الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
الغرض الثالث: دفع توهم، وتطبيقاته
.
ذلك أن يتوقع الفقيه وقوع خلل في فهم المستفيد للعمل الفقهي، فيستدرك الخلل المتوقع قبل وقوعه تنزيلاً للمتوقع بمنزلة الواقع، أو تظهر له أمارات صريحة أو غير صريحة لهذا التوهم فيستدركه.
ويُمكن أن يُطلق على هذا الغرض (إزالة اللبس) أيضًا، فمعناهما متقارب.
وفائدته: معالجةُ خلل الفهم المتوقّع هو تدارُكٌ للأمر قبل وقوعه؛ لأنه إذا وقع قد يصعُب إزالته، وهو تهيئةٌ للمستفيد لمواجهة ما قد يرد عليه من إشكالات قد يحارُ في الجواب عنها، فيُعطيه الفقيه من خبرته التي حصّلها من ممارسة النظر والاستدلال والترجيح والفتوى ومعرفته بالواقع
…
ما يُعِدّه للتصدي للإيرادات، وحل الإشكالات، ودفع الشبهات، ولإكمال المسيرة فيبدأ من حيث انتهى الآخرون.
تطبيقاته:
النموذج الأول:
جاء في (صحيح مسلم): «قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله (1): مَا حَجَبَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَاّ ضَحِكَ» (2).
قال في (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم): «ولا يفهم من هذا أن جريرًا كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بيته من غير إذن؛ فإنَّ ذلك لا يصحُّ لحرمة بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولما يُفضي ذلك إليه من الاطلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت» (3).
(1) هو: أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله، جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة، البجلي القسري، الأمير النبيل الجميل.
من أعيان الصحابة، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وكان حسن الصورة؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: جرير يوسف هذه الأمة، وهو سيد قومه.
لم يزل معتزلاً لعلي ومعاوية رضي الله عنهما بالجزيرة ونواحيها، حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة، توفي سنة (51 هـ وقيل 54 هـ)
[يُنظر: أسد الغابة، (1/ 409). و: سير أعلام النبلاء، (2/ 530 - 536)].
(2)
(1157)، ك فضائل الصحابة، ب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه، رقم (134 - 2475).
(3)
(6/ 403).
فخُشي أن يُفهم من نفي الحجب أنه كان يدخل بدون استئذان؛ حملاً للفظ (الحجب) على المعنى المعهود، فنفيه يقتضي الدخول بلا استئذان، فبيّن أن هذا المعنى غير مراد، بل مراده من نفي الحجب هو المبالغة في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم له حيث ما إن يعلم باستئذانه إلا ويأذن له ويبادر في ذلك، ويترك ما يكون فيه (1).
النموذج الثاني:
أن عَلِيَّ بْنَ مُدْرِكٍ (2) قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا أَيُّوبَ (3)، فَنَزَعَ خُفَّيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ حُبِّبَ إِلَيَّ الْوُضُوءُ» (4).
ففهم أبو أيوب رضي الله عنه معنى نظرهم إليه، وهو نظر استنكار لنزع الخفين مع ثبوت رخصة المسح عليهما، فبادر بالاستدراك؛ لئلا يُظن أنه لا يُثبِتُ هذه الرخصة، أو أن عنده علمًا بنسخها.
(1) المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.
(2)
هو: أبو مدرك، علي بن مدرك النخعي ثم الوهبيلي، الكوفي، ثقة، مات سنة 120 هـ. [يُنظر: تهذيب الكمال، (21/ 126). و: تقريب التهذيب، (704)].
(3)
هو أبو أيوب، خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، الأنصاري الخزرجي النجاري البدري، السيد الكبير. مشهور بكنيته، شهد العقبة وبدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة رضي الله عنها ومسجده الشريف، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مصعب بن عمير، توفي مجاهدًا وكان في جيش أميرُه يزيد بن معاوية، سنة 52 هـ، ودفنوه بالقرب من القسطنطينية وقبره بها.
[يُنظر: أسد الغابة، (2/ 116). و: سير أعلام النبلاء، (2/ 402)].
(4)
رواه أحمد في مسنده، (38/ 549)، رقم (23574). وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. [يُنظر نفس الجزء والصفحة].
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، (1/ 293)، ك الطهارة، ب باب جَوَازِ نَزْعِ الْخُفِّ وَغَسْلِ الرِّجْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَغْبَةٌ عَنِ السُّنَّةِ، رقم (1448) و:(3/ 140)، نفس الكتاب، ب من ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة، رقم (5625).
والطبراني في المعجم الكبير، (4/ 208)، رقم (3885). و:(4/ 232)، رقم (3936) وَ (3937).
وابن أبي شيبة في مصنفه، (1/ 161)، ك الطهارات، ب في المسح على الخفين، رقم (1854).
النموذج الثالث:
فهنا خُشي من أن يُفهم مفهوم مُخالفة من الشرط (إن نسي)، فأبان النووي أن الموضع هنا حكاية حال، لا مفهوم له.
(1) هو: أبو الحسن، أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم، الضبي، البغدادي، الشافعي، المعروف بابن المحاملي، شيخ الشافعية، من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد، وله: المجموع، والمقنع، واللباب، وله عن الشيخ أبي حامد تعليقه منسوبة إليه. توفي سنة 415 هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (17/ 403). و: طبقات الشافعية الكبرى، (4/ 48)].
(2)
هو: أبو العباس، أحمد بن محمد بن أحمد، الجرجاني: قاضي البصرة وشيخ الشافعية بها في عصره، كان إماما في الفقه والأدب، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وله تصانيف في الأدب حسنة منها المنتخب من كنايات الأدباء وإشارات البلغاء، وله: التحرير في فروع الشافعية، والمعاياة، والشافي. توفي سنة 482 هـ.
[يُنظر: طبقات الشافعية، (4/ 74). و: الأعلام، (1/ 214)].
(3)
(1/ 407).