الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم أن تُباع حتى تُفصل.
(1)
ومعلوم أنَّ القلادة خرجت عن كونها نقدًا، وعلى هذا فيجري الربا في الذهب والفضة مطلقًا، سواء كانتا نقدًا، أم تبرًا، أم حليًّا على أي حال كانت، ولا يجري الربا في الحديد، والرصاص، والصفر، والماس وغيرها من أنواع المعادن. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: مذهب الشافعية أن العلة هي (جنس الثمنية)، ومذهب المالكية أن العلة هي (غلبة الثمنية)، وقال بعض الحنابلة: إن العلة هي (الثمنية)، ويظهر لي أن تعبير الشافعية أدق؛ فإنه يدل على أن الربا يجري بالذهب، والفضة من حيث هو ذهب وفضة، ولو لم تكن نقدًا، وعليه فلا يشكل على ذلك حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وينبني عليه أيضًا وجوب الزكاة في الأوراق النقدية، وجريان الربا فيها؛ فإنه مضمونة ومغطاةٌ بالذهب والفضة.
(2)
مسألة [2]: أقسام الربا
.
الربا قسمان:
أحدهما: ربا الفضل.
وهو الزيادة في أحد شيئين أوجب الشرع التماثل فيهما، كبيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح
(1)
أخرجه مسلم برقم (1591)(90).
(2)
وانظر: «أبحاث هيئة كبار العلماء» (1/ 53 - 55)، «الموسوعة الكويتية» (22/ 65 - )، «الفواكه الدواني» (2/ 74)، «شرح مختصرخليل» (5/ 56).
بالملح، وعلى هذا تدل أحاديث الباب المتقدمة كلها.
وقد أجمع أهل العلم على تحريمه، وقد كان فيه خلافٌ من بعض الصحابة كابن عباس، وابن عمر، وقد صحَّ عنهما الرجوع عنه كما في «صحيح مسلم» (1594)، وقد كان ابن عباس استند في إباحته إلى حديث أسامة بن زيد أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«إنما الربا في النسيئة» .
(1)
وقد اختلف أهل العلم في توجيه هذا الحديث، فمنهم من قال: إنه منسوخٌ. ومنهم من رجح الأحاديث الأخرى. وأفضل ما قيل في ذلك جوابان:
1) أنَّ معنى قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنما الربا في النسيئة» ، أي: الربا الأغلظ والأشد، فالمراد حصر كمال الربا في النسيئة لا أصل الربا، كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:4]. وهذا القول اختاره ابن القيم رحمه الله.
2) أنَّ الحديث محمولٌ على ما إذا اختلفت الأجناس، فيجوز التفاضل، ويحرم النَّسَاء.
وهذا الجواب ذكره الشافعي، وذكره البخاري عن شيخه سليمان بن حرب، ورجَّحه الطبري، وابن عبد البر، والبيهقي، وابن قدامة، وغيرهم، وهناك أقوال أخرى.
(2)
(1)
أخرجه البخاري برقم (2178)، ومسلم برقم (1596).
(2)
انظر: «الفتح» (2179)«أعلام الموقعين» (2/ 136)«تكملة المجموع» (10/ 40، 51 - )«سنن البيهقي» (5/ 281)«المغني» (6/ 52 - 53)«معرفة السنن والآثار» (4/ 296 - ).
ثانيهما: ربا النسيئة، وهو على نوعين:
• الأول: التأخير فيما أوجب الشارع فيه التقابض.
ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت المذكور في الباب: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» .
وقوله في حديث عمر في «الصحيحين» : «إلا هاء وهاء»
(1)
، وقوله في حديث أبي سعيد في الباب:«ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز» .
وربا النسيئة بهذا المعنى يحصل في بيع الشيء بجنسه، أو في بيع الشيء بجنس آخر يماثله في العلة؛ فلا يجوز بيع الذهب بالذهب إلى أجل، ولا يجوز بيع الذهب بالفضة إلى أجل، وكذلك لا يجوز بيع البر بالبر إلى أجل، ولا يجوز بيع البر بالشعير إلى أجل، وهذا النوع لا يجوز بغير خلاف، قاله ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (6/ 62).
• النوع الثاني: ربا الدين، وهو ربا الجاهلية، وله صورتان:
الأولى: أن يكون لإنسان على آخر دين إلى آخر الشهر، فيأتي آخر الشهر ومقداره ألف فيقول: إما أن تقضيني الألف، أو نؤخره إلى نصف شهر، وتعطيني ألفًا ومائتين؛ فهذا هو ربا الجاهلية بقولهم:(إما أن تقضي، وإما أن ترابي)، ولا يُشترط أن يكون الطلب من صاحب المال، بل يقعان في الربا ولو كان
(1)
أخرجه البخاري برقم (2134)، ومسلم برقم (1586).
الطالب لذلك هو المدين، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130].
وهذا الربا يحصل في غير الأصناف المنصوص عليها.
الثانية: القرض بفائدة مشروطة عند العقد، كأن يقول له: أعطيك ألفًا إلى شهر، على أن تُعيد لي ألفًا ومائة، أو على أن تسكنني في بيتك، أو على أن تعطيني سيارتك للانتفاع بها. وما أشبه ذلك.
(1)
فائدة: ابن القيم رحمه الله يسمي ربا النسيئة: ربا جلي. وربا الفضل: ربا خفي.
قال رحمه الله في «أعلام الموقعين» (2/ 135 - 136): فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجَلِيِّ؛ فَتَحْرِيمُ الْأَوَّلِ قَصْدًا، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي وَسِيلَةً.
ثم ذكر الربا الجلي بصورته في الجاهلية، ثم قال: وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ؛ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَّا»
(2)
،
وَالرِّمَّا هُوَ الرِّبَا،
(1)
انظر: «أعلام الموقعين» (2/ 135)، «المغني» (6/ 52).
(2)
ضعيف. أخرجه بهذا اللفظ أحمد (5885)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف؛ لأنه من طريق أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأبو جناب فيه ضعف، وأبوه مجهول، وثبت الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عند مسلم (1585) بدون الزيادة:«فإن أخاف عليكم الرِّمَّا» ، وقد صح بالزيادة موقوفًا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما في «موطإ مالك» (2/ 634، 635)، عن نافع، وعبدالله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه، من قوله، ولكن قال في أوله:«لا تبيعوا الذهب بالذهب» ، وفيه:«لا تبيعوا الورق بالورق» ..
فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ -وَلَا يُفْعَلُ هَذَا إلَّا لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، إمَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ، وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ- وَغَيْرِ ذَلِكَ تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ، وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهَذِهِ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا؛ فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً؛ فَهَذِهِ حِكْمَةٌ مَعْقُولَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْعُقُولِ، وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ. اهـ
(1)
فائدة: قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (6/ 61): لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ نَعْلَمُهُ، إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا. وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ»
(2)
، وَفِي لَفْظٍ:«إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
(3)
وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ؛ فَجَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَتْ مَنَافِعُهُمَا، وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، مَعَ تَقَارُبِ مَنَافِعِهِمَا. اهـ
(1)
وانظر: «الشرح الممتع» (8/ 410).
(2)
أخرجه الترمذي بهذا اللفظ (1240)، بإسناد صحيح من حديث عبادة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (1587)، وأبو داود (3349)(3350)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.