الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النموذج الثالث:
استدراك اللكنوي (1)
على جمع من الحنفية تقديم النسخ على الجمع، فقال: «اختار جمع من الحنفية تقديم النسخ على الجمع، كما في (التلويح)،
…
لكن فيه خدشة من حيث إن إخراج نص شرعي عن العمل به مع إمكان العمل غير لائق، فالأولى أن يُطلب الجمع بين المتعارضين بأي وجه كان، بشرط تعمق النظر وغوص الفكَر، فإن لم يمكن ذلك بوجه من الوجوه، أو وجد هناك صريحًا ما يدل على ارتفاع الحكم الأول مطلقًا صِير إلى النسخ إذا عُرف ما يدل عليه. وهذا هو الذي صرّح به أهل أصول الحديث» (2).
تحليل الاستدراك:
فهنا استدرك على ذات الدليل الذي هو معتمدهم في الاستنباط، وهو تقديم النسخ على الجمع عند التعارض.
المسألة الثانية: الاستدراك على الاجتهاد في الدليل التفصيلي، وتطبيقاته
.
والمقصود بهذا النوع تلافي خلل في اعتماد دليل جزئي، بعمل فقهي؛ لإنشاء نفع أو تكميله في نظر المتلافي.
(1) هو عبد الحي بن عبد الحليم بن أمين الله، الأنصاري، السهالوي، اللكهنوي، الحنفي، العلامة، اشتغل على والده، وقرأ عليه في المنقول والمعقول، وقرأ بعض كتب الهيئة على خال أبيه نعمة الله بن نور الله اللكهنوي، انفرد في الهند بعلم الفتوى، له بسطة في علم النسب والأخبار وفنون الحكمية، مهتما بالمناظرة، كثير التصنيف، في علم الصرف والمنطق والحكمة والفقه والحديث، منها: النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير، والتعليق الممجد على موطأ محمد، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، وعليها التعليقات السنية، والسعاية في كشف ما في شرح الوقاية، توفي سنة 1304 هـ، عن 39 سنة.
[يُنظر: نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي بن فخر الدين الحسني، (8/ 1268)].
(2)
الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، محمد عبد الحي اللكنوي، (183 - 184).
فجنس الدليل هنا مُسلَّمٌ اعتباره من الطرفين (المستدرِك والمستدرَك عليه) أو على تقدير التسليم به. واعتماد دليل جزئي قد يعتريه خللٌ يرجع إلى ذات الدليل أو إلى حكايته.
تطبيقاته:
النموذج الأول:
جاء في (الهداية): «والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار؛ لأنه بين حسبتين: إقامة الحد، والتوقي عن الهتك. والستر أفضل لقوله عليه السلام للذي شهد عنده: (لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك) (1)» (2).
قال العيني مستدركًا على قوله: «لقوله عليه السلام للذي شهد عنده» : «الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول لم يشهد عنده بشيء، ولكنه حمل ماعزًا (3) إلى أن اعترف عند
(1) رواه أبو داود بسنده أَنَّ مَاعِزًا، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ:«لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ» . [(5/ 73)، ك أول كتاب الحدود، ب الستر على أهل الحدود، رقم (4377)].
وروى أَنْ هَزَّالًا أَمَرَ مَاعِزًا أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيُخْبِرَهُ. [(5/ 73)، ك أول كتاب الحدود، ب الستر على أهل الحدود، رقم (4378)].
ورُوي الحديث بعدة طرق منها ما عند النسائي في السنن الكبرى، (6/ 462)، ك الرجم، ب الستر على الزاني، رقم (7236). و: عبد الرزاق في مصنفه، (7/ 323)، ك الطلاق، ب الرجم والإحصان، رقم (13342). و: أحمد في مسنده، (36/ 214)، رقم (21890).
(2)
الهداية شرح بداية المبتدي لعلي بن أبي بكر المرغيناني مع فتح القدير وَالعناية شرح الهداية وَحاشية جلبي (8/ 121 - 122).
(3)
ماعز بن مالك الأسلمي. عده ابن عبد البر من المدنيين، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه، وهو الذي اعترف على نفسه بالزنا تائباً منيباً وكان محصناً فرجم. روى عنه ابنه عبد الله بن ماعز حديثاً واحداً.
[يُنظر: الاستيعاب، (3/ 1345)، و: أسد الغابة، (5/ 8)].
النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا». مُستشهدًا بسياق القصة الدالة على ذلك كما هو الوارد في الأحاديث (1).
تحليل الاستدراك:
استدرك العيني على اعتماد هذا الدليل في مسألة تخيير الشاهد على حدٍّ بين إظهار شهادته وبين سترها، ذلك أن الأمر بالستر في الحديث لم يتوجه إلى شاهد! فلا دليل فيه على المسألة.
النموذج الثاني:
في (فتح الباري): «واختلف السلف في التحريق: فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا، سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد بن الوليد (2) وغيرهما، .... وقال المهلب (3): ليس هذا النهي (4)
على التحريم
(1) البناية (8/ 122)
(2)
هو: أبو سليمان، خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي المخزومي المكي، سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، الأمير، قائد المجاهدين. هاجر مسلما سنة 8 هـ، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء النبي صلى الله عليه وسلم وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر، وشهد الفتح وحنينا، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومات على فراشه، فلا قرت أعين الجبناء، توفي بحمص سنة 21 هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (2/ 135). و: سير أعلام النبلاء، (1/ 366)].
(3)
هو: أبو القاسم، المهلب بن أحمد بن أبي صفرة التميمي، الاسدي الأندلسي المريي. تفقه بالأصيلي والقابسي وأبي ذر الهروي وغيرهم، وعنه ابن المرابط والدلائي وحاتم الطرابلسي. شرح البخاري واختصره وله تعليق عليه. توفي سنة 435 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (17/ 579). و: شجرة النور الزكية، (1/ 114)].
(4)
الذي في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» . وهو محل الشرح في (فتح الباري).
والحديث رواه البخاري في: (4/ 61)، ك الجهاد، ب لَا يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ، رقم (3017).
بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل (1) النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين (2) بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله النووي والأوزاعي (3) وقال ابن المنير (4)
وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم. وتجويز الصحابي معارَض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم (5) سواء
(1)«أي فقأها بالشوك، وقيل: بحديدة محماة تدني من العين حتى يذهب ضوءها. وقيل: كحلهم بحديدة» . يُنظر: [هدي الساري مقدمة فتح الباري، (1/ 141)].
(2)
نسبة إلى (عُرَينة)، «بالعين والراء المهملتين والنون مُصغَّرًا: حي من قضاعة، وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني» ". [فتح الباري، (1/ 337)].
(3)
هو: أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، الأوزاعي، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، كان يسكن بمحلة الأوزاع، وهي العقيبة الصغيرة ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحول إلى بيروت مرابطا بها إلى أن مات. وكان مولده في حياة الصحابة. وكان خيّرًا، فاضلا، مأمونا كثير العلم والحديث والفقه، حجة. توفي سنة 157 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (7/ 488). و: سير أعلام النبلاء، (7/ 107)].
(4)
هو: زين الدين، أبو الحسن، علي بن حمد بن المنير، الجذامي الإسكندري الأبياري، المالكي، الفقيه النظار المحدث المتفنن، أخذ عن أخيه ناصر الدين، وعن ابن الحاجب، له أهلية الترجيح والاجتهاد في المذهب، أخذ عنه جماعة منهم ابن أخيه عبد الواحد والعبدري، له شرح على البخاري في عدة أسفار، وحواش على شرح ابن بطال، وضياء المتلالي في تعقب الغزلي، توفي سنة 695 هـ.
[يُنظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري (1/ 14). و: شجرة النور الزكية، (1/ 188)].
(5)
يعني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ» . ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ «إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَاّ اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا» .
رواه البخاري في: (4/ 61)، ك الجهاد، ب لَا يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ، رقم (3016).
كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه» (1).
تحليل الاستدراك:
فرأى ابن المنير أن ما دللوا به ليست أدلة صالحة لتقرير جواز التحريق؛ لما اعترتها من عوارض صرفتها عن أن تكون دليلاً لذلك.
النموذج الثالث:
قال صاحب (الفكر السامي) بعد أن حكى شروط اعتبار دعوى الإجماع عن ابن عرفة (2):
«وبذلك كله تعلم مجازفة قول صاحب (العمل الفاسي) في صيد بندق الرصاص:
أفتى بذاك شيخنا الأوّاهُ
…
وانعقد الإجماع من فتواهُ
وأمثاله كثير في كتب المتأخرين فاحذره» (3).
وحكى مسائل ادُّعي فيها الإجماع وهي لم يُجمع عليها فقال: «وكثير من الفقهاء يدعي في بعض المسائل الإجماع ويردون عليه:
(1)(6/ 150).
(2)
هو: أبو عبد الله، محمد بن محمد بن عرفة الورغمي، التونسي، إمام تونس وعالمها وخطيبها في عصره. أخذ عن ابن عبد السلام، ومحمد بن هارون، والشريف التلمساني، وغيرهم، وروى عنه كثرة من أهل المشرق والمغرب منهم البرزلي والآبي وابن ناجي وابن فرحون، وغيرهم
من كتبه: المختصر الكبير في فقه المالكية، والمختصر الشامل في التوحيد، والطرق الواضحة في عمل المناصحة، والحدود في التعاريف الفقهية. توفي سنة 803 هـ.
[يُنظر: شجرة النور الزكية، (1/ 227). و: الأعلام، (7/ 43)].
(3)
(1/ 46).
1 -
حكى بعضهم في تحريم لحوم الخيل الإجماع مع إباحة الحنفية لها.
2 -
حكى بعضهم الإجماع على العمل بالقياس مع إنكار ابن مسعود والشعبي (1) وابن سيرين (2) له.
3 -
حكى في (جمع الجوامع) الإجماع على العمل بخبر الواحد وتقدم لنا البحث معه.
4 -
وحكى أيضًا الإجماع على تقديم الإجماع على النص عند التعارض، وتقدم لنا البحث معه.
5 -
حكى بعضهم الإجماع على عدم وجوب غسل الجمعة مع قول الحنفية به.
6 -
وعلى المنع من بيع أمهات الأولاد مع قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.
7 -
وعلى إلزام الطلاق الثلاث بكلمة واحدة مع قول بعض الصحابة وبعض الحنابلة بعدمه» (3).
تحليل الاستدراك:
فهنا يستدرك على ذات الدليل الجزئي وهو الإجماع المُدّعى على هذه المسائل.
(1) هو: أبو عمرو، عامر بن شراحيل بن عبد، الهمداني ثم الشعبي، الإمام، علامة العصر. رأى عليًّا رضي الله عنه وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة. توفي سنة 104 هـ
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (6/ 246). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 294)].
(2)
هو: أبو بكر، محمد بن سيرين، الأنصاري، الأنسي البصري، الإمام، شيخ الإسلام، مولى أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. حسن العلم بالفرائض والقضاء والحساب. وكان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها توفي سنة 110 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (7/ 193). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 606)].
(3)
الفكر السامي، (1/ 47).
النموذج الرابع:
قال صاحب (إدرار الشروق) مستدركًا: «قلتُ: ليس في الآية التي استدل بها دليل على جواز الدعاء على الظالم، وإنما فيها الدليل على جواز الانتصار
…
وجواز الانتصاف لا يستلزم جواز الدعاء عليه، إلا أن يكون الدعاء بتيسير أسباب الانتصاف منه، فقد يسوغ دعوى دلالة الآية على ذلك ضمنًا لا صريحًا» (3).
تحليل الاستدراك:
استدرك صاحب (إدرار الشروق) على ما في (الفروق) من جعْلِ آية الشورى معتمَدًا لجواز الدعاء على الظالم؛ لعدم دلالة الآية على الحكم.
(1) الشورى: 41
(2)
أنوار الفروق في أنواء الفروق لأحمد بن إدريس القرافي المطبوع مع إدرار الشروق على أنواء الفروق لقاسم بن عبد الله بن الشاط وتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأشرار الفقهية لمحمد علي بن حسين المالكي، (4/ 474).
(3)
إدرار الشروق المطبوع مع الفروق وحاشية ابن حسين المالكي، ابن الشاط، (4/ 486).