الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْزَائِهَا؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ مُدَّةِ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ، وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ حَصَلَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُتَّهِبَ، رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيُّهُمَا ضُمِّنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُتَّهِبَ دَخَلَ عَلَى أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ الْعَيْنُ، فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَتِهَا، كَقِيمَةِ الْأَوْلَادِ؛ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا عَلَى الرُّجُوعِ بِضَمَانِهِ. فَأَمَّا الْأُجْرَةُ، وَالْمَهْرُ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ المُتَّهِبُ عَلَى الْوَاهِبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ الْوَاهِبَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُتَّهِبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. اهـ
قلتُ: والصحيح في المسألة أنه يتحملها الغاصب إذا لم يعلم المتَّهب؛ لأنه هو الذي غرَّه في ذلك، والله أعلم.
مسألة [18]: إذا غصب الرجل جارية، فوطئها
؟
قال أبو محمد بن قدامة رحمه الله في «المغني» (7/ 391): وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَهُوَ زَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا مَهْرَ لِلْمُطَاوِعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ مَعَ إكْرَاهِهَا؛ فَيَجِبُ مَعَ مُطَاوَعَتِهَا، كَأَجْرِ مَنَافِعِهَا، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُرَّةِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: أما الحرة فالجمهور على أنَّ لها المهر إذا أُكرهت، وليس لها إذا طاوعت؛ لأنه إذا وجب لها المهر في الزواج مقابل استحلال الفرج؛ فلأن يجب مع الإكراه من باب أولى.
• وخالف أبو حنيفة، وابن حزم فلم يجعلا لها مهرًا؛ لأنه وطء محرم يوجب الحد، والمهر جاء في الوطء الحلال.
والصحيح قول الجمهور، وحديث:«نهى عن مهر البغي» المقصود به المطاوعة؛ بدليل تسميتها (بَغِي).
وأما الأمة فالذي يظهر أنها إذا طاوعت؛ استحق السيد أرش نقص قيمتها، وهو أرش البكارة، وهذا قول بعض الشافعية، وبعض الحنابلة منهم: شيخ الإسلام؛ إلا أنَّ شيخ الإسلام لا يرى لها المهر في حالة الإكراه، ولا يرى إلا أرش البكارة في الحالتين.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن للسيد المهر في حالة الإكراه، وأرش البكارة في حالة المطاوعة، والله أعلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْبِكْرِ يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَلِهَذَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الثَّيِّبِ عَادَةً؛ لِأَجْلِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ تَفْوِيتِ الْبَكَارَةِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الذي يظهر أنَّ المكرهة للمالك لها المهر، وأرش
البكارة داخل فيه، وهو قول بعض الحنابلة، والشافعية.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَإِنْ حَمَلَتْ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا وَأَجْزَائِهَا، وَلَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًى؛ فَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا؛ وَجَبَ رَدُّهُ مَعَهَا، وَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ قَبْلَ هَذَا. هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ لَوْ سَقَطَ بِضَرْبَتِهِ، وَمَا ضُمِنَ بِالْإِتْلَافِ؛ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِالتَّلَفِ فِي يَدِهِ، كَأَجْرِ الْعَيْنِ. وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ الله تَعَالَى أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُهُ بِهِ بِالْجِنَايَةِ، فَيَضْمَنُهُ بِهِ فِي التَّلَفِ، كَالْأَجْزَاءِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: وهذا الذي اختاره ابن قدامة هو أقرب الأقوال، والله أعلم.
قال رحمه الله: وَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا؛ حَصَلَ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَالْأُمِّ؛ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ؛ ضَمِنَ نَقْصَهَا، وَلَمْ يَنْجَبِرْ بِالْوَلَدِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْجَبِرُ نَقْصُهَا بِوَلَدِهَا.
قال رحمه الله: وَلَنَا أَنَّ وَلَدَهَا مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ، كَالنَّقْصِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الصواب أنه يضمن النقص، ولا ينجبر بالولد.