الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب السموم
لجنك أم لشاناق؟
قرأت في لغة الغرب المحبوبة (9: 291)، عبارة الأستاذ المجد العامل ف. كرنكو، عن كتاب السموم، الذي أخذت الآنسة ستروس تعده للنشر، ولكني توقفت عند نسبته الكتاب إلى جنك، والذي اعرفه انه لشاناق، الحكيم الهندي نسخة منه منقولة عن نسخة خزائنية، محفوظة بخزانة الكتب الخالدية في بيت المقدس، جاء أولها بماء الذهب:
(لخزانة كتب المولى، الملك العالم؛ العادل، المؤيد، المظفر، المنصور، المجاهد، نور الدين، ركن الإسلام، ظهير الإمام، مغيث الأنام، صفوة الخلافة، محيي العدل. قسيم الدولة، قوام الملة، مجير الأمة، فخر الملوك والسلاطين، قاهر المتمردين، قامع الكفرة والمشركين، نصرة المجاهدين، غياث الجيوش، حامي ثغور بلاد المسلمين، أمير العراقين، فلك المعالي، ملك أمراء الشرق والغرب، شهريار الشام، بهلوان جهان خسروا إيران. أخ (كذا. لعلها أخي) ارسلان، ألب غازي، اينانح (؟)، قبلغ، طغرلبك، أبو (كذا. لعلها أبي) الحرث. ارسلان شاه، بن مسعود، بن مودود، بن زنكي، بن أفسنقر، اتابك، ناصر أمير المؤمنين، اعز الله أنصاره، وضاعف جلالة واقتداره.)
وهذا المولى لم يدع ناقل النسخة، يحيى بن إسماعيل الربيعي، نعتاً من النعوت الجليلة، ولا صفة من الصفات الطبية إلا وصفها به، هو صاحب الموصل، المعروف باتابك. الملقب بالملك العادل، نور الدين الذي ملك الموصل بعد وفاة أبيه، وكان شهماً، عارفاً بالأمور، توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين
من رجب 607 في شبارة بالشط، ظاهر الموصل، كما ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان:(1: 77 من طبعة بولاق).
وهذا ما كتب في أول صفحة من الكتاب بالحرف:
(كتاب شاناق، في المنون والترياق)
وهو أسرار حكماء الهند، وكانت الملوك تصون هذا الكتاب في خزائنهم عن أولاهم، وخاصتهم، وهو كتاب جليل القدر، عظيم الخطر، يشمل على معرفة المسمومات، بمجرد النظر إليها، وصفة مجسها، وما يعرض للإنسان من ذوقها، ومن حصولها في المعدة،
وعلامات الاطعمة، والاشربه المسمومة، وغيرها مما يتناوله الإنسان من الفواكه الرطبة، واليابسة، وعلامات الأشياء المسمومة من الثياب. والبسط، والفرش؛ وما يلامس الجسد من الغسول والأدهان، والأكحال المسمومة، وصفة السموم الموجبة، والسموم المضاعفة القوى، المسمى (سم ساعة) وترياقها، وذكر ترياق لجميع السموم، والأفاعي كلها، لا يضر من يستعمله شيء من جميع السموم والحيات؛ وذكر الأدوية الممرضة، والمرقدات، والمبنجات، وحلها، وصلى الله على خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد وآله الطاهرين:)
أما المقدمة فهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(الحمد لله كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد، وعلى آله الطيبين الأخيار، وسلم تسليماً).
(كتاب شاناق في السموم المستنبطة)
كان شاناق عظيماً في الهند، رفيع القدر عند أهل دهره. فوضع هذا الكتاب فذكر فيه السموم المستخرجة بالحيل، والدلالة على ما يضادها وينفيها، ويدفع
ضررها بأذن الله. (فسره من اللسان الفارسي، منكه الهندية، وكان المتولي لنقلة بالخط الفارسي، رجل يعرف بأبي حاتم البلخي، فسره ليحيى بن خالد بن برمك. ثم نقل للمأمون على يدي العباس بن سعيد الجوهري، مولاه، وكان هو المتولي لقراءته على المأمون.)
قال العباس ين سعيد الجوهري: قال شاناق عظيم الهند في أول كتابه هذا بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، وحلف بعظيم البد إن النعم الظاهرة الفاشية زراعة للحسد في القلوب، والحسد مفتاح البغضاء، والبغضاء تنتجها العداوة. بضمر المضمار، والمضمار ينقسم قسمين، فأحد القسمين: سر مكتوم، والآخر جهار منظور، فالجهار هو المباداة في المطالبة، للتلف كعقد الولاية، وتعبية العساكر، ونضد الصفوف، وزحف الرايات، وخفق الطبول، والتدرع، والأهبة بالسلاح، وإعلان ما تسره الأفئدة والقلوب، من جليل الآفة، وعظيم البلاء، ومراقبة التمكن من التراب، ومن هذا يكون الحذر ويتنبه المطلوب من سنة الغفلة.
والقسم الآخر من المضار المكتوم، هو مردة الأعداء بظاهر حسن الشاهد في اللقاء، وترصد المخاتلة لهم بالبلاء؛ وهذا ابلغ الوجهين، في عموم المضرة وأسرعه في تهتك
الملاءمة، فشبهه سم بسم، يحلل الأنفس من أبدانها، في أسرع الأوقات؛ فأخفى سلاح القواتل، وابلغها مرادا، وأقربها مأخذاً، في تلف العدو السم الوحي، وهو ينقسم أقساماً: فمنه الطبيعي من الحيوان، مما تسره الهوام القاتلة، في جوف أنيابها، وحمم أذنابها، وغير ذلك، من دون البحر والبر من مأكول وملبوس، ومنه من النبات من عروقه، وورقه، ونوره، وبزره،
وثمره، ومنه معدني، وهو من أنواع حجارة الأرض، ومنه ما هو ظاهر مكشوف، مما استخرجه الحكماء من جوهر الحدبد، كالسيوف القواطع، والأسنة، والحراب، والرمي بالنشاب، وما أشبه ذلك من العدة مما به تكاملت القرنافي (؟) إلى علتين: أحدهما مواجهة المواقع لها، مما فيها من البلاء الكامن، تحتاج إلى ملاقاة ضدين، لأنه ربما كان فيها مانع، فلا تعمل بالوحدة، إلا عند ملاقاة الضد؛ لأنه ربما كان لذلك المانع كيفية زائدة في الحر، فيحتاج إلى كيفية زائدة في البرد، أو مانع من اليبس، فيحتاج إلى كيفية زائدة من الرطوبة؛ والحاجة العظمى هو حين تركيبها، وأحكام تأليفها، حتى يتم ما يراد منها، ولذلك نظير لما نجده حساً من حكنا خشب الصندل على الصندل مثله، والصندل بارد، فيظهر منه حراً والنورة والزرنيخ، يحدث منهما إحراقاً.
والوجه الآخر أن لا يكون قواها خارجة إلى الفعل إلا على الاجتماع والازدواج بينها؛ ومقدار ما يؤخذ منها في الوقت الملائم لذلك. نظيراً لما نجد أيضاً، أن الرجل منا، يضعف عن رفع حجر، فيحتاج إلى معونة رجل آخر مثله. على رفع ذلك الحجر. . .) الخ.
وقد قسم الكتاب إلى ثلاث مقالات: الأولى في الطعام المسموم، والشراب، والثمار، والملابس، والأكحال.
والمقال الثانية في الأدوية المضادة لتلك السموم.
والثالثة، في الأدوية المضادة لسموم العطور، والادهان، والغسولات.
والكتاب صغير الحجم لا يزيد على خمسين صفحة من القطع الصغير جاء في آخره:
(قال شاناق الحكيم: وكانت الأوائل من علماء الهند تسمي هذا الكتاب: (اليتيم) لأنه واحد في معناه.)
قال العباس بن سعيد الجوهري: قال المأمون: ينبغي أن يسقط من هذا الكتاب نعت الجارية المسمومة، لان هذا فعل الجاهلية من الهند، ولا حاجة بنا إليه، لأنه يتلف فيه ألف طفل،
من قبل أن يسلم واحد، فاسقط ذلك من هذا الكتاب، وليتق الله من صار إليه هذا الكتاب؛ ويصنه، ويعالج به من ابتلي بشيء مما في باطنه، فان اجره عظيم، ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله.) انتهى.
وبعد فان النسخة التي نقلنا عنها لم تنفرد بنسبة الكتاب إلى شاناق، بل أن النسخة التي بخزانة المغفور له احمد تيمور باشا المتوفى سنة 1348هـ 1930م في القاهرة نسبت إليه أيضاً بإسقاط الألف بين الشين والنون، وقد كان ذكر ذلك المرحوم بمقال نشره في مجلة الهلال (28: 326) عن نوادر المخطوطات.
وقد ترجم ابن أبي أصيبعة لشاناق وقال: (إن كتابه في السموم، خمس مقالات، وان له من التواليف: كتاب البيطرة، وكتاب في علم النجوم وكتاب منتحل الجوهر).
وقال ملا كاتب جلبي: (كتاب السموم لشاناق الهندي، خمس مقالات فسره من الهندي إلى الفارسي، منكة الهندي)، إلى آخر العبارة الواردة في مقدمة الكتاب.
فهل يصح بعد هذا كله؛ أن ننسب الكتاب إلى (جنك) الذي قد يكون هو الاسم الصحيح، في لغة الأرديةللمؤلف بعد أن أطلق عليه العرب
اسم (شاناق)، أو نقلوه إلى لغتهم على أوزانها بتلك الصورة.
عبد الله مخلص
(لغة العرب) لا جرم أن الكتاب لشاناق الهندي. والذي نقله من اللسان الهندي إلى الفارسي هو جنكه الذي هو هندي أيضاً. فمن نسب الكتاب إلى شاناق فقد نسبه إلى صاحبه ومؤلفه الحقيقي، ومن نماه إلى جنكه أو صنكه فقد عزاه إلى ناقله إلى الفارسية، ومن قال بأنه لأبي حاتم البلخي فقد عاد فيه إلى معربه. والكل مصيب، إذ قد يجوز هذا جماعة من الأدباء من باب التوسع. أما الصحيح الذي لا ريب فيه فهو لشاناق،
وعند صديقنا العزيز المحامي عباس أفندي العزاوي نسخه من هذا الكتاب، ولديه كتاب آخر في السموم لزنطاح الحكيم.
وقد كتب إلينا حضرة الخل الوفي الأستاذ الدكتور فريتس كرنكو أن في خزانة برلين العمومية نسخة من كتاب السموم لشاناق الهندي. ورقمها 6411 من مجموعة اهلورد. ودونك أوله: (كتاب شاناق الهندي في علامات الأشياء المسمومة، وبماذا تسم، وعلامات
من شرب بعضها وما يلحقه من العلل ومداواتها. كان شاناق الهندي عظيماً عند أهل زمانه، حكيماً). . . إلى آخر ما هناك
وبعد أن وصل تعليقنا إلى هنا بلغ إلينا كتاب تاريخ الآداب العربية لبروكلمن وقد وجدنا في المجلد 1: 242 أن في ليدن (هولندة) نسخة من كتاب السموم والترياقات رقمها 1284 وفي المتحف البريطانية نسخة رقمها 1357. وفهرس كتاب بروكلمن هذا من أسوأ مارتب، فانه يجري في ترتيب أسماء الكتب على الهجاء العربي، وبالطريقة العربية، مع أن الحروف حروف إفرنجية، وهو في نهاية الاضطراب حتى ليصعب على الباحث أن يجد ضالته، اللهم إلَاّ أن يكون ذلك نبهاً. فما اسخف واسقم هذه الطريقة!.