الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين معايير الاستدراك الفقهي ومناهجه علاقة وثيقة؛ لأن معايير الاستدراك الفقهي هي التي تُحدد طبيعة منهج الاستدراك؛ لذا رأيتُ التعريف بالمعايير قبل المناهج.
تمهيد: تعريف معايير الاستدراك الفقهي
.
المعايير جمع معيار.
والمعيار في اللغة من (عايَرَ)، والعِيارُ والمِعيارُ بمعنى واحد، وهو ما عايَرْتَ به المَكَايِيلَ، فالعِيَارُ صَحِيحٌ تامّ وَافٍ. تَقُول: عايَرْتُ به، أَي سَوَّيْتُه، وتقول: عَيَّرْتُ الدنانير، بمعنى أَن تُلْقِي ديناراً ديناراً فتُوازِنَ به ديناراً ديناراً، وكذلك عَيَّرْت تعييراً، إِذا وَزَنْت واحداً واحداً (1).
فحاصل المعنى أنّ المعيار هو ما يُرجع إليه في التقدير.
والمقصود به هنا: أصولٌ يَرجع إليها المُستدرِك لتقييمِ المُستدرَك عليه، والحُكمِ عليه.
لم يكن الفقهاء يستدركون بلا معايير يُحتكم إليها، بل كانت تجري استدراكاتهم - بتنوّع صورها - على أصول. قال ابن خلدون:«وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه، تجري على أصول صحيحة، وطرائق قويمة، يحتج بها كل على صحة مذهبه الذي قلّده وتمسك به» (2).
وكان الفقهاء يرفضون الدعاوى التي تلبس لبوس الاستدراك؛ لأنها غير مبيّنة ولا معيّرة، وفي ذلك يروي الخطيب بسنده عن عبد الله بن الحسن الهسنجاني (3) أنه قال:
(1) يُنظر: مادة (عير)، في: الصحاح، (2/ 764). و: لسان العرب، (10/ 350). و: تاج العروس، (13/ 165).
(2)
مقدمة ابن خلدون، (1/ 578).
(3)
هو: أبو محمد، عبد الله بن الحسن، الهسنجاني الرازي، روى عن إسماعيل بن عمر الواسطي وحسين الجعفي ومحمد بن بشر العبدي والفريابي، وغيرهم، وروى عنه أبو زرعة ومحمد بن مسلم. صدوق.
[يُنظر: الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، (5/ 34)].
وكان الفقهاء يحرصون على تعليم طلابهم معايير الاستدراك. قال العز بن عبد السلام: «ما علمنا قواعد البحث إلا من سيف الدين الآمدي (2)» (3). والاستدراك من قبيل البحث والمباحثة.
فإن قيل: كيف يُستدرَك على المستدرك ما دام يُراعي المعايير في استدراكه؟
فالجواب أن ذلك يأتي من جهتين:
الجهة الأولى: ألاّ يوافق المُستدرَك عليه بالتعيير بما عيّر به المستدرِك.
الجهة الثانية: أن يتفق الطرفان على التعيير بذات المعيار؛ ولكن لا يوافق المستدرَك عليه في إجرائه وكيفية استعماله في المسألة محل النقاش.
(1) شرف أصحاب الحديث لأحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي مع نصيحة أهل الحديث له، (2/ 142 - 143).
(2)
هو: أبو الحسن، علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، الآمدي، سيف الدين، الإمام الأصولي المتكلم، تفقه على أبي الفتح ابن المني الحنبلي وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصحب أبا القاسم بن فضلان وبرع عليه في الخلاف، له: كتاب الأبكار في أصول الدين، والإحكام في أصول الفقه، والمنتهى ومنائح القرائح، وغيرها. توفي سنة 631 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء - (22/ 364). و: طبقات الشافعية الكبرى، (8/ 306)].
(3)
طبقات الشافعية الكبرى، (8/ 307).
وبالتأمل في تصرفات جملة من الفقهاء في الاستدراك، مع استصحاب نتائج الدراسات الكاشفة عن بعض أدواتهم في النقد - وقد سبقت الإشارة إليها - (1)، أستطيع الاستفادة من ذلك لإبراز معايير الاستدراك الفقهي، وقد تحصّل لي منها المعايير التالية:
1 -
الأدلة الإجمالية.
2 -
القواعد الأصولية.
3 -
القواعد الفقهية.
4 -
مقاصد الشريعة.
5 -
المبادئ العقلية المسلّمة.
6 -
مُعتمَدات المذاهب.
7 -
مقررات العلوم المكتسبة الأخرى، وأقوال أهل الخبرة فيها.
وهذه المعايير هي التي تكوّن مباحث هذا الفصل.
(1) في: هـ (3)، ص (51).