الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كره العرب للحياكة
- 2 -
ذكرنا في ما تقدم (9: 533) أن مريم البتول، استرشدت الحاكة، فدلوها على غير الطريق، روى علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي أن مريم حملت بعيسى تسع ساعات جعل الله الأشهر ساعات لها. ثم ناداها جبريل:(وهزي إليك بجذع النخلة) أي النخلة اليابسة. فخرجت تريد النخلة اليابسة، وكان ذلك اليوم سوقاً، فاستقبلها الحاكة - وكانت الحاكة احسن حالا وكسباً في ذلك الزمان - فاقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم - ع -: أين النخلة اليابسة؟ فأستهزأوا بها وزجروها فقالت لهم: جع الله كسبكم قليلا. وجعلكم في الناس عاراً؛ ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم.
ولما تولى محمد بن عبد الرحمن المستكفي بالأندلس، وذلك سنة (414هـ) وزر له رجل حائك، يعرف بأحمد بن خالد، وهو كان المدير لأمره. والمدير لدولته، وأردئ بدولة يديرها حائك؛ ولم يزل كذلك إلى أن خلع وقتل وزير المذكور في داره، فقد دخل عليه أهل قرطبة نهاراً فتولوه بالحديد إلى أن برد.
ثم قال نعمة الله الموسوي: (وأما الذي صنعوه إلى مريم. إنما كان من نقصان عقولهم، كما قال - ع - (وهو الإمام موسى بن جعفر كما ذكر هو في ص 159). عقل أربعين معلماً عقل حائك، وعقل امرأة، والمرأة
لا عقل لها، وفي الحديث:(لا تستشيروا المعلمين ولا الحوكة، فأن الله سلبهم عقولهم) وفي القاموس بمادة (درز): (وأولاد درزة: السفلة والخياطون والحاكة) وفي أساس البلاغة: (وهم أولاد درزة للسفلة والخياطين. قال حبيب ابن جدرة الهلالي:
يا با حسين والجديد إلى بلى
…
أولاد درزة أسلموك وطاروا
يريد زيد بن علي - رض -، وقال محمد بن يزيد المبرد:(وقال حبيب ابن جدرة) بالتحريك (ويقال جدرة بالضم وهي السلعة) الهلالي وهو من الخوارج يعني زيد بن علي:
يا با حسين لو شراة عصابة
…
صبحوك كان لوردهم إصدار
يا با حسين والجديد إلى بلى
…
أولاد درزة أسلموك وطاروا
تقول العرب للسفلة والسقاط: (أولاد درزة). وقال أبو هلال العسكري (وابن درزة: السفلة الساقط. قال الشاعر: (أولاد درزة أسموك وطاروا) ولم يذكروا الحاكة. أما صاحب القاموس فقد ادخل الحاكة في السفلة ولو كانوا علموا بذلك لسرقوا قاموسه وعدمناه.
وأني كثيراً ما جالست الحوكة، فرأيت أغلبهم مغتابين، طعانين، قليلي العقول، قبحاء الكلام، يتنابزون بالألقاب، ويتقاذعون بفاحش الأقوال، ويتلاحون برديء المزاح، ويتناقصون في الحياء. واعرف واحداً منهم يقوم بالفروض الدينية حق القيام، لكنه وقاع في الناس، بهات لهم، حسود، عنود، يتكلم على صاحبات المحوكات والنسائج (كالفوط) بالفشار، والقذع، وطالما ذكر لي انه لم يبلغ مكسبه وقتاً من مائة ربية، بل ما أمسكت يداه مائة ربيه ولو أمانة.
وان ما قدمناه من الأخبار في الحوكة والحياكة، يجب أن يكون مقيداً بزمان مخصوص أو إنسان مخصوص أو بكليهما، لان إطلاق الحكم في مثل هذه الأمور لا يجوز شرعاً،
ولا نقلا. ولا عقلا. فان النهي عن الحياكة إماتة لها، وإماتتها تعطيل للصناعات، وإعدام للحاجات، ولا يأتي إصلاح الدين من حيث الإفساد بل تنقض دعوى من رجح التعميم، بان كثيراً من الحوكة أثروا إثراءً فاحشاً وكثيراً أذواء دين متين وبصيرة منيرة.
وورد في معجم ما استجعم (ص 16) لأبي عبيد البكري - كما في (1: 189) من خزانة الأدب - في الكلام على جزيرة العرب، عندما ذكر تفرق كلمة العرب ووقوع الحرب بينهم، وتشتتهم، ألا تزيد تنوخ، وهي تزيد قضاعة، قال:(وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ورئيسهم عمرو بن مالك التزيدي، فنزلوا (عبقر) من أرض الجزيرة، فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي، فهي التي يقال لها (العبقرية) وعملوا البرود، وهي التي يقال لها (التزيدية) وأغارت عليهم الترك، فأصابتهم وسبت منهم، فذلك قول عمرو بن مالك بن زهير:
ألا لله ليل لم أنمه
…
على ذات الحصاب مجنبينا
واقبل الحارث بن قرد البهرائي. . . ومضت بهراء حتى لحقت بالترك. فهزموهم واستنقذوا ما بأيديهم من بني تزيد) والله اعلم بصحة هذه الغزوة وروى أبو مخنف في
أخبار ما قبل أيام الجمل. قال: (بعث علي - ع - من الربذة. . . عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري، وكتب معهما: (من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد يا ابن الحائك، يا عاض. . . أبيه فوالله أني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر -