الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبب الخطأ في تنزيل المسألة على الواقع من عمر رضي الله عنه هو عدم الانتباه لمعنى الإطلاق في خبر الوعد بإتيان البيت والطواف به، حيثُ ظنَّ أن ذلك الوعد في عام الحديبية، والنص لم يُحدّد هذا، بل أطلق الوقت.
المطلب الثاني: المظهر الثاني: تقييد مطلق، وتطبيقاته
.
وهذا المظهر من قبيل التصحيح الجزئي.
والمطلق هنا يُقصد به الكلام المُرسل العاري من التقييد بشروط أو استثناءات أو تفصيلات بحيثُ يكون حُكم القضية داخلاً على كل مدلول موضوعها.
وقد صرّح المستدركون في الفقه باستهداف هذا المظهر.
وقد سبقت حكايةُ نص (غمز عيون البصائر) ونص (التنقيح المُشبع) الدالين على استهداف هذا المظهر في المطلب السابق.
وفي (مواهب الجليل): «فاستخرت الله تعالى في شرح جميع الكتاب والتكلم على جميع مسائله، مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات» (1).
وفي (عجالة المحتاج): «وتيسر لي فيه بفضل الله وقوته من خلاصة كتب أصحابنا المتقدمين والمتأخرين ما لا تيسر في غيره في حجمه من تقرير مسائله، وحل مشكله ومعضله، وبيان مجمله، وتحرير منقوله، وتصحيح مرسله، وتقييد مطلقه
…
» (2).
وفي (تصحيح الفروع): «واعلم أنه قد يكون الوجه المسكوت عنه من الوجهين المطلقين مُقيّدًا بقيد فأذكره، وكذا الرواية» (3).
(1) مع التاج والإكليل، (1/ 3).
(2)
عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج، عمر بن علي بن أحمد المعروف بابن النحوي المشهور بابن الملقن، (1/ 57). ويُنظر في هذا المظهر أيضًا مثلاً في: منهاج الطالبين، (1/ 75). حواشي الإقناع، منصور يونس البهوتي، (1/ 27). كشاف القناع، (1/ 35 - 36). وغيرها من الشروح والحواشي.
(3)
مع الفروع وحاشية ابن قندس، (1/ 30).
تطبيقاته:
النموذج الأول:
في (مراقي السعود):
فَقَولُ: (مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقِي
…
الله سالمًا) فغيرُ مُطلقِ (1)
تحليل الاستدراك:
فهنا قيّد عبارة أنّ (من قلد عالمًا لقي الله سالمًا)، بأن هذا لا ينطبق على حال التقليد في القول الضعيف (2).
النموذج الثاني:
في (البيان والتحصيل): «وفي (المبسوطة) لابن كنانة (3) أنه لا يضحي أحد بمنى. ظاهره وإن لم يكن من الحاج، وهو شذوذ» (4).
تحليل الاستدراك:
فاستدرك على ابن كنانة إطلاقه موضوع المسألة في قوله (أحد) الشامل للحاج منهم وغير الحاج، إذ إنّ الحاج من أهل منى سُنّته الضحايا كغيره من غير أهل منى، كما قرره من (المدوّنة)(5).
(1) البيت رقم (860). يُنظر: نثر الورود، (2/ 585).
(2)
يُنظر: نشر البنود، (2/ 176). نثر الورود، (2/ 585).
(3)
هو: أبو عمرو، عثمان بن عيسى بن كنانة، وكنانة مولى عثمان بن عفان، من فقهاء المدينة، أخذ عن مالك وغلبة الرأي، وليس له في الحديث ذكر، كان مالك يحضره لمناظرة أبي يوسف عند الرشيد، وكان يُجلسه مالك عن يمينه، توفي سنة 186 هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (3/ 21)]
(4)
ابن رشد الجد، (3/ 345).
(5)
يُنظر: السابق، نفس الجزء والصفحة.
النموذج الثالث:
في (المنثور): «الضرر لا يُزال بالضرر. كذا أطلقوه، واستدرك زين الدين الكتاني فقال: لابد من النظر لأخفهما وأغلظهما. انتهى» (1).
تحليل الاستدراك:
فالاستدراك هنا على النفي المطلق في إزالة الضرر بالضرر؛ لأنه مقيَّد بقواعد أخرى تسمح بإزالة الضرر الأغلظ بالضرر الأخف، المُناسبة لبعض الحالات كقاعدة «الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف» ، وجزءٌ منها قاعدة «يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام» (2).
النموذج الرابع:
قول الرهوني في (حاشيته على الزرقاني): «ظاهر كلام غير واحد من أهل المذهب وصريح كلام آخرين منهم أن الخلاف السابق محله إذا انقطع التعامل بالسكة القديمة جملة، وأما إذا تغيرت بزيادة أو نقص فلا، وممن صرح بذلك أبو سعيد بن لب. قلتُ: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر جدًّا حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه؛ لوجود العلة التي علل بها المخالف. والله أعلم» (3).
تحليل الاستدراك:
فهنا بعد أن حكى الرهوني الخلاف في المذهب المالكي في مسألة قضاء ما ثبت في الذمة وكان ثبوته قبل انقطاع التعامل بالسكة وحلّ وقته بعدَ انقطاع التعامل بها، نبّه أن هذا الخلاف لا يمتدّ إلى صورة تغير قيمة السكة بزيادة أو نقص، حيث يقضي ما ثبت في ذمته بنفس السكة بلا زيادة ولا نقصان، ولكنه استدرك على هذا الإطلاق بأنه إنما يكون فيما لو لم يكن نقص القيمة كبيرًا جدًّا؛ فإنها تلحق بمسألة الانقطاع؛ لاشتراكهما في العلة.
(1)(2/ 321).
(2)
يُنظر في مناقشة القاعدة «الضرر لا يزال بالضرر» مع التمثيل لها وذكر ما يقيدها: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، محمد صدقي البورنو، (259) وما بعدها.
(3)
(5/ 121).