المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بدرة وجسان أو بادرايا وباكسايا جاء في (معلمة الإسلام) التي ينشرها جماعة - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌ ‌بدرة وجسان أو بادرايا وباكسايا جاء في (معلمة الإسلام) التي ينشرها جماعة

‌بدرة وجسان

أو بادرايا وباكسايا

جاء في (معلمة الإسلام) التي ينشرها جماعة من المستشرقين بثلاث لغات متفرقة الألمانية والإنكليزية والفرنسية ما هذا تعريبه بحرفه:

(بادرايا، موضع وصقع من ديار العراق في شرق دجلة عند بدء منحدر سلسلة جبل الطاق (وهو المعروف بالإفرنجية باسم زجرس وهي تعرف اليوم باسم بدرة وواقعة فويق الدرجة 33 من العرض الشمالي وتحت الدرجة 46 من الطول الشرقي من غرينويش. ووصاف البلاد من كتاب العرب يضمون بادرايا إلى باكسايا ويشيرون إلى البندنيجين (مندلي) إشارتهم إلى حاضرتهما جميعاً. وأهم ما يصدر منها من القصب (كذا) الشهير الذي ييبس فيها. وقد نقل كسرى أنو شروان إلى هذا القطر طائفة من سكان إنطاكية بعد أن دمر هذه المدينة. وقد جاء ذكر بادرايا في كتب السريان بصورة (بيت درايا) ولا شك أنه ورد ذكرها أيضاً في التلمود بصورة (بي دراي) اللهم إلا أن تكون رواية في (باد وريا). وقد ذكر ياقوت في معجمه 1: 555 بر درايا (قابل أيضاً ما في مراصد الإطلاع 1: 141) فلا جرم أنها تصحيف بادرايا. ومعنى درايا كمعنى كسايا في باكسايا أي قبيلة سكنتها في سابق العصور. قابل أيضاً ماذرايا اسم موضع فوق واسط.) أهـ كلام الكاتب.

حدود بدرة

يحد هذا القضاء من جهة الغرب قضاء العزيزية الواقع في ضفاف دجلة، ومن جهة الشرق فارس والتخم هو جبل حمرين المستقل به حاكم عجمي معروف (بابن حسين قلي خان) ويحده من جهة الشمال (مندلي) البندنيجين ومن الجنوب لواء العمارة وقضاء كوت الأمارة.

ص: 651

مزارعها

فيها من الزراعيين العرب نحو ثلاثة آلاف بيت يسكنون مزارع تقدر بخمسة آلاف وأربعمائة دونم.

حيواناتها

في القضاء كله نحو خمسمائة من البقر، وفيها ثلاثة وتسعون ألف وثلاثة عشر من الغنم ونحو مائة وثلاثين من الجاموس وليس في قرية بدرة جاموس وفيها نحو ثمانمائة وتسعين من الجمال إلا في قرية بدرة، وفيها نحو ألف ومائتين وخمسين حماراً ومائتين وتسعين بغلاً، والمستعمل في حمل أثقالهم البغال في الغالب.

بقولها وحبوبها

من بقولها المشهورة: القثاء والبطيخ الأصفر والأسود و. . . الدماطة و. . . البامياء والباذنجان والسلجم والشمندر والفجل والتين والرمان والليمون والبرتقال والنارنج والاترج والكمثري والخوخ والمشمش والأجاص والعنب والزيتون والفلفل الدراز (دارا) وغير ذلك من البقول. وأما حبوبها فالقمح والشعير والذرة والأرز والهرطمان، ولا يزرع الماش عندهم ولا العدس، وعندهم السمسم والباقلا. والحمص والجلجل كثير عندهم، والحبة الخضراء والجوز واللوز تجلب إليهم من بلاد فارس، وعندهم حبوب وبقول آخر لا أذكرها.

موقعها السياسي والتجاري والطبيعي

بدرة تبعد يوماً وبعض يوم عن نفس قضاء كوت الأمارة فالمسافر قبلا من الكوت يقلع صباحاً ويصل جسان عشياً ويبيت في جسان وبكرة يقلع منها إلى بدرة فيصلها الضحوة الكبرى وبين (البغيلة) وبدرة يومان ونصف بسير البغال والذاهب من البغيلة إلى بدرة كالذاهب من الكوت إلى بدرة لأن المدة متساوية إذ بين الكوت والبغيلة يوم واحد في الغالب وبين بدرة والبندنيجين يومان وهذا طريق البريد بين بدرة وبغداد، ويقول البدرين أن بين بغداد وبدرة طريقاً قريباً جداً ومسافته يوم واحد إلا أنه غير مسلوك لعدم وجود الماء فيه وهو طريق مخوف، وقد زعموا أن أحدهم سلكه فوصل بغداد في يوم واحد، ولقد يكون هذا صحيحاً لآن البغداديين يرون الجبل المقارب لبدرة (وهو جبل حمرين) كالغمام

ص: 652

العارض إذا صعدوا إلى مكان مرتفع ولو أن الحكومة اهتمت بهذا القضاء المهم وفتحت له الطريق المذكور لعمر عمراناً باهراً وازدادت وارداته أضعاف أضعاف ما هي عليه اليوم. وبدرة ثغر مهم، إذ أنها الحد الفاصل بيننا وبين إيران، ولما رأت الحكومة التركية أهميته حشدت

إليه ثلة من العسكر ترابط فيه والعسكر لا يزال مقيماً هناك، وهذا القضاء ترد إليه البضائع التجارية من فارس والكوت والبندنيجين، وهي قليلة جداً، فلهذا تراها تباع بضعفي ما تباع في بغداد، وبينه وبين فارس مواصلة في التجارة أكثر مما بينه وبين بقية البلاد.

زراعتها

أراض واسعة ورجال قليلون ولا يزرع إلا معشار ما هناك من الأراضي والماء لا يكفي إلا ما يزرع منها، والماء يتوجه إلى حيث يشاء الزراعي المستقي، وفدادينها تزيد على. . . . فداناً، ولو كان لهذه الأراضي مصلح لجنى منها الذهب والفضة ولوفر منها خزائنه بالمال لأنها واسعة جداً، ولا آسف على مثلها فأني رأيت على ضفاف دجلة أراضي واسعة جداً إلا أنها خالية من الرجال والحكومة تشكو الفقر والإعدام، وهذه بلادها مهملة عجاف تجري مياهها ضياعاً.

تقسيمات

يحتوي هذا القضاء على ثلاث قرى: بدرة. وجسان. وزرباطية. وكلها يقرب بعضها من بعض، فجسان تقرب من بدرة، وبينهما ثلاث ساعات، وبدرة تقرب من زرباطية وبينهما ساعة ونصف وفي بدرة محل الحكومة ومحطة الهيئة الشرعية للقضاء، والقضاء كله ينقسم إلى ست مقاطعات: الأولى مقاطعة جسان ويقال جصان بالصاد والسين كما ينطق بها أهلها، وتمسح بسبع ساعات طولاً ويسقيها نهر جسان الذي يمر منحدرا من بدرة إلى جسان ونهر الشعير ونهر الشاخة وغيرهما. والماء لا يروي مزارعها، وأهلها يتشاكون ويتضجرون من قلة المياه والمقاطعة تنقسم إلى ثلاث ضياع: ضيعة جسان وضيعة الشاخة وضيعة نهر الشعير، والمقاطعة الثانية، مقاطعة بدرة وتمسح بست ساعات طولاً، وتنقسم إلى ست ضياع: ضيعة (ميرزاباد) أو (ميرزه آباد) وضيعة (قيراي) وضيعة (الشيحة) بكسر أوله وضيعة (الإمام الرضا) أو (إمام رزا) على حسب

ص: 653

رطانتهم، وضيعة (أم الروف) وضيعة (نهر الشعير). ويجري بهذه المقاطعة نهر ميرزآباد، وقيراي، وشيحة، و (إمام رزا) وأم الروف. والمقاطعة الثالثة: زرباطية وتمسح بخمس ساعات طولاً، ويرويها نهر زرباطية، وفيها ضيعة ورمزيار (بفتح أولها وهو الراء وكسر الميم وسكون الزاي).

والمقاطعة الرابعة هور جسان ويمسح بست ساعات طولاً. والمقاطعة الخامسة (غريبة) بسكون أوله وفتح ثانيه وتمسح بعشر ساعات. والمقاطعة السادسة (ترسخ) بكسر أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه، كذا ينطقون به، وفي دفاتر الحكومة (ترساق) وبقية أراضي أخر تدعى أراضي سيد حسن وأراضي (بكسايا) بفتح أوله، وفي هذه الأراضي (جبل حمرين) الذي هو شعبة من جبال (بشت كوه) الفارسية، وأهل القضاء مقسمون إلى عرب وكرد وبعض فرس والعرب هم الاغلبون فيه، ونفس قرية بدرة تنقسم إلى جانبين: الجانب الشرقي وهو الذي فيه محل الحكومة وبيوت بدرة. والجانب الآخر: الجانب الغربي وليس فيه سوى حقول ومزارع وحدائق، وفي هذه الأيام أسس فيه (ثكنة) عسكرية يقيم فيها العسكر المرابط هناك.

حالتها الطبيعية

طقسها: معتدل جداً سالم من كل ضرر لو كانت القرية في درجة من النظافة. أما أهلها فيغلب على ألوانهما الاصفرار كأنهم مرضى مزمنين لأنهم يكثرون استعمال التنباك إكثاراً بالغاً، وقوتهم الذي يقوتون به أنفسهم وعيالهم وأبناءهم (الشاي) فهم مثابرون على شربه ويغتنون به عن بقية المآكل بكرة وعشياً، في الصيف والشتاء كما هي حالة الفرس اليوم، وقلما تجدهم يأكلون التمر على كثرته وتنوعه عندهم، والذي هو أضر من ذلك أنهم يوغلون (في الحشيشة والأفيون) ويكثرون الجنوح إليهما. لذلك تراهم ضعافاً هزالا على رقة هوائهم؛ وهذه عادات بلغت إليهم من الأعاجم.

والقرية تطل على نهر صغير يسمونه (الكلال) و (كلال) بالكاف الفارسية ويشق البلدة جدول صغير أيضاً أقل غزارة من (الكلال) فيجري من خلال أكثر البيوت وبعض البساتين. وهي على تلعة عالية قليلاً عن سطح الأرض وعلى

ص: 654

ضفة الكلال الأخرى حقول ومزارع وبساتين ونخلها أكثر من نخل الضفة الأخرى من جهة الشرق، وقد أحاطت بالقرية البساتين من جميع جهاتها، وعلى مقربة منها (جبل حمرين) والمسافة بينه وبينها خمس ساعات للراكب، وهذا الجبل هو التخم الفاصل من هذه القطعة بين البلاد العراقية والبلاد الفارسية. وفيه حاكم مستقل عجمي ويكثر عنده النهب والسلب لأن الأشقياء فيه كثيرون وقد أصبح ملجأ لقاطعي الطرق من أعراب وأعجام.

وماء القرية ملح أجاج ثقيل جداً لأنه يجري على الصخور والجلاميد ويمر على أرض مملحة فهو شديد المرارة، وفي الصيف تقل المياه فلا تكفي القريتين: بدرة وجصان، ولا يصل إلى جسان إلا الطين والكدر، وإذا نزل المطر على تلك الأودية تحول مياهها إلى فساد في الرائحة واللون والطعم، فلا تقدر أن تتجرعها ولا تكاد تسيغها (والكلال) حينئذ يفيض ويطغي حتى يكاد يكون كدجلة في عرضه إلا أن طغيانه يفتر بعد ساعات فيرجع إلى القلة في الماء ويبقى متغيراً طعمه إلى أيام، والسبب في فساد الماء من المطر أن ما يستمده الكلال من المهامه والفيافي من الماء هو غسالة تجرف كل ملح من سباخ الأرض وكل وسخ يحيل الماء إلى غير حالته الطبيعية، وفي بدرة ينبوع ماء فرات يبعد عنها ساعة، ولو مروره على الملح لبقي فراتاً إلى منتهى جريانه، وبعض خواص القرية يشترونه بقيمة غبن.

وصف القرى الثلاث جملة

كل هذه القرى متشابهات بعضها لبعض، والبيوت هناك تبنى بالطين واللبن، وأفنية دورهم يجللونها بالطين، ولا يكاد يعرفون الآجر. والطين هناك ذو صلابة وقوة تقارب صلابة الجص، وبعض البيوت يبقى إلى مائتي سنة أو أكثر، وجسان تنفرد عن القريتين بسعة طرفها وأفنية بيوتها. أما القريتان الباقيتان فأنهما متشابهتان من جميع الجهات، وبيوت بدرة ليست موافقة للصحة أصلاً لأنها لا منافذ للرياح فيها، فهي مظلمة بالسطوح التي تغطيها، وسقوفها من الجذوع وكذلك أبواب دورهم، والبيوت مختلفة المباني متصالية السطوح والجدر. وبدرة مبنية على تل عالية قليلاً، وما فيها إلا طريق واحد عام

ص: 655

تتشعب منه بنات الطريق، وطرقها غاصة بالقمامات والكناسات، وأبناء بدرة لا يعرفون الحشوش ولا البلاليع ولا الآبار. وهذه القرى تمثل الوحشية والخراب فضربوا بها الأمثال، وفي بدرة نفسها خمسمائة بيت (خانة) من تلك البيوت التي أشبه بمقابر الموتى لا تعرف فيها الريح إن هبت وان سكنت كأنما يوم القيظ أتأتين، وفيها خان واحد للغرباء، وفيها مسجدان صغيران وحمام، وفيها إدارة للبرق والبريد. ومكتب أولي. وفيها نحو ست (قهوة خانات) وفيها نحو خمس وعشرين (رحى ماء) تطحن البر والشعير والذرة ونحوها طحناً دقيقاً وربما أكتب مقالة في وصف (أرحاء الماء) وانشرها في هذه المجلة، وفي بدرة ما يزيد

على سبعين حانوتاً تباع فيه الأقمشة والأطعمة على اختلاف أنواعها وفي جسان نحو مائتي وستين بيتاً وعشرين حانوتاً، وفيها خان وحمام ومسجدان والحمام يشترك فيه الرجال والنساء، فكل منهما له وقت معلوم كالحالة في بدرة، وجسان تحيط بها المزارع والجنان من جميع جهاتها. وأما زرباطية ففيها نحو مائة وستين بيتاً وثلاثة عشر حانوتاً، وفيها خان واحد (وشايخانة) اثنان، وتحيط بها البساتين أيضاً وكل القرى والضياع تسقى من ماء واحد ينبع من ينابيع بعضها في شغف حمرين وبقاعه، وبعضها في سفحه وحضيضه والتي تجري من سفحه أعذب. وإذا أردت أن تعيش عيش الوحوش في البيد المقفرة فاركن إلى مثل هذه القرى.

أبناؤها

هم قوم من العرب تغلب عليهم العجمية فانقلبوا يتكلمون بها، ويدلنا على ذلك أنهم يعرفون العربية ويتكلمون بها، وان رطانتهم مزيج من ثلاث لغات. الفارسية وهي الغالبة، وتليها في الغلبة التركية ثم العربية. وفارسيتهم فاسدة ومذهبهم المذهب الجعفري، قيل وكانوا قبل خمسين سنة أو أكثر من أهل السنة والجماعة، إلا أنهم جنحوا أخيراً إلى اعتناق المذهب الجعفري لكثرة تردد المجتهدين من الجعفرية إلى بلادهم، ومما يصحح هذا القول أن هناك أوقافاً جمة ترجع وارداتها إلى الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه، ويدلنا على صحته أيضاً أنهم قليلو المنفرة عن أهل السنة، ولا يتعصبون في مذهبهم تعصب بعض الشيعة

ص: 656

في بقية مواضع العراق، لأن العريق في المذهب أشد تعسفاً من الحديث به. على أنا وجدنا أعراباً شيعة يهربون من السني، ويسبونه ويلعنونه، وربما يقتلونه أن تمكنوا منه، وأبناء بدرة بعيدون عن كل تعصب وتعسف، وقد اتخذوا أكثر عادات الأعجام، فلا يقرون الضيف، ولا يدعون دعوة. وعندهم شيء من النفاق والكذب. ولا بدع فذلك عادة في ضعفاء العراقيين خاصتهم وعامتهم. وفيهم الجبن والخوف والأحجام في الأمور. وكلهم همج رعاع ألقى عليهم الجهل غمرته فهم في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض والشريف فيهم من ملك ضيعة من الأرض أو ضيعتين، ولم أجد فيهم عالماً ولا متعلماً إلا ما كان من حضرة السيد محمد تقي المجتهد هناك، فأني رأيت منه، دام ظله، عالماً كبيراً وبحراً غزيراً، وقد حضرت مجلسه مراراً، ودار بينه وبين أخي المفتي هناك (السيد عبد المجيد) جدال ينم

عن غزارة مادة الرجل، وكان الجدال بينهما سجالاً، كل واحد يأخذ ويعطي.

ثم أن أبناء بدرة في غاية الكسل والخمول. وكل مهنة عندهم تعد عاراً وعيباً، ومن كانت له خمسون نخلة منهم يتكل عليها طول عامه، فلا يتشبث بشيء سواها (فهل موت بعد هذا الموت يا رجال الحياة). (وهل فقر بعد هذا الفقر يا رجال الإثراء). وعاداتهم في النكاح أن يجعلوا صداق البنت نخلاً فيعطيها على حسب جمالها وشرفها (وأين منها الجمال والشرف؟) ونساؤهم لا يبارحن بيوتهن، وبعضهن يشتغلن مع أزواجهن في البساتين إن كان للزوج بستان، ولا يعلمن من الطبخ شيئاً إلا (تسخين الشاي) لأنه قوت تلك القرية، ولا يعلمن قراءة ولا كتابة ولا تدبير منزل.

النبات والشجر في بدرة

يغلب النخل على بقية الأشجار التي تنبت في تلك القرى، وقد يبلغ النخل فيها زهاء ألف إلف، وهو هناك على ما أظن أحسن من النخل في البلاد العراقية، وجذوعه غليظة جداً حتى يكاد يكون الجذع كثلاثة جذوع من جذوع نخل بغداد. وللتمر عندهم أنواع كثيرة، أشهرها (الأشرسي) الذي لا مثيل له في بغداد من جهة الحلاوة والمقدار، وهو كثير مبذول عندهم (والخستاوي) وهو نوعان:(الأزرق) وهذا القسم المعتبر عندهم، والعادي الذي هو انزل

ص: 657

من الأول. ومن التمور (الخضراوي) يشبه الخستاوي لوناً وحجماً، و (ألبدارية) أو (البيدرايي) كأنه منسوب إلى بدرة، وهو تمر لا أرى مثله في بغداد في الحجم والطعم، لكني أسمع بمحماة. (والمكتوم) يبيعونه بلحاً وفضيخاً و (القيتوني) ولم أر له في بغداد نظيراً، (وجمال الدين) كذلك لم أجد له نظيراً، وأحسن منه (دقل قيطاز) فهو الفريد عندهم. وقيطاز اسم محلة من محلات بدرة، أضيف إليها الدقل المذكور، و (الزهدي) و (القسب) لا يأكلونه لأنهم في غنية عنه. وإنما يحملونه إلى بغداد وعندهم (الأشرسي المكبوس) وغير ذلك مما يطول شرحه ويقتضي تطويلاً.

وكل ما ينبت في العراق ينبت في تلك البلاد، ولا شأن عندهم للزيتون فهو مهمل بينهم يثمر، فلا يجنون ثمره ولا يعنون به. ويكثر عندهم (النرجس) الزهر المشهور الذي تلاعبت في وصفه أقلام الشعراء لطيب رائحته ودقة عرفه المنشور و (الفرصاد) و (التوت) لا يكادان يذكران عندهم. وكذلك (الكمأة) فأنهم محرموها ويكثر عندهم (الرمان) و

(التين) و (الأعناب) قليلة عندهم. والبطيخ الأحمر) و (الأصفر) لا يكادان يذكران عندهم. والخوخ والأجاص عندهم أحسن من خوخ بغداد واجاصها والباذنجان والشلجم والشمندور من جملة ما يزرعونه. وبالجملة فكل ما ينبت في العراق ينبت في بدرة إلا قليلاً. ولولا خراب تلك القرى وتأخرها لأصبحت تلك البيوت قصوراً تحف بها المروج والحدائق فتكون كجنات عدن.

أخلاقهم وعاداتهم

هم قليلو التمسك بالدين، وأغلب خواصهم يؤدون ما عليهم من الفروض الإسلامية ومساجدهم لا تكاد ترى فيها أحداً إلا قليلا. والكل ضارب في إطنابه، وإذا تخاصم اثنان منهم في أمر يتقاضيان عند القاضي الرسمي أو عند بعض الأشراف. والمنكر يحلف بإمام مدفون هناك يسمى (علي اليثربي)، كما رأيته مكتوباً على قبره. ويبعد عن نفس القرية نحو ساعة ونصف، وينطقون باسمه (على أثره) وهم لا يحلفون به كذبا أبداً فأن المنكر عنده ما نكره أقر. وهكذا يفعلون بمن ظنوا به أنه سارق، فأنه يقر ويرجع ما سرقه إلى المسروق منه.

ص: 658

وهم يتزاورون فيما بينهم في مجالسهم، وقلما يزورون من ليس من أبناء قريتهم.

وعاداتهم عادات الشيعة في بغداد يقرؤون التعزية ويضربون صدورهم ووجوههم في العشر الأولى من المحرم، ويعظمون السيد تعظيما فائقاً، ويقتلون الزاني والزانية كما هي عادات بعض أعراب العراق. وهم يحقرون اليهودي والنصراني، وليس في بدرة إلا بيتان من اليهود، وغناؤهم على حسب رطناتهم الأعجمية. وليس عندهم إلا الطبل والمزمار والدفوف الصغار.

بعض الآثار في بدرة

على مقربة من بدرة آثار عافية يسمونها (العقر) وهي كقلاع ممتدة، ويقول أبناء بدرة أن هذه الآثار هي بدرة القديمة، أصابها مطر غزير فتهدمت بيوتها. ودثرت رسومها، وبدرة الحالية هي غير بدرة القديمة التي نراها اليوم آثاراً هامدة، وهذه الآثار تبعد عن القرية نصف ساعة، ويقيم فيها بعض الأعراب، وإذا أمطرت يبدو منها قطع من الخزف والزجاج

القديم وبعض (الخرز) والفخار، وقد وجد فيها بعض قطع الذهب. والأعراب يعتنون بما يجدونه من آثارها اعتناءً بالغاً، وكلما يقع في أيديهم تعلقه نساؤهم في رؤوسهم بعد ثقبه وتحسينه بالحك. ويسمون ذلك المعلق (اللولاح) أو (اللولح) أو (الدلاعة) وتجد في (اللولح) الأنواع المختلفة من الصخر والزجاج والعظام وغيرها.

وبقايا الآثار المبنية تعلو إلى نحو خمسة عشر متراً. وقد زارها بعض المستشرقين في السنين الأخيرة.

هذا أهم ما يذكر عن هذه الآثار، وهو الذي تواتر عن البدرين تواتراً صحيحاً. والله أعلم.

م. ر

(لغة العرب) كتبت هذه المقالة في سنة 1911، فأبقيناها بحلتها المذكورة من غير أن نبدل منها شيئاً، فهي مزوجة الفائدة من جهة وصف المدينتين المذكورتين قبل عشرين سنة، ومن جهة إفهام بعض الكتاب أن بيدنا مقالات قديمة العهد منذ أن أسست هذه المجلة، فإذا تأخر نشرها فلا يحمل ذلك على سوء نية بل على تراكم المواد لا غير.

ص: 659