المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: آداب الاستدراك الفقهي المتعلقة بالمستدرك، وتطبيقاتها - الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

[مجمول الجدعاني]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌مقدمة البحث

- ‌الباب الأولالتعريف بالاستدراك الفقهي

- ‌الفصل الأولبيان حقيقة الاستدراك الفقهي، والألفاظ المشابهة له

- ‌المبحث الأول: بيان حقيقة الاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستدراك الفقهي باعتبار أفراد المعرَّف

- ‌المسألة الأولى: تعريف الاستدراك لغة

- ‌المسألة الثانية: تعريف الاستدراك اصطلاحاً

- ‌المسألة الثالثة: تعريف الفقه لغة

- ‌المسألة الرابعة: تعريف الفقه اصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: تعريف الاستدراك الفقهي باعتبار المعنى اللقبي

- ‌الاستعمال الأول: الاستعمال بالمعنى اللغوي

- ‌الاستعمال الثاني: الاستعمال باعتبار المعنى النحوي والأصولي

- ‌الاستعمال الثالث: الاستعمال بمعنى التلافي بالإصلاح في عمل المكلَّف

- ‌الاستعمال الرابع: الاستعمال بمعنى تلافي خلل باعتبار الصنعة الفقهية

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ مشابهة للاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الأول: النقد

- ‌المسألة الأولى: معنى النقد لغة:

- ‌المسألة الثانية: معنى النقد اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين النقد الفقهي والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الثاني: التنكيت

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التنكيت لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التنكيت اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التنكيت والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الثالث: الزيادات

- ‌المسألة الأولى: حقيقة الزيادات لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة الزيادات اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين الزيادات والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الرابع: التحرير

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التحرير لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التحرير اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التحرير والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الخامس: التنقيح

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التنقيح لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التنقيح اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التنقيح والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب السادس: التهذيب

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التهذيب لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التهذيب اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التهذيب والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب السابع: التصحيح

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التصحيح لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التصحيح اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التصحيح والاستدراك الفقهي

- ‌المطلب الثامن: التعقُّب والتعقيب

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التعقّب والتعقيب لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التعقّب والتعقيب اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التعقُّب والتعقيب وبين الاستدراك الفقهي

- ‌المطلب التاسع: التعليق

- ‌المسألة الأولى: حقيقة التعليق لغة

- ‌المسألة الثانية: حقيقة التعليق اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: جوانب الشبه والاختلاف بين التعليق والاستدراك الفقهي

- ‌الفصل الثانيأصول الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الأول: أصول الاستدراك الفقهي من الكتاب

- ‌المطلب الأول: تأصيل الاستدراك الفقهي من الكتاب بنص عام

- ‌المطلب الثاني: تأصيل الاستدراك الفقهي من الكتاب بنص خاص

- ‌المبحث الثانيأصول الاستدراك الفقهي من السنة

- ‌المطلب الأول: تأصيل الاستدراك الفقهي من السنة بنص عام

- ‌المطلب الثاني: تأصيل الاستدراك الفقهي من السنة بنصوص خاصة

- ‌المبحث الثالثأصول الاستدراك الفقهي من القواعد الكلية والمبادئ العقلية العامة

- ‌ قاعدة نفي العصمة عن كل فرد من الأمة، وإثباتها للنبي صلى الله عليه وسلم وحده:

- ‌ قاعدة تجويز الخطأ على المجتهدين

- ‌ قاعدة ذم التقليد لمن قدر على النظر

- ‌ قاعدة لا أُسوة في زلة العالم

- ‌ قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ قاعدة الشورى

- ‌ مبدأ التفكر والتدبر

- ‌ قاعدة «النظر للأزمنة والأشخاص - لا من حيث أصل شرعي - أمر جاهلي»

- ‌الفصل الثالثأركان الاستدراك الفقهي

- ‌1 - المستدرَك عليه:

- ‌2 - الخلل:

- ‌3 - المستدرَك:

- ‌الفصل الرابعشروط الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الأول: تحديد المراد بشروط الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الثاني: تعداد شروط الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الثالث: شروط لا تلزم في الاستدراك الفقهي:

- ‌الفصل الخامسأنواع الاستدراكات الفقهية، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الأولأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار من استُدرك عليه، وتطبيقاتها

- ‌تنبيه في التحذير من الاستدراك على الشرع

- ‌المطلب الأول: استدراك الفقيه على نفسه، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثاني: استدراك الفقيه على موافق له في المذهب، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثالث: استدراك الفقيه على مخالف له في المذهب، وتطبيقاته

- ‌المطلب الرابع: الاستدراك على المستدرِك، وتطبيقاته

- ‌المطلب الخامس: الاستدراك على شخص مقدَّر، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثانيأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار أركان القضية الفقهية، وتطبيقاتها

- ‌المطلب الأول: الاستدراك على موضوع القضية الفقهية، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثاني: الاستدراك على محمول القضية الفقهية، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثالث: الاستدراك على منظوم القضية الفقهية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثالثأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار وجوه الاجتهاد الكلية في بحث حكم المسألة الفقهية، وتطبيقاتها

- ‌المطلب الأول: الاستدراك على الاجتهاد في الدليل، وتطبيقاته

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك على الاجتهاد في الدليل الإجمالي، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك على الاجتهاد في الدليل التفصيلي، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثاني: الاستدراك على الاجتهاد في التأويل، وتطبيقاته

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك الكلي على الاجتهاد في التأويل، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك الجزئي على الاجتهاد في التأويل، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثالث: الاستدراك على الاجتهاد في الاستدلال، وتطبيقاته

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك الإجمالي على الاجتهاد في الاستدلال، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك التفصيلي على الاجتهاد في الاستدلال، وتطبيقاته

- ‌المطلب الرابع: الاستدراك على الاجتهاد في التعليل، وتطبيقاته

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك على الاجتهاد في التعليل الكلي، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك على الاجتهاد في التعليل الجزئي، وتطبيقاته

- ‌المطلب الخامس: الاستدراك على الاجتهاد في التنزيل، وتطبيقاته

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك على الاجتهاد في التنزيل باعتبار المكان، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك على الاجتهاد في التنزيل باعتبار الزمان، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثالثة: الاستدراك على الاجتهاد في التنزيل باعتبار الإنسان، وتطبيقاته

- ‌المبحث الرابعأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار جنس مُتعَلَّقه، وتطبيقاتها

- ‌المطلب الأولأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار مُتعلّقه الإدراكي، وتطبيقاتها

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك الفقهي على التصورات، وتطبيقاته

- ‌المظهر الأول: الاستدراك الفقهي على الحدود، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثاني: الاستدراك الفقهي على تصوير أركان المعرّف، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثالث: الاستدراك الفقهي على تصوير موضوعات المسائل الفقهية

- ‌المظهر الرابع: الاستدراك الفقهي على الاجتهاد في التأويل

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك الفقهي على التصديقات، وتطبيقاته

- ‌المظهر الأول: الاستدراك الفقهي على نسبة الأقوال والآراء والأشخاص، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثاني: الاستدراك الفقهي على التقعيد والتأصيل، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثالث: الاستدراك الفقهي على محمول القضية الفقهية

- ‌المظهر الرابع: الاستدراك الفقهي على إقامة الدليل

- ‌المظهر الخامس: الاستدراك الفقهي على التنزيل

- ‌المسألة الثالثة: الاستدراك الفقهي على المعقولات، وتطبيقاته

- ‌المظهر الأول: الاستدراك الفقهي على معقول في القياس، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثاني: الاستدراك الفقهي على معقول في الاستحسان، وتطبيقاته

- ‌المظهر الثالث: الاستدراك الفقهي على معقول في الاستصلاح، وتطبيقاته

- ‌المظهر الرابع: الاستدراك الفقهي على معقول في سد الذرائع، وتطبيقاته

- ‌المظهر الخامس: الاستدراك الفقهي على معقول في الاستصحاب، وتطبيقاته

- ‌المظهر السادس: الاستدراك الفقهي على معقول في التخريج، وتطبيقاته

- ‌المظهر السادس: الاستدراك الفقهي على معقول في التوجيه، وتطبيقاته

- ‌المظهر السابع: الاستدراك الفقهي على معقول في التفريق، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثانيأنواع الاستدراك الفقهي باعتبار مُتعلّقه الفعلي، وتطبيقاتها

- ‌المسألة الأولى: الاستدراك الفقهي على التصرف في الفتوى والاستفتاء، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثانية: الاستدراك الفقهي على التصرف في القضاء، وتطبيقاته

- ‌المسألة الثالثة: الاستدراك الفقهي على تصرف الحاكم، وتطبيقاته

- ‌المسألة الرابعة: الاستدراك الفقهي على التصرف في الاحتساب، وتطبيقاته

- ‌المسألة الخامسة: الاستدراك الفقهي على الدرس الفقهي، وتطبيقاته

- ‌المسألة السادسة: الاستدراك الفقهي على مظاهر اجتماعية وسلوكيات عامة أخرى، وتطبيقاته

- ‌النموذج الأول: الاستدراك على التشديد على النفس في العبادة

- ‌النموذج الثاني: الاستدراك على جهل العوام بضروري الدين

- ‌النموذج الثالث: الاستدراك على مفاهيم خاطئة في العبادات القلبية

- ‌النموذج الرابع: الاستدراك على هيئات اللباس

- ‌النموذج الخامس: الاستدراك على اعتقاد تفضيل التعبد على العلم

- ‌النموذج السادس: الاستدراك على الانحرافات الفكرية بشأن الزهد

- ‌النموذج السابع: الاستدراك على بعض ألفاظ المتصوفة

- ‌النموذج الثامن: الاستدراك على مخالفة المتصوفة الشرعَ في أعمال ظاهرة

- ‌النموذج التاسع: الاستدراك على التوسع في ادعاء الكرامات

- ‌النموذج العاشر: الاستدراك على الابتداع في الدعاء

- ‌النموذج الحادي عشر: الاستدراك على البدع عند المشاهد والقبور

- ‌الفصل السادسأغراض الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الأولالغرض الأول: تصحيح خطأ، وتطبيقاته

- ‌مدخل في بيان جملة من أسباب الخطأ في الأعمال المُستدرَك عليها

- ‌المطلب الأول: المظهر الأول: رد قضية وبيان الصحيح فيها فقهيًّا، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثاني: المظهر الثاني: تقييد مطلق، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثالث: المظهر الثالث: إطلاق مُقيّد، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثانيالغرض الثاني: تكميل نقص، وتطبيقاته

- ‌المطلب الأول: تكميل النقص في الكمية، وتطبيقاته

- ‌المطلب الثاني: تكميل النقص في الكيفية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثالثالغرض الثالث: دفع توهم، وتطبيقاته

- ‌الفصل السابعأساليب الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الأول: الأساليب اللفظية للاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الأولى: استعمال مصطلح الاستدراك وما يُقاربه من ألفاظ، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الثانية: الوصف بذات الخلل، أو الوصف بتوقّعه، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الثالثة: التعبير بما يحصل به التلافي، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الرابعة: الوصف بسبب الخلل، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الخامسة: التعبير بأسلوب التشكيك، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة السادسة: الأسلوب الجدلي، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة السابعة: العنونة بتنبيه أو فائدة أو تتمة ونحوها، مفردةً أو مثناةً أو مجموعة، وتطبيقاتها

- ‌المجموعة الثامنة: التذييل بالأمر بالتأمل والتدبر والفهم والعلم ونحوها

- ‌المبحث الثاني: الأساليب المعنوية للاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثامنمظان الاستدراكات الفقهية، وتطبيقاتها

- ‌تمهيد: نظرة تاريخية في الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الأول: مظان الاستدراكات الفقهية باعتبار الفقهاء، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثاني: مظان الاستدراكات الفقهية باعتبار المسائل الفقهية، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالث: مظان الاستدراكات الفقهية باعتبار الكتب، وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيمعايير الاستدراك الفقهي، ومناهجه، وتطبيقاتها

- ‌الفصل الأولمعايير الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌تمهيد: تعريف معايير الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الأول: معيار الأدلة الإجمالية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثاني: معيار القواعد الأصولية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثالث: معيار القواعد الفقهية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الرابع: معيار مقاصد الشريعة، وتطبيقاته

- ‌المبحث الخامس: معيار المبادئ العقلية المسلّمة، وتطبيقاته

- ‌المبحث السادس: معيار مُعتمَدات المذاهب، وتطبيقاته

- ‌المبحث السابع: معيار مقررات العلوم المكتسبة الأخرى، وأقوال أهل الخبرة فيها، وتطبيقاته

- ‌النموذج الأول: التعيير بعلوم القرآن

- ‌النموذج الثاني: التعيير بعلوم الحديث

- ‌النموذج الثالث: التعيير بعلوم اللغة

- ‌النموذج الرابع: التعيير بعلم المنطق

- ‌النموذج الخامس: التعيير بعلم التاريخ

- ‌النموذج السادس: التعيير بعلوم الاستقراءات والتجارب

- ‌الفصل الثانيمناهج الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌تمهيد: تعريف مناهج الاستدراك الفقهي

- ‌المبحث الأول: المنهج النقلي، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثاني: المنهج العقلي، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثالث: المنهج المتكامل، وتطبيقاته

- ‌الباب الثالثآداب الاستدراك الفقهي، وآثاره، وتطبيقاتها

- ‌الفصل الأولآداب الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الأول: آداب الاستدراك الفقهي المشتركة بين المستدرِك والمستدرَك عليه، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثاني: آداب الاستدراك الفقهي المتعلقة بالمستدرِك، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالث: آداب الاستدراك الفقهي المتعلقة بالمستدرَك عليه، وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيآثار الاستدراك الفقهي، وتطبيقاتها

- ‌المبحث الأول: أثر الاستدراك الفقهي على الاتجاهات الفقهية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثاني: أثر الاستدراك الفقهي على التصنيف، وتطبيقاته

- ‌المبحث الثالث: أثر الاستدراك الفقهي على المعرفة الإنسانية، وتطبيقاته

- ‌المبحث الرابع: أثر الاستدراك الفقهي على العلاقات الإنسانية، وتطبيقاته

- ‌الخاتمة:

- ‌النتائج:

- ‌التوصيات:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌الرسائل الجامعية:

- ‌المجلات والدوريات:

- ‌المواقع الإلكترونية:

الفصل: ‌المبحث الثاني: آداب الاستدراك الفقهي المتعلقة بالمستدرك، وتطبيقاتها

‌المبحث الثاني: آداب الاستدراك الفقهي المتعلقة بالمستدرِك، وتطبيقاتها

.

وهي آدابٌ لأداء الاستدراك الفقهي، وتحصّل لي منها:

1 -

الرفق في العرض بتطييب الكلام، وتجنب سيء الألفاظ.

وهو أدب له أصوله في الإسلام، منها حديث:«إن المؤمن ليس باللعان ولا الطعّان، ولا الفاحش ولا البذيء» (1).

وذكر ابن رجب أن العلماء لم يتركوا تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة، أو تأول منهما على غير تأويله أو تمسك بما لا يتمسك به؛ تحذيرًا من الاقتداء به فيما أخطأ فيه ثم قال:«إلا أن يكون المصنف ممن يفحش في الكلام، ويُسيء الأدب في العبارة، فينكر عليه فحاشته، وإساءته دون أصل رده ومخالفته» (2).

ومن تطبيقات هذا الأدب:

عن أبي وائل شقيق بن سلمة (3) قال: سمعت الصُّبَيّ بن معبد (4)

يقول: كنت رجلاً نصرانيًّا، فأسلمتُ، فأهللتُ بالحج والعمرة، فسمعني

(1) مسند الإمام أحمد، (7/ 60)، رقم (3948). عن أسود عن أبي بكر عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود. قال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.

(2)

الفرق بين النصيحة والتعيير، (8).

(3)

هو: أبو وائل شقيق بن سلمة، الأسدي أسد خزيمة، الكوفي، الإمام، شيخ الكوفة، مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وما رآه. قال الذهبي: مات في عشر المئة.

[يُنظر: الطبقات الكبرى، (6/ 172). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 161). و: تقريب التهذيب، (439)].

(4)

هو: الصبي بن معبد التغلبي، الجهني، ثقة مخضرم، نزل الكوفة، روى عن عمر أنه سأله عن القرآن فقال: هديت لسنة نبيك. عده ابن حجر من الطبقة الثانية وهي لكبار التابعين ممن توفي قبل المئة.

[يُنظر: الطبقات الكبرى، (6/ 145). و: تقريب التهذيب، (450)]

ص: 470

سلمان بن ربيعة (1) وزيد بن صوحان (2) وأنا أهلّ بهما جميعا بالقادسية (3). فقالا: لهذا أضلُّ من بعيره! فكأنما حملا علي جبلاً بكلمتهما، فقدمت على عمر بن الخطاب، فذكرت ذلك له، فأقبل عليهما فلامَهما، ثم أقبل عليّ، فقال: هديت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، هديت لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم (4).

والشاهد فيه لوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسلمان وزيد رضي الله عنهما لتركهما التلطف في عرض الاستدراك لما قالا: «لهذا أضلّ من بعيره! » .

ومن تطبيقاته أيضًا ما في (تفسير القرطبي) في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} (5) حيث حكى قولَ ابن العربي وهو قوله: «اعتقد قوم من الغافلين تحريمَ أسئلة النوازل حتى تقع، تعلُّقًا بهذه الآية، وليس كذلك» . فقال

(1) هو: أبو عبد الله، سلمان بن ربيعة بن يزيد، الباهلي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وليس له صحبة وهو أول من قضى بالكوفة ثم قضى بالمدائن وشهد فتوح الشام مع أبي أمامة الباهلي، كان يقال له: سلمان الخيل؛ لأنه كان يلي الخيل لعمر بن الخطاب. وقتل ببلنجر سنة 28 هـ، وقيل غير ذلك.

[يُنظر: أسد الغابة، (1/ 461). و: تهذيب الكمال، (11/ 240)].

(2)

هو: أبو سليمان، وقيل: أبو عائشة، زيد بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي الكوفي، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاصحبة له، وسمع من عمر، وعلي، وسلمان، وكان معه راية عبد القيس يوم الجمل.

[يُنظر: أسد الغابة، (1/ 401). و: سير أعلام النبلاء، (3/ 525)].

(3)

من مدن العراق، إلى الشرق من الكوفة في جنوب العراق بين دجلة والفرات، وبهذا الموضع كان يوم القادسية بين سعد بن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة 16 هـ، هي الآن مُحافظة مركزها مدينة الديوانية، تشتهر بزراعة الأرز والتمور، وصناعاتها اليدوية. [يُنظر: معجم البلدان، (4/ 291). و: موسوعة المدن العربية والإسلامية، (75)].

(4)

سنن ابن ماجه، (4/ 190)، أبواب المناسك، ب من قرن الحج والعمرة، رقم (2970). قال شعيب الأرناؤوط وأصحابه: إسناده صحيح.

(5)

المائدة: 101.

ص: 471

القرطبي (1) مُعلّقًا: «قلتُ: قوله: «اعتقد قوم من الغافلين» فيه قبحٌ، وإنما كان الأولى به أن يقول: ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل، لكنه جرى على عادته» (2).

وقد نبّه صاحب (أدب الدنيا والدين) إلى الرفق في الاستدراك على السلطان، وبيّن أبعاده فقال:«وليخرج تعليمه مخرج المذاكرة والمحاضرة، لا مخرج التعليم والإفادة؛ لأن لتأخير التعلم خجلةَ تقصيرٍ يجلّ السلطان عنها، فإن ظهر منه خطأ أو زلل في قول أو عمل لم يجاهره بالرد، وعرّض باستدراك زلله وإصلاح خلله» وذكر نموذجًا لهذا فقال: «وحكي أن عبد الملك بن مروان (3)

قال للشعبي: كم عطاءَك (4)؟ قال: ألفين. قال: لحنتَ. قال: لما ترك أمير المؤمنين الإعراب كرهتُ أن أعرب كلامي عليه» (5).

(1) هو: أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن أبي بكر، الأنصاري، الأندلسي، القرطبي، الإمام المفسر، له: جامع أحكام القرآن، والكتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى، وكتاب شرح التقصي، وله تآليف وتعاليق مفيدة غير هذه، توفي سنة 671 هـ.

[يُنظر: الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (316)].

(2)

(8/ 233).

(3)

هو أبو الوليد، عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الخليفة الفقيه، الأموي.

استعمله معاوية على المدينة، وكان عابدا ناسكا قبل الخلافة، تملك بعد أبيه الشام ومصر، ثم حارب ابن الزبير الخليفة، وقتل أخاه مصعبا في وقعة مسكن، واستولى على العراق، وجهز الحجاج لحرب ابن الزبير، فقتل ابن الزبير سنة 72 هـ، واستوسقت الممالك لعبد الملك، توفي سنة 86 هـ.

[يُنظر: الطبقات الكبرى، (5/ 223). و: سير أعلام النبلاء، (4/ 246)].

(4)

فنصبها وكان حقُّها الرفع، فيقول:«كم عطاؤُك؟ » ؛ لأن (عطاء) مبتدأ مؤخر، والخبر (كم) واجب التقديم؛ لأنه استفهام، والاستفهام له صدرُ الكلام. [يُنظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك لعبد الله بن عقيل العقيلي مع منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمد لمحيي الدين عبد الحميد، (1/ 226)].

(5)

علي بن محمد بن حبيب الماوردي، (95).

ص: 472

وقد يقتضي الحال الشدة كأن تكون المخالفة صريحة للنصوص مع من يتقبل الشدة.

ونبّه على ذلك الباحث/ محمد عيد، موجّهًا به بعض الشدة الصادرة من بعض الصحابة في استدراكاتهم على بعضهم، ومثّل له بتشديد عبد الله بن الزبير على ابن عباس رضي الله عنهم لما قال بحل نكاح المتعة، حيث قال ابن الزبير رضي الله عنهما:«إِنَّ نَاسًا - أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ - يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ - يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ (1) - فَنَادَاهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ» (2).

قال الباحث محمد عيد: «فأنت ترى هذا التشديد على ابن عباس رضي الله عنهما وما ذاك إلا لأنه إمام منظور إليه ومقتدى به» (3).

وهو أمرٌ تُراعى فيه المقاصد وكيفية سلامة تحقيقها، والناس مراتب وأنواع، فعلى المستدرك أن يُراعي ذلك كله، ويسلك من اللين والشدة ما كان أنجع وأسلم في تحقيق المقصد من الاستدراك.

2 -

الحرص على إيضاح الحق وإيصاله لكل من يحتاجه.

وتُطالعُنا الكتب بنماذج لهذا الحرص، حيث مُورس الاستدراك في ظروف صعبة يمر بها المستدرك، من ذلك استدراك عمر رضي الله عنه على الشاب الذي زاره في مرض موته، وقال له - أي الشاب -: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. فقال له عمر رضي الله عنه: وددت

(1) هو ابن عباس رضي الله عنهما. [يُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (9/ 188)].

(2)

صحيح مسلم، (634)، ك النكاح، ب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رقم (27 - 1406).

(3)

كشف الغطاء عن استدراكات الصحابة النبلاء رضي الله عنهم بعضهم على بعض من خلال الكتب الستة، (93).

ص: 473

أن ذلك كفاف لا علي ولا لي. فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض. قال عمر رضي الله عنه: ردوا علي الغلام. وقال له: ابن أخي! ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك (1).

وشبيهٌ من هذا الموقف ما حكاه صاحب (تلبيس إبليس) بسنده عن أبي عثمان (2) في وقت وفاته، حيث مزّق ابنه أبو بكر قميصًا كان عليه، ففتح أبو عثمان عينه، وقال: يا بني! خلاف السنة في الظاهر، ورياء الباطن في القلب (3).

3 -

التثبت من نسبة القول أو الرأي إلى المستدرَك عليه قبل الحكم، وإن لم يستطع علق الأمر بالافتراض بدون جزم، وتوجه الاستدراك على ذات القول، أو الرأي.

ومن تطبيقات التثبّت من النسبة:

عن أبي صالح الزيات أنه سمع أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه: يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ. فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلَّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ (4).

فأبو سعيد رضي الله عنه تثبّت من نسبة القول إلى ابن عباس رضي الله عنهما لما بلغه أنه لا يرى بأسًا من التفاضل بين النقدين من جنس واحد إذا كان يدًا بيد، وناقشه فيه (5).

ويصلح موقف ابن عمر من السائل الذي سأله عن الطواف قبل أن يأتي الموقف نموذجًا في تعليق الأمر بالافتراض، وتوجه الاستدراك إلى ذات الرأي عند ضيق الوقت

(1) رواه البخاري في: (صحيحه)، (5/ 15)، ك فضائل الصحابة، ب قصة البيعة والاتفاق على عثمان رضي الله عنه، رقم (3700).

(2)

هو: أبو عثمان، سعيد بن إسماعيل بن سعيد الحيري الرازي المولد، النيسابوري، الصوفي، المحدث، الواعظ، الأستاذ، قال الذهبي: هو للخراسانيين نظير الجنيد للعراقيين. توفي سنة 298 هـ.

[يُنظر: حلية الأولياء، (10/ 244). و: سير أعلام النبلاء، (14/ 62)].

(3)

تلبيس إبليس، (198).

(4)

صحيح البخاري، (3/ 74)، ك البيوع، ب بيع الدينار بالدينار نساءً، رقم (2178 وَ 2179).

(5)

وقد تقدم الكلام على رأي ابن عباس في المسألة في (196).

ص: 474

أو عدمه للتثبت، ذلك أنه قال له في آخر كلامه:«إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» . والنموذج قد تقدم ذكره في أدب التواضع في المبحث الأول (1).

فالشاهد في قوله: «إن كنت صادقًا» ، حيثُ علّق الأمر ولم يجزم بنسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما ووجّه الاستدراك على ذات القول؛ لأنه في ظرفٍ لا يُتيح له سعةَ التثبّت، لحاجة السائل الحالية إلى الفتوى.

4 -

الحفاظ على قول المستدرَك عليه، بحيث لا يُغيّر كلامه بما يُحيل المعنى.

وعدّه صاحب (الجدل على طريقة الفقهاء) من أدب الجدل (2).

5 -

العدل والإنصاف.

يقول ابن تيمية: «ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح قط بحال» (3).

وقد أنكر ابن دقيق العيد على من انتقد (جامع الأمهات) من دافع الحسد، وقال: «فتارة يُعاب لفظه بالتعقيد، وطورًا يقال: لقد رمى المعنى من أمد بعيد، ومرة ينسب إلى السهو والغلط، وأخرى رجح غير المشهور، وذلك معدود من السقط، وجعل ذلك ذريعة إلى التنفير عن كتابه

وذلك عندنا من الجور البين، والطريق الذي سلوك سواه والعدول عنه متعين» ثم أوضح الموقف الصحيح من هذه الأمور فقال: «فأما الاعتراض بالتعقيد والإغماض فربما كان سببه بعد الفهم

وإنما وضعت هذه المختصرات لقرائح غير قرائح

فربما أخذها القاصر ذهنا فما فك لها لفظًا، ولا طرق لها معنى، فإن وقف هناك وسلّم سلِم، وإن أنف بالنسبة إلى التقصير فأطلق لسانه أثم

وأما السهو والغلط فما أمكن تأويله على شيء يتأول، وما وجد سبيل واضح إلى توجيه حمل على

(1) يُنظر: (466) من هذا الفصل.

(2)

يُنظر: (2).

(3)

منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، (5/ 126).

ص: 475

أحسن محمل، وما استدت فيه الطرق الواضحة، وتؤملت أسباب حسنه أو صحته فلم تكن لائحة فلسنا ندّعي لغير معصوم عصمة، ولا نتكلف تقدير ما نعتقده غلطًا بأن ذلك أبهج وصمه، فالحق أولى ما رفع علمه

ولكن لا نجعل ذلك ذريعة إلى ترك الصواب الجم، ولا نستحل أن نقيم حق المصنف شيئا إلى ارتكاب مركب الذم

ولو ذهبنا نترك كل كتاب وقع فيه غلط أو فرط من مصنفه سهو أو سقط، لضاق المجال» (1).

6 -

التأني والتأمل قبل الاستدراك.

«فاتهام النفس بالقصور خير من اعتراض في غير وجه حق» (2).

وهذا ما تفيده قصة الخضر مع موسى عليه السلام، حيث لام الخضرُ موسى عليه السلام لاستعجاله في الاستدراك، رغم أنه طلب منه التأنّي حتى يُحدّثه بتأويل أفعاله.

7 -

العلم بما يستدرك فيه.

فلا يستدرك على ما لم يُحط به علمًا، وإلا لأتى بالعجائب.

ويُنبّه العلماء على هذا الأدب، من ذلك قول الشاطبي (3) في (لاميته):

وإن كان خرقٌ فادّركْه بفضلةٍ

من الحلْمِ ولْيُصلحْهُ من جادَ مِقولا (4)

(1) من خطبته لشرح ابن الحاجب نصّ عليها السبكي في: طبقات الشافعية الكبرى، (9/ 236 - 237).

(2)

نظرية النقد الفقهي، (37).

(3)

هو: أبو محمد، وأبو القاسم، القاسم بن فِيْرُّه بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، سيد القراء، ناظم (حرز الأماني) و (الرائية)، له الباع الطويل في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، توفي سنة 590 هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (21/ 261). و: طبقات الشافعية، (2/ 35)].

(4)

البيت رقم (78) من: حرز الأماني ووجه التهاني، القاسم بن فِيْرُّه الشاطبي. يُنظر البيت مع شرحه: الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع، عبد الفتاح عبد الغني القاضي، (34).

ص: 476

فقوله: «وليصلحه من جاد مقولا» أي: «ليصلح هذا العيب من ذرِب (1) لسانه، وكان متضلعًا من علوم العربية، واسع الاطلاع في علوم القراءات» (2).

وفي (مرتقى الوصول إلى علم الأصول) بعد أن أبدى إذنه في إصلاح عمله أعقب ذلك بقوله:

لكن بشرط العلم والإنصافِ

فذا وذا من أجمل الأوصاف (3)

وقد سبقت حكاية قول ابن تيمية في أدب الإنصاف (4)، ففيها التوجيه إلى الاستدراك بعلم.

ومن نماذج ذلك:

عن ابن خزيمة قال: حضرت مجلس المزني يومًا، وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد (5)، فقال السائل: إن الله عز وجل وصف القتل في كتابه صنفين عمدًا

(1) أي كان طليقًا فصيحًا.

جاء في تاج العروس: «وقال الراغب: أَصلُ مَعْنَى الذَّرَابَةِ: حِدَّةُ نَحْوِ السَّيْفِ والسِّنَانِ، وقِيلَ: هِيَ أَنْ تُسْقَى السُّمَّ، وتُسْتَعِارُ لِطَلَاقَةِ اللِّسَانِ مع عَدَمِ اللُّكْنَةِ، وهذا مَحْمُودٌ، وأَمَّا بمَعْنَى السَّلَاطَةِ والصَّخَابَةِ فمَذْمُومٌ، كالحِدَّةِ

نقله شيخُنَا، وعن ابن الأَعْرَابيّ: أَذرَبَ الرَّجُلُ، إِذا فَصُحَ لِسَانُهُ بَعْدَ حَضْرَمَةٍ، ولسَانٌ ذَرِبٌ: حَدِيدُ الطَّرَفِ وفيه ذَرَابَةٌ أَي حِدَّةٌ، وذَرَبُهُ: حِدَّتُه». [مادة (ذرب)، (2/ 429)].

(2)

الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع، (35).

(3)

(24).

(4)

يُنظر: (475).

(5)

«القتل شبه العمد: القتل بتعمد الضرب بما لا يقتل به غالبا، وعند الحنفية بغير السلاح» . [معجم لغة الفقهاء، (256)].

ص: 477

وخطأ (1)، فلم قلتم إنه على ثلاثة أصناف، وزدتم شبه العمد؟ فذكر الحديث (2).

فقال له: أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان (3)؟ فسكت المزني. فقلتُ لمناظره: قد روى هذا الخبر غيرُ علي بن زيد. فقال: ومن رواه غير علي. قلت: أيوب السختياني وخالد الحذاء (4)(5).

(1) في آيتي النساء: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [92 - 93].

(2)

الحديث بسنده من الأم: قال الشافعي: أخبرنا عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» . [(7/ 19)، رقم (2646)].

(3)

هو: «علي بن زيد بن عبدالله بن زهير بن عبدالله بن جُدعان التيمي، البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جدّ جده، ضعيف، من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين وقيل قبلها» . [تقريب التهذيب، (696)].

(4)

هو: أبو المنازل، خالد بن مهران، البصري، المشهور بالحذاء، الإمام الحافظ الثقة، ثقة يرسل، وقد أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، توفي سنة 141 هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (6/ 190). و: تقريب التهذيب، (292)].

(5)

رواية أيوب السختياني أشار إليها أبو داود في (سننه): (5/ 159)، ك الديات، ب دية الخطأ شبه العمد. ورواها النسائي بسنده في (سننه)، (8/ 40)، ك القسامة، ب كم دية شبه العمد، رقم (4791) وَ (4792).

ورواية خالد الحذاء عند أبي داود في (سننه) بسنده، (5/ 157)، ك الديات، ب دية الخطأ شبه العمد، رقم (4535). والنسائي بسنده من عدة طرق في (سننه)، منها ما في:(8/ 41)، ك القسامة، ب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء، رقم (4793)، و (4794).

ولمزيد من الاطلاع على الطرق يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى، (3/ 114). وتخريج د. رفعت عبد المطلب لرواية الشافعي في الأم، (7/ 19 وما بعدها)].

ص: 478

قال لي: فمن عقبة بن أوس (1)؟

قلت: عقبة بن أوس رجل من أهل البصرة قد رواه عنه أيضا محمد بن سيرين مع جلالته. فقال للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث فهو يناظر؛ لأنه أعلم بالحديث مني ثم أتكلم أنا (2).

ومن العلم معرفة مصطلحات المستدرَك عليه، ولْنعتبرْ في هذا بما حصل من الخلاف بين العلماء مما مآله إلى الاختلاف اللفظي.

8 -

الاقتصار على موضع الخلل في النقد والاستدراك، فلا يكون سبيلاً للتوسع في عدّ معايب المستدرَك عليه غير ذات العلاقة.

ويُشير إلى هذا الأدب قول ابن رجب المتقدم في أدب الرفق في العرض: «إلا أن يكون المصنف ممن يفحش في الكلام، ويُسيء الأدب في العبارة فينكر عليه فحاشته وإساءته دون أصل رده ومخالفته» (3).

9 -

تقديم الأهم في الاستدراك.

من ذلك عدم الاشتغال بالاستدراك على المفضول على حساب الاستدراك على الفاضل.

وهذا ما صرّح به صاحب (إدرار الشروق) حيث وصف (أنوار البروق) مع ما عمله فيه قائلاً: «ألفيتُه قد شد فيه وحشر، وطوى ونشر، وسلك السهول والنجود، وورد البحور والثمود، خلا أنه ما استكمل التصويب والتنقيب، ولا استعمل التهذيب والترتيب، فانتسب بسبب ذينك الأمرين إلى الإخلال بواجبين، واحتجب لامع بروقه

(1) هو أحد الرواة في سند الحديث رواه الشافعي من طريق آخر بسنده عنه غير طريق ابن جدعان. [يُنظر: الأم، (7/ 21)، رقم (2647)].

وعقبة بن أوس هو: عقبة بن أوس ويقال يعقوب بن أوس السدوسي البصري، وَهِم من قال له صحبة، صدوق، عدّه ابن حجر من الطبقة الرابعة. وهم مَن جُل روايتهم عن كبار التابعين.

[يُنظر: تهذيب الكمال، (20/ 187). و: تقريب التهذيب، (682)].

(2)

طبقات الشافعية الكبرى، (3/ 112).

(3)

الفرق بين النصيحة والتعيير، (8).

ص: 479

منها بحاجبين. ولما كان الأول منهما في مرتبة الضروريات، والثاني في درجة الحاجيات وضعتُ كتابي هذا لما اشتمل عليه من الصواب مُصحّحًا، ولما عدل به عن صَوْبه منقّحًا، وأضربتُ عما سوى ذلك، مؤثرًا للضروري على الحاجي ومرجحًا» (1).

ومن ذلك ألاّ يشتغل بالاستدراك على المسائل مستحيلة الوقوع أو بعيدة الوقوع على حساب النظر في المسائل الواقعة أو القريبة الوقوع. وفي هذا المعنى يقول الغزالي مُنكرًا على بعض المناظرين: «وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدًا للحرير ملبوسًا ومفروشًا وهو ساكت، ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط، وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء» (2). وقال منتقدًا مناظري أهل زمانه: «ولا ترى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها، بل يطلبون الطبوليات (3)

وربما يتركون ما يكثر وقوعه، ويقولون هذه مسألة خبرية (4) أو هي من الزوايا» (5).

10 -

الشجاعة في إبداء الاستدراك.

يقول ابن رجب في هذا المعنى: «وسواء الذي بيّن الخطأ صغيرًا أو كبيرًا، فله أسوة بمن رد من العلماء مقالات ابن عباس التي يشذ بها، وأنكرت عليه من العلماء» (6).

وقال ابن الجوزي في سياق بيان غرضه من تأليف (تلبيس إبليس): «ولا اعتبار بقول جاهل يقول: كيف يرد على فلان الزاهد المتبرك به. لأن الانقياد إنما يكون إلى ما

(1) مع الفروق وحاشية المالكي، (1/ 6).

(2)

إحياء علوم الدين، (1/ 43).

(3)

الطبوليات هي: «هي المسائل التي يراد بها الشهرة» . [حلية طالب العلم، بكر أبو زيد، (10)].

(4)

أي مُدرك الحق فيها هو الإخبار. أفاده الغزالي بعد سياق كلامه هذا بقليل.

(5)

إحياء علوم الدين، (1/ 44).

(6)

الفرق بين النصيحة والتعيير، (12).

ص: 480

جاءت به الشريعة، لا إلى الأشخاص، وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة، وله غلطات، فلا تمنع منزلته بيان زلله» (1).

ومن مواقف الفقهاء في الشجاعة عند إبداء الاستدراك الفقهي ما حكاه في (سير أعلام النبلاء): حيث قال: «اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ (2)

بِمَكَّةَ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ (3)؟

قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ (4) - أَظُنُّهَا الأَطبَارَ (5) - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعمِدَةُ (6)، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ (7)، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ، فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي،

(1)(163).

(2)

هو: عباد بن كثير الثقفي، البصري، العابد، نزيل مكة، متروك، توفي بعد 140 هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (7/ 106). و: تقريب التهذيب، (482)].

(3)

هو: عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباس، عم الخليفة أبي جعفر المنصور، وهو الذي هزم مروان بن محمد بالزاب، وتبعه إلى دمشق، وفتحها وهدم سورها، وقتل من أعيان بني أمية 80 رجلا بأرض الرملة، ومهد دمشق لدخول السفاح وظل أميرا على بلاد الشام مدة خلافته، فلما ولي المنصور خرج عبد الله عليه، ودعا إلى نفسه، فانتدب المنصور لإخضاعه أبا مسلم الخراساني، فقاتله في نصيبين، فانهزم عبد الله واختفى، وصار إلى البصرة، فأمنه المنصور، فاستسلم، وأشخص إلى بغداد وحبس بها، فوقع عليه البيت الذي حبس فيه فقتله، سنة 147 هـ.

[يُنظر: تاريخ بغداد، (10/ 8). و: الأعلام، (4/ 104)]

(4)

نقَل ابن سيده: «والمَقَامِع - أيضاً - الجِزَرَة وهي الأَعْمِدَة من الحَدِيد» . [المخصص، (2/ 60)].

(5)

جمعُ طَبَر، وهو الفأس، قال الجواليقي:«و (التَّبَرُ): الفأس بالفارسية، ومن ذلك سُمي (الطّبَرْزَد) من التمر؛ لأن نخلته كأنما ضربت بالفأس، وكذلك (طَبرسْتان) كان الشجر حول مدينتها أَشِبًا، أي مشتبكًا، فلم يُصل إليها حتى قُطع الشجر بالفؤوس» . [المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي، (276)].

(6)

سبق نقل ابن سيده في الهامش قبل السابق.

(7)

هو المقرعة. [يُنظر: حاشية (4) من الصحاح، (1/ 373)]

ص: 481

وَأَخَذَ اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ، وَأَدخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ، حَتَّى أَقَامُوْنِي مُقَاماً يُسْمَعُ كَلَامِي، فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ يُرِيْدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم عُهُودٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم لَا عَهْدَ بَيْنَنَا. فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ القَتْلَ، فَذَكَرتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عز وجل فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُم عَلَيْكَ حَرَامٌ.

فَغَضِبَ، وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! وَلِمَ؟ ! قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَاّ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِيْنِهِ» (1).

قَالَ: وَيْحَكَ! أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟ ! قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟ قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ، مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ. فَسَكَتَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَباً، فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوْهُ -. فَخَرَجتُ، فَرَكِبتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوْنِي، فَنَزَلتُ إِلَى الأَرْضِ، فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ - وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي - فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيْرِ، فَخُذْهَا. فَأَخَذتُهَا، فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ مَنْزِلِي. فَقَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أُرِدْكَ أَنْ تَحِيْدَ حِيْنَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ» (2).

(1) هو عند البخاري بلفظ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» . [صحيحه: (9/ 5)، ك الديات، ب قول الله تعالى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45]، رقم (6878)].

ومثله عند مسلم. [يُنظر: صحيحه، (798)، ك القسامة والمحاربين والقصاص، ب ما يباح به دم المسلم، رقم (25 - 1676)]

(2)

(7/ 128).

ص: 482

11 -

تحديد الخلل المُستدرك عليه.

وذلك بأن يُنقّح العمل الفقهي إلى أجزاء مُستدرك عليها وأجزاء غير مستدرَك عليها، قبل الخوض في المناقشة، ليزول اللبس، ولينتفع المُطّلع بالاستدراك، بعكس ما لو بدأ بالاستدراك مباشرة، فإنه قد ينصرف الذهن إلى غير موضع الخلل.

وقد لاحظ الباحثُ/ محمد المصلح هذا في منهج اللخمي في الاستدراك وقال: «لأن تحديد محامل القول وإبراز سياقه وإزالة الغموض والاحتمال عنه، قبل مناقشته والاستدراك عليه، يمكّن القارئ من إدراك التعقيب واستيعابه، وملاحظة مدى انسجامه مع الجانب المتعلق به» (1).

12 -

عدم المِنّة على المستدرَك عليه إن ظهر له الحق بالاستدراك، لأن الفضل كله لله تعالى.

نقل النووي عن الشافعي في هذا المعنى قوله: «ما كلمت أحدًا قط إلا وددتُ أن يُوفق ويُسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ» (2). فبهذه النفسية في الاستدراك لن يشعُر المُستدرِك بمنّة على من استدرك عليه، لأن الموفق والمُعين هو الله تعالى، وهو الذي يهدي عباده لاتباع الحق.

13 -

عدم القطع بصحة الاستدراك فيما يدخله الاجتهاد والاحتمال.

وقد لاحظ الباحث/ أبو الحاج هذا في دراسته للمنهج الفقهي للإمام اللكنوي، حيث عدّ من صفات طريقته في تحقيق المسائل: عدم ادعائه أن ما حققه هو الصواب المطلق، ودلّل لذلك قائلاً: «مثاله ما قاله بعد ذكر حجج مشايخ المذهب في إمامة المرأة والرد عليها: (والذي يظهر أن الحكم بالكراهة - ولا سيما بالتحريمية - من تخريجات المشايخ، على حسب أفهامهم ومزعوماتهم، لا من كلام أئمتهم، ولعل

(1) الإمام أبو الحسن اللخمي وجهوده في تطوير الاتجاه النقدي في المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، (1/ 235).

(2)

المجموع، (1/ 68).

ص: 483

لكلامهم وجهًا لم يُطّلع عليه، وما اطلعنا عليه قد بينا حاله، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (1)، وهو ذو الفضل، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} ) (2)» (3).

14 -

مراعاة المصلحة في الاستدراك باستشراف مآلاتها، سواء من ناحية الشخص المَستدرَك عليه، أو من ناحية عمله.

فقد تقتضي المصلحة عدم الاستدراك في الوقت الحالي.

من نماذج ذلك:

ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر، فلما كان آخر حجة حجها عمر - ونحن بمنى - أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشيًّا، فقال: لو شهدت أمير المؤمنين اليوم، أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! إني سمعت فلانا يقول: لو قد مات أمير المؤمنين قد بايعت فلانا. فقال عمر: إني لقائمٌ عشية في الناس؛ فنحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين أمرهم. قال فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك، وإني أخشى إن قلت فيهم اليوم مقالة أن يطيروا بها كل مطير، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها، ولكن أمهل - يا أمير المؤمنين - حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار السنة والهجرة، وتخلص بالمهاجرين والأنصار، فتقول ما قلت متمكنا، فيعوا مقالتك، ويضعوها على مواضعها. قال فقال: عمر أما والله - إن شاء الله - لأقومنّ به في أول مقام أقومه في المدينة

(4).

والشاهد فيه أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أشار على عمر رضي الله عنه بعدم الاستدراك على ما قيل في ذلك الوقت؛ لما يتواجد فيه من الناس من لا يحملونه على محمله

(1) يوسف: 76.

(2)

المائدة: 54. والحديد: 21. والجمعة: 4.

(3)

المنهج الفقهي للإمام اللكنوي، (227). والنقل عن اللكنوي من: تحفة النبلاء، (31) بواسطة نفس المرجع، ونفس الصفحة.

(4)

مصنف عبد الرزاق، (5/ 439)، رقم (9758).

ص: 484

الصحيح، وهذا مآل يهدم المقصود الإصلاحي من الاستدراك، فكان الرأي تأجيل الاستدراك إلى حين القدوم إلى المدينة.

ومن نماذجه ما جاء في رسالة الليث إلى مالك: «وقد بلغنا عنكم أشياء في الفتيا مستكرهًا، وكنتُ كتبتُ إليك في بعضها فلم تُجبني في كتابي، فتخوّفتُ أن تكون استثقلتَ ذلك، فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكرت، وفيما أوردت فيه على رأيك» (1).

فقدّم الليث بقاء الأخوة الإيمانية على المبادرة بالاستدراك على مالك، لما لم يأتِه الجواب على كتابه الأول.

وقد تقتضي المصلحة عدم التصريح باسم المستدرَك عليه، إذ المقصود في الاستدراك هو العمل، فهو محلّ البحث والتقويم، وقد تقتضي المصلحة ذكر اسم المستدرك عليه كأن يُخشى من اتباع رأيه ولا يكون ذلك إلا بذكر اسمه.

وهذا مستفاد من منهج القرآن والسنة، ففي القرآن تنزل الآية بسبب فعل واحد من المؤمنين فتُقوّم ذلك الفعل وتُرشد إلى ما يُرضي الله فيه دون التعرض لشخص الفاعل كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، حيث نزلت فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)} (2)،

(1) التاريخ والمعرفة، (1/ 693).

(2)

الممتحنة: 1.

وقال ابن كثير في سبب نزولها: «كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أن حاطبًا هذا كان رجلا من المهاجرين، وكان من أهل بدر أيضًا، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفًا لعثمان. فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم، وقال: «اللهم، عَمِّ عليهم خبرنا» .فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم، ليتخذ بذلك عندهم يدًا، فأطلع الله رسوله على ذلك استجابة لدعائه. فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها». [يُنظر: تفسيره، (4/ 415)].

ص: 485

فلم تتعرّض الآية لشخصه رضي الله عنه وإنما توجّهت لذات الفعل بالتقويم.

أما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاستدراك على الأعمال: «ما بال أقوام» (1).

وقد تكون المصلحة في عدم إشاعة الاستدراك، وفي ذلك يقول صاحب (قواعد التصوف) عند عده للشروط التي يكون بها نفْع الكتب المؤلفة في الرد:«أن يقتصر بنظره على نفسه، فلا يحكم به على غيره ولا يبديه لمن لا قصد له في السلوك، فيشوش عليه اعتقاده الذي كان سبب نجاته وفوزه، فإن احتاج إلى ذلك، فليعترض على القول دون تعيين للقائل، ويُعرّض بعظمته وجلالته مع إقامة قدره» . ويختم بكلامٍ جامعٍ هو ميزانٌ في هذا الأدب فقال: «إذ ستر زلل الأئمة واجب، وصيانة الدين أوجب، والقائم بدين الله مأجور، والمنتصر له منصور، والإنصاف في الحق لازم، ولا خير في ديانة يصحبها هوى، فافهم» (2).

15 -

إعذار المستدرَك عليه خصوصًا في الرأي الاجتهادي.

وقد عدّ صاحب (قواعد التصوّف) شروطَ الانتفاع من الكتب المؤلفة في التحذير من الغلط، ومنها:«إقامة عذر القول فيه، بتأويل أو غلبة أو غلط، أو غير ذلك، إذ ليس بمعصوم» وقال مُفسّرًا: «إذ يكون لولي الزلّة والزلات، والهفوة والهفوات، لعدم العصمة وغلبة الأقدار» (3).

(1) كقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [صحيح البخاري، (1/ 98)، ك الصلاة، ب ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ، رقم (456)].

وكقوله: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ» . [صحيح البخاري، (1/ 150)، ك الأذان، ب بَاب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، رقم (750)].

(2)

(277)، قاعدة (210).

(3)

(277)، قاعدة (210).

ص: 486

ومن نماذجه:

عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيّ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ:«إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ في قَبْرِهَا» (2).

فالشاهد قول عائشة رضي الله عنها «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ» ، فإنها لما اعتقدت خطأ ما رآه ابن عمر رضي الله عنهما اعتذرتْ له بالخطأ أو النسيان.

ونبّه الفقهاءُ الناظرينَ في الأعمال الفقهية إلى هذا، من ذلك قول صاحب (كشاف القناع):«ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلت به القدم، فليدرأْ بالحسنة السيئة، ويحضر بقلبه أن الإنسان محل النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، و {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (3)، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (4)» (5).

16 -

وضوح العبارة عند الاستدراك، حيث يفهمها المستدرَك عليه والناظر في الاستدراك؛ لأن المقصود من الاستدراك إيصال الحق وتوضيحه؛ فيلزم منه أن يكون بكلام واضح لا لبس فيه، وقد تقرر أن الاستدراك الفقهي داخل في البلاغ، وأن البلاغ لابد أن يكون مُبينًا (6).

(1) هي: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية النجارية المدنية، الفقيهة، والدة أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، تريبة عائشة وتلميذتها. عالمة، فقيهة، حجة، كثيرة العلم. قيل توفيت سنة 98 هـ وقيل 106 هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (4/ 507). و: تهذيب الكمال، (35/ 241)].

(2)

صحيح مسلم، (414)، ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم (27 - 932).

(3)

هود: 114.

(4)

هود: 88.

(5)

(1/ 36).

(6)

سبق تقرير ذلك في الباب الأول، الفصل الثاني.

ص: 487