الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاشرًا: لفظ (في نظر المُبرز): فيه عدم التلازم بين الخفاء الحقيقي للمسألة أو النفع الحقيقي أو تكميله فيها وبين إطلاق الماهية على العمل، بل يكفي في إطلاقها أن المبرِز يرى ذلك.
المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التنكيت والاستدراك الفقهي
.
يتقارب المنهجان كثيرًا، فهما يتداخلان في كثير من الصور، ويتفقان في الأهداف، ولكن لعلي أُبرز أهم جوانب الشبه والاختلاف بينهما فيما يلي:
فمن وجوه الشبه:
1 -
ارتباط عمل المنكِّت وعمل المستدرِك بعمل سابق.
2 -
الهدف من التنكيت والاستدراك إنشاء النفع أو تكميله.
ومن وجوه الاختلاف:
1 -
أن الاستدراك تلافٍ في المقام الأول، فما كان من إبراز لمسائل دقيقة لم يكن في إبرازها تلافٍ فليس باستدراك، كإضافة قول أو مسألة تتعلق بالمسألة محل النظر يصعب على المستفيد غالباً الحصول عليها، فقرّبها له المُنكِّت. فيكون التنكيتُ من هذه الجهة أعم؛ ولذلك يُطلق الاستدراك على إبراز المسائل التي في إبرازها تلافٍ.
من ذلك ما في (النجوم الزاهرة) عن مؤلفات الإمام النشائي (1): «وعلق على (التنبيه) استدراكات» (2). وهذه الاستدراكات هي التي جمعها في (نكت النبيه على أحكام التنبيه)، فسمّاها (نُكَتًا).
(1) هو: أحمد بن عمر بن أحمد، النشائي، المدلجي، الخطيب، كمال الدين، الفقيه الشافعي، سمع من الدمياطي والرضى الطبري وعبد الأحد بن تيمية وغيرهم، سمع منه الحافظ شهاب الدين بن رجب وولده عبد الرحمن. له: الإبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز، ومختصر سلاح المؤمن، ونكت التنبيه. صفر سنة 757 هـ
[يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى، (9/ 19). و: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، (1/ 265)].
(2)
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، يوسف بن تغري بردي الأتابكي، (10/ 253).
وبالرجوع إلى مقدمة (نكته) نجد أن هذه النكت استدراكات على استدراكات النووي (1) في (تصحيح التنبيه)، حيث قال: «
…
ومما وُضع عليه (2) لكمال نفعه وتكميل جمعه، تصحيح الشيخ أبي زكريا النووي
…
ولما كثر خطؤه فيما خطأه، وإخلاله فيما وطأه، عمدت إلى بيان ما أغفله، وتصويب ما أعضله
…
» (3).
وعلى هذا جرى كلام المحلي (4)
في شرحه للمنهاج عند قول النووي: «
…
ومنها مسائل نفيسة أضمها إليه (5) ينبغي أن لا يُخلى الكتاب منها
…
» حيث قال: «صرح بوصفها الشامل له ما تقدم [أي في قوله: من النفائس المستجادات] (6)، وزاد عليه: (ينبغي إلخ) إظهارًا للعذر في زيادتها، فإنها عارية عن التنكيت بخلاف ما قبلها» (7). قال
(1) هو: أبو زكريا، يحيى بن شرف بن مري بن حسن، النووي، محيي الدين، شيخ الإسلام. أخذ عن أبي إسحاق المرادي وأبي الفتح التفليسي وعز الدين الإربلي وكمال الدينوغيرهم، وقرأ على ابن مالك كتابا من تصانيفه. له: الروضة، والمجموع شرح المهذب وصل فيه إلى أثناء الربا، والمنهاج في شرح مسلم. وترجمته طويلة أفردها تلميذه ابن العطار بالتصنيف. توفي سنة 677 هـ.
[يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى، (8/ 395). و: طبقات الشافعية، (2/ 153)].
(2)
أي على التنبيه، حيث سياق الكلام فيه.
(3)
من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الجنائز، تحقيق: صالح بن سرحان القرشي، (71 - 72).
(4)
هو: محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، المحلي، جلال الدين، واشتغل وبرع في الفنون؛ فقهًا وكلامًا وأصولًا ونحوًا ومنطقًا وغيرها. وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي والبرهان والبيجوري والشمس البساطي والعلاء البخاري وغيرهم. وصنف كتابا في التفسير أتمه الجلال السيوطي. فسمي تفسير الجلالين، وله: البدر الطالع في حل جمع الجوامع، والطب النبوي، وشرح المنهاج. توفي سنة 864 هـ.
[يُنظر: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، (1/ 443). و: الأعلام، (5/ 333)].
(5)
أي المختصر، وهو منهاج الطالبين الذي اختصر فيه المحرر للرافعي. يُنظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، محمد بن الخطيب الشربيني، (1/ 39).
(6)
مُضافة من كلام الشربيني في مغني المحتاج، (1/ 39).
(7)
شرح المحلي على المنهاج المطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة، (1/ 14).
الشربيني (1) - بعد أن ساق كلام المحلي - معلّقًا: «أي أنه لا تنكيت على المصنف في زيادة فروع على ما ذكره من الفروع
…
بخلاف التنبيه على القيود واستدراك التصحيح، فإن التنكيت يتوجه على من أطلق في موضع التقييد، أو مشى على خلاف المصحح، وغير ذلك» (2).
ويظهر لي أن هذا منهما من باب إطلاق العام على بعض أفراده؛ لأن المقام مقام مقارنة بين الزيادة والتنكيت، كما يُساعد على هذا الفهم تعدية التنكيت بـ (على)، وتفسير المُحشِّي قليوبي (3) التنكيت بالاعتراض (4). والله أعلم
2 -
اعتماد التنكيت على إيجاز العبارة وعدم الإسهاب، وذلك ليس شرطًا في الاستدراك.
(1) هو: محمد بن أحمد الشربيني، الخطيب، شمس الدين، فقيه شافعي، مفسر، أخذ عن عميرة، والنور المحلي، والشهاب الرملي، وأجازوه بالإفتاء، وأفتى في حياة أشياخه له: السراج المنير في تفسير القرآن، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ومغني المحتاج في شرح منهاج الطالبين. توفي سنة 977 هـ.
[يُنظر: الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، محمد بن محمد الغزي، (3/ 72). و: الأعلام، (6/ 6)].
(2)
مغني المحتاج، (1/ 39).
(3)
هو: أبو العباس، أحمد بن أحمد بن سلامة، القليوبي، شهاب الدين، فقيه متأدب، له: له حواش وشروح ورسائل، وله: النبذة اللطيفة في بيان مقاصد الحجاز ومعالمه الشريفة، الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة. توفي سنة 1069 هـ.
[يُنظر: الأعلام، (1/ 92)].
(4)
يُنظر: حاشية قليوبي على شرح المحلي للمنهاج لأحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي المطبوع مع شرح المحلي على منهاج الطالبين لمحمد بن أحمد المحلي وَحاشية عميرة على شرح المحلي للمنهاج لأحمد البرلسي الملقب بعميرة، (1/ 14).
ومثال صحة إطلاق المصطلحين تعليق ابن النقيب (1) في (نُكته على المنهاج): «قوله (2): (ووفى بما التزمه) فيه نظر، فإن كثيرًا ما يَستدرِك عليه بأنه خالف الأكثرين» (3).
ومثال صحة إطلاق التنكيت دون الاستدراك ما جاء في (النكت والفوائد السنية): «قوله (4): (ولا يستحلف في العبادات، ولا في حدود الله تعالى). وعند الشافعي وأبي يوسف (5): يستحلف في الزكاة ونحوها، لأنها دعوى مسموعة، يتعلق بها حق آدمي، أشبه حق الآدمي، واختاره ابن حمدان (6) في الزكاة، ووجه قولنا: أنه حق له أشبه الصلاة
(1) هو: أبو العباس، أحمد بن لؤلؤ، المصري، شهاب الدين، العلامة، كان عالما بالفقه والقراءات والتفسير والأصول والنحو. أخذ الفقه عن الشيخ تقي الدين السبكي والقطب السنباطي وغيرهما من مشايخ مصر وأخذ النحو عن أبي حيان وابن الملقن. له: مختصر الكفاية، ونكت المنهاج. توفي سنة 769 هـ.
[يُنظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، (1/ 282). و: طبقات الشافعية، (3/ 80)].
(2)
أي صاحب المنهاج، وهو الإمام النووي.
(3)
السراج على نكت المنهاج، (1/ 29).
(4)
يعني مجد الدين ابن تيمية في المحرر.
(5)
هو: أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، الأنصاري، الكوفي، القاضي، الإمام، المجتهد، العلامة، المحدث. صحب أبا حنيفة سبع عشرة سنة، ولي قضاء بغداد للمهدي والهادي والرشيد، ولم يزل به حتى توفي في خلافة الرشيد، وكان هو المقدم من أصحاب أبي حنيفة، وأول من وضع الكتب على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل وبث علم أبي حنيفة في الأقطار. وعن محمد بن الحسن قال: مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة، فلما خرج، قال: إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها. توفي سنة 182 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (8/ 535). و: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، (3/ 611)].
(6)
هو: أبو عبد الله، أَحْمد بن حمدَان بن شبيب بن حمدَان، النميري الحراني، نجم الدّين، الْفَقِيه الأصولي القاضي، جالس الشَّيْخ مجد الدّين (صاحب المحرر) وَبحث مَعَه كثيرا وبرع فى الْمَذْهَب وانتهت إِلَيْهِ معرفَة الْمَذْهَب، وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الحارثي والدمياطي والمزي واليعمري والبرزالي، له: الرِّعَايَة الصُّغْرَى والكبرى، وصفة المفتي والمستفتي. توفي سنة 695 هـ.
[يُنظر: المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، إبراهيم بن محمد بن مفلح، (1/ 99). و: المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي، (4/ 345)].
والحد» (1). فلم يُعتبر إبراز هذا استدراكًا؛ لأنه ليس تلافيًا لعمل (المحرر)؛ لأن (المحرر) هو في أصول المسائل في الفقه الحنبلي، وتحرير قول الشافعي وأبي يوسف واختيار ابن حمدان في المسألة ليس داخلاً في عمله، فلا يُتلافى به، ولكن في ذكره فائدة لطيفة تُنشئ نفعاً للناظر في (المحرر)، كأن يعرف من يوافق الفقيه الحنبلي ابن حمدان في قوله المخالف للمذهب!
(1) مع المحرر في الفقه لمجد الدين ابن تيمية، (2/ 223).