الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: المظهر الثالث: إطلاق مُقيّد، وتطبيقاته
.
وهو من قبيل التصحيح الجزئي.
تطبيقاته:
النموذج الأول:
جاء في (رسالة ابن أبي زيد القيرواني): «وأقل الشفع ركعتان، ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1)، وفي الثانية بأم القرآن، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2)» (3).
قال صاحب (الفواكه الدواني): «وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ السُّوَرِ كَانَ لَهُ حِزْبٌ أَمْ لَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ (4)
وَخَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ فَمِنْهُ. وَبَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ غَازِيٍّ قَائِلًا: تَبِعَ خَلِيلٌ فِي تَقْيِيدِهِ بَحْثَ الْمَازِرِيِّ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَقْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَوْ لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، وَأَيْضًا هُوَ
(1) الأعلى: 1.
(2)
الكافرون: 1.
(3)
لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني مع الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأحمد بن غنيم بن سالم النفراوي، (1/ 310).
(4)
هو: أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي الأشبيلي المالكي، الإمام الحافظ القاضي، وتفقه بأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الشاشي، وأبي زكريا التبريزي، وجماعة، وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري، بخلاف ابنه القاضي أبي بكر، فإنه منافر لابن حزم. ولي قضاء إشبيلية، فحمدت سياسته، وكان ذا شدة وسطوة، فعزل، وأقبل على نشر العلم وتدوينه. من تصانيفه: عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي، والمحصول، وله تفسير للقرآن. توفي سنة 543 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (20/ 197)، و: نفح الطيب، (2/ 25)].
مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ (1)،
فَإِنَّهُ عَامٌّ فِيمَنْ لَهُ حِزْبٌ وَغَيْرُهُ، فَلِلَّهِ دُرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ تَرَكَ التَّقْيِيدَ» (2).
تحليل الاستدراك:
فالاستدراك هنا على تخصيص حالة من له حزبٌ من عموم استحباب القراءة بهذه السور في الشفع بدون مخصص، مع مخالفته لعموم الحديث ونقل الأئمة.
(1) رُوي من عدة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في وتره بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة.
منها ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ: بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ» . [جامع الترمذي، (1/ 477)، أبواب الوتر، ب ما جاء ما يُقرأ في الوتر، رقم (462). وقال المحقق د. بشار معروف: «وهذا حديث حسن الإسناد صحيح المتن»].
وقال الترمذي: «وفي الباب عن علي وعائشة وعبد الرحمن بن أبزى عن أبيّ ن كعب، ويروى عن عبد الرحمن بن أبزى عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
وقال: «وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ بِسُورَةٍ» . [جامع الترمذي، (1/ 477)].
ومن طرقه يُنظر مثلاً:
سنن أبي داود، (2/ 252 - 253)، باب تفريع أبواب الوتر، ب ما يُقرأ في الوتر.
وسنن النسائي، (3، 235 - 236)، ك قيام الليل وتطوع النهار، ب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، وَ: ب ذكر الاختلاف على أبي إسحاق في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الوتر).
وسنن ابن ماجه، (2/ 246 - 249)، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، ب ما جاء فيما يقرأ في الوتر.
(2)
(1/ 310).
النموذج الثاني:
في (شرح أبي داود للعيني): «وقال الشيخ محي الدين (1): ودليل الجمهور قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بأم القرآن» (2). فإن قالوا: المراد: لا صلاة كاملة. قلنا: هذا خلاف ظاهر اللفظ. ومما يؤيده حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» . رواه أبو بكر بن خزيمة (3)
في (صحيحه)(4) بإسناد صحيح. وأما حديث: «اقرأ ما تيسر
…
» (5) محمول على الفاتحة؛ فإنها مُتَيسرة، أو على ما زاد على الفاتحة بعدها، أو على من عجز عن الفاتحة. (6)
(1) هو النووي في شرح صحيح مسلم.
(2)
هو بهذا اللفظ في: مسند البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، (7/ 147).
(3)
هو: أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة، السلمي، النيسابوري، الشافعي، الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة، ، صاحب التصانيف. عني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، وكان سماعه بنيسابور في صغره، وفى رحلته بالري وبغداد والبصرة والكوفة والشام والجزيرة ومصر وواسط. توفي سنة 311 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (14/ 365). و: طبقات الشافعية الكبرى، (3/ 109)].
(4)
(1/ 248)، ك الصلاة، ب ذكر الدليل على أن الخداج الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر هو النقص الذي لا تجزئ الصلاة معه، رقم (490).
(5)
جزء من حديث المسيء صلاته، ولفظه في (صحيح البخاري):«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ، فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي. فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» . [(1/ 152)، ك الأذان، ب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت، رقم (757)].
(6)
المنهاج شرح صحيح مسلم، (4/ 102).
قلتُ: كل هذا فيه نظر، فقوله:«هذا خلاف ظاهر اللفظ» يعارضه قوله: «وأما حديث: «اقرأ ما تيسر
…
» فمحمول على الفاتحة»؛ لأن هذا أيضاً خلاف ظاهر اللفظ؟ لأن «ما تيسر» وقع مفعولاً لقوله: «لا اقرأ» . وهو عام يتناول قراءة الفاتحة، وغيرها، فقوله:«محمول على الفاتحة» تخصيص بلا مخصص، وهو باطل، فليت شعري، كيف جوزوا الحمل هاهنا على خلاف ظاهر اللفظ، ولم يُجَوزوا في قوله:«لا صلاة إلا بأم القرآن» ؟ » (1).
تحليل الاستدراك:
فاستدرك العيني على النووي تخصيصه عموم الحديث «ما تيسر
…
» بالفاتحة، مُلزِمًا إيّاه بما التزمه من العمل بظاهر اللفظ في حديث «لا صلاة إلا بأم القرآن» .
(1) محمود بن أحمد بن موسى العيني، (3/ 494).