الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
817 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا
(1)
بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ».مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
818 -
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(3)
819 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(4)
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: الأصناف التي يجري فيها الربا
.
ذُكِر في الأحاديث المتقدمة ستة أصناف، وهي: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.
(1)
ولا تشفوا: أي ولا تزيدوا.
(2)
أخرجه البخاري (2177)، ومسلم (1584).
(3)
أخرجه مسلم برقم (1587)(81).
(4)
أخرجه مسلم برقم (1588)(84).
وقد أجمع العلماء على أنَّ هذه الستة الأصناف يجري فيها الربا، واختلفوا فيما عداها:
• فذهب طائفة من أهل العلم إلى أن التحريم يقتصر على الستة المذكورة، قال بذلك عثمان البتي، والظاهرية، وهو قول ابن عقيل الحنبلي، وحكي عن قتادة، وطاوس ورجحه الصنعاني، وهو ظاهر ترجيح الشوكاني في «السيل» ، واستدلوا بأنَّ النص جاء في هذه الأصناف، والعلة ليست منصوصة حتى يُقاس عليها غيرها، وهذا القول هو ترجيح الإمام الوادعي رحمه الله.
• وذهب عامة العلماء من السلف، والخلف إلى عدم الاقتصار على الأصناف الستة، بل ألحقوا بها غيرها، واختلفوا في ذلك:
أما بالنسبة للأصناف الأربعة -عدا الذهب والفضة- فاختلفوا في العلة، وإلحاق غيرها بها على أقوال:
القول الأول: يجري الربا في كل مكيل، سواء كان مطعومًا، أم لم يكن مطعومًا، فيدخل في ذلك الحبوب، والسكر، والأدهان، والجص، والأسمنت، والأشنان، وغيرها.
وهذا قول النخعي، والزهري، والثوري، وإسحاق، وأحمد في رواية، وهو المشهور عند الحنابلة، وهومذهب الحنفية، واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الأحاديث:«إلا كيلًا بكيل» .
القول الثاني: يجري الربا في كل مطعوم، سواء كان مكيلًا، أوموزونًا، أو معدودًا، فيجري الربا في بيع برتقالة ببرتقالتين، أو كوب من العصير بكوبين، أو بيع لحم بلحم، وهذا قول الشافعي، وهو المشهور عند أصحابه، وعزاه النووي إلى أحمد، وابن المنذر.
واستدلوا لهذا القول بحديث معمر بن عبد الله في «صحيح مسلم» (1592)، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الطعام بالطعام مثلًا بمثل» قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير. والطعام يطلق على المأكول والمشروب.
واشترطوا في هذا المطعوم أن يكون مطعومًا في الغالب بخلاف الحشائش، والشجر، والتراب الذي يؤكل لحاجة.
القول الثالث: يجري الربا في كل قوتٍ مُدَّخر، فلا يدخل في ذلك الفواكه؛ لأنها ليست بقوت، ولا اللحم؛ لأنه لا يدخر، وهو قول مالك، واختاره ابن القيم، فأما الملح فهو عندهم يُصْلِحُ القوتَ، فجرى مجرى القوت، وقد أوردوا عليهم الزعفران، والقرفة؛ فإنها تصلح القوت؛ ولم يجروا فيها الربا.
القول الرابع: يجري الربا في كل مطعوم يُكال، أو يُوزن، وهو قول سعيد بن المسيب، والشافعي في القديم، وأحمد في رواية، وابن المنذر، واختاره ابن قدامة، وصاحب «الشرح الكبير» ، وشيخ الإسلام، ورجحه الإمام ابن باز، وابن عثيمين، واللجنة الدائمة، وفيها: الفوزان، وعبد العزيز آل الشيخ؛ جمعًا بين أدلة القول الأول، والثاني.
القول الخامس: ما وجبت فيه الزكاة يجري فيه الربا، وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهذا القول ضعيفٌ؛ لأنَّ الملح يجري فيه الربا، ولا تجب فيه الزكاة.
قال الصنعاني رحمه الله في «السبل» (5/ 113): ولكن لَمَّا لم يجدوا علة منصوصة اختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا يقوي للناظر العارف أنَّ الحق ما ذهبت إليه الظاهرية. اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله: ولا يخفاك أن ذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في الأحاديث لبيان ما يتحصل به التساوي في الأجناس المنصوص عليها، فكيف كان هذا الذكر سببًا لإلحاق سائر الأجناس المتفقة في الكيل والوزن بهذه الأجناس الثابتة في الأحاديث، وأي تعدية حصلت بمثل ذكر ذلك؟ وأي مناط استفيد منها؟ مع العلم أن الغرض بذكرها هو تحقيق التساوي كما قال:«مثلا بمثل، سواء بسواء» .اهـ
قلتُ: حديث معمر بن عبد الله: «الطعام بالطعام، مثلًا بمثل، سواء بسواء» ، لم يقل بعمومه أحدٌ فيما نعلم، وعلى هذا فيحمل الطعام في ذلك على ما جاء منصوصًا عليها بالأحاديث الأخرى، مع ما ماثلها في كونه مطعومًا، ومكيلًا، أو موزونًا.
قال أبو عبد الله غفر الله له: ليس هناك نصٌّ صريحٌ على العلة، ولكن أقوى ما
ذكر من العلل المتقدمة هو ما ذكره أصحاب القول الرابع، ولا شك أن النظير يلتحق بنظيره، والتفريق بين النظير ونظيره مخالفة للشرع.
وكما أن عامة العلماء في زماننا قد ألحقوا الأموال الورقية بالذهب والفضة في الأحكام الشرعية؛ فكذلك يلتحق بالمكيلات الأربعة المتبقية ما كان مثيلها، والله أعلم.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط» (10/ 200): وأجمع عوام أهل العلم من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، والمغرب أن حكم كل ما يكال ويوزن مما يؤكل ويشرب حكم ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من البر، والشعير، والتمر، والملح، وذلك مثل الزبيب، والأرز، والجلجلان، والحمص، والعدس، والجلبان، والباقلاء، واللوبيا، والسلت، والذرة، والعسل، والسمن، والسكر، وما أشبه ذلك من المأكول، والمشروب المكيل والموزون، وأن كل ما بيع بصفة لا يباع إلا مثلا بمثل، يدًا بيد؛ فمن زاد، أو استزاد فقد أربى، والبيع فيه غير جائز.
وقد بلغني عن قتادة أنه شذ عن الجماعة فقال: كل ما خلا الستة الأشياء مما يكال، أو يوزن؛ فلا بأس به اثنين بواحد من صنف واحد يدًا بيد، وإذا كان نسيئة فهو مكروه.
قال: وبالقول الأول أقول؛ وذلك لما أجمع عليه عوام أهل العلم في قديم الدهر، وحديثه، ولا نعلم أحدًا خالف ما ذكرناه، ولا بلغنا ذلك عن أحد غير
قتادة، وبعض من أدكنا من أهل زماننا.
(1)
وأما بالنسبة للذهب والفضة: فاختلفوا في علتها وفي إلحاق غيرها بها.
قال ابن القيم رحمه الله في «أعلام الموقعين» (2/ 137): قَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعِلَّةُ فِيهِمَا كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: الْعِلَّةُ فِيهِمَا الثَّمَنِيَّةُ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إسْلَامِهِمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ مِنْ النُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَلَوْ كَانَ النُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ رِبَوِيَّيْنِ؛ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا إلَى أَجَلٍ بِدَرَاهِمَ نَقْدًا؛ فَإِنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهُ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ دُونَ النَّسَاءِ، وَالْعِلَّةُ إذَا انْتَقَضَتْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا. اهـ
وقال بالقول الأول النخعي، والزهري، وإسحاق، وللمالكية والشافعية وجهٌ أن العلة غلبة الثمنية، وما صوبه ابن القيم رحمه الله سبقه إلى ترجيحه شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى» (29/ 470 - 472).
حيث قال رحمه الله: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ هُوَ الثمنية لَا الْوَزْنُ، كَمَا قَالَهُ
(1)
وانظر: «المغني» (6/ 54 - )«الإنصاف» (5/ 3 - 6)«المجموع» (9/ 400 - 401)(9/ 393 - )«المحلى» (1480)«أعلام الموقعين» (2/ 136 - 137)«مجموع الفتاوى» (29/ 470)«السيل الجرار» (3/ 64 - )«حاشية ابن عابدين» (5/ 183 - 184)«بداية المجتهد» (2/ 129 - )«الاختيارات» (ص 127)«سبل السلام» «الشرح الممتع» (8/ 390)«القول المجتبى في بيان ما يجري فيه الربا» للصنعاني، «الأوسط» (10/ 200).
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ كَالرَّصَاصِ، وَالْحَدِيدِ، وَالْحَرِيرِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إسْلَامِ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ، وَهَذَا بَيْعُ مَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ إلَى أَجَلٍ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ؛ لَمْ يَجُزْ هَذَا.
ثم قال: وَالتَّعْلِيلُ بالثمنية تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَنْ تَكُونَ مِعْيَارًا لِلْأَمْوَالِ يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِعَيْنِهَا، فَمَتَى بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ؛ قُصِدَ بِهَا التِّجَارَةُ الَّتِي تُنَاقِضُ مَقْصُودَ الثمنية، وَاشْتِرَاطُ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فِيهَا هُوَ تَكْمِيلٌ لِمَقْصُودِهَا مِنْ التَّوَسُّلِ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَبْضِهَا لَا بِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ؛ مَعَ أَنَّهَا ثَمَنٌ مِنْ طَرَفَيْنِ، فَنَهَى الشَّارِعُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَنٌ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الإلزام الذي ذكره ابن القيم رحمه الله تبعًا لشيخه وارد على من جعل العلة الوزن ورودًا لا محيص عنه، وهذا يدل على بطلان التعليل بالوزنية.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (8/ 390): وأقرب شيء أن يقال: إنَّ العلة في الذهب والفضة كونهما ذهبًا وفضة، سواء كانا نقدين، أو غير نقدين، والدليل على أنَّ الربا يجري في الذهب والفضة، وإن كانا غير نقدين حديث القلادة الذي رواه فضالة بن عبيد أنه اشترى قلادة من ذهب فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارًا، ففصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فنهى النبي