الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: يحرم النَّسَاء في كل مالٍ بيع بمال آخر، سواء كان من جنسه، أو من غير جنسه، وهي رواية عن أحمد.
لكن قال ابن قدامة: وهذه الرواية ضعيفةٌ جدًّا؛ لأنه حكم يخالف الأصل بغير نص، ولا إجماع، ولا قياس صحيح. قال: وأصح الروايات هي الأولى؛ لموافقتها الأصل، والأحاديث المخالفة لها. قال أبو عبد الله: ليس فيها حديث يعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه. وذكر له حديث ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم في هذا، فقال: هما مرسلان، وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة، قال الأثرم: قال أبو عبد الله: لا يصح سماع الحسن من سمرة. اهـ
وقد أُجيب عن حديث سمرة مع التسليم بصحته بأنَّ المراد به النسيئة من الطرفين؛ لأنَّ اللفظ يحتمل ذلك، والنسيئة من الطرفين لا تجوز؛ لأنه يعتبر من بيع الكالئ بالكالئ، وهو لا يصح عند الجميع.
قال أبو عبد الله غفر الله لهُ: القول الأول هو الصواب في المسألة، والله أعلم.
(1)
مسألة [2]: حكم بيع اللحم بالحيوان
.
• أخرج مالك في «الموطأ» (2/ 655) بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع اللحم بالحيوان» . وهذا إسنادٌ ضعيفٌ مرسلٌ.
وبإسناد صحيح عنه أيضًا قال: من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم
(1)
انظر: «المغني» (6/ 64 - 66)«النيل» (2260)«بداية المجتهد» (3/ 186).
بالشاة والشاتين.
وأخرج الشافعي كما في «المسند» (2/ 145)، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، قال: قدمت المدينة؛ فوجدت جزورًا قد جزئت أجزاء، كل جزء منها بعناق، فأردت أن أبتاع منها جزءًا، فقال لي رجل من أهل المدينة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يباع حي بميت» ، قال: فسألت عن ذلك الرجل، فأخبرت عنه خيرا.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأن مسلم بن خالد فيه ضعف، ولأن القاسم بن أبي بزة يرويه عن رجل مبهم مجهول، ولا يعلم ممن سمعه.
وأخرج الشافعي كما في «المسند» (2/ 145) عن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق، فجاء رجل بعناق، فقال: أعطوني جزءًا بهذا العناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا. وهذا إسناده واهٍ؛ في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك، وقد كذب.
قال الإمام البغوي رحمه الله كما في «شرح السنة» (8/ 77): وكان القاسم بن محمد، وابن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، يحرمون بيع اللحم بالحيوان عاجلا وآجلا. وقال أبو الزناد: كل من أدركته من الناس ينهون عن بيع اللحم بالحيوان. وهذا قول الشافعي، سواء كان اللحم من جنس ذاك الحيوان، أو من غير جنسه، وسواء كان الحيوان مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل.
• وذهب جماعة إلى إباحة بيع اللحم بالحيوان، واختار المزني جوازه إذا لم يثبت الحديث، وكان فيه قول متقدم، ممن يكون بقوله اختلاف، لأن الحيوان ليس بمال الربا، بدليل أنه يجوز بيع حيوان بحيوانين، فبيع اللحم بالحيوان بيع مال الربا بما لا ربا فيه، فيجوز ذلك في القياس إلا أن يثبت الحديث، فنأخذ به، وندع القياس. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: وقول الشافعي هو قول مالك، وأحمد أيضًا، إلا أن مالكًا رحمه الله لا يرى التحريم إلا فيما إذا بيع الحيوان بلحم من جنسه؛ تشبيهًا له بالمزابنة، ولما فيه من الغرر عنده. وأحمد عنه قولان: المنع إذا بيع بجنسه، والمنع مطلقًا، والأول الأشهر عنه.
وما اختاره المزني رحمه الله هو الصحيح في المسألة؛ إذ لم يثبت الحديث الوارد في التحريم، وللمعنى الذي ذكره المزني؛ فقد جاز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فدل على أن الحيوان ليس مما يجري فيه الربا؛ فجاز بيعه باللحم نسيئة، ويدًا بيد.
وهذا القول قال به الإمام الثوري، وهو قول أبي حنيفة، والظاهرية.
وقد اختلف القائلون بالتحريم في تمييز اللحم الذي يمنع بيعه على جهة التفاضل والنسيئة على أقوال كثيرة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «أعلام الموقعين» (2/ 112): والصواب في هذا الحديث - إن ثبت - أن المراد به إذا كان الحيوان مقصودا للحم كشاة
يقصد لحمها فتباع بلحم؛ فيكون قد باع لحما بلحم أكثر منه من جنس واحد، واللحم قوت موزون فيدخله ربا الفضل. وأما إذا كان الحيوان غير مقصود به اللحم كما إذا كان غير مأكول أو مأكولا لا يقصد لحمه كالفرس تباع بلحم إبل فهذا لا يحرم بيعه به، بقي إذا كان الحيوان مأكولا لا يقصد لحمه وهو من غير جنس اللحم فهذا يشبه المزابنة بين الجنسين كبيع صبرة تمر بصبرة زبيب، وأكثر الفقهاء لا يمنعون من ذلك، إذ غايته التفاضل بين الجنسين، والتفاضل المتحقق جائز بينهما فكيف بالمظنون؟ وأحمد في إحدى الروايتين عنه يمنع ذلك، لا لأجل التفاضل، ولكن لأجل المزابنة وشبه القمار، وعلى هذا فيمتنع بيع اللحم بحيوان من غير جنسه، والله أعلم. اهـ
قلتُ: الحديث لم يثبت؛ فلا تحريم في ذلك، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «الموسوعة الفقهية الكويتية» (9/ 179)«المحلى لابن حزم» (1507)«شرح السنة للبغوي» (8/ 77)«سنن البيهقي» (5/ 296)، «أعلام الموقعين» (2/ 111 - 112).
827 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» . رَوَاهُ أَبُودَاوُد مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ القَطَّانِ.
(1)
(1)
صحيح. أخرجه أبوداود (3462)، من طريق إسحاق بن أسيد الخراساني عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر به. وإسناده ضعيف؛ لضعف إسحاق، وعطاء الخراساني له أوهام. وأخرجه أحمد (4825)، من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر به. وهذا إسناد صحيح، وقد أعل بعدم سماع عطاء من ابن عمر، والصحيح أنه قد سمع منه، أثبت ذلك البخاري في «تاريخه» وابن المديني كما في الجزء الموجود من «علله» .
وللحديث طريق ثالثة عند أحمد (5007)، من طريق شهر بن حوشب عن ابن عمر. وشهر فيه ضعف، والحديث صحيح، وقد صححه الإمام الألباني في «الصحيحة» رقم (11).