الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقضي برضى مخلوق ضعيف، فلا خير فيما تجيء به، ولا فيّ إن رضيته منك. فاستعف من ذلك، فإنه أستر لك وإلا رفعت في عزلك، فرجع ليستعفي، فعزل» (1).
النموذج الثاني:
المسألة الثالثة: الاستدراك الفقهي على تصرف الحاكم، وتطبيقاته
.
ذلك أن السلطان قد يتصرّف تصرُّفًا فيه خللٌ شرعًا؛ فيستدرك الفقيه ذلك على الحاكم.
والاستدراك عليه مهم؛ لما للحاكم من سلطة على الرعية، والانحراف بالسلطة عن مهمة الإصلاح وإقامة الشرع انحراف عن هدف الرعاية بالحكم.
(1) ترتيب المدارك وتقريب المسالك، (3/ 385).
(2)
هي القُمامة. [يُنظر: مادة (كنس) في: لسان العرب، (13/ 118). و: القاموس المحيط، (514)].
(3)
هو: أبو عبد الرحمن، محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الأنصاري، الكوفي، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه، وكان قارئا للقرآن، عالما به، ولي القضاء لبني أمية ثم وليه لبني العباس وعيسى بن موسى على الكوفة وأعمالها، توفي بالكوفة سنة 148 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (6/ 358). و: سير أعلام النبلاء، (6/ 310)].
(4)
(15/ 480).
(1)«البرذون: يُطلق على غير الْعَرَبِيّ من الْخَيل وَالْبِغَال من الفصيلة الخيلية، عَظِيم الْخلقَة، غليظ الْأَعْضَاء، قوي الأرجل، عَظِيم الحوافر» . [المعجم الوسيط، (48)، مادة (برذن)].
(2)
سنن أبي داود، (3/ 336)، ك الجهاد، ب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه، رقم (2759). قال الألباني: إسناده صحيح. [يُنظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، محمد ناصر الدين الألباني، (5/ 472)].
وبنحوه الترمذي في (جامعه): (3/ 237)، أبواب السير، ب ما جاء في الغدر، رقم (1580). وقال: هذا حديث حسن صحيح.
النموذج الثاني:
«قال أبو العيناء (1) حدثنا أحمد بن أبي دواد (2) قال: كنا مع المأمون (3)
في طريق الشام، فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال: يحيى بن أكثم (4) لي ولمحمد بن منصور (5):
(1) هو: أبو العيناء، محمد بن القاسم بن خلاد البصري، الهاشمي بالولاء، الضرير النديم، العلامة، الإخباري، مولى أبي جعفر المنصور، ولد بالاهواز، ونشأ بالبصرة، وبها طلب الحديث وكسب الأدب، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم، وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لسانا، وكان من ظرفاء العالم، وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن أحد من نظرائه، قلما روى من المسندات، ولكنه كان ذا ملح ونوادر وقوة ذكاء. توفي سنة 283 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (13/ 308). و: وفيات الأعيان، (4/ 343)].
(2)
هو: أبو عبد الله، أحمد بن أبي دواد، فرج بن حريز، الإيادي البصري ثم البغدادي، الجهمي، القاضي الكبير، عدو أحمد بن حنبل، كان داعية إلى خلق القرآن، وحمل السلطان على الامتحان به، له كرم وسخاء وأدب وافر ومكارم. ولي قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، توفي سنة 240 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (4/ 141). و: سير أعلام النبلاء، (11/ 169)].
(3)
هو: أبو العباس، عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي، العباسي، الخليفة، المأمون. كان عالما فصيحا مفوها، قرأ العلم والأدب والإخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، وبالغ، وعمل الرصد فوق جبل دمشق، ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ، دعي له بالخلافة بخراسان في حياة أخيه الأمين ثم قدم بغداد بعد قتله، قال الذهبي:«وكان من رجال بني العباس حزما وعزما ورأيا وعقلا وهيبة وحلما، ومحاسنه كثيرة في الجملة» . توفي سنة 218 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (10/ 183). و: سير أعلام النبلاء، (10/ 272)].
(4)
هو: أبو محمد، يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن، التميمي المروزي، ثم البغدادي، القاضي، الفقيه العلامة وكان من أئمة الاجتهاد، كثير الأدب، ولاه المأمون القضاء ببغداد، وغلب على المأمون، حتى لم يتقدمه عنده أحد مع براعة المأمون في العلم، وكانت الوزراء لا تبرم شيئا حتى تراجع يحيى، وله تصانيف، منها كتاب «التنبيه» ، قال الحاكم: من نظر في «التنبيه» له، عرف تقدمه في العلوم. توفي سنة 242 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (14/ 191). و: سير أعلام النبلاء، (12/ 5)].
(5)
هو: أبو جعفر، محمد بن منصور داود بن إبراهيم، الطوسي ثم البغدادي، الإمام الحافظ شيخ الإسلام، العابد، سُئل عنه الإمام أحمد فقال: لا أعلم إلا خيرا صاحب صلاة. توفي سنة 254 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (3/ 247). و: سير أعلام النبلاء، (12/ 212)].
بكّرا غدًا إليه، فإن رأيتما للقول وجهًا فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل، قال: فدخلنا إليه وهو يستاك، ويقول - وهو مغتاظ -: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما! ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر؟ ! فأومأت إلى محمد بن منصور: رجلٌ يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ ! فأمسكنا. وجاء يحيى فجلس وجلسنا، فقال المأمون ليحيى: مالي أراك متغيراً؟ فقال: هو غمٌّ يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام. قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنى. قال: الزنى؟ قال: نعم، المتعة زنى. قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} (1)، إلى قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} (2). يا أمير المؤمنين! زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عنى الله عز وجل ترث وتورث ويلحق بها الولد ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: فقد صار متجاوزُ هذين من العادين. وهذا الزهري (3)
- يا أمير المؤمنين - روى عن عبد الله (4)
(1) المؤمنون: 1 - 2.
(2)
المؤمنون: 5 - 6.
(3)
هو: أبو بكر، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، القرشي الزهري المدني نزيل الشام، أحد الفقهاء والمحدثين، والأعلام التابعين بالمدينة، رأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، وروى عنه جماعة من الأئمة: منهم مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى الآفاق: عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه. توفي سنة 124 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (5/ 326). و: وفيات الأعيان، (4/ 177)].
(4)
هو: أبو هاشم، عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو بن علي بن أبي طالب، الهاشمي العلوي المدني، الإمام، كان ثقة، قليل الحديث. توفي سنة 98 هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (5/ 327). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 129)].
والحسن (1) ابني محمد بن الحنفية (2) عن أبيهما محمد عن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها. فالتفت إلينا المأمون، فقال: أمحفوظٌ هذا من حديث الزهري؟ فقلنا: نعم يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم مالك. فقال: أستغفر الله، نادُوا بتحريم المتعة. فنادَوا بها» (3).
(1) هو: أبو محمد، الحسن بن محمد بن الحنفية، الإمام الهاشمي. من علماء أهل البيت، قال فيه عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختلف فيه الناس من الحسن بن محمد. وكان من ظرفاء بني هاشم وأهل العقل منهم، وكان يقدم على أخيه أبي هاشم في الفضل والهيئة.
توفي سنة 100 هـ أو في التي قبلها.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (5/ 328). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 130)].
(2)
هو: أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب، القرشي الهاشمي، المدني، أخو الحسن والحسين، وهو محمد الأكبر، وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي خولة بنت جعفر الحنفية، كثير العلم والورع. وفد على معاوية، وعبد الملك بن مروان، وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدعي إمامته، ولقبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت، وكان شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (5/ 91). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 110). و: وفيات الأعيان، (4/ 170)].
(3)
طبقات الحنابلة، (1/ 413).
النموذج الثالث:
انتقض أهل الموصل (1) على المنصور (2)، وكان قد اشترط عليهم أنهم إذا انتقضوا تحل دماؤهم له، فجمع المنصور الفقهاء، وفيهم أبو حنيفة، فقال: أليس صح أنه عليه السلام قال: «المؤمنون عند شروطهم» (3)؟
وأهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا
(1) مدينة مشهورة، على طرف دجلة، سميت بالموصل لأنها وصلت الجزيرة بالعراق، وقيل لأنها وصلت بين دجلة والفرات، وقيل غير ذلك. [يُنظر: معجم البلدان، (5/ 223)].
(2)
هو: أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي، الخليفة، المنصور، ضرب في الآفاق ورأى البلاد، وطلب العلم. وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة، ورأيا وحزما، ودهاء وجبروتا، وكان جماعا للمال، حريصا، تاركا للهو واللعب، كامل العقل، بعيد الغور، حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم، أباد جماعة كبارا حتى توطد له الملك، ودانت له الأمم على ظلم فيه وقوة نفس، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتدين في الجملة، تصون وصلاة وخير، مع فصاحة وبلاغة وجلالة، وكان حاكما على ممالك الإسلام بأسرها، سوى جزيرة الأندلس. توفي سنة 158 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (7/ 83). و: تاريخ الخلفاء، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، (1/ 229)].
(3)
صحّحه الألباني بلفظ «المسلمون» بدل «المؤمنون» وقال: «وأما هذا اللفظ (المؤمنون) فلم أره في شيء من طرقه الذي ذكرتُها
…
، وهى عن ستة من الصحابة ، وأخرى عن عطاء مرسلا ، وقد ذكره الحافظ في (التلخيص) من طريق أربعة منهم ، ثم قال: تنبيه: الذي وقع في جميع الروايات: (المسلمون)، بدل:(المؤمنون). يرد بذلك على الرافعي ، فإنه أورده بلفظ المؤلف هنا، فكأنه سلفه فيه». [إرواء الغليل، (5/ 250)].
والحديث رواه أبو داود: (4/ 216)، ك الأقضية، ب في الصلح، رقم (3594).
ورواه الترمذي بلفظ «والمسلمون على شروطهم
…
» في جامعه: (3/ 27)، أبواب الأحكام، ب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، رقم (1352). وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال د. بشار عوّاد معروف معقّبًا على تصحيح الترمذي: «هكذا قال، وفيه نظر شديد، فإن كثير بن عبد الله متروك، فإسناد الحديث ضعيف جدًّا، قال الذهبي في الميزان بعد أن ساقه: فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي وقال ابن كثير في إرشاده: قد نوقش أبو عيسى في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله.
قلتُ: للحديث طرق أخرى لكنها ضعيفة، فلعل المصنف اعتبر بكثرة طرقه في تصحيح متنه، وكذا صحح متنه العلامة الألباني». [جامع الترمذي بتحقيقه، (3/ 28)].
عليّ، وقد خرجوا على عاملي، وقد حلت لي دماؤهم. فقال رجل: يدك مبسوطة عليهم، وقولك مقبول فيهم، فإن عفوت فأنت أهل العفو، وإن عاقبت فبما يستحقون. فقال لأبي حنيفة: ما تقول أنت ياشيخ؟ ألسنا في خلافة نبوة وبيت أمان؟ قال: إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه، وشرطت عليهم ما ليس لك؛ لأن دم المسلم لا يحل إلا بأحد معان ثلاثة (1)، فإن أخذتهم أخذت بما لا يحل، وشرط الله أحق أن توفي به.
فأمرهم المنصور بالقيام فتفرقوا، ثم دعاه، وقال: يا شيخ القول ما قلت، انصرف إلى بلادك، ولا تُفتِ الناس بما هو شين على إمامك، فتبسط أيدي الخوارج. (2)
(1) هي التي في حديث البخاري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» . [صحيح البخاري، (9/ 5)، ك الديات، ب قول الله تعالى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، رقم (6878). وبنحوه في صحيح مسلم، (798)، ك القسامة والمحاربين والقصاص، ب ما يباح به دم المسلم، رقم (25 - 1676)].
(2)
أبو حنيفة حياته وعصره - آراؤه وفقهه، (48 - 49). عن المناقب للبزازي.