الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجود من يقرضه.
قلتُ: والذي يظهر لي هو الجواز بغير الشرط المذكور، والله أعلم.
(1)
مسألة [9]: هل يبطل بيع العينة
؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (29/ 30): هذا مع التواطؤ يبطل البيعين؛ لأنهما حيلة ثم استدل بحديث ابن عمر الذي في الباب وإن لم يتواطآ؛ فإنهما يبطلان البيع الثاني سدًّا للذريعة. اهـ
مسألة [10]: من باع طعامًا إلى أجلٍ، فلما حل الأجل أخذ منه بالثمن الذي في ذمته طعامًا قبل قبض الثمن
؟
• في هذه المسألة قولان:
الأول: عدم الجواز، وهو قول سعيد بن المسيب، وطاوس، ومالك، وأحمد، وإسحاق، ووجهُ ذلك أنه ذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة، فحرم كمسألة العينة، فعلى هذا كل شيئين حرم النَّسَاء فيهما لا يجوز أن يؤخذ أحدهما عوضًا عن الآخر قبل القبض لثمنه إذا كان البيع نساءً. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم.
(2)
الثاني: الجواز إذا لم يكن عن حيلة، وهو قول أبي الشعثاء، وسعيد بن جبير،
(1)
انظر: «تهذيب السنن» (5/ 108)«مجموع الفتاوى» (29/ 30، 431)«المحلى» (1559)«سنن البيهقي» (5/ 331).
(2)
أثر ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 199) بإسناد صحيح، ولم أجد أثر ابن عمر رضي الله عنه.
وزين العابدين، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (6/ 263 - 264): وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي جَوَازُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ حِيلَةً وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الطَّعَامَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ أَوَّلَ لُزُومِهِ؛ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ الْأُوَلُ حَيَوَانًا، أَوْ ثِيَابًا. اهـ المراد
قال أبو عبد الله غفر الله له: الذي يظهر لي الجواز على ما ذكره ابن قدامة رحمه الله، ومن احتاط لنفسه فامتنع من ذلك كما أفتى بذلك ابن عباس رضي الله عنهما فجيد فقد صار فيها شبهٌ ببيع العينة، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «الأوسط» (10/ 364).
828 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُودَاوُد، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
معنى الحديث:
قال الصنعاني رحمه الله في «سبل السلام» (3/ 81 - 82): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الشَّفَاعَةِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءُ كَانَ قَاصِدًا لِذَلِكَ عِنْدَ الشَّفَاعَةِ، أَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهَا، وَتَسْمِيَتُهُ رِبًا مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِلشَّبَهِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَالِ مِنْ الْغَيْرِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ الشَّفَاعَةُ فِي وَاجِبٍ كَالشَّفَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فِي إنْقَاذِ الْمَظْلُومِ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، أَوْ كَانَتْ فِي مَحْظُورٍ كَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ فِي تَوْلِيَةِ ظَالِمٍ عَلَى الرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا فِي الْأُولَى وَاجِبَةٌ؛ فَأَخْذُ الْهَدِيَّةِ فِي مُقَابِلِهَا مُحَرَّمٌ، وَالثَّانِيَةُ مَحْظُورَةٌ؛ فَقَبْضُهَا فِي مُقَابِلِهَا مَحْظُورٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّفَاعَةُ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ فَلَعَلَّهُ جَائِزٌ أَخْذُ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُكَافَأَةٌ عَلَى إحْسَانٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ مُكَافَأَةٌ. اهـ
(1)
حسن. أخرجه أحمد (5/ 261)، وأبوداود (3541)، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة، ولكن تابعه عمر ابن مالك الشرعبي عند أبي داود وهو حسن الحديث، وفي إسناد الحديث القاسم بن عبدالرحمن الراوي عن أبي أمامة مختلف فيه، والراجح تحسين حديثه. وقد حسن الحديث الإمام الألباني رحمه الله في «صحيح أبي داود» .
قلتُ: أقوى الاحتمالات عندي -والله أعلم- أنها الهدية في مقابل شفاعة في محرم، وكأنَّ الحافظ أشار إلى ذلك بإيراده الحديث الذي بعده، والله أعلم.
ثم رأيت الشوكاني رحمه الله قد اختار القول الذي ذكرته كما في «نيل الأوطار» (15/ 440)، فللهِ الحمد.
829 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُودَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
قال الصنعاني رحمه الله في «سبل السلام» (3/ 82 - 83): وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَبْوَابِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ لَعْنَ مَنْ ذَكَرَ لِأَجْلِ أَخْذِ الْمَالِ الَّذِي يُشْبِهُ الرِّبَا، كَذَلِكَ أَخْذُ الرِّبَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَعْنُ آخِذِهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَحَقِيقَةُ اللَّعْنِ الْبَعْدُ عَنْ مَظَانِّ الرَّحْمَةِ وَمَوَاطِنِهَا. اهـ
قلتُ: ويحتمل أن يكون أورده للسبب المذكور في شرح الحديث السابق.
قال الصنعاني رحمه الله: وَالرَّاشِي هُوَ الَّذِي يَبْذُلُ الْمَالَ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْبَاطِلِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّشَاءِ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَاءِ فِي الْبِئْرِ، فَعَلَى هَذَا بَذْلُ الْمَالِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِشْوَةً، وَالْمُرْتَشِي آخِذُ الرِّشْوَةِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ، وَاسْتَحَقَّا اللَّعْنَةَ جَمِيعًا؛ لِتَوَصُّلِ الرَّاشِي بِمَالِهِ إلَى الْبَاطِلِ، وَالْمُرْتَشِي لِلْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. اهـ
وقد نصَّ جماعةٌ من أهل العلم على ما قاله الصنعاني من أنَّ دفع المال من أجل أن يأخذ حقه، أو يدفع عن نفسه الباطل؛ لا يكون محرمًا في حق المعطي، وممن نصَّ على ذلك عطاء، وجابر بن زيد، والحسن، و أيده ابن قدامة، ونقله الشوكاني
(1)
حسن. أخرجه أبوداود (3580)، والترمذي (1337)، وإسناده حسن.
عن بعض أصحاب الشافعي، وهو قول المغربي في «البدر التمام» ، وهو اختيار شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله.
ثم وجدتُ شيخَ الإسلام يقول كما في «الاختيارات» (ص 184): ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه، وهو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر. اهـ
وظاهر كلام الشوكاني في «النيل» أنه يمنع الإعطاء مطلقًا، والقول الأول أرجح.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (14/ 60)«نيل الأوطار» (5/ 545)«سبل السلام» و «البدر التمام» عند حديث الباب، «المحلى» (1638)(1639).
830 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
831 -
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ:«أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟» قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ المَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
المزابنة: تقدم تفسيرها في باب البيوع المنهي عنها.
قال الحافظ رحمه الله: وَفِي طَرِيقِ نَافِع تَفْسِير الْمُزَابَنَة وهي طريق رواية الباب وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مِنْ الْمَرْفُوعِ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي الْبَابِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ جَابِر كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنه مَرْفُوعًا رِوَايَة سَالِم، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِذِكْر الْمُزَابَنَة، وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فَهُمْ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا مُزَابَنَة،
(1)
أخرجه البخاري (2205)، ومسلم (1542)(76).
(2)
صحيح. أخرجه أحمد (1/ 175)، وأبوداود (3359)، والنسائي (7/ 268 - 269)، والترمذي (1225)، وابن ماجه (2264)، وابن حبان (5003)، والحاكم (2/ 38)، كلهم من طريق: مالك ابن أنس، حدثني عبدالله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي عياش، عن سعد به، وهذا إسناد صحيح، وأبو عياش هو: زيد بن عياش المدني، وثقه الدارقطني، وغيره.
وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا: هَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ كُلّ مَا لَا يَجُوزُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ كَيْل بِجُزَاف، وَلَا جُزَاف بِجُزَاف؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِلْحَاقِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنَّخْلِ، وَالْكَرْمِ. اهـ «الفتح» (2183).
قلتُ: مراد الحافظ بحديث أبي سعيد هو ما أخرجه البخاري (2186) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمحاقلة، والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر على رؤوس النخل.
ومراده بحديث جابر في «مسلم» هو ما أخرجه برقم (1536)(83) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمخابرة، ثم فسَّرها وقال: والمزابنة أن يُباع النخل بأوساق من التمر. قال زيد بن أبي أنيسة لعطاء: أسمعت جابر بن عبدالله يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
ورواية سالم أراد بها ما أخرجه البخاري برقم (2183) بلفظ: «لا تبيعوا الثمر بالتمر» .
إذا تبين ما تقدم: فجمهور العلماء على أنَّ علة التحريم في المزابنة هو الجهل بالتماثل، ويشترط في هذه المبيعات أن تكون مثلًا بمثل، ويؤيده حديث سعد بن أبي وقاص:«أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟» .
وقال مالك رحمه الله: المزابنة كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله، ولا وزنه، ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغيره، سواء كان من جنس يجري الربا في نقده أم لا؟ وسبب النهي عنه ما يدخله من القمار والغرر.