الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: معيار مُعتمَدات المذاهب، وتطبيقاته
.
وأقصد بمعتمدات المذاهب هي ما استقر الاتفاق على اعتماده في مذهب فقهي من: كتب وفقهاء وفتاوى وقواعد؛ فالاستدراك على فروع المذاهب يكون بأصول ما اعتمدته، وإن لم يوافق المستدرِك على الأصل فله حالتان:
- أن يتنزّل منزلة الموافِق - مُجاراةً - لإثبات أن الخلل في الفرع واقعٌ حتى على أصول المذهب.
- أن يُوجّه استدراكَه إلى الأصل مباشرة.
ومن تطبيقات التعيير بمعتمَدات المذاهب:
حكى في (الاستذكار) في تقرير مسألة وجوب قضاء الصلاة على من تركها عمدًا، قولَ بعض أهل الظاهر (1) أنه لا يقضيها، وقال مُستدرِكًا: «والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله، أو سنة ثابتة لا تنازع في قبولها، والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع.
ثم جاء من الاختلاف بشذوذ خارج عن أقوال علماء الأمصار واتبعه دون سند روي في ذلك وأسقط به الفريضة المجتمع على وجوبها ونقض أصله
…
وقد ذكر أبو الحسن بن المغلس (2) في كتابه (الموضح على مذهب أهل الظاهر) قال: فإذا كان الإنسان في مصر في حش، أو موضع نجس، أو كان مربوطًا على خشبة، ولم تُمكنه الطهارة، ولا قدر عليها، لم تجب عليه الصلاة حتى يقدر على الوضوء، فإن قدر على الطهارة تطهر وصلى متى ما قدر على الوضوء والتيمم.
(1) هكذا أطلقه ابن عبد البر، ويظهر أنه ابن حزم، يُراجع: المُحلى شرح المجلى، علي بن أحمد بن حزم، (2/ 148).
(2)
هو: أبو الحسن، عبد الله بن المحدث أحمد بن محمد المغلس، البغدادي الداودي الظاهري الإمام، فقيه العراق. له مصنفات على مذهب داود بن علي. من مصنفاته: كتاب أحكام القرآن، والموضح، والمبهج. توفي سنة 324 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (9/ 385). و: سير أعلام النبلاء، (15/ 77)].
قال أبو عمر (1): هذا غير ناس ولا نائم، وقد أوجب أهل الظاهر عليه الصلاة بعد خروج الوقت، ولم يذكر ابن المغلس خلافًا بين أهل الظاهر في ذلك.
وهذا الظاهري يقول لا يصلي أحد الصلاة بعد خروج وقتها إلا النائم والناسي لأنهما خُصَّا بذلك ونص عليهما (2).
فإن قال: هذا معذور، كما أن النائم والناسي معذوران، وقد جمعهما العذر. قيل له: قد تركت ما أصلت في نفي القياس، واعتبار المعاني، وألا يتعدى النص، مع أن العقول تشهد أن غير المعذور أولى بإلزام القضاء من المعذور.
وقد ذكر أبو عبد الله أحمد بن محمد الداودي البغدادي (3)
في كتابه المترجم بـ (جامع مذهب أبي سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني) في باب صوم الحائض وصلاتها، من كتاب الطهارة، قال: كل ما تركت الحائض من صلاتها حتى يخرج وقتها فعليها إعادتها. قال: ولو تركت الصلاة حتى يخرج وقتها، وتريثت عن الإتيان بها حتى حاضت أعادت تلك الصلاة بعينها إذا طهرت.
فهذا قول داود، وهذا قول أهل الظاهر، فما أرى هذا الظاهري إلا قد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف، وخالف جميع فرق الفقهاء، وشذ عنهم» (4).
ففي استدراك ابن عبد البر على الظاهري المُخالف في هذه المسألة، عيّر بما هو مُعتمد عنده من مذهبه بعدة معتمدات:
(1) هو ابن عبد البر صاحب الاستذكار.
(2)
فقد روى مسلم في (صحيحه) بسنده أنس رضي الله عنه قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفَّارتها أن يصلِّيَها إذا ذكرها» . [(309)، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، رقم (315 - 683)]
(3)
هو: أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن المغلس البزاز البغدادي، الإمام المحدث الثقة، توفي سنة 318 هـ.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (5/ 104). و: سير أعلام النبلاء، (14/ 520)].
(4)
(1/ 82).
المعتمد الأول: قاعدة: ما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله، أو سنة ثابتة لا تنازع في قبولها. وهذا الظاهري لم يُحقق هذه القاعدة في خلافه هذا.
المعتمد الثاني: النقل من كتبهم، وهو يُفيد أن قضاء الصلاة لا يختص بالنائم والناسي، وهو خلاف ما ادعاه هذا الظاهري المُخالف.
المعتمد الثالث: نقل قول إمام المذهب داود بن علي الظاهري، الذي يقتضي عدم اختصاص النائم والناسي بقضاء الصلاة.