الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظمي وذووه
طلب في هذه المجلة (8: 530) صاحبها حضرة الأب أن اكتب ما يزيد في تراجم البيت الذي نمق عنه بعنوان (بيت عراقي قديم) الأستاذ عباس العزاوي بحثاً طويلا نشره في عدة أجزاء من المجلة في السنة الماضية فما لي إلَاّ أن انزل على رغبة حضرته لبيان النزر القليل الذي عثرت عليه بعد إبداء بعض الملاحظات إذ أني لا أرى بأساً في مجاذبة الأستاذ أطراف الحديث بهذا الشأن مع شكري إياه على سعيد المحمود في زيادة وقوفنا على أحوال هؤلاء الأفاضل.
الملاحظات
قال الأستاذ (ص 119): (أول ما عرفت (هذه الأسرة) - نظراً إلى ما وصل إلينا - من سفر ألفه أحد أفرادها وهو عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي. و (صاحب) هذا الكتاب عرفنا أباه وأقاربه ومكانة أسلافه وأزال الغشاوة عن ظنون كانت تحوم حول تحقيق امر، هو أمر اكبر مؤرخ عراقي أي مرتضى أفندي آل نظمي المعروف عند الترك بنظمي زاده فان هذا الكتاب أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بتعريف نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف فصحح كليمان هوار الفرنسي وأقوال الصديق يعقوب نعوم سركيس وغيرهما) أهـ
ثم قال (ص 275): (إن المؤرخين - نظراً لما عرف واشتهر من أحوال مرتضى المؤرخ العراقي - حاولوا إيضاح ما خفي من اصل أسرته فتضاربت آراؤهم في البحث عنه وكلها لم تتعد الحدس والتخمين فهي ظنون وأوهام.) أهـ
وقد أورد ترجمة نظمي عن نسخة (كلشن شعرا) التي بيده وأشار إلى أن نظمي متأخر عن عهدي فلا يمكن لكلشن شعرا - وهو لعهدي - أن يترجم نظمي فرأى (ص 123) أن في الكتاب مغمزاً - وقد صدق وسيجيء البحث عنه - لكنه ارتأى أن ما في كلشن شعرا صحيح وعلل ذلك.
قلت: والتصحيح الذي قصده العزاوي هو أن اسم والد مرتضى ليس بالسيد علي (ص 279) وانه يظن أن مرتضى لم يذهب إلى الأستانة (ص 432) لسبب أورده أما ما كنت قد جئت به فأني أرجعته إلى مصدره (راجع 7: 523) وهو (ما وصل إلينا). ولي كلام
على والد مرتضى والسيد علي يأتي:
مما ألاحظه قول الأستاذ (ص 119): (وان كانت (هذه الأسرة) تسمى في الأول بآل شمسي البغدادي ثم بآل نظمي البغدادي. . .) لا يتفق مع الواقع إذ أن نظمي سبط لعهدي كما قال العزاوي (ص 275) فهما أسرتان فلا بد أن كلا منهما كانت تدعى باسمها وليس هذا ادعائي زعماً مجرداً فقد أورد الأستاذ خلال كلامه نساً يناقض ما سبق له فانه قال (347) نقلا عن تذكرة سالم الذي كان من رجال ذلك العصر: (إنهما - أي حسين أفندي ومرتضى أفندي - من أدباء بغداد. . . اشتهرا بنظمي زادة. . .) اتخذا اسمهما لقباً لهما. أهـ
فإذا كان حسين ومرتضى في زمان حياتهما مشتهرين بنظمي زاده، فلا نرى وجهاً لتلك التسمية أي أن بيتهما كان يدعى يوماً بآل شمسي في حين أن يدنا خالية مما تستند إليه في تأييد قول الأستاذ، وهذا كاف ليجعلنا في حل من الشك في صحة رده (ص 439) على عنوان المجد للحيدري من انه وقع في غلط لتمييزه بين (بيت نظمي زاده) و (بيت عبد الله أفندي المفتي بن مرتضى أفندي) إذ عدهما بيتين لا بيتاً واحداً. والظاهر أن دليل العزاوي أن عبد الله أفندي هو ابن مرتضى أفندي ابن نظمي هو القول الذي رآه منقولاً من نزهة المشتاق من أن (عبد الله أفندي هو ابن مرتضى أفندي) فحسب. أو لا يمكن أن يكون مرتضى هذا غير ذلك؟ وليس هناك ترجمة لمرتضى نظمي زاده تعرفنا بأولاده ولا نص يفصح عن أن عبد الله هو ابن مرتضى بن نظمي ليرتفع كل ريب وتزول كل شبه.
ومما قاله الأستاذ (ص 278 - 279) أن نظمي (لم يذهب إلى بلاد الأناضول) فآخذ هوار على ذلك. قلت: أما كلسن خلفا (الورقة 72)
فانه يقول في كلامه عن هذه الأيام: (. . . أكثر أصحاب غيرت وأرباب ديانت اختيار هجر روم. .) ثم يقول: (بدر مرحوم دخى أول أيامده برقاج كون اختفا بعده ترك مال ومنال ومفارقت ديار وديار ايدوب. . . حافظ احمد باشا. . استخلاص بغداد ابجون عراقه تكرار عزيمت وامالهء عنان ايتدكده. . . (بدرم) اوردرو لرينه رهياب وملاقات شريفه لرى ايله مستطاب اولوب بو قصيدهء غرا ايله. . . حسب حاللرينى بيان ايتمشلردر.) أهـ. ثم يقول أيضاً (الورقه 73): (بعده باشاى مشار إليه (ايله) روم جنت رسومه هجرت واكرجه كرفتار آلام غربت اولمشلردر لكن نيجه وزرا
ومير ميرانه مقارنت ايله تحصيل سروسامان وتسليهء بخش دل بريشان لو لمشلردر.) أهـ. وملخص كلامه هو: (فاختار أرباب الغيرة والأتقياء الهجرة إلى الروم. (هنا بمعنى الأناضول) واختفى والدي في ذلك الزمن بعض الأيام ثم ترك ماله ومناله وفارق الأصدقاء وغادر الديار فسار إلى جيش حافظ احمد باشا وقد عاد إلى العراق لإنقاذ بغداد فطابت نفس والدي بملاقاته فانشد قصيدة غراء وبعده هاجر إلى الروم مع الباشا. وما اكثر الوزراء والميرميرانية الذين رافقهم. . .) أهـ. فكان أذن على هوار أن يقول أن نظمي سافر إلى آسية الصغرى وقد فعل فأصاب. إن إقامة نظمي في الرها لا تنفي سفره إلى الروم إذ يمكن انه بعد أن ذهب إلى هناك عاد إلى الرها فاستقر فيها. هذا وان كان يجوز - من باب الاحتمال - أن يقال لعل صاحب كلشن خلفا أراد بالروم توسعاً الرها وأنها من بلاد الجزيرة لكن لا تثريب على كل حال من الأحوال فقد قال كلشن خلفا (الروم) وقال هوار (آسية الصغرى) وهي الأناضول والكل واحد وهو اشهر من أن يذكر
والكتب العربية لا تعرف اصطلاحاً آخر.
ومما قاله الأديب (ص 277) ما يلي: (فحمد (نظمي) الله على الرجوع مع أمه ولم يكن معهما أحد وكان هاجر عنه (هاجر من وطنه بغداد) بزي درويش ناسك ومن ثم صار له من الأهل والعيال والأولاد. . .) أهـ، ثم نقد كلام هوا بما قوله (ص 278):(وحين عودته (عودة نظمي) إلى بغداد لم يكن معه أولاد أو أحفاد نظراً للصراحة بذلك من انه رجع مع والدته فحسب وبهذا انتفى ما في تاريخ كليمان هوار.) أهـ.
قلت أن الذي عندي أن هوار كان مصيباً وقد قال كلشن خلفا (الورقة 80 وما يليها) في أخبار حسن باشا لولايته الثانية على بغداد (من سنة 1052 إلى سنة 1054 أي من 1642 إلى 1644) ما نصه:
(بدر مرحوم دخى تك وتنها ترك يار وديار محروسهء رهاده قرار ايتمش ايكن بو أيام خير انجامده - الحمد لله الملك الجواد - أولاد وأحفاد وفي الجملة برك وبار ونطام معتاد كيرو عودت بغداد ايدوب شاكر أو لمشدر) أهـ وهذا مضمون كلامه: (إذ كان والدي أيضاً قد ترك الأصدقاء وغادر الديار وحيداً منفرداً فأقام في الرها فانه هي هذه الأيام المنتهية بخير عاد راجعاً إلى بغداد ومعه أولاد وحفدة. . .) أهـ. فلم ينتف أذن كلام هوار بشأن
رجوع نظمي مع أولاد وحفدة، وإذ قد أنبأنا العزاوي بان نسخة كلشن شعرا التي عنده
فيها مغمز فليس علينا أن نعتمد عليها كل الاعتماد ولا سيما أورد المؤدى ولم ينقل النص ولا التعريب الحرفي زيادة (في اطمئنان القلب). ومهما يكن من هذا الأمر علينا أن نرجح على مصدره حكاية كلشن خلفا. كيف لا ومؤلفه بلا ريب ابن نظمي نفسه وهو اعلم بأسرته من غيره من كل الوجوه مع دراية واسعة.
وقال العزاوي (275) عن نظمي انه محمد نظمي وقال (ص 219): (ولم يكن اسمه (اسم والد مرتضى) السيد علي بخلاف ما جاء في سجل عثماني عن مرتضى انه ابن السيد علي. فهذا غير صواب منه.) وأزيد على ذلك انه سيأتي ذكر لأحدهم اسمه نظمي - كان لحفدته وجاهة في بغداد - لم ننبأ بأنه
سيد وزمنه يتفق مع زمن والد مرتضى فهل هو بذاته ونفسه؟ فان صح ذلك كان برهاناً جديداً على صحة قول العزاوي أن هذا البيت ليس بعلوي إنما لا يسعني أن لا التفت إلى سماع ما مر بنا من كلامي (7: 523) نقلا عن فهرست مخطوطات وعن (سجل عثماني) الذي يقول كان نظمي شاعراً بغدادياً. ثم يقول: (نظمي مرتضى أفندي (هكذا بدون (زاده) بين الاسمين) فهل سقطت الكلمة في الطبع؟ فان لم يكن فهل والد نظمي اسمه السيد علي فضاع الأمر فقيل أن السيد علي هو وال مرتضى؟ وينتج من هذا التردد فالتساؤل وجوب المثابرة على تحري حكماً يفرض بين الجانبين بصحة رأي أحدهما والذي اعتقده أن البت في الأمر لا تقوم به نسخة لكلشن شعراً فيها غميزة وذلك لا يجزم به ذكر نظمي جداً لحفدة قلنا لهم وجاهة في بغداد. ولست وحدي في هذه الشكوك فللأستاذ العزاوي أيضاً مثلها فانه رأى (ص 514) أن عبد الله أفندي المفتي - الذي قال عنه انه من هذا البيت - ينعث بسيد في (الحديقة) وفي مجموعة الآلوسي عن النزهة فأرجأ البت في أمره إلى (أن ينجلي المبهم) مع إبدائه رأياً.
جامع الخاصكي ونظمي وابنه مرتضى
ومما قاله الأديب أيضاً (ص 278) ما يلي: (وقد ذكر له (لنظمي) ابنه مرتضى تاريخاً منظوماً في جامع السلحدار محمد بك). أهـ وهو يريد بذلك جامع السلاحدار محمد باشا الذي شيده مع مئذنة له لكنه لم يتمه. وهذا الجامع هو الذي لا يزال معروفاً بجامع الخاصكي الواقع برأس القرية وقد ذكر كلشن خلفا (الورقة 87) الباشا بهذه الشهرة في مطلع أيام
ولادته.
وإذ قد ورد في مباحث هذه السنين ذكر السلاحدار محمد باشا والسلاحشور محمد بك فلابد من الوقوف على تعيين من أراده العزاوي من هذين الرجلين ولا سيما أن لنظمي تاريخاً في الجامع المذكور وتاريخاً لابنه مرتضى. وهذا نص ما قاله كلشن خلفا (الورقة 90) في أخبار هذا الوالي: (تكليف آصفى ايله تاريخنه بو مصراع بلاغت نشان بدر مرحومك رقمزدهء كلك بيانلرى أو لمشدر: التاريخ: جامع نور سلحدار محمد باشا سنة 1069) أهـ (1658). ومعنى ذلك أن والدي قال هذا المصراع في تاريخ الجامع على تكليف الوالي. وقال مؤداه أن كلمة نور تشير إلى (أبي النور) كنية الباشا التي كان يكنى بها حينما والياً في مصر. وأما أبيات صاحب كلشن خلفا في إتمام الجامع حينما أنجزه السلاحشور المار الذكر فمنها ما هو هذا وفيه التاريخ:
واصل رحمت رحمان محمد باشا
…
والىء دار السلام أيكن أو ذات أعلا
سعى وإخلاص ايله بوجامعى قلدى بنا
…
لكن اتمامنه جون ايتمدى عمرى ايفا
اوسلحشور شهنشاه محمد بك انك
…
يعنى برورده سى خيراتنى قلدى احيا. . .
ومنها:
برادا ايله ديدي بيررفردتاريخن
…
جامع النور أبو النور محمد باشا (1094 - 1682).
وملخص كلامه أن محمد باشا حينما كان والياً في دار السلام سعى فبنى هذا الجامع لكن عمره لم يمتد ليتمه فجاء محمد بك سلاحشور السلطان الذي هو صنيع الباشا فأحيا خيراته. . . وتاريخه (جامع النور أبو النور محمد باشا). أهـ ويظهر صريحاً من نتيجة ذلك أن الرجل الذي قيل فيه ذلك البيت الذي ذكره العزاوي هو السلاحدار محمد باشا ولم يكن إذ ذاك قد تدخل في أمر الجامع السلاحشور محمد بك الذي لم يشتهر الجامع به يوماً من الأيام. أذن ليس بين هذين الرجلين من هو السلاحدار محمد بك إنما هو السلاحدار محمد باشا وهناك صنيعه السلاحشور محمد بك. وقد خلد مرتضى صاحب كلشن خلفا في أبياته المذكورة اسمي المشيد ومحيي خيراته.
ديوان نظمي
وظن العزاوي (ص 279) مما نقلته عن هوار انه قال إبقاء الأيام لديوان نظمي وتمنى لو
انه اطلعنا على محل وجود نسخة منه. أما هوار فلم يقل بوقوفه على الديوان إنما قال كما ذكرته (7: 522): وتجد من نظمه (نظم نظمي) ما نقله ابنه مؤلفنا (مؤلف كلشن خلفا) عن ديوانه أو عن مجموعة قصائده. . .) أهـ. فذلك استخراج لهوار كما أن في كلشن خلفا (الورقة 73) قصيدة لنظمي جاء في ما يليها من الكلام بأنها مثبتة في ديوان قائلها وهناك غيرها.
والذي وقفت عليه في الفهرست لدى كردمانش في مخطوطات شيفر أن في الطبعة الإفرنجية لكشف الظنون (6: 574) ذكراً لديوان نظمي زاده مرتضى.
ويبين لمن يراجع الكشف أن ذكر الديوان ليس في صميمه بل في الملحق المسمى (آثارنو) لحنيف زاده احمد طاهر المتوفى في سنة 1217 (1802) والصراحة لا تجوز لنا الشك في أن الديوان لغير مرتضى هذا ولا سيما انه ذكر سنة وفاته قريبة من التي ذكرها هامر ولكن هل في ذلك غلط صحيحه انه لنظمي كما غلط في أمر كتاب جامع الأنوار الذي سيجيء الكلام عليه. ومما جعلنا في الشك أن حنيف زاده لم ير نسخة من الديوان فانه لم يورد أوله كما جرى عليه اقتفاء بصاحب كشف الظنون في الكتب التي نظر فيها. وكما قلنا هل في نسبته للديوان إلى مرتضى غلط أيضاً وانه لنظمي؟
يعقوب نعوم سركيس