الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 94
- بتاريخ: 01 - 09 - 1931
المشعشعيون ومهديهم
المشعشعيون
ما أكثر الذين كتبوا عن تاريخ العراق وملوكه وخلفائه ودوله! لكن ما أقل الذين أحاطوا بهذا الموضوع ووفوه حقه من التحقيق والتدقيق. فلقد ألف الأجانب كتباً عديدة وضخمة ومع ذلك لم يذكروا فيها كلمة واحدة تتعلق بالمشعشعين مع أنهم كانوا من الذين نبه ذكرهم مدة مائتي سنة في قسم من أرض البطائح الذي سمي بعد ذلك باسم (المشعشع) أي أرض المشعشع.
وقد بحثنا في المؤلفات الإفرنجية التاريخية التي تعني بديار الرافدين فلم نجد فيها أدنى ذكر لدولة المشعشعين. وكذلك قل عن الكتب التي صنفها أبناء الناطقين بالضاد في هذا القرن الأخير.
ولا نشك في أن الفرس والترك عالجوا هذا البحث ووفوه حقه من السعة والصحة، إلا أن هذه المؤلفات ليست بين أيدينا، فطلبنا إلى صديقنا الوفي الأستاذ مصطفى جواد أن يكتب مقالاً عن هذا الموضوع، فدفعه إلينا على ما يأتي بعد أن اقترحناه عليه باثنتي عشر ساعة فنمحضه الشكر والثناء على ما أتحفنا به، ولعل بين القراء من يتمم البحث فنسدي إليه كذلك الشكر والثناء. (لغة العرب)
إن للمهدوية في تاريخ الإسلام لشأناً كبيراً وتأثيراً بعيد الغور وقد ذكرنا في مقالة الرايات (9: 573 وما يليها) أنه قد روي عن رسول الله محمد - ص - بطرق مختلفة خروج واحد من ولده يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما
وجورا. وتصرف الناس في هذا الحديث وغيره مما يؤيده، ألا ترى الحافظ السني أبا نعيم الفضل دكين أخرج عن ثوبان قول النبي - ص -:(إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواُ على الثلج، فأن فيها خليفة الله المهدي) ولكن الناظر بعين الإنصاف، والمتبصر ببصيرة التحقيق يرى أن هذا الحديث من مولدات العباسيين. لا يجاب معونتهم على الناس لأن قوله:(حبواً على الثلج) يفرض عليهم استفراغ الطاقة، واستنفاد المجهود في النصرة والمسارعة، وإلا فقد جاءت راياتهم السود وانقرضت دولتهم. واخرج الروياني والطبراني وغيرهما:
(المهدي من ولدي، وجهه كالكوب الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي (أي طويل)، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا. وعن ابن شيرويه:(كالقمر الدري) وزيادة (يرضى بخلافته أخل السموات والأرض، والطير في الجو، يملك عشر سنين).
والتعميم الغالب في هذه الأحاديث، قد فتح باب اجتهاد لكثير من السادة العلوية وأدعياء النسب العلوي في الثورة على دولة زمانهم، وحجة كل ثائر أنه صاحب الزمان، والقائم المنتظر، فاختلط الصادق بالكاذب، وافسد الكثير من أرض الله، بدالة المهدوية، وافتيات المصلحية. ومن هؤلاء هذا المهدي المشعشع وخلفاؤه ولكنه ليس بمهدي.
والمشعشعيون الذين علونا مقالتنا باسمهم منسوب إلى (المشعشع) اسم فاعل من (شعشع نوره) أي انتشر وسطع وهو مبالغة من (شع) أي انتشر واتسع، والعامة بالعراق اليوم تطلق لفظ (المشعشع) على كل خفيف ومتحرك غر، للاحتقار والاستخفاف، ولكنهم يلفظونه باسم المفعول، يقولن ذلك كما يقولون لكل كريم جواد (برمكي) ولكل نظيف وضاء (نازوكي) نسبة إلى البرامكة ونازوك. ولعله لقب بالمشعشع موافقة لما في الحديث المتقدم من أن وجهه كالكوكب الدري، فمن صفات المهدي الشعشعة.
وذكر محمد باقر الخونساري في ترجمة الشيخ احمد بن فهد الحلي المتوفى سنة (841) أن من تلامذته السيد محمد بن فلاح بن محمد الموسوي الحسيني. وهو
من أجداد السيد خلف بن عبد المطلب الشوشتري الحويزي المشعشي، ثم قال:(وقد كان هذا السيد محمد الملقب بالمهدي مشتهرا بمعرفة العلوم الغربية. وأنه أخذ ذلك من أستاذه ابن فهد الحلي المذكور)، وقال في ترجمة خلف المذكور (ابن السيد عبد المطلب بن السيد حيدر بن السيد محسن بن السيد محمد الملقب بالمهدي ابن فلاح الموسوي الحويزي المشعشي. قيل أن المشعشي هو من ألقاب علي ابن محمد بن فلاح الذي كان حاكما بالجزائر (جزيرة واسط وما جاورها) والبصرة ونهب المشهدين المقدسين (مشهد الحسين وأبيه - ع -) وقتل أهلهما قتلا ذريعاً وأسر من بقي منهم إلى داري ملكه البصرة والجزائر في صفر سنة ثمان وخمسمائة (كذا والصواب سنة 857) والمشهور أن طائفة من المشعشعين الغاليين يأكلون السيوف - كما في الرياض قال -:(وقد جاء واحد من جماعتهم في عصرنا (أول القرن الثاني عشر للهجرة) إلى حضرة السلطان وفعل ذلك بحضرة من المتصلين بخدمته، ولم ادر ما معنى
هذا الكلام.)
قلنا: أما أكلهم السيوف فظاهره أنه الشعبذة بإدخالها في اجوافهم من أفواههم - كما رأينا من المشعوذين - وأما لقب المشعشع فتحقيقه أنه لمحمد بن فلاح ثم أنتقل إلى ابنه السيد سلطان علي المذكور فقد وجدناه في مقدمة التاريخ الغياثي ما صورته: (في ظهور السيد محمد بن فلاح المعروف بالمشعشع وعددهم أربعة نفر ومدة حكمهم في الجزائر إلى غاية سنة إحدى وتسعمائة) وقال في التقسيم: (الفصل السادس في ذكر السيد محمد المشتهر بالمشعشع) ولكنا لم نجد هذا الفصل لأن
النسخة ناقصة. فالمشعشع لقب محمد بن فلاح أولا.
ونقل في ص 21 من روضات الجنات عن محمد المشعشع قول بعضهم: (وقد ألف ابن فهد المذكور له (لمحمد المشعشع) رسالة. . . ذكر فيها وصايا له ومن جملة ما ذكر فيها أنه سيظهر الشاه إسماعيل الصفوي حيث أخبر أمير المؤمنين يوم حرب صفين بعد ما قتل عمار بن ياسر ببعض الملاحم من خروج جنكيز خان وظهور الشاه إسماعيل الماضي، ولذلك قد وصى ابن فهد في تلك الرسالة بلزوم إطاعة ولاة الحويزة ممن أدرك زمن الشاه إسماعيل المذكور لذلك السلطان لظهور حقيقته وبهور غلبته).
قلنا: وهذه الوصية - إن صح تفصيلها في الأسماء - من الأسباب التي السيد محمد بن فلاح على أن يكون مهدياً إيثاراً لنفسه على غيره وكثيراً ما ينتبه النائمون بأخف أيقاظ ولا سيما اليقظة التي تشعشع بالدين وتمزج بالعقيدة أياً كانت. وأني لم أعثر على زمن خروج محمد بن فلاح المشعشع، وقد تقدم أن وفاة أستاذه محمد بن فهد سنة (841).
لكن ذكر الغياث عبد الله بن فتح الله في تاريخه أنه بعد سنة (842) هـ رجع أسبان (بن قرا يوسف التركماني) من اربل إلى بغداد وكان قد ظهر المشعشع واخذ الجزائر، فتوجه أسبان إلى الغراف وفيها غلة عظيمة فأكلوها وبنوا قلعة (بندوان) على فم (المجنبية) ونقل أسبان الغلة على كل فارس حمل فادخلوها القلعة وترك الأمير (محمد بن شي لله) والأمير الحاج مبارك بتلك القلعة وتوجه إلى (واسط) ومن واسط إلى بغداد. فسار المشعشع على قلعة بندوان وحاصرها وخرج إليه الحاج مبارك وعسكره بثلاثمائة فارس فقتل منهم مقتلة عظيمة فانكسروا وراحوا إلى الجزائر. ثم توجه المشعشع مرة أخرى بعسكر عظيم ما كان
لهم به طاقة ففروا وتركوا القلعة وتوجهوا إلى واسط فساروا خلفهم، فخرج إليهم عيسى بك
والحاج مبارك ومحمد بن شي الله وقتلوا فيهم مقتلة عظيمة وأرسلوا بالرؤوس إلى بغداد وطلبوا (أسبان) إليهم فتوجه إلى واسط وأقام بها شهرين وكان هرب مع المشعشع عشرون ألف بيت ودوابهم حوالي واسط فوقع فيهم الوباء فلم يغادر منهم أحداً ثم أرسل أسبان عيسى بك إلى الجزيرة لينظر أخبار المشعشع فرآه قد حط على (الوزيرة) يحاصرها وبينما هو في بعض المواضع إذ رأى شخصين من الحويزة فلما رأياه قالا: (قد جئنا إلى أسبان بمفاتيح الحويزة ليجيء فيملكها ويخلصنا من هذا الكافر) فجاء بهما إلى واسط عند أسبان وقص له الأمر فعزم أسبان على الذهاب إلى الحويزة لما فيها من الأموال وكان واليها يسمى (أبا الخير) وقد تركها وأنهزم ورعاياها تحصنوا بالأسوار ليمنعوا المشعشع عن أنفسهم فلما وصل أسبان الحويزة دخل المشعشع الدوب (وهو موضع ذو قصب ومياه لا يقدر عليه) وجاء أكابر الحويزة إلى أسبان بمفاتيح البلد.
فدخل أسبان المدينة وأخذ من أهلها (مال الأموال) أي أجرة حمايتهم حتى لم يبق شيئا من المال عند أحد ورحل عن الحويزة ورحل أهلها جميعاً معه وعبر (شط العرب) وحط على (الركية) وفي رواية الزكية بزاي في الأول من البصرة ثم قبضوا على شخص قد أرسله المشعشع إلى البصرة برسالة في يده مكتوبة إلى غانم بن يحيى حاكم البصرة فيها (أنت من ذلك الطرف وأنا من هذا الطرف نأخذ أسبان في الوسط ونقتله في الحال). قال الغياث: (لم يكذب أسبان الخبر وقتل ذلك القاصد ورحل على طريق مشهد علي وكان طريقاً صعباً ووقع فيهم الجوع وقلة الطعام فمات من الجوع والعطش والتعب خلق كثير من أهل الحويزة ووصل أسبان إلى بغداد فمكث مدة ستة أشهر ومرض مرضاَ شديداً. . . فمات سنة (ثمان وأربعون وثمانمائة) فكان مدة حكمه ببغداد اثنتي عشر سنة، ودفن داخل المدينة على جانب دجلة بباغجة عيش خانة وكان قد بنى القبة قبل تاريخ موته بقليل وزرع جميع تلك الباغ (أي جميع ذلك البستان)
عنباً وسمياً إلى هذا التاريخ).
وبعدما دخل بير بوداق بن جهان شاه بغداد وذلك نهار السبت 11 رمضان سنة (852) بستة أشهر خرج الوند بن أسكندر بن قرا يوسف التركماني من قلعة فولاذ يريد الاتصال بالمشعشع فأرسل إليه بير بوداق عسكر فلم يظفروا به وانضم إلى المشعشع
السيد سلطان علي بن محمد بن فلاح المشعشع
ثم نرى عبد الله بن فتح يصرح باسم المهدي الجديد ويسميه (السلطان علي) فهو ابن محمد بن فلاح المشعشع الأول قال: (فلما كان موسم الحاج والحاج قد توجه من بغداد وحط بالمشهد الشريف الغروي وذلك يوم السبت غرة ذي القعدة سنة (857) خرج عليهم (السلطان علي) بعساكره فأحاط بهم وقتلهم إلى أخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وجمالهم وأخذ (المحمل) والآية المذهبة والقماش ونجا ناس قلائل وكانوا قد سبقوا ودخلوا المشهد وحاصر السادة في حطيم المشهد فأرسلوا يتضرعون إليه فطلب منهم القناديل والسيوف وكانت خزائن السيوف من سبعمائة سنة تجتمع فيها السيوف جميع سيوف الصحابة والسلاطين، كما مات سلطان أو خليفة بالعراق يحمل سيفه إليها فأرسلوا إليه مائة وخمسين سيفاً واثني عشر قنديلاً. ستة منها ذهب وستة قناديل فضة. فأرسلوا إليه من بغداد عسكراً (كان والي بغداد السيد محمود من قبل بير بوداق) مقدمهم (دوه بك) وأنضم إليه (بسطام) حاكم الحلة بأجاود عساكر بغداد، فبما وصلوا إليه وكانوا النسبة إلى عسكره قليلين فانضم عليهم عسكره فلم يخرج منهم سوى (دوه) فانه لما أحاطوا به قبض على الفرس. فقام رجل من الرجالة
وضرب بالسيف أرجل فرسه يريد أن يعرقبه فلم يقطع السيف وفز الفرس من حر الضرب فأخرجه منهم فمر هارباً، فلما كسر العسكر وقتلهم توجه إلى (الحلة) فانكسرت أهل الحلة وتوجه إلى (بسطام) شحنة الحلة وجميع أهل الحلة إلى بغداد، الذي قدر على مركوب ركب والباقي رجالة، الرجال والنساء والأطفال بحيث هلك منهم خلق كثير من التزاحم على العبور من شط الحلة وبعضهم في الطريق من التعب والجوع والعطش فانهم قد خرجوا بغير زاد ولكن من لطف الله على عباده أنه كان الفصل بارداً فانه كان 3 تشرين الثاني فلو كان حرا ما نجا منهم إلا القليل، والذي تخلف في الحلة قتل، ودخل السلطان على الحلة بتاريخ خامس الشهر (ذي القعدة) ونقل أموال الحلة والمشهدين إلى البصرة. وأحرق الحلة، وأخربها وقتل من تبقى فيها من الناس، مكث فيها ثمانية عشر يوماً، ورحل يوم الأحد 23 ذي القعدة إلى المشهد الغروي والحائري ففتحوا له الأبواب ودخل؛ فأخذ ما تبقى من القناديل والسيوف ورونق المشاهد جميعها من الطوس والأعتاب والفضة والستور والزلالي وغير ذلك ودخل بالفرس إلى داخل الضريح وأمر بكسر الصندوق، وإحراقه، فكسر وأحرق (يا له من سيد علوي) ونقل أهل المشهدين من السادات
وغيرهم ببيوتهم) وقد قدمنا أنه نقلهم إلى البصرة والجزائر.
وفي سنة (860) توجه السلطان علي المشعشع هذا إلى (مهروذ) وطريق خراسان من ولاية بغداد ونهب وقتل الذراري والنساء وأحرق الغلات وكان ذلك يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من السنة المذكورة ومكث تسعة أيام: ثلاثة أيام ببعقوبا، وثلاثة أيام من بعقوبا إلى (سلمان الفارسي) وثلاثة
أيام بسلمان الفارسي، وقتل مشايخ سلمان الفارسي وأسر الباقين، وفي هذه الوقعة غرق (عمر سر خان)(ورد أيضاً سورغان) فأنه كان لا يعرف السباحة وكان معه شخص يقال له (مقصود باشا) يعرف السباحة فلما ادركتهم الخيالة وقدامهم شط ديالى ومن ورائهم الرماح ألقوا بأنفسهم إلى ديالى فغرق عمر سرخان وخرج فرسه حياً ونجا مقصود وهلك فرسه، ورحل المشعشع بعد ثلاثة أيام (كما تقدم) ولم يعبر ديالى ولم يخرج إليه أحد من بغداد ولما سمع (جهان شاه) بذلك أرسل (علي شكر) إلى أطراف ولاية العراق بعساكر عظيمة فوصل يوم الأربعاء 16 محرم سنة 861 فمكث مدة ورحل.
وفي سنة (861 هـ) أيضاً استولى (علي المشعشع) على (الرماحية) وبنى قربها حصناً للحماية، ذكر ذلك بعض مؤرخي الدولة الأيلخانية في العراق وحكاه التستري صاحب مجالس المؤمنين بالفارسية.
ثم سار المشعشع وحاصر (بهبهان) وكان ذات يوم يسبح مع ثلاثة أمراء في النهر الذي تحت القلعة تحت سدرة فنزل شخص من القلعة وهم لا يرونه يسمى (محمود بهرام) فوقف عنهم قريباً فسلم عليهم فقالوا: من أنت؟ قال: إني هارب من القلعة وأريد الانضمام إلى معسكر السلطان. ووقف حتى خرجوا من الماء فرأى الثلاثة يخدمون الرابع فتحقق أنه السلطان فمد قوس ورماه به (ياسيج؟) فخرقه من حالبه إلى وركه ومر هارباً وصعد القلعة، فحمل المشعشع وليس به حراك ووضع في الخيمة وهو في حال رديئة، وفي تلك الحال راحت الأخبار إلى (بير بوداق) بأن السلطان علي المشعشع مجروح ومحاصر لقلعة بهبهان فتوجه إليه فلما تراءى عسكر بير بوداق لهم ورأوا غباره أخبروا السلطان علي بذلك فقال:(وجوههم) فركبوا إليهم وهجموا على بير بوداق فكسروه أول مرة، ولكن وصل (بير قلي) إليه بعسكره فكسروا المشعشعيين وقتلوهم إلى الحويزة ووصل شخص إلى خيمة
السلطان علي المشعشع فرآه نائماً فحز رأسه لم يعلم من هو. وكان وزيره (ابن دلامة) مأسوراً فعرف رأس المشعشع وفتشوا عن الجثة فحصلوها، وسلخوها وحشوها تبناً وأرسلوا بهذا البو البشري
إلى بغداد وبالرأس إلى جهان شاه، ودخل جلدة بغداد في 16 جمادى الآخرة سنة (861).
وقال الغياث في ترجمة بير محمد التواجي والي بغداد من قبل جهان شاه المتوفى سنة (873) الحاكم ببغداد من سنة (870) ما صورته: (وفي أيامه تملكوا (كذا) المشعشعون الحلة). قلنا: ثم أخذت منهم الحلة على ما دلت عليه الحوادث لان حسن علي بن زينل والي بغداد بعد (بير محمد التواجي) أعطى الحلة ابن قرا موسى، ذكر ذلك الغياث أيضاً.
فالمشعشعيون بعد تلك الانكسارة ترأس عليهم مشعشع ثالث فهو الذي استولى على الحلة.
وفي غرة جمادى الأولى سنة (880) أرسل حسن بك الطويل بن علي بك التركماني جماعة ليقبضوا على والي الحلة (خليل بك محمد بن عثمان قرا أيلوك التركماني) وهو أبن عمه فأنهزم من الحلة إلى (المشعشع) وتفرقت عساكره عنه وتبعه القليل. وفي 7 جمادى الأولى أقام بالقائم حتى ينظر الأخبار وفي ثاني جمادى الآخرة أرسل المشعشع إليه سفناً وحملوه إليه، ودوابه سيروها بالبر، ومكث الخليل عند المشعشع سنة وثمانية أشهر حتى رضي عنه حسن بك بشفاعة والدته فأنها خالته، فأرسل في طلبه فتوجه إليه من المشعشع بتاريخ شهر ذي الحجة سنة (881)، ثم توفي حسن بك بتاريخ 27 رمضان سنة (882) وسمع المشعشع بموته فتوجه إلى بغداد، وفي أول الأمر جاء نائب (الرماحية) من قبله إلى (جحيش) وآل جودر في طلب جماعة من الذين هربوا ونهبهم وقتلهم ونهب جميع الدائرة ووصل إلى (قنا قيا) من قرى الحلة، ثم رجع بتاريخ يوم الأربعاء 19 جمادى الآخرة سنة (883) وجاء إلى نواحي بغداد حتى دخل أراضي ديالى إلى الخالص ونهب وقتل واسر، ثم أرتحل يوم الأربعاء 26 جمادى الآخرة وكان مكثه ثمانية أيام، وفي 28 جمادى المذكور قتل (كلابي) والي بغداد الحاج (ناصر الدين القتباني) وحصبوا غلامه (شعبان) بسبب أنه أتهم بقصة المشعشع ومخامرته.
وقد قدما إشارة الغياث إلى أن ملوك المشعشعين أربعة ونهاية ملكهم سنة (901) ولكن صاحب الرياض قال في ترجمة (علي خان) بن السيد خلف المشعشعي المذكور آنفاً (من
أكابر العلماء وكان له ميل إلى التصوف توفي في عصرنا وخلف أولاداً كثيرة وقد أخذ حكومة البلاد من أولاده واحداً بعد واحد إلى هذا اليوم وهو عام سبعة عشر ومائة بعد الألف. . . وقد أستشهد طائفة غزيرة غريرة من أولاده وأحفاده وأقربائه في قضية المحاربة التي صارت بين أعراب تلك البلاد وبين بعض أولاده الذي هو الآن حاكم بها) وقال في أبيه: (وبالجملة فهذا الرجل الجليل من أجداد حكام تلك الناحية ومواليها المشعشعين المعروفين، فالظاهر أنه يريد الحويزة وما جاورها.
وقدمنا في (9: 616) من لغة العرب أن السلطان سليمان استولى على واسط وبلاد المشعشع فيستبين أن جزيرة أحمد الرفاعي وما حول واسط سميت ببلاد المشعشع، وفي سنة 994 كان أمير عرب البصرة (أبن عليان) قد أفسد في بلاد المشعشع فأمر السلطان سليم الثاني اسكندر باشا والي بغداد بمحاربته فقهر ابن عليان ونهب أمواله وقتل رجاله.
وقال السيد ضامن بن شدقم في ترجمة الشاه إسمعيل الصفوي (ثم توجه إلى الأهواز وخوزستان وشوشتر ودزفول وقتل من فيها من المشعشعين والغلاة والنصيرية وأستاسر منهم خلقاً كثيراً، ثم في سنة 914 توجه إلى شيراز) وقال عن الشاه صاحب طهماسب (ورجع من شيروان إلى تبريز إلى دزفول والحويزة وشوشتر وبلاد خوزستان فقتل من كان بها من المشعشعين وملكها ورجع يوم السبت غرة ذي القعدة وفي سنة 950 وصل السلطان. . .) وقال عن الشاه عباس: (وفي سنة 1032 ركب الشاه بذاته على عراق العرب ففتحه وفي سنة كذا أطاعه سلطان الحويزة والأهواز السيد مبارك ابن المطلب بن حيدر المشعشعي الموسوي الحسيني - على المداهنة - وأرسل أبنه ناصراً رهينة عنه إلا أنه خطب ودعا له وسلم الأمر إليه).
إلى هنا انتهينا بالتحقيق والمطالعة زيادة التدقيق ومن الله التوفيق.
م. جواد