الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- تصحيح جزئي.
فالتصحيح الكلي يكون في قضية ليس في جزء منها جزءٌ صحيح، فيَنقض المستدرِك ذلك، ويتلافاه ببديل صحيح في نظره، كما هو الحال في الأقوال المردودة.
أما التصحيح الجزئي فيكون في قضية وقع الخطأ في جزء من أجزائها، كما في تقييد المُطلَقات، وإطلاق المُقيّدات.
وبضميمة اعتبار هذين الجنسين - اللذين يؤيدهما التقسيم العقلي المنطقي - مع تأمل جملة من استدراكات الفقهاء في هذا الغرض تحصّل لي بروز هذا الغرض في مظاهر أعرضها في المطالب التالية:
المطلب الأول: المظهر الأول: رد قضية وبيان الصحيح فيها فقهيًّا، وتطبيقاته
.
وهذا المظهر من قبيل التصحيح الكلي.
والقضية المُستدرَك عليها تشمل ما إذا كانت فتوى أو دعوى دليل أو حُكم سلطان أو تأصيلاً أو تقعيدًا أو مظهرًا اجتماعيًّا، أو متّصلاً بالأخلاق العامة أو الخاصة بالطلب
…
إلى غيره مما سبق مُفصّلاً في مبحث الأنواع.
جاء في (تصحيح التنبيه): «فإن فيه (1)
…
مسائل جزم بها، أو صحّح فيها خلاف الصحيح عند الأصحاب والمحققين والأكثرين منهم، ومواضع يسيرة جدًّا هي غلط ليس فيها خلاف» (2).
ويُستحضر هنا أنّ المُخطِّئَ قد يُخطّأ، فتكون الصورة من قبيل الاستدراك على المُستدرك، وهذا موجود في الاستدراكات الفقهية؛ لأن الاستدراك الفقهي تلافٍ
(1) أي في التنبيه للشيرازي.
(2)
مع تذكرة النبيه، النووي، (1/ 61 - 62).
في نظر المُتلافي، مُقتضاه أنه قد لا يكون تلافيًا في نظر غير المتلافي، أو في نظر المتلافي في غير وقت استدراكه.
من هذا ما في مقدمة (التنقيح في شرح الوسيط) عند تعداد عمله في الكتاب قال: «بيان ما غلّطه (1) فيه كثيرون، وليس هو غلطًا، بل له وجهٌ خفيَ على من غلّطه، وهذا كثيرٌ جدًّا في الأحكام واللغات» (2).
تطبيقاته:
النموذج الأول:
وهنا يظهر سبب الخطأ من علي رضي الله عنه وهو عدم علمه بدليل المسألة الذي عند ابن عباس رضي الله عنهما.
النموذج الثاني:
«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ
…
سَمُرَةَ (5)
بَاعَ خَمْرًا. فَقَالَ: قَاتَلَ الله سَمُرَةَ! أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1) ضمير الغيبة للغزالي في الوسيط.
(2)
(1/ 79).
(3)
هو: أبو عبد الله، القرشي، مولاهم، المدني، البربري الأصل، العلامة، الحافظ، المفسر، مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، توفي ابن عباس عنه وهو رقيق، وباعه علي بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار؟ ! فاستقاله، فأقاله وأعتقه. توفي سنة 105 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (5/ 287). و: سير أعلام النبلاء، (5/ 12)].
(4)
صحيح البخاري، (4/ 61)، ك الجهاد والسير، ب لا يعذب بعذاب الله، رقم (3017).
(5)
هو: أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله وأبو سليمان، سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة، قدمت به أمه المدينة بعد موت أبيه، فتزوجها رجل من الأنصار وكان في حجره إلى أن صار غلامًا، وكان له حلف في الأنصار، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غير غزوة، نزل البصرة، وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدًا على الخوارج، قتل منهم جماعة، توفي سنة 58 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (6/ 34). و: أسد الغابة، (2/ 527). و: سير أعلام النبلاء، (3/ 183)].
«لَعَنَ الله الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ
…
الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»؟ ! » (1).
ويظهر هنا سبب الخطأ من سمرة رضي الله عنه هو عدم العلم ببعض نصوص المسألة.
النموذج الثالث:
ويظهر هنا سبب الخطأ من ابن عباس رضي الله عنهما وهو عدم العلم بناسخ المُدرَك الذي اعتمد عليه في الاستنباط.
النموذج الرابع:
في (المجموع): «فرع: نقل أصحابنا عن داود بن علي الظاهري الأصبهاني رحمه الله مذهبا عجيبا فقالوا: انفرد داود بأن قال: لو بال رجل في ماء راكد لم يجز أن يتوضأ هو منه لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ
(1) أخرجه البخاري، (4/ 170)، ك الأنبياء، ب مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رقم (3460). وأخرجه مسلم، (742)، ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، رقم (72 - 1582)، واللفظ له.
(2)
(4/ 415).
(3)
صحيح مسلم، (635)، ك النكاح، ب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رقم (31 - 1407).
منه» (1). وهو حديث صحيح سبق بيانه. قال: ويجوز لغيره لأنه ليس بنجس عنده، ولو بال في إناء ثم صبه في ماء أو بال في شط نهر ثم جرى البول إلى النهر قال: يجوز أن يتوضأ هو منه لأنه ما بال فيه بل في غيره، قال: ولو تغوط في ماء جاز أن يتوضأ منه لأنه تغوط ولم يبل، وهذا مذهب عجيب، وفي غاية الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه، إن صح عنه رحمه الله» (2).
وهذا من قبيل التطرف في تطبيق المنهج - وهو هنا التمسك بظاهر النص - دون مراعاة الجزئيات وباقي النصوص، والمقاصد.
النموذج الخامس:
في (صحيح مسلم): «عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى (3) عَنْ أَبِيهِ (4)
أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ (5): أَمَا
(1) هذا لفظ الترمذي في: جامعه، (1/ 110)، أبواب الطهارة، ب كراهية البول في الماء الراكد، رقم (68).
(2)
(1/ 42).
(3)
هو: سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي، يروي عن أبيه، وهو مقل، من علماء الكوفة، ثقة من الثالثة.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (4/ 481). و: تهذيب الكمال، (10/ 524). و: تقريب التهذيب، (382)].
(4)
هو: عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث، صحابي صغير، له رواية، وفقه، وعلم سكن الكوفة واستعمل عليها، وهو الذي استخلفه نافع بن عبد الحارث على أهل مكة حين لقي عمر بن الخطاب بعسفان، وقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض. وولي خراسان لعلي. قال الذهبي: عاش إلى سنة نيف وسبعين فيما يظهر لي.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (3/ 201). و: تهذيب الكمال، (16/ 501). و: تقريب التهذيب، (569)].
(5)
هو: أبو اليقظان، عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، العنسي المكي مولى بني مخزوم، أحد الأعيان البدريين، وهو وأبوه وأمه من السابقين، وأمه: هي سمية مولاة بني مخزوم، من كبار الصحابيات أيضا، وهي أول من استشهد في الإسلام، وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين. وهو ممن عذب في الله. وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان، قُتل يوم صفين على يد الفئة الباغية سنة 37 هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (4/ 139). و: سير أعلام النبلاء، (1/ 406)].
تَذْكُرُ - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا، فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ» . فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ. قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ» (1). وفي رواية أن عمر قال له: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ (2).
ويظهر هنا سبب الخطأ من عمر رضي الله عنه وهو النسيان.
النموذج السادس:
في (البيان والتحصيل) في مسألة من قال لامرأته: لأنت أحرم عليّ من أمي. قال: «وحكى اللخمي أن لسحنون في (العتبية) أنه ينوّا في أنه أراد بذلك الظهار، وليس ذلك بموجود له عندنا في (العتبية) فأراه غلطًا، والله أعلم» (3).
وسبب الخطأ من اللخمي هو الوهم في نسبة القول.
النموذج السابع:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما عقد صُلح الحديبية: «أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُطَّوِّفٌ بِهِ» . فأتى أبا بكر رضي الله عنه، فسأله بمثل ما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأجابه أبو بكر رضي الله عنه بمثل ما أجابه به النبي صلى الله عليه وسلم (4).
(1)(173)، ك الحيض، ب التيمم، رقم (112 - 368).
(2)
السابق، (174)، نفس الكتاب والباب والرقم.
(3)
ابن رشد الجد، كتاب التخيير والتمليك الأول، (5/ 281 - 282).
(4)
يُنظر: صحيح البخاري، (3/ 196)، ك الشروط، ب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم (2731، 2732). من حديث طويل.