الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
844 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ فُلَانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ، فَلَوْ بَعَثْتَ إلَيْهِ، فَأَخَذْت مِنْهُ ثَوْبَيْنِ نَسِيئَةً إلَى مَيْسَرَةٍ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَامْتَنَعَ. أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَيْهَقِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: التأجيل إلى ميسرة في البيع والقرض والسلم
؟
أما في السلم فقد تقدم أنه يجب تحديد الأجل فيه؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إلى أجل معلوم» ، وَنُقِل الإجماع على ذلك.
• وأما في البيع إلى أجل: فمذهب الجمهور وجوب تحديد الأجل، وعدم جواز تأجيله إلى ميسرة؛ لأنه يصبح أجلًا مجهولًا، واستدلوا بالآية:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] وقالوا: عدم تحديد الأجل غرر يورث النزاع والاختلاف.
(1)
صحيح. أخرجه الحاكم (2/ 23 - 24)، والبيهقي (6/ 25)، وأخرجه أيضًا أحمد (6/ 147)، والترمذي (1213)، والنسائي (7/ 294)، من طريقين عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن عائشة رضي الله عنها به. وذكره الحافظ بالمعنى وإسناده صحيح على شرط البخاري، وقد صححه الإمام الألباني والإمام الوادعي رحمة الله عليهما، وقد قال ابن قدامة في «المغني» (6/ 403 - 404) قال ابن المنذر: رواه حرمي بن عمارة، قال أحمد: فيه غفلة وهو صدوق. قال ابن المنذر: فأخاف أن يكون من غفلاته إذ لم يتابع عليه. اهـ
قلت: الحديث من رواية شعبة ويزيد بن زريع عن عمارة بن أبي حفصة به. وليس لحرمي بن عمارة ذكر في السند، فالله أعلم؟!
• وذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى جواز البيع إلى ميسرة، وهو قول ابن خزيمة، وابن حزم، والصنعاني، وهو ظاهر اختيار ابن القيم.
واستدلوا على ذلك بحديث عائشة الذي في الباب، وبقوله تعالى:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، فإذا كان هذا في ثاني الحال؛ جاز من بداية الحال، واستدل ابن القيم على ذلك بحديث سبي حنين أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ردَّ على هوازن سبيهم، وقال للصحابة:«فمن أحبَّ أن يكون على حظِّه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا؛ فليفعل» .
(1)
قلتُ: ويستدل على ذلك أيضًا بحديث عائشة في «مسند أحمد» (6/ 268): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- اشترى من أعرابي فرسًا على خمسة أوسق من تمر العجوة، فرجع إلى البيت فلم يجد شيئًا، فأرسل أحد الصحابة إلى خويلة بنت حكيم، فقال لها:«إن كان عندك خمسة أوسق من تمرة العجوة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله» ، وإسناده حسن.
ثم استدركت فقلتُ: هذا الحديث في القرض، وليس في البيع إلى أجل، فتنبه. ولكن يمكن أن يقال: إذا جاز ذلك في القرض؛ جاز في البيع إلى الأجل، والقول الثاني هو الراجح، والله أعلم.
وقد أجاب الجمهور عن حديث عائشة أنَّ المقصود بقوله: «إلى ميسرة» ، أي:
(1)
أخرجه البخاري برقم (4319)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما.
وقت معلوم، متوقع فيه انتقال الحال من عسر إلى يسر. وهذا جواب السندي، ومنهم من قال: هذا من قول عائشة، فلو فعله النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لحدد أجلًا. وهذان الجوابان خلاف ظاهر الحديث، والله أعلم، وأما استدلالهم بالآية؛ فليس فيها اشتراط ذلك.
وأما في القرض: فظاهر كلام أهل العلم أنه لا يشترط فيه تحديد الأجل؛ فإنهم يقولون: للمقرض المطالبة ببدله في الحال؛ لأنه سببٌ يوجب الرد في المثليات، فأوجبه حالًا كالإتلاف.
• واختلفوا: هل يتأجل القرض إذا أجله أم لا؟ على قولين:
القول الأول: لا يتأجل، بل هو حال.
وهو قول الحارث العكلي، والحنابلة، والأوزاعي، والشافعي، وابن المنذر؛ وذلك لأنَّ الحق يثبت حالًا، والتأجيل تبرع منه، ووعد؛ فلا يلزم الوفاء به.
القول الثاني: إذا أجله؛ تأجل، ولا يطالبه قبل حلول الأجل.
وهذا قول مالك، والليث، وبعض الحنابلة، وصَوَّبه المرداوي، وعزاه الحافظ للأكثر، وهو قول ابن عمر
(1)
،
وعطاء، وعمرو بن دينار، واختاره
(1)
علقه البخاري في صحيحه (باب/17/كتاب الاستقراض) بصيغة الجزم، فقال: قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ.
وقال ابن حجر: قوله: (وقال ابن عمر
…
إلخ) وصله ابن أبي شيبة من طريق المغيرة قال: قلت لابن عمر: إني أسلف جيراني إلى العطاء؛ فيقضوني أجود من دراهمي، قال: لا بأس به ما لم تشترط. وروى مالك في «الموطأ» بإسناد صحيح، أن ابن عمر استسلف من رجل دراهم؛ فقضاه خيرًا منها.
البخاري، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجَّحه الشوكاني، والشيخ ابن عثيمين، وهو الصواب؛ لأنه يشمله قوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، وبقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، ولقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«المسلمون على شروطهم» ، وعقدهم القرض على ذلك بمنزلة الشرط، بل هو شرطٌ بعينه.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (6/ 403 - 404، 431)«الإنصاف» (5/ 116)«الفتح» (2404)«المحلى» (1197 - )«السيل» (3/ 144)«الشرح الممتع» (9/ 99)«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 434).