الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل اليزيدية وتاريخهم
بمناسبة كتاب نصوص اليزيدية الدينية الذي نوهت به لغة العرب.
الكرد:
هنا حقيقة لا يمتري فيها، هي أن الكرد جيل قائم بنفسه، كان موجوداُ قبل الإسلام قال السمعاني:(طائفة بالعراق ينزلون الصحارى وقد سكن بعضهم القرى خصوصاً في جبال حلوان والنسبة إليهم الكردي). أهـ
أما انهم بدو الفرس وان الفرس القسم المتحضر منهم. أو انهم أمة برأسها ولا تزال في البداوة إلى ظهور الإسلام. . . فهذا موضع الآخذ والرد بين الكتاب والمؤرخين. . . ولا يشتبه في أن الكرد اليوم، هم من نسل أولئك وانهم بقوا محافظين على حالتهم الأولى بزيادة أو نقصان أو حضارة وخدموا الإسلامية خدمات جليلة.
ولا ينكر أيضاً انهم دخلتهم عناصر عربية اثر الفتح الإسلامي، وما يليه من العصور، خصوصاً في عهد الأمويين فانهم تولوا رياستهم أحياناً، أو قاموا بمشيختهم وتربيتهم الدينية، أو سياستهم.
الكرد واليزيدية:
من طالع كتاب الشرفنامة علم ما يؤيد ذلك. وهذا الكتاب عدد شعبهم من كرماج، ولر، وكلهر، وكوران، ثم قال:
(إن جميع طوائف الكرد شافعية المذهب، متابعة لشريعة الرسول (ص) ونهج الصحابة الكرام؛ والخلفاء العظام، وطاعة العلماء، وأداء الفرائض: من صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، إلا أن بعض الطوائف التابعة للموصل والشام مثل طاسنى (وورد في موطن آخر بلفظ داسني وهو المشهور اليوم) وخالدي، وبسيان، وقسم من بختي، ومحمودي، ودنبلي، على المذهب اليزيدي.
ثم قال:
وإن هؤلاء اليزيدية من جملة مريدي الشيخ عدي بن مسافر. وهو من حفدة المروانيين
وينتسب إليهم ومن اتباعهم. ومرقده في جبل لالش (وفي المعجم ليلش) من أعمال الموصل ومن اعتقادهم الباطل فيه انه قد تحمل عنهم صومهم، وصلاتهم، فيصلي عنهم، ويصوم بدلهم، ويقولون لولاه لعاقبنا الله، أو لعاتبنا فهو الذي يوصلنا إلى الجنة، ولهم كره، بل بغض، مستمر لا حد له لعلماء الظاهر.) أهـ
وقد علق الطابع لهذا الكتاب - (الطبعة المصرية) - بما نصه:
(اليزيدية من الوجهة العنصرية طائفة من الأكراد تقطن أنحاء جبل سنجار وجزيرة ابن عمر وحكاري (كذا. ووردت في الكتب العربية بلفظ هكار بفتح الهاء وتشديد الكاف) في الجنوبي من كردستان لا يزيد عددهم الآن عن مائتي ألف وهم مسلمون في الظاهر، إلَاّ أن لهم عقائد خاصة، تخالف عقائد الجمهور من المسلمين. وسموا (يزيدية) نسبة إلى يزيد بن معاوية، لأنهم كانوا من أنصار الأمويين. وعلى ما يفهم من نص الشرفنامة، ومن أقوال العارفين بتلك الجهات، وهؤلاء الناس، أن عدة من قبائل الأكراد المشهورين بالشجاعة والفروسية، هاجرت في عهد الأمويين إلى جهات الشام للالتحاق بخدمة الخلفاء، فاستوطنت هنالك مدة، ثم عادت إلى موطنها الأصلي، عند سقوط دولة الأمويين، واعتصامهم مع اتباعهم بالجبال والبلاد الحصينة. وهكذا المذهب السياسي أدى إلى مذهب ديني مخالف لدين جمهور المسلمين.) أهـ
تمحيص الأقوال عن اليزيدية:
إن هذه الأقوال وحدها لا يعول عليها، ما لم نجد ما يدعمها من النصوص القديمة، في اصل هذه الطائفة التي لا يزال الأوربيون يهتمون بها اهتماماً عظيماً ويحاولون بكتاباتهم أن يعدوها طائفة قائمة برأسها من حيث العقيدة، وان لا اصل لها في الإسلام، لغرض أن يبدوا مهارة في التدقيق، أو لأمر آخر سياسي، أو ديني، مما لا يخفى على المطالع.
نعم اختلفت الظنون في اصل اليزيدية، وتضاربت الآراء في حقيقة نحلتهم، فاستفد بعض الكتاب من هذا التشويش، ووافقهم بعض المسلمين أيضاً،
فاختار أنهم مجوس، لغرض مخالفة في المعتقد. وكذا فعل صاحب (النصوص الدينية اليزيدية) فانه تابع أهل هذا الرأي، لموافقة اشتراك في بعض حروف اللفظ ليزيد ويزدان على خلاف ما قام به جهابذة الكتاب من المسلمين.
والموضوع دخل بساط البحث، فتناولته الآراء بنزعة أو بساطة، أو بما ماثل إحداهما. وتعداد الأقوال في هذا الباب يطول كما انه لا يجدي نفعاً. وليس القصد الاشتراك مع أحد دون الآخر. تعصباً لرأي تعصباً مجرداً. وإنما الغاية التوصل إلى الحقيقة، ودفع شيوع ما نعتقد خلافه، بالنظر إلى ما وصل إلينا من النصوص التاريخية في وقت لا نجد هناك نصوصاً تهدمها، فتستدعي ترك هذا المعتقد واعتناق غيره.
ونتائج ما تحققته انهم مسلمون. متزهدون. يعتقدون الأمانة في يزيد. وكونه على الحق. وتوارثوا تقاليد قومية، ودينية؛ صوفية. واعتيادات سياسية ممزوجة بتعصب للأمويين، مما أبعد شفة الخلاف بينهم وبين جمهور المسلمين، فادى إلى تقاليد خاصة أفسدت جوهر إسلاميتهم.
نشاهد هذا التفاوت تقريباً بين عقائد الإسلام الخالصة، المأخوذة من أمهات نصوصة الحقة، وما عليه اليوم (عرب البادية) من التقاليد الجاهلية، أو ما عليه غيرهم من أهل المدن الدخلاء في الإسلامية. نرى بعض الاعتيادات الموروثة ولا يسعنا أن نحكم انهم بقوا على تلك العادات بان يقال انهم تستروا بالإسلامية وأبطنوا غيرها.
وأيضاً دخلت هذه النحلة تقاليد جديدة لها أساس في الديانات المجاورة، وفي التصوف. ولا ننس أن العوام لا يعرفون سوى الشكل المادي والمراسم الظاهرة.
فالتشوش وقع لهم ممن دخل ومعه تقاليد جديدة، أو من رؤساء جهال، كما سيتبين، وإلا فالمؤرخون لم ينقلوا عن مجوسيتهم شيئاً، وإنما ذكروا تعصبهم ليزيد، كما تعصب غيرهم للإمام علي (رض) ولم يكونوا بدرجة النصيرية (ويعرفون عندنا بعلي اللهية) مع أن المؤرخين دونوا ديانات
المجوس وأحوال الفرس، حتى انهم عرفوا بمن شاهدوه في عصرهم من الدعاة، ومنتحلي هذه الديانة.
وعلى كل حال، لا يحتمل انهم عريقون في المجوسية، ولا يعول على التقاليد الموروثة، باعتبارها ديناً قديماً لهم ولكن يصح أن يفسر ما وجد مخالفاً للإسلام، فيقال انه منقول ومأثور عن جاهليتهم الأولى، أما هم فلا يقولون بان ديانتهم مجوسية، كما أن بعض المسلمين، لو قلنا له: إن قسماً من تقاليدك جاهلية، أو وثنية، أو ما شابه ذلك، لأخذه الحنق، ولكذب كل ما يعزى إليه بأي وسيلة كانت.
أصل اليزيديدة في التاريخ:
لا يفوتنا أن اكثر الكتاب، تابعوا فكرة انتشرت، واشتغلوا بتفسيرها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث، أو العودة إلى النصوص التاريخية. ولا تحسب أيها القارئ إني سأعتمد على نسخ خطية قديمة. قد انفردت بحيازتها، وإنما غالب ما اذكره مشهور متداول. فأول من ذكر هؤلاء اليزيدية فيما اعلم (السمعاني)(المتوفى سنة 562هـ) في كتاب الأنساب، في مادة (يزيدية) فانه بعد أن عدد يزيديين محدثين قال:
(وجماعة كثيرة لقيتهم بالعراق، في جبال حلوان، ونواحيها من اليزيديية وهم يتزهدون في القرى التي في تلك الجبال، ويأكلون الحال (كذا) وقلما يخاطون الناس. ويعتقدون الأمانة في يزيد بن معاوية وكونه على الحق،
ورأيت جماعة منهم في جامع المرح (كذا) وسمعت أن الأديب الحسن ابن بندار البروجردي، وكان فاضلا مسفاراً ينزل عليهم بسنجار (جاءت الكلمة بلفظ بخارا في الأصل ولعل سبب ذلك جهل الكاتب جبل سنجار واشتهار بخارا بين الأدباء)، ودخل مسجداً لهم، فسأله واحد من اليزيدية:(ما قولك في يزيد)؟ فقال: (أيش أقول فيمن ذكره الله في كتابه، في عدة مواضع، حيث قال: (يزيد في الخلق ما يشاء)، (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى). قال: فأكرموني، وقدموا لي الطعام الكثير. . .) أهـ
هذا ما قاله السمعاني عن نفسه، وما نقله عن معاصر له. وانه رآهم في جامع المرج، ورأى محدثه مسجداً لهم، وعرف اعتقادهم؛ وقد نفى السمعاني في نفس هذه المادة، أن ينتسبوا إلى بزيد بن انيسة، وانما عده من الخوارج.
يؤيد فكرة انتسابهم إلى الامويين، أو انهم رؤساؤهم في الدين، وفي الإدارة، ما جاء في مادة (هكاري) من الأنساب أيضاً:
(هذه النسبة إلى هكار، وهي بلدة وناحية عند جبل، وقيل جبال، وقرى فوق الموصل من الجزيرة. والمشهور منها أبو الحسن علي بن أحمد ابن يوسف بن جعفر بن عرفة بن المأمون (لفظه مشوش) بن الديل (كذا)(ولعلها الدئل) بن الوليد بن القسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي الهكاري الملقب بشيخ الإسلام. تفرد بطاعة الله في الجبال وابتنى له أربع مواضع يأوي إليها
الفقراء والصالحون، وكان كثير الخير والعبادة (وورد بلفظ عباد في المطبوع) إلى أن
يقول:
(سمع منه القدماء من الحفاظ. روى لنا عنه بمكة أبو زكريا يحيى بن عطاف الموصلي وببغداد عبد الله بن شاكر المقبري، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وأبو علي الحسن بن احمد المقبري، وصالح بن إسماعيل بن دوذين (كذا) الجيلي، وباصبهان أبو الخير شعبة ابن عمر الصباغ وأبو محمد الحسن بن محمد بن جعفر المهراني وغيرهم. وكانت ولادته سنة 409هـ ومات بالهكارية في أول المحرم سنة 84. وكان ببغداد في زماننا شاب صالح من الهكارية سمع معنا الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وغيره.) أهـ
ومن هذا ترى العلاقة بين الأمويين واليزيدية وان بلاد هؤلاء الناس كانت مسلمة، وانهم يتزهدون فيها، منقطعين عن غيرهم بسبب أمثال هؤلاء الصلحاء، ولا علاقة لهٍم بالمجوسية. إذ لم يعرف فيهم غير المسلم وإذا كان هذا الشاب الصالح الذي درس مع السمعاني، هو غير عدي بن مسافر، كما هو ظاهر من الفرق بين العمرين عمر السمعاني وعمر عدي، فقد أنجبت تلك الأنحاء علماء وصلحاء كثيرين، ومن ثم تولد الزهد في القوم، ويؤسف لعدم تسمية ذاك الشاب.
ومن الغريب أن يورد الباحثون النقول من عدي فما يليه، ولا يتجاوزونه في القدم. وما أوردته يؤيد القدم. والأغرب أن ينتشر كتاب الأنساب ولا يزال (الفاضل الإيطالي) على فكرته مع أن صاحب لغة العرب نبهه على رسالة ابن تيمية حين كان في بغداد. وكان استطلع رأيي أيضاً في أصلهم فبينت لحضرته انهم مسلمون، استولى عليهم الجهل، وابتلوا برؤساء اختلقوا عليهم أشياء كثيرة فقبلوها منهم، وأرادوا إبعاد شقة الخلاف، خصوصاً بعد أن رأوا من إخوانهم المسلمين ما رأوا. وباقي القول أرجئه إلى المقال التالي. والله الموفق.
بغداد: 5 - 3 - 1931:
المحامي عباس العزاوي