه - فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟ وهؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، يأتوننا
(1)(111 - 113).
(2)
هو: أبو عثمان، سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، الإمام الحافظ الناقد. رحال، جوال، مصنف. وبرذعة بلد من أعمال أذربيجان. توفي سنة 292 هـ.
[يُنظر: تذكرة الحفاظ، (2/ 743). و: سير أعلام النبلاء، (14/ 77)].
(3)
هو: أبو زرعة، عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، القرشي المخزومي الرازي، أحد الأئمة المشهورين، والأعلام المذكورين والجوالين المكثرين، والحفاظ المتقنين، محدث الري، وطلب هذا الشأن وهو حدث، وارتحل إلى الحجاز والشام، ومصر والعراق والجزيرة وخراسان، وكتب ما لا يوصف كثرة، وكان إماما ربانيا متقنا حافظا مكثرا صادقا قدم بغداد غير مرة. توفي سنة 264 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (10/ 326). و: سير أعلام النبلاء، (13/ 65). و: تهذيب الكمال، (19/ 89)].
(4)
هو: أبو عبد الله، ، الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي، شيخ الصوفية، صاحب التصانيف الزهدية، أحد من اجتمع له الزهد والمعرفة بعلم الظاهر والباطن، قال الخطيب: وللحارث كتب كثيرة في الزهد وفي أصول الديانات والرد على المخالفين من المعتزلة والرافضة وغيرهما وكتبه كثيرة الفوائد جمة المنافع. وقال الذهبي: المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام فنقم عليه. توفي سنة 243 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (8/ 211). و: سير أعلام النبلاء، (12/ 110)].
مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي (1) ومرة بحاتم الأصم (2) ومرة بشقيق (3).
ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع» (4).
النموذج الثامن: الاستدراك على دراسة الأقوال واتباعها دون التبصر فيما اعتمدت عليه.
من ذلك قول المزني لبعض مخالفيه في الفقه: من أين قلتم كذا وكذا؟ ولم قلتم كذا وكذا؟ فقال له الرجل: قد علمتَ يا أبا إبراهيم أنّا لسنا لَمِيّة، فقال المزني: إن لم تكونوا لَمِيّة فأنتم إذن في عميَّة (5).
الفرع الثاني: الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي باعتبار منهج الأداء، وتطبيقاته.
والمقصود بمنهج الأداء: الطريقة التي يُوَصّل بها الفقه.
واستدرك الفقهاء على جوانب عدة في منهج أداء الفقه من ذلك ما في النماذج التالية:
(1) لم أعرفه.
(2)
هو: أبو عبد الرحمن، حاتم بن عنوان بن يوسف، البلخي، الأصم، الزاهد القدوة الرباني، له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم، كان يقال له: لقمان هذه الأمة، وقدم حاتم بغداد في أيام أبي عبد الله أحمد بن حنبل واجتمع معه، علّق الذهبي على بعض مواعظه قائلاً: هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم، لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو والجمع. توفي سنة 237 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (8/ 241). و: سير أعلام النبلاء، (11/ 484)].
(3)
هو: أبو علي، شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي، الإمام الزاهد شيخ خراسان، صحب إبراهيم بن أدهم، وهو أستاذ حاتم الأصم، وهو نزر الرواية، وقد جاء عن شقيق مع تألهه وزهده أنه كان من رؤوس الغزاة، وقتل شقيق في غزاة كولان سنة 194 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (9/ 313). و: وفيات الأعيان، (2/ 475)].
(4)
…
(161).
(5)
جامع بيان العلم وفضله، (986).
النموذج الأول: الاستدراك على منهج تدريس المختصرات.
من ذلك أن الأمير أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل (1) كان ينهى عن المختصرات، ويرى الرجوع للكتاب والسنة. قال صاحب (الفكر السامي) معقّبًا:«ولو عملوا برأيه لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال» (2).
ويبدو أن الوجه المُعترض عليه في تدريس المختصرات هو تدريسها للمبتدئين والمتوسطين حيثُ قال صاحب (الفكر السامي) بعد أن بيّن مكانة مختصر خليل وأن تأليفه إنما هو للفتوى وليس للدروس: «وأما المُبتدئون والمتوسطون فما أحوجهم للرسالة القيروانية وأمثالها، وتقدم لنا ما هو أولى من ذلك كله من التمرن على الكتاب والسنة وكتب الإجماع والفقه القديم» (3). وفي موضع آخر: «لكن في الحقيقة أن الذي أجهز عليه (4) هم الذين جعلوه ديوان دراسة للمبتدئين والمتوسطين، وهو لا يصح إلا للمحصلين، على أن صاحبه قال في أوله: «مُبينا لما به الفتوى» (5)، ولم يقل جعلته لتعليم المبتدئين. فلا لوم عليه» (6).
كما أن المُستدرك عليه في هذا الشأن هو الاقتصار عليها أيضًا في التدريس فقال: «وفكرة الاختصار ثم التباري فيه مع جمع الفروع الكثيرة في اللفظ القليل هو
(1) هو الأمير أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي، سلطان المغرب الأقصى، عالم السلاطين، وسلطان العلماء في وقته، جد الدولةالعلوية بعد اندثارها، جال بين القرى والقبائل وأيقن أن الدين كاد يذهب باستيلاءالجهل، فألف تأليفا على نسق رسالة ابن أبي زيد، تسهيلا للعوام، ليصلوا إلى ضروريات الدين، وله بغية ذوي الأبصار والألباب في الدرر المنتخبة من تأليف الإمام الحطاب، وله كتاب في الفقه مبسوط، وكتاب حديثي انتقى فيه من الأحاديث التي أخرجها الأئمة الأربعة في مسانيدهم، فتح ثغرالجديدة وشيد ثغر السويرة، سلفي العقيدة على مذهب الحنابلة، بنى مدرسة باب عجيسة بفاس ومساجد وقناطر، توفي سنة 1204 هـ
[يُنظر: الفكر السامي، (4/ 126)].
(2)
(4/ 127).
(3)
(4/ 224).
(4)
يعني على الفقه؛ لأنه في سياق نفي مقالة أن مختصر خليل أجهز على الفقه.
(5)
مختصر خليل مع مواهب الجليل وَالتاج والإكليل، (1/ 34).
(6)
(4/ 79).
الذي أوجب الهرم وأفسد الفقه بل العلوم كلها
…
إذ صاروا قراء كتب لا محصلي علوم، ثم في الأخير قصروا عن الشرح واقتصروا على التحشية والقشور، ومن اشتغل بالحواشي ما حوى شيء» (1).
النموذج الثاني: الاستدراك على سيئات الجدل والمناظرة.
وله وجوه، منها:
- الاستدراك على استعمال الجدل والمناظرة دون قواعد. يقول ابن خلدون: «وأما الجدل - وهو معرفة آداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم - فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعًا، وكل واحد من المتناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج، ومنه ما يكون صوابًا ومنه ما يكون خطأً، فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آدابًا وأحكامًا يقف المتناظران عند حدودها» (2).
- والاستدراك على تغيِّي غير الحق من الجدل والمناظرة. في (تلبيس إبليس): «ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن جل اعتمادهم على تحصيل علم الجدل، يطلبون - بزعمهم - تصحيح الدليل على الحكم والاستنباط لدقائق الشرع، وعلل المذاهب، ولو صحت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا بجميع المسائل، وإنما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام، فيتقدم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر، فهمّ أحدهم بترتيب المجادلة والتفتيش على المناقضات طلبًا للمفاخرات والمباهاة، وربما لم يعرف الحكم في مسألة صغيرة تعم بها البلوى» (3).
(1)(4/ 2).
(2)
مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، (1/ 578).
(3)
(116).
قال صاحب (الفكر السامي): «إلا أن المتأخرين لم يستعملوا الأصول لما وضع له من الاستنباط مع إيضاح الحق ليعمل به، بل استعملوه آلة جدال وغمت الحق، فتجد الرجل يستدل لنفسه بالعام فإذا ما استدل خصمه رد عليه فقال: إن دلالته ظنية وأنه لا يعمل به قبل البحث عن المخصص، وإن كل عام دخله تخصيص، وتجده يستدل بالخاص فإذا ما استدل به خصمه رد عليه بأنه قضية عين لا عموم لها
…
وهكذا أكثروا من القواعد وعارضوا بعضها ببعض ليتوصل كل واحد إلى أن يتمسك بما هو عليه ولا يحيد عنه، ولم يبق عندهم استدلال إلا الجدال لا لظهور الحق وإبانة باطل، وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم». (1)
- الاستدراك على تضييع الوقت في الجدل العقيم. من ذلك تحذير صاحب (الفكر السامي) الشباب المتفقهين منه، وهو تحذير يستلزم الاستدراك على التمادي في طريق من مضى فيه، فقال:«وليجتنبوا (2) المجادلات الدينية والاختلافات المذهبية، فذلك شيء فرغ منه، فإياهم وإياي من ضياع الوقت النفيس إلا فيما يفيد، فحذار حذار من المجادلات البيزنطية الدينية التي لا تأتي بفائدة» (3).
(1)(2/ 184). ويُنظر منه: (2/ 196)، (3/ 152). و: جامع بيان العلم وفضله، (1137 وما بعدها).
(2)
أي الشبيبة.
(3)
(4/ 212).
النموذج الثالث: الاستدراك على الجمود في أساليب وموضوعات الخطاب الفقهي.
قال صاحب (الفكر السامي) في سياق حديثه عن سالم بو حاجب (1): «وسألني: هل لا زال خطباؤكم على النسق القديم في خطبهم، مقتصرين فيها على من صام رمضان وأتبعه بست من شوال، غير مُبالين بإنذار قومهم بما يتهددهم من البوار، وإرشادهم لما فيه صلاح دنياهم التي بها صلاح دينهم وأخراهم؟ فأجبته: لا زال خطباؤنا على الطراز القديم تمامًا وهم في نومهم كأمتهم، تحسبهم جامدين. فتأسّف كثيرًا وقال لي: لا ينبغي ولا يُحمد من مثلك السكوت، بل يجب عليك إيقاظ قومك» . ثم ذكر له صاحب (الفكر السامي) جهودَه في ذلك (2).
النموذج الرابع: الاستدراك على بعض طرائق تدوين الفقه.
من هذه الاستدراكات:
- الاستدراك على التعقيد اللفظي. قال صاحب (الفكر السامي): «ولنضع أمامك مثالاً تفهم به ما امتحن به طلاب العلم بعد القرون الوسطى. عرّف ابن عرفة الذبائح بكلمات وهي: (الذبائح لقبًا لما يحرم بعض أفراده من الحيوان لعدم ذكاته، أو سلبها عنه ما يباح بها مقدورًا عليه. ا. هـ) وهو تعريف كما ترى أشبه بلغز من مسألة علمية؛ فاحتاج بعض أهل العصر في شرحه إلى كراس كامل، فإذا كان تعريف لفظ واحد من ألفاظ الفقه التي حدث الاصطلاح الشرعي فيها يحتاج شرحه إلى هذا
…
فكيف يمكن أن يمهر الطالب في الفقه، وكيف يمكن أن ترتقي علومنا، وأي حاجة بطلبة العلم إلى هذه التعاريف؟ ! فلقد كان
(1) سالم بو حاجب آل سيدي مهذب التونسي، عالم تونس ومفتيها، وشيخ المالكية فيها، له إلمام باللغة الإيطالية، يرى تعين تعليم علم الأوروبيين، وقدم أولاده لذلك، ترقى لرتبة باش مفتي المالكية، وهي تعني رئيس المجلس الشرعي المالكي، وهي أعلى رتبة ينالها عالم مالكي بتونس، توفي في ذي الحجة سنة 1342 هـ.
[يُنظر: الفكر السامي، (4/ 152) مع هامش (1) في الصفحة بعدها].
(2)
(4/ 153).
مالك وأضرابه علماء وما عرفوا ذبيحة ولا نطيحة
…
؛ ولهذا كانت المجالس الفقهية في الصدر الأول مجالس تهذيب لجميع أنواع الناس
…
فأصبحت اليوم لا ينتابها إلا الطلبة، فإذا جلس عامي حولها لم يستفد منها شيئًا،
…
ولو أنه وجدهم يقرؤون تأليفًا من تآليف الأقدمين فقهيًّا محضًا مبينا فيه الفرع وأصله من الكتاب والسنة لاستفاد وأفاد أهله ومن هو مسؤول عن تعليمهم» (1).
- الاستدراك على التضخيم بكثرة الاختصار، والمسائل النادرة، وإقامة الدليل لما لا تدعو إليه ضرورة، والتكرار. في (الفكر السامي): «ومن الغريب في أحوال القرون الأخيرة أن النحو الذي لا تدعو إليه ضرورة لإقامة أدلة على قواعده افتعلوا له أدلة، فضخموه وصعبوه، والفقه الذي يتأكد معرفة أدلته تركوها وضخموه بكثرة الاختصار وكثرة المسائل النادرة
…
وغير خفي أن الاشتغال في دراستها لمن ليس بحافظ ولا يبقى على باله منها إلا القليل ضياع للعمر، فطلاب الفقه محتاجون إلى كتاب بيّن الصراحة واضح لا يحتاج إلى شرح، جامع للمسائل الكثيرة الوقوع من كل باب دون النادرة أو المستحيلة، فبهذا تكون الدراسة والتعلم، وهذا الذي يفيد المبتدئين بل والمتوسطين» (2).
النموذج الخامس: الاستدراك على تقديم العقل على النقل في الإدلاء بالأدلة.
في (تلبيس إبليس): «ومن ذلك إيثارهم للقياس على الحديث المستدل به في المسألة ليتسع لهم المجال في النظر» (3).
(1)(4/ 217).
(2)
(4/ 223).
(3)
(116).
النموذج السادس: الاستدراك على الاقتصار على مُدارسة الأحكام الفرعية وإهمال ما يرقق القلب.
وكما هو مستدرك في التلقي فهو - أيضًا - مستدرك في الأداء.
في (تلبيس إبليس): «ومن ذلك أنهم جعلوا النظر جل اشتغالهم، ولم يمزجوه بما يرقق القلوب من قراءة القرآن وسماع الحديث، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه» . (1)
النموذج السابع: الاستدراك على التعصب والتشغيب المذهبي.
في (أخبار الفقهاء والمحدثين): «وقد كان للسفهاء والأحداث من أهل القيروان الذين هم أتباع كل مريب وجاهل نزوةٌ في هذا المعنى (2) سنة (315) يمتحنون الناس في تقليد مالك رحمه الله وابن القاسم وسحنون وابنه محمد بن سحنون (3)،
ويكتبون في ذلك الصحائف، ويعقدون فيها أسماء الموافقين لهم في ذلك، فلولا كتاب أبي عبيد الله (4) مغلظًا مؤكدًا إلى أبي إسحاق بن أبي المنهال (5) يعنفه ويتقصره، ويذكر له ما بلغه من رفع الجماعة رؤوسها إلى التناظر والتفاخر والتحزيب والتشتيت - لتفاقمت الأمور، ولكانت بينهم الكوائن الشنيعة. فتحرّك في ذلك إسحاق بن أبي المنهال حركة شديدة،
(1)(116).
(2)
أي التعصب المذهبي والتشغيب.
(3)
هو محمد بن سحنون تفقه بأبيه، وسمع من غيره، ورحل المشرق ولقي أبا مصعب الزهري، وابن كاسب، كان إماما في الفقه عالما بالذب عن مذاهب أهل المدينة عالما بالآثار، صحيح الكتاب، وكان الفقه والمناظرة غالبا عليه، متصرف مبرز في الرد على أهل الأهواء، وخلاف الناس، وكان يناظر أباه، وجلس مجلسه بعد موته، كثير التأليف، منها: المسند في الحديث، والجامع جمع فيه فنون العلم والفقه، وتفسير الموطأ، والرد على البكرية، والسير، توفي سنة 256 هـ.
[يُنظر: الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (234)]
(4)
لم أعرفه.
(5)
لم أعرفه.
وثار على كل طبقة من أهل العلم ثورة، وقى الله عز وجل شرها وانقمع كل سفيه، وانزوى كل مسيطر وعادت الحال إلى الهدوء والسكون» (1).
وقال صاحب (الفكر السامي): «فلتطْرح الأمة عنها التعصب، ولْتكن مذهبًا واحدًا، وهو اعتبار جميع المذاهب، والأخذ من كل مذهب بما يوافق الأدلة، ويناسب روح العصر والوقت والحال والمكان والضرورة» . (2)
النموذج الثامن: الاستدراك على عدم مراعاة حال المُتلقي.
أنكر الحسن على تحديث أنس رضي الله عنه الحجاجَ (3)
بحديث العرنيين (4)؛ ذلك أن الحجاج سأل أنسًا عن أشد عقوبة عاقب بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بعقوبته للعرنيين، فبلغ
(1) محمد بن حارث الخشني، (159).
(2)
(4/ 263).
(3)
هو: أبو محمد، الحجاج بن يوسف بن الحكم، الثقفي عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، فلما توفي عبد الملك وتولى الوليد أبقاه على ما بيده. يصفه الذهبي قائلاً: «كان ظلوما، جبارا، ناصبيا، خبيثا، سفاكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن،
…
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء».
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (4/ 343). و: وفيات الأعيان، (2/ 29)].
(4)
حديث العرنيين جاء في البخاري وغيره، وهو في البخاري بلفظ:«عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا» .
[(8/ 162)، ك الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]، رقم (6802)]
ذلك الحسن البصري، فقال:
…
«وددتُّ أنه لم يُحدثه بهذا» (1).
في (فتح الباري) مُعلّلاً هذا الإنكار: «لِأَنَّهُ (2) اتَّخَذَهَا وَسِيلَة إِلَى مَا كَانَ يَعْتَمِدهُ مِنْ الْمُبَالَغَة فِي سَفْك الدِّمَاء بِتَأْوِيلِهِ الْوَاهِي» (3).
وقد جاء في (تاريخ مدينة دمشق) أسفُ أنس رضي الله عنه على هذا التحديث حيث قال: «حدثت الحجاج بحديث العرنيين، قال: فلما كانت الجمعة قام يخطب قال: تزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم. قال أنس: فوددت أني مت قبل أن أحدثه» (4).
النموذج التاسع: الاستدراك على متابعة الكلام والعجلة فيه عند إلقاء الدرس.
عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو فُلَانٍ؟ ! (5) جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ (6)، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ (7).
(1) الأثر رواه البخاري عن سلام، قال ابن حجر:«هو موصول بالسند المذكور» . [يُنظر: صحيح البخاري، (7/ 123)، ك الطب، ب الدواء بألبان الإبل. رقم (5685). و: فتح الباري، (10/ 141 وما بعدها)].
(2)
أي الحجاج.
(3)
(1/ 225).
(4)
علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، (5/ 193).
(5)
هو أبو هريرة رضي الله عنه كما صرّحت به رواية مسلم. [يُنظر: صحيح مسلم، (1165)، ك فضائل الصحابة، ب فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه، رقم (60 - 2493)].
(6)
«أي أصلي نافلة، أو على ظاهره أي أذكر الله، والأول أوجه» [فتح الباري، (6/ 578)].
(7)
صحيح البخاري، (4/ 190)، ك المناقب، ب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (3568).
(1) هو: أبو بكر، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الشافعية، إمام أهل جرجان والمرجوع إليه فى الفقه والحديث، له تصانيف كثيرة منها: المستخرج على الصحيح، والمعجم، وله مسند كبير. توفي سنة 371 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (16/ 292). و: طبقات الشافعية الكبرى، (3/ 7)].
(2)
هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، مولاهم التركي، التميمي مولاهم المروزي، شيخ الإسلام، أحد الأئمة الأعلام والحفّاظ، صنف التصانيف النافعة الكثيرة، وحديثه حجة بالإجماع، وهو في المسانيد والأصول، جمع الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة، والمحبة عند الفرق، توفي سنة 181 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (8/ 378). و: تهذيب الكمال، (16/ 5)].
(3)
هو: أبو يزيد، يونس بن يزيد بن أبي النجاد، مشكان، الأيلي القرشي، مولى معاوية بن أبي سفيان الأموي، الإمام، الثقة، المحدث، صحب الزهري ثنتي عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة وأكثر عنه، وهو من رفعاء أصحابه، اتلف في وفاته في بضع وخمسين ومئة وستين ومئة.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (6/ 297). و: تهذيب الكمال، (32/ 551)].
(4)
(6/ 578).
النموذج العاشر: الاستدراك على انتقاء المسائل المؤدي للاختلاف.
في (سنن أبي داود): «عن عمرو بن أبي قرة (1)
قال: كان حذيفة (2) بالمدائن (3)، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة، فيأتون سلمان (4)،
فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول. فيرجعون إلى حذيفة، فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدقك ولا كذبك. فأتى حذيفةُ سلمان - وهو في مبقلة (مزرعة البقل) - فقال: يا سلمان! ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب، فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضا لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالاً حبّ رجال، ورجالاً بغضَ رجال، وحتى توقع
(1) هو: عمرو بن أبي قرة، سلمة بن معاوية بن وهب الكندي الكوفي، ثقة، مخضرم من الثانية.
[يُنظر: تهذيب الكمال، (22/ 191). و: تقريب التهذيب، (743)]
(2)
هو: أبو عبد الله، حذيفة بن اليمان، وهو حذيفة بن حسل - ويقال: حسيل - بن جابر بن عمرو، العبسي اليماني، حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أحدا وقتل أبوه بها، وهو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، وكان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر ليتجنبه، شهد الحرب بنهاوند، وأخذ الراية لما قتل أمير الجيش، وكان فتح همذان والري والدينور على يده وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين وتزوج فيها، وكان موته بعد قتل عثمان بأربعين ليلة سنة 36 هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (1/ 572). و: سير أعلام النبلاء، (2/ 361)].
(3)
مدن في العراق، عند مصب الفرات في دجلة، بناها ملوك الأكاسرة الساسانية، فُتحت كلها على يد سعد بن أبي وقاص سنة 16 هـ، في خلافة عمر رضي الله عنه. قال الحموي:«فأما في وقتنا هذا فالمسمى بهذا الاسم بليدة شبيهة بالقرية بينها وبين بغداد ستة فراسخ» . [يُنظر: معجم البلدان، (5/ 74 - 75)].
(4)
هو: أبو عبد الله، سلمان، الفارسي، وسئل عن نسبه فقال: أنا سلمان بن الإسلام، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ببلاد فارس مجوسيا سادن النار. كان لبيبا حازما، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم. وسئل علي عن سلمان فقال: علم العلم الأول، والعلم الآخر، وهو بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت. توفي في آخر خلافة عثمان سنة 35 هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (2/ 487). و: سير أعلام النبلاء، (1/ 505)].
اختلافًا وفرقة؟ ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: «أيّما رجل من أمتي سببته سبة، أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» . والله لتنتهينَّ أو لأكتبنَّ إلى عمر» (1).
الفرع الثالث: الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي باعتبار الأخلاقيات، وتطبيقاته.
استدرك الفقهاء على أخلاق مُخلة بآداب الطلب والتفقه، حيثُ تحيد بصاحبها عن جادة المنهج القويم في الأدب مع العلم والعلماء وطلبة العلم.
إن هذا النوع من الاستدراك جعله صاحب (إحياء علوم الدين) من وظائف المعلّم حيث قال: «الوظيفة الرابعة - وهي من دقائق صناعة التعليم - أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض - ما أمكن - ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ» (2).
واهتم الفقهاء بالتحذير من مظانها، من ذلك الجدل والمناظرات التي تتغيّا غير الحق، قال صاحب (إحياء علوم الدين):«اعلم وتحقَّقْ أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله، المحمودة عند عدو الله إبليس، ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة» (3).
وأعرض هنا نماذج لاستدراكات الفقهاء على أخلاقيات مُخلة بآداب التفقه.
(1)(5/ 209)، ك السنة، ب النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (4659).
قال الألباني: والسياق لأبي داود وهو أتم وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات [سلسلة الأحاديث الصحيحة، (4/ 353)].
(2)
محمد بن محمد بن محمد الغزالي، (1/ 56).
(3)
(1/ 45).
النموذج الأول: الاستدراك على تنقُّص الفقهاء والمتفقهين.
النموذج الثاني: الاستدراك على تقبيح العلوم النافعة.
جاء في (الإحياء) من وظائف المعلّم المُرشد: «
…
أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي أن لا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه، كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير، وأن ذلك نقل محض وسماع، وهو شأن العجائز، ولا نظر للعقل فيه، ومعلم الكلام ينفر عن الفقه، ويقول: ذلك فروع، وهو كلام في حيض النسوان، فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن؟ ! فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب، بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غيره، وإن كان متكفلا بعلوم فينبغي أن يراعى التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة» (4).
(1) أي مقدار أبي حنيفة.
(2)
هو: أبو العباس، محمد بن يعقوب بن يوسف، الأموي مولاهم، السناني المعقلي النيسابوري الأصم، الإمام المحدث مسند العصر، ولد المحدث الحافظ أبي الفضل الوراق. سمع الحديث الكثير، وسمع من الربيع كتب الشافعي المبسوط وغيره. توفي سنة 346 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (15/ 452). و: طبقات الشافعية، (1/ 133)].
(3)
جامع المسانيد، أبو المؤيد الخوارزمي، (1/ 4).
(4)
(1/ 57).