الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي
4 -
(الطلاق في الجاهلية)
وقال في ص 9 عن العرب (وللرجل وحده حق الطلاق ما لم يشترط عند العقد خلاف ذلك) قلنا: هذا هو الظاهر لكن السيد نعمة الله الجزائري قال في ص 87 من زهر الربيع: (وروي أن الطلاق في الجاهلية كان إلى النساء وكان طلاقهن للرجال أن يغيرن أبواب البيوت من المشرق إلى المغرب) ثم أورد حكاية لكيفية إجراء الطلاق، وجاء في مادة (ج د د) من المصباح المنير (والاسم منه الجد بالكسر أيضاً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، لأن الرجل كان في الجاهلية يطلق أو يعتق أو ينكح ثم يقول: كنت لاعباً ويرجع. فأنزل الله تعالى قوله: ولا تتخذوا آيات الله هزوا، وقال النبي - ص - ثلاث جدهن جد، إبطالا لأمر الجاهلية وتقريراً للأحكام الشرعية) وقال الطريحي النجفي في مادة (هزأ) لتفسير الآية المذكورة: (قيل كان الرجل في الجاهلية يطلق أو يعتق أو ينكح ثم يقول: كنت لاعباً. فانزل الله تعالى: لا تتخذوا آيات الله هزواً) وكلامه مقتبس من المصباح على ما ظهر لنا.
وقال أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي (قيل كان طلاق الجاهلية أن يسل الرجل ثوبه (وفي نسخة: ثيابه) عن امرأته) تفسيراً لقول امرئ القيس (وسلي ثيابي من ثيابك تنسل) وفي ص 317، 318 من كشف الطرة
عن الغرة عن أبي عبيدة أن عمرو بن عدس بن زيد التميمي كانت تحته دختنوس بنت لقيط بن زرارة - وكان ذا مال كثير إلا أنه كبير السن فقلته فلم تزل تسأله الطلاق حتى فعل) فهذا الخبر يؤيد أن الطلاق كان إلى الرجل في الجاهلية والأمر بقي معي علينا وليس عندنا (بلوغ الأرب في أحوال العرب) فنبلغ أربنا منه على ما يدل عليه اسمه.
انصر أخاك ظالماً أو مظلوما
وقال فيها (أما علاقة أبناء الأسرة بأبناء القبيلة فجماعها مدلول هذه الحكمة الجاهلية (انصر
أخاك ظالماً أو مظلوماً) على ما بين أبناء العم من تنافس وتباغض) قلنا: ذكر هذا الرأي أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في (ص 15) من جمهور الأمثال. ثم قال (وقد روي هذا الكلام عن النبي - ص - فان كان صحيحاً إسناده فمعناه: انصر أخاك مظلوماً وكفه عن ظلمه إن كان ظالماً فقد نصرته إذا خلصته من الإثم لأن النبي - ص - لا يأمر الظالم. . .)
ورأينا هذا القول وهذا الرأي في تاريخ المرحوم الشيخ محمد الخضري كما في (1: 13) من الطبعة الثانية وتاريخه ليس بثبت ولا معتمد لأنه - عفا الله عنه - أهمل المصادر التي يجب ذكرها على المؤرخين فاسقط كتابه وطرق عليه الطاعنين وفاز جورجي زيدان بالمرجعية والشهرة، وقد خلط الرواة بين
حديث القدماء والحديث النبوي فعسر التميز، ثم أن تفسير أبي الهلال لو كان مرجعاً لكان المألوف يقضي أن يقال:(ظالماً ومظلوماً) بالواو ولا محل للإباحة فيكون على غرار قوله تعالى (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) فنحن نرى أن المراد ب (ظالماً) ظالم لنفسه وقد قال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فهم الظالمون لأنفسهم والمراد بالمظلوم معروف فاللازم نصره أن لم يكن مظلوماً فهو ظالم لنفسه محتاج إلى النصر من هذه الجهة، فهذا القول إسلامياً اكثر منه جاهلياً، والمراد بالنفس ههنا الأجساد لأن النفس إمارة بالسوء.
العجعجة والكشكشة والغمغمة
وذكر في ص 13 بعض لغات العرب فقال (كجعجعة قضاعة. . . وكشكشة أسد) وعلق به: (العجعجة: قلب الياء جيماً بعد العين وبعد الياء المشدودة فيقولون في الراعي: راعج: وفي كرسي: كرسج). والكشكشة، جعل الكاف شيئاً في خطاب المؤنث). - قلنا: ليست ياء الراعي مشدودة فيصح التمثيل بها، ثم أنه ذكر في حاشية (ص 16) عن العقد الفريد (إن معاوية قال يوماً لجلسائه: أي الناس افصح؟ فقال رجل من السماط يا أمير المؤمنين: قوم قد ارتفعوا عن رتة العراق وتياسروا عن كشكشة بكر وتيامنوا عن فشفشة تغلب، ليس منهم غمغمة قضاعة. . .) فحصل بين نقلي الأستاذ الزيات تعارض لأن العجعجة كانت لقضاعة فصارت لهم الغمغمة، وكانت الكشكشة لأسد فنسبت هنا إلى بكر، وهذه النادرة ربما نقلها ابن عبد ربه عن كامل المبرد (راجع 8: 50 من لغة العرب) وتكلمنا على
الطمطمانية والغمغمه (راجع 7: 577) وق اختلف في تخصيص هذه اللغات بأصحابها ففي (1: 133) من المزهر ما نصه: (ومن ذلك العجعجة في لغة قضاعة يجعلون الباء المشددة جيماً بقولون في تميمي: تميمج) وفي ص 134 منه (وإبدال الياء جيماً في الإضافة نحو غلامج. وفي النسب نحو بصرج وكوفج) مما يدل على النقل العمومي والقمشي، فيجب موافقة قول الزيات المذكور في العجعجة لهذين القولين المنقولين عن المزهر أو حصوله على نص في العجعجة بأنها قلب كل ياء متطرفة جيماً ليصح
قوله السابق المنتقد.
اتصال العرب بالتجارة والدين
وقال في ص 13 (فان الهرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين) مع انه كان قد قال في ص 8 (وهذه الوثنية كانت دين الكثرة من العرب) فلا تتأتى الكثرة الدينية إلا من شدة اتصالهم بعضهم ببعض، ثم قال عن الشعب العدناني والقحطاني في ص 14 (فكان أذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين الألفاظ ويجانس بين اللهجتين في المنطق) فاثبت الاتصال الاماري والتجاري إذن لم يبق على شيء، مما اعتمده أولا، والرأي الأخير هو الصواب لأنه حالهم في اغلب عصورهم، وقصدهم إلى البيت الحرام في الجاهلية دليل ناطق على اتحادهم في الدين وقد أشار الله تعالى إلى صلاتهم فقال:(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) وقال هو في ص 15 (إلا عكاظ فأنهم كانوا يتوافون إليها من كل فج لأنها متوجههم إلى الحج ولأنها تقام في الأشهر الحرم) وأما التجارة فلا تحتاج إلى برهان.
المعاهدات واللهو في أسواق العرب
وقال في ص 14 عن الأسواق (وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوق) قلنا: وللمعاهدات واللهو والسرف والترف ألا ترى الحارث ابن حلزة يقول:
واذكروا حلف ذي المجاز وما ق
…
دم فيه العهود والكفلاء
واعلوا أننا وإياكم في
…
ما اشترطنا يوم اختلفنا سواء
وقال الواقدي في أخبار نفير قريش (وقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً - وكانت بدر موسماً من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون بها وفيها سوق - تسمع بنا
العرب وبمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثاً ننحر الجزر ونطعم الطعام ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبداً) وقال الواقدي (فلما أفلت أبو سفيان بالعير ورأى أن قد أحرزها وأمن عليها أرسل إلى قريش بن امرئ القيس وكان مع أصحاب العير خرج معهم من مكة
فأرسله أبو سفيان يأمرهم بالرجوع ويقول: قد نجت عيركم وأموالكم فلا تحرزوا أنفسكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد نجاها الله. فان أبوا عليك فلا يأبون خصلة واحدة: يردون القيان، فعالج قيس ابن امرئ القيس قريشاً فأبت الرجوع، قالوا: أما القيان فسنردهن - فردوهن من الجحفة -). قال ابن أبي الحديد: (لا اعلم مراد أبي سفيان وهو الذي أخرجهن مع الجيش يوم أحد؛ يحرضن قريشاً على أدراك الثار، ويغنين ويضربن الدفوف، فكيف نهى عن ذلك في بدر وفعله في أحد؟) أقول: لا يخفى السبب على ذي بصيرة مثل ابن أبي الحديد، فان القيان إذا رجعن إلى مكة، لم يبق لا غلبهم رغبة في المكوث ببدر، لأنهم لهاؤون قصافون، فتكون نهاية أمرهم العودة، وقال الواقدي في المطعمين في بدر من المشركين:(المتفق عليه ولا خلاف بينهم فيه تسعة فمن بني عبد مناف (الحرث بن عامر نوفل بن عبد مناف) و (عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس) ومن بني أسد بن عبد العزى (زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد) و (نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية) ومن بني جمح (أمية بن خلف) ومن بني سهم (نبيه ومنبه ابنا الحجاج) فهؤلاء تسعة) وروى محمد بن اسحق أن العباس بن عبد المطلب كان من المطعمين في بدر وكذلك طعيمة بن عدي بن نوفل كان يتعقب هو وحكيم والحارث بن عامر بن نوفل وكان أبو البختري يتعقب هو وحكيم بن حزام في الإطعام وكان النضر بن الحارث بن كلدة ابن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار من المطعمين فهذه الأنباء كافية للدلالة على ما قدمنا من دعوى أن العرب كان تعاهد وتكافل وتلهو وتقصف في مواسمها وأسواقها.
لغة قريش وباقي اللغات
وقال في ص 14 عن العدنانيين (ففرضوا لغتهم وأدبهم على حمير الذليلة
المغلوبة ثم جاء الإسلام فساعد العوامل المتقدمة (وقد قدم العوامل) على محو اللهجات الجنوبية وذهاب القومية اليمانية فاندثرت لغة حمير وآدابهم وأخبارهم حتى اليوم) ثم قال في ص 81 (لم
يكن امتزاج اللغات ولا اتحاد اللهجات تاماً من كل وجه عند انبثاق نور الإسلام. وإنما بقي على نواحي الألسنة لحون مختلفة كالفتح والإمالة. .) قلنا: وكذلك لغة حمير فأنها لبعدها من لغة العدنانيين كانت أطول احتضاراً وأبطأ انقراضاً فلا يقال أنها وآدابها اندثرت، وكيف تنسى طمطمانية حمير ووتم اليمن وشنشنتهم ولخلخانية الشحر وعمان وغيرها، وكتب اللغة كثيراً ما احتوت على ألفاظ يمانية، وإنما ذكرنا غير لغة حمير لتأييد بقاء اللغة الضعيفة لسبب من الأسباب الحيوية؛ ومن راجع كتاب الإكليل للهمداني - وقد اطلعنا على قسم منه - علم كثرة الألفاظ اليمنية في العصور الإسلامية لأن اصطلاحات البناء والري والصنائع والفنون لا يمكن الاستغناء عنها بتة.
(السدى) بالفتح لضد اللحمة
وقال في ص 18 (الخطابة كالسعر لحملتها الخيال وسداها البلاغة) بضم السين من (سدى) والصواب فتحة، قال في مختار الصحاح (السدى بفتح السين ضد اللحمة. . . والسدى بالضم: المهمل) وفي المصباح (السدى وزان الحصى من الثوب خلاف اللحمة وهو ما يمد طولا في النسج) وهذه رأيناها في الطبعة الثانية كما في ص 9 منها فلم تصحح في هذه الطبعة يا أسفا كنا اصلح غيرها من مضبوطات القلم.
مصطفى جواد