الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر الحافظ رحمه الله حُجج المالكية، والحنفية في ردهم للحديث، وردَّ عليها، وبيَّن ضعفها، فراجع ذلك؛ فإنه مفيد.
قلتُ: وقد ذهب جماهير العلماء إلى إثبات خيار المجلس؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي في الباب، وبمعناه حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، في «الصحيحين»
(1)
أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «البيعان بالخيار مالم يتفرقا؛ فإن صدقا وبيَّنَا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما؛ مُحِقت بركة بيعهما» .
مسألة [2]: ضابط التفرق
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (2110): وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَاد أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ: هَلْ لِلتَّفَرُّقِ الْمَذْكُور حَدٌّ يُنْتَهَى إِلَيْهِ؟ وَالْمَشْهُور الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَب الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى الْعُرْف، فَكُلُّ مَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ تَفَرُّقًا حُكِمَ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. اهـ
مسألة [3]: قوله: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ»
.
بوَّبَ على هذا الحديث البخاري في «صحيحه» في [كتاب البيوع/باب: (45)]، فقال:[باب إذا خيَّرَ أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث الباب (2112): وَقَوْلُهُ «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ» أَيْ: لَمْ يَفْسَخْهُ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. أَيْ
(1)
أخرجه البخاري برقم (2079)، ومسلم برقم (1532).
بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي اِنْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِفَسْخِ أَحَدهمَا.
قال: وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث مَالِك «إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» ، فَقَالَ الْجُمْهُور -وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ-: هُوَ اِسْتِثْنَاءٌ مِنْ اِمْتِدَادِ الْخِيَارِ إِلَى التَّفَرُّق، وَالْمُرَاد أَنَّهُمَا إِنْ اِخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ؛ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ، وَبَطَلَ اِعْتِبَار التَّفَرُّق، فَالتَّقْدِير:(إِلَّا الْبَيْع الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُر). قَالَ النَّوَوِيُّ: اِتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيح هَذَا التَّأْوِيل، وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ، وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ. اِنْتَهَى.
قال الحافظ: وَرِوَايَة اللَّيْث ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَرْجِيحِهِ. اهـ
قلتُ: وهي رواية الحديث الذي في الباب.
قال الحافظ: وَقِيلَ: هُوَ اِسْتِثْنَاءٌ مِنْ اِنْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: «أَوْ يُخَيَّرُ أَحَدهمَا الْآخَر» ، أَيْ: فَيَشْتَرِط الْخِيَار مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَار بِالتَّفَرُّقِ، بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ. حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَرَجَّحَ الْأَوَّل بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ، وَتُعَيِّنُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ
(1)
مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل -قِيلَ: هُوَ اِبْن أُمِّيَّةَ، وَقِيلَ غَيْره- عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: إِلَّا أَنْ يَكُون الْبَيْع كَانَ عَنْ خِيَار؛ فَإِنْ كَانَ الْبَيْع عَنْ خِيَار وَجَبَ الْبَيْع. انتهى المراد من كلام الحافظ رحمه الله.
قلتُ: والصواب هو تأويل الجمهور؛ لصراحة حديث الباب في ذلك.
(1)
في «السنن» (7/ 248) بإسناد صحيح.