الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإصبع» (1). ويبدو لي - والله أعلم - أنه لأجل هذه العلاقة فُسر الفعل (ينْكُت) بـ (يفكّر ويحدث نفسه)(2).
المسألة الثانية: حقيقة التنكيت اصطلاحًا
.
ما توفّر لدي من مراجع في شأن التعريف الاصطلاحي يمكن أن أقسّمه إلى منهجين:
المنهج الأول: لم يُقصد منه تحرير تعريف التنكيت أو النُّكتة، وإنما الإشارة إلى المعنى العُرفي عند العلماء بذكر بعض لوازم هذا المعنى.
وهو ما تُطالعنا به المعاجم، أو الكلام العرَضيُّ للعلماء في مؤلفاتهم؛ لكشف المراد من الكلمة عند ورودها في الكلام. من ذلك ما يلي:
تعريف (التاج): «
…
وتطلق على المسائل الحاصلة بالنقل المؤثرة في القلب» (3). يعني النكتة.
وتعريف (أقرب الموارد): «النُّكتة
…
المسألة الدقيقة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر» (4). وأورد تعريفًا آخر فقال: «وقيل: النكتة من الكلام الجملة المنقحة المحذوفة الفضول» (5).
وتعريف (المعجم الوسيط): «الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس» (6). وعرفها بتعريف آخر فقال: «المسألة العلمية الدقيقة يُتوَصَّل إليها بدقة وإنعام فكر» (7).
(1)(5/ 128)، مادة (نكت).
(2)
يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 113). وفي لسان العرب بعد تفسيرها بهذا قال:«وأصله من النكت بالحصى» . 4536، مادة (نكت).
(3)
(5/ 128)، مادة (نكت).
(4)
(2/ 1342)، مادة (نكت).
(5)
(2/ 1342)، مادة (نكت).
(6)
(950)، مادة (نكت).
(7)
(950)، مادة (نكت).
وعرّفها ميّارة (1) بقوله: «والنُّكَت جمع نكتة
…
وهي التنبيه على ما ينبو عنه النظر ولا يُدرك بسرعة» (2).
وتُفرّق المعاجم بين اللطيفة والنكتة في المعنى الاصطلاحي، بأن الأولى أخص حيث تُطلق على ما يورث في النفس أثر الانبساط (3).
وأستفيد مما سبق؛ لاستنتاج صفات النكتة في المعنى الاصطلاحي، وهي:
1 -
الدقة؛ فلا تكون واضحة لكل أحد.
2 -
وبالتالي تحتاج إلى إمعان فكر؛ فليست سهلة الاستنباط على كل أحد.
3 -
التنقيح؛ فليست كلامًا مُسهبًا، بل تجمع المعاني المركّزة في ألفاظ قصيرة.
4 -
التأثير في النفس، ويبدو لي أن هذا التأثير هو تنبيه الغافل عن مرامي الكلام، أو كشف وَهمٍ يعتريه منه، ونحو هذا.
كما تُفيدُ المعاجم أن النُّكتة بتلك الصفات تُطلق على الفكرة، كما تُطلق على المسألة.
المنهج الثاني: استهدف تعريف التنكيت أو (النكتة) في اصطلاح العلماء.
(1) هو: عبد الله بن محمد بن أحمد ميارة الفقيه العلامة المالكي، من تآليفه شرح التحفة، وشرحان على المرشد المعين: كبير وصغير، وشرح لامية الزقاق، وتذييل على المنهج المنتخب، توفي سنة 1072 هـ.
[شجرة النور الزكية، (309)].
(2)
شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام لمحمد بن أحمد بن محمد الفاسي مع حاشية المعداني على الشرح والتحفة، (1/ 14).
(3)
يُنظر مادة (نكت) في: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، (2/ 1728). و: أقرب الموارد، (2/ 1342). و: محيط المحيط، المعلم بطرس البستاني، (2126).
وبعض هذه التعريفات في هذا المنهج لا يخرج عن ما أفادت به المعاجم، منه ما في (التعريفات):«النكتة هي مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر» (1).
أما القصدُ إلى تعريف (التنكيت) منهجًا في التقويم والبيان والنقد فلم أجد - فيما توفر لدي - إلا تعريفين:
التعريف الأول: «والتنكيت: اللطائف المستخرجة بدقة النظر وإتعاب الفكر في تحقيقها، وفيها من الشرح والتحقيق ما لا تظفر به في غيرها» (2).
ويُلاحظُ في التعريف جَعْل (اللطائف) جنسًا للمُعرّف، وهذا فيه:
- تعريف التنكيت بناتِجِه، والتعريفُ بالحَدَث أولى.
- قد تقدم أن اللطيفة أخص من النكتة، حيث تطلق على ما يورث نوع انبساط.
التعريف الثاني: تعريف الباحثة د. حنان الحازمي، حيث استنبطت تعريفًا لكتب التحرير والتنكيت، فقالت:«هي الكتب التي اشتملت على المسائل الدقيقة، التي استخرجت بإمعان، وكانت المؤثرة في القلب، مع تحرير المسألة عما تلتبس به» (3). ويُلاحظ في التعريف ما يلي:
(1)(316). ومثله في التوقيف، (710). وبنحوه في: الكليات، (907 - 908).
(2)
نقلاً عن القسم الدراسي من: تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي للإمام أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 826 هـ من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الجنائز - دراسة وتحقيق، هدى أبو بكر باجبير، إشراف/ أ. د. فرحات عبد العاطي سعد، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، الدراسات العليا الشرعية، فرع الفقه وأصوله، تخصص الفقه، 1429 هـ - 2008 م، هـ (260). (دكتوراة).
حيث فيه: «منهج التحقيق لأكرم العمري نقلا عن تحقيق كتاب النكت على ابن الصلاح لزين العابدين، (152)» . قلتُ: لم أجد الإحالة في تحقيق زين العابدين للنكت، ولم أجد التعريف في كتاب: دراسات تاريخية مع تعليقة في منهج البحث وتحقيق المخطوطات، أكرم ضياء العمري.
(3)
قسم الدراسة من كتابها: تحرير الفتاوى على التنبيه والمنهاج والحاوي لأحمد بن عبد الرحيم ولي الدين أبي زرعة بن العراقي - من كتاب البيوع إلى آخر كتاب الغصب - دراسة وتحقيق، (1/ 192).
- لم تتعرّض للتنكيت منهجًا في التأليف، ولكن عرّفت الكتب التي احتوتها.
- جمعت بين كتب التحرير وكتب النكت في تعريف واحد.
ولعل الأمرين راجعان إلى طبيعة بحثها؛ حيث تحقق كتابًا في التحرير وهو يحتوي نكتًا.
تعريف التنكيت اصطلاحًا:
وقبل اقتراح تعريف لمصطلح التنكيت، أحدد مساره، ووجهته بأمرين:
1 -
هدف التعريف هو بيان التنكيت منهجًا في النقد والبيان والتقويم.
2 -
منهج التنكيت مُتّبعٌ في علم الفقه وفي غيره أيضًا (1)، ويهتم التعريف هنا بمُلاحظة استعماله عند الفقهاء، مع الاستفادة من سلوك هذا المنهج عند غيرهم.
وبعدُ، فأستفيدُ من مجموع ما سبق، ومن تأمل بعض تصرفات العلماء (2) في هذا المنهج لأُعرّف التنكيت بأنه:
"إبرازُ مسألةٍ دقيقةٍ، بعبارةٍ موجزةٍ، ينشأ منه نفعٌ من عمل سابق، أو يكمله، في نظر المُبرِز".
وأقرر دلالات ألفاظ التعريف بما يلي:
(1) يُنظر - مثلاً - في علم التفسير: النكت والعيون، علي بن محمد بن حبيب الماوردي. وفي علم الحديث: النكت على كتاب ابن الصلاح، أحمد بن حجر العسقلاني. و: النكت الأثرية على الأحاديث الجزرية، ناصر الدين الدمشقي، مطبوع في مجموع فيه رسائله، (13/ 483)، وما بعدها.
(2)
كنكت ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح. و: نكت الزركشي عليها. و: السراج على نكت المنهاج، أحمد بن لؤلؤ المعروف بابن النقيب. و: النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر، إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي. و: النكت العلمية على الروضة الندية، عبد الله بن صالح العبيلان. و: النكت على العمدة في الأحكام، محمد بن بهادر الزركشي. و: نكت النبيه على أحكام التنبيه، النشائي. و: النكت في المسائل المختلف فيها بين الشافعي وأبي حنيفة، الشيرازي. و: النكت على زيادات الزيادات، السرخسي.
أولاً: لفظ (إبراز): فيه أن المسألة قبل هذا العمل كانت خفية على الناظر فيه - في نظر المبرز -، ويشمل ما يُتوقع خفاؤه؛ لأن المتوقّع يُنزل منزلة الواقع.
ثانيًا: لفظ (مسألة): هي التي يُطلق عليها (النّكتة)، والتنكيت هو إبرازها.
ولا يلزم أن تكون فقهيةً، بل يُمكن أن تكون غير فقهية يُخدم بها الشأن الفقهي في المُنكّت عليه.
ثالثًا: لفظ (دقيقة): وصف للمسألة، يخرج به المسائل الجلية، فهي بارزة لا تحتاج إلى إبراز، إلا في حالات نادرة، والنادر لا حكم له.
والوصف بالدقّة يُشير إلى أنّ استخراجها يحتاج إلى تأمل.
رابعًا: لفظ (بعبارة): يشمل المقول والمكتوب، وهي صيغة الإبراز.
خامسًا: لفظ (موجزة): وصف للعبارة، يُخرج العبارات المُطنبة.
وفي ذلك قول السرخسي (1) في (نكته على زيادات الزيادات): «
…
ثم بالاقتداء بالسلف رحمهم الله في الاكتفاء بذكر المُؤْثَرات (2) من النكات، مع ترك التطويل بكثرة العبارة، كما هو طريقة الماضين من علماء الدين رحمهم الله» (3).
وصفة الإيجاز واضحة في كتب النكت.
(1) هو: أبو بكر: محمد بن أحمد بن أبي سهل، السرخسي - بفتح السين وفتح الراء وسكون الخاء -، شمس الأئمة، كان إماما علامة حجة متكلما مناظرا أصوليا مجتهدا، لزم الإمام شمس الأئمة أبا محمد الحلواني، حتى تخرج به، أملى «المبسوط» حتى باب الشروط وهو في السجن، كان محبوسا في أعلى الجب، بسبب كلمة نصح بها الأمراء، ، وله كتاب في أصول الفقه وشرح السير الكبير، أملاه وهو في الجب، وله شرح مختصر الطحاوي، قيل مات حدود 490 هـ، وقيل غير ذلك.
[يُنظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي، (3/ 78). و: الفوائد البهية في تراجم الحنفية مع التعليقات السنية على الفوائد البهية، كلاهما لأبي الحسنات عبد الحي اللكنوي، (158)].
(2)
قال العتابي في شرحها: «أي المختارات» . يُنظر: شرح أحمد بن محمد العتابي على النكت على زيادات الزيادات لشمس الأئمة السرخسي، قسم التحقيق، (2).
(3)
النكت على زيادات الزيادات مع شرح العتابي، قسم التحقيق، (2).
سادسًا: لفظ (ينشأ منه نفع): فيه دلالة على الهدف الأول من التنكيت، والضمير في (منه) عائد إلى الإبراز.
وإنشاء النفع له صور كثيرة، منها تصحيح الخطأ، أو ذكر ما أُغفل، أو مقارنة، أو إيرادات مشكلة، أو عبارات نفيسة تتعلق بالمسألة
…
ونحو ذلك.
جاء في (نُكت النبيه) مبيِّنًا سبب تنكيته على (تصحيح التنبيه)(1): «
…
ولما كثر خطؤه فيما خطأه، وإخلاله فيما وطأه؛ عمدت إلى بيان ما أغفله، وتصويب ما أعضله
…
» (2).
وفي (نكت ابن النقيب على المنهاج): «فهذا تبيين لطيف
…
يستعين به من يدرس الكتاب على
…
تعريف الصواب
…
وأنبه في كثير مما جزم به على ما فيه من خلاف، وأقايس بينه وبين أصله
…
وأذكر ما حضرني مما يرد من الأسئلة
…
وأدرج فيه ما تيسر من محاسن شرحه لشيخنا
…
تقي الدين السبكي (3)
…
والشيخ
…
جمال الدين عبد الرحيم
(1) التصحيح للنووي، والتنبيه للشيرازي.
(2)
نكت النبيه على أحكام التنبيه، لكمال الدين أحمد بن عمر المدلجي النشائي - من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الجنائز، دراسة وتحقيق/ صالح بن سرحان بن عمر القرشي، إشراف/ د. فضل الله الأمين فضل الله، جامعة أم القرى، كلية الشريعة، قسم الدراسات الإسلامية، 1425 هـ، (72). (ماجستير).
(3)
هو: أبو الحسن، علي بن عبد الكافي بن علي، الأنصاري الخزرجي، تقي الدين، شيخ الإسلام، الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار القاضي. أفتى وصنف ودرس بالمنصورية والهكارية والسيفية وتفقه به جماعة من الأئمة كالإسنوي وأبي البقاء وابن النقيب. له: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، والابتهاج في شرح المنهاج، والسيف المسلول على من سب الرسول. توفي سنة 756 هـ.
[يُنظر: طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، (10/ 139). و: طبقات الشافعية، (3/ 37)].
الإسنوي (1)
…
وأذكر في كل باب
…
ما في (التنبيه) نصًّا مما ليس في (المنهاج)» (2).
ثامنًا: لفظ (من عمل سابق): الجار والمجرور متعلق بـ (نفع)، وفيه دلالة على أن أعمال التنكيت تكون مرتبطة بأعمال سابقة، ولا تكون مستقلة.
تاسعًا: لفظ (أو يكمله): هذا الهدف الثاني من التنكيت، وهو يُثبت للعمل السابق نفعًا ولكنه يحتاج لتكميل، كتصوير المسائل، أو بيان لفظ، أو تقييد مطلق، أو تخصيص عام
…
ونحو ذلك.
كما في (نكت ابن النقيب): «فهذا تبيين لطيف على غالب ألفاظ المنهاج
…
يستعين به من يدرس الكتاب على إيضاح لفظه،
…
وأوضح فيه ما يحتاج إليه من تصوير مسائله وتقرير إشاراته» (3).
وفي (النكت على عمدة الأحكام): «الثاني (4): تحرير ألفاظ يقع فيها التصحيف، ويؤدي بها ذلك إلى التحريف، ولا يجد الإنسان سبيلاً إلى عرفانها ولو كشف عليها، ولا في كلام أحد من الشراح الإشارة إليها» (5).
(1) هو: أبو محمد، عبد الرحيم بن الحسن بن علي، القرشي الأموي الإسنوي المصري، جمال الدين، الإمام، واشتغل في أنواع من العلوم وأخذ الفقه عن الزنكلوني والسنباطي والسبكي وجلال الدين القزويني والوجيزي وغيرهم وأخذ النحو عن أبي حيان وقرأ عليه التسهيل. له: جواهر البحرين في تناقض الحبرين، وشرح المنهاج للبيضاوي، والهمات. أكثر علماء الديار المصرية طلبته، توفي سنة 772 هـ.
[يُنظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، (3/ 147). طبقات الشافعية، (3/ 98)].
(2)
السراج على نكت المنهاج، (1/ 27 - 28).
(3)
السابق، (1/ 27).
(4)
يعني الأمر الثاني الذي أراد صنعه في نكته على عمدة الأحكام.
(5)
الزركشي، (68).