الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس: التهذيب
.
ومناقشة وجهي التقارب والاختلاف بين مصطلح الاستدراك الفقهي ومصطلح التهذيب تلزمها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حقيقة التهذيب لغة
.
تُفيدُنا المعاجم بمعنيين لمادة (هذب)(1):
المعنى الأول: تنقية الشيء مما يعيبه. وتُذكر تحت مظلة هذا المعنى معاني القطع والتخليص والإصلاح، فهي معانٍ ملازمة للتنقية. ويجري على هذا المعنى قولك: رجل مهذّب، أي مخلَّص نقيّ من العيوب، مطهّر الأخلاق.
المعنى الثاني: الإسراع (2)، ومنه الإِهْذاب والتهْذيب، بمعنى الإسراع في الطيران والعَدْوِ والكلام.
والمعنى الأول هو المعنى المناسب للتهذيب بالمعنى الاصطلاحي، وتنقية العيوب في كل شيء بحسبه، والتهذيب في الاصطلاح يستهدف الكلام والكتب.
المسألة الثانية: حقيقة التهذيب اصطلاحًا
.
عندما ذكرَت المعاجم تهذيب الكلام والكتب، وخرّجتْه على المعنى الأول، ذكرتْ ما يُقصد به التهذيب فيها (3)، وأستفيد منها لأجمع أعمال المُهذّب في تهذيبه للكلام أو الكتاب:
(1) يُنظر مادة (هذب) في: الصحاح، (1/ 237). و: غريب الحديث، أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، (2/ 273 وما بعدها). و: معجم مقاييس اللغة، (6/ 45 وما بعدها). و: لسان العرب، (15/ 45). و: النهاية في غريب الأثر، (5/ 355). و: أساس البلاغة، (2/ 368). و: القاموس المحيط، (132).
(2)
وأرجعه معجم مقاييس اللغة إلى المعنى الأول، بجامع أن السريع لا يُمكن التعلق به، كذلك المهذب، لا يُتَعَلَّق منه بعيب. يُنظر:(6/ 45)، مادة (هذب) منه.
(3)
يُنظر مادة (هذب) في: الكليات، (308 - 309). و: تاج العروس، (4/ 386). و: المعجم الوسيط، (979).
1 -
التلخيص: بتخليص الكتاب من الحشو والتطويل.
2 -
تغيير ما يجب تغييره.
3 -
إصلاح ما يتعين إصلاحه.
4 -
كشف ما يُشكل من غريب ألفاظه، ومن صوره إعراب الألفاظ.
5 -
تحرير ما يدق من معانيه.
6 -
اطّراح الألفاظ ذات الدلالة المُشكلة، وإبدالها بألفاظ واضحة.
ويلزم لهذه الأعمال ترداد النظر، وتدقيقه.
هذا ما تحصّل لي من أعمال المُهذِّب، وعلى هذا دارت أعمال المُهذِّبين في علم الفقه وغيره (1).
وللوصول إلى تعريف اصطلاحي للتهذيب في الأعمال الفقهية راعيتُ:
1 -
الأصل اللغوي للمادة، فهو يفيدُ بأن التنقيح منهج معتمدُه الأساسيُّ التنقية، وهذه التنقية لها وجهان:
- إزالة الزوائد الضارّة أو غير اللازمة، وهذا يستلزم تلخيص العمل العلمي السابق.
- إزالة العيوب الواقعة في العمل السابق.
2 -
أن منهج التهذيب مُتّبعٌ في علم الفقه وفي غيره أيضًا، ويهتم التعريف هنا بمُلاحظة استعماله عند الفقهاء، مع الاستفادة من سلوك هذا المنهج عند غيرهم.
(1) يُنظر مثلاً: تهذيب اللغة، (1/ 6 - 7). و: تهذيب الكمال، (1/ 147 - 148). و: تهذيب الصحاح، محمود بن أحمد الزنجاني، (1/ 3 - 4). و: تهذيب الأسماء واللغات، محيي الدين بن شرف النووي، (1/ 3) .... وغيرها مما حمل اسم التهذيب وما تصرف من مادته.
وبالتأمل في أعمال المُهذِّب يظهر أنّ عمل المُهذِّب لكتاب هو ما يعملُه المحرِّر له، وهو ما يعمله المنقِّح له، فالتهذيب والتحرير والتنقيح ألفاظ تتعاورُ منهجًا واحدًا في الأعمال العلمية، مع ملاحظة ما سبقت الإشارة إليه من أن التحرير قد لا يرتبط بعمل سابق، والكلام هنا في حالة ارتباطه بعمل سابق.
يُساعد على هذا الفهم - وهو تعاوُر الألفاظ على منهج واحد - تفسيرُ معانيها في المعاجم، وفي الكتب التي سُميت بها، من ذلك ما يلي:
في (لسان العرب): «ونقّح الكلام إذا هذّبه، وأحسن أوصافه» (1).
وفي (التوقيف): «والتحرير التهذيب، وأخذ الخلاصة وإظهارها» (2).
وفي (الكليات): «وتنقيح الشعر وإنقاحه: تهذيبه» (3).
وفي (المعجم الوسيط): «نقَّح
…
الكلام أو الكتاب: هذَّبه وأصلحه» (4).
وفي (تنقيح الفتاوى الحامدية): «
…
ضامًّا إلى ذلك أيضًا (5) بعض تحريرات نقّحتها
…
» (6).
وفي (دقائق المنهاج): «المحرَّر: المهذَّب المتقن» (7).
ووصف (المحرّرَ) مؤلفُه بقوله: «هذّبته مختصرًا، ورتبته محرّرًا» (8).
زِدْ على ذلك تفسيرَ هذه الألفاظ بالمعاني نفسها: من التلخيص، والتخليص، والإصلاح، والتوضيح، والحُسن، وإزالة العيوب (9)
…
(1)(14/ 333)، مادة (نقح). وكذا بلفظه في: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 103).
(2)
(163).
(3)
(313).
(4)
(944).
(5)
أي إلى ما ذكر أنه سيفعله في كتابه.
(6)
(1/ 1).
(7)
يحيى بن شرف النووي، (1/ 2).
(8)
المطبوع مع النكت والفوائد السنية، (1/ 1). من قسم التحقيق.
(9)
تُراجع هذه المعاني في مطلبي التحرير والتنقيح، وما أُحيل إليه من مراجع.