المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌هيكل أدب (تابع لما قبله) أما لباسها ففي غاية البساطة والحشمة. بخلاف - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌ ‌هيكل أدب (تابع لما قبله) أما لباسها ففي غاية البساطة والحشمة. بخلاف

‌هيكل أدب

(تابع لما قبله)

أما لباسها ففي غاية البساطة والحشمة. بخلاف ما ذهب إليه فريق من المؤرخين في تهتك المرأة البابلية في الهياكل وعلى أبواب المعابد. وفي اسفل الإناء خطوط متمعجة تشبه الموج وهي تمثل الماء أو الغمر.

وفي الجهة اليمنى من مقدم الزورق كتابة مؤداها: إن اورين بن اور أهدى هذا الإناء إلى إلهته لكي تحفظ حياته. وبعض تلك الكتابة مسطور بخطوط مستقيمة. وبعضها بصورة مسمارية ترتقي إلى عهد دنجي. وفي طرفي الإناء ثقبان صغيران يسلك فيهما خيط لتعليق ذلك الإناء في الهيكل. ويظهر إن هذا الزورق قدّمه أحد النوتية هدية للهيكل عربون حمد وشكر على نجاته وزوجته من الغرق كما وقع مثل ذلك في أيامنا لجماعة من الملاحين فعلّقوا بعد نجاتهم رسم السفينة الغارقة ووضعوه في كنيسة مرسيلية الكبرى.

وقد ورد في الجزء الثالث من كتاب رويال ريدر ص 156 - 160 بعنوان (زورق فرسي) أي مصنوع من الخيش ما وقع لسبعة من النوبية الإنكليز قبل نحو مائتي سنة. فان نفراً من لصوص البحر (القرصان) أسروهم وحملوهم إلى الجزائر من بلاد المغرب في أفريقية فقضى أولئك المنكودو الطالع في الأسر مدة خمس سنوات قاسوا في خلالها من صنوف العذاب والهوان ما حملهم على أن يفضلوا الموت على حياة الذل والمسكنة. وفي الأخير عقدوا النية على مغادرة الجزائر مهما كلفهم ذلك من الأخطار والمشاق، فصنعوا سراً قارباً من الخيش وطلوه بالزفت والقار، ثم أنزلوه في الماء ليلا وهموا بالهرب. وما كان اشد أسفهم لما حققوا انه لا يسع سوى خمسة منهم، فالقوا القرعة وتخلف اثنان منهم بعد وداع تتفطر له الأكباد حزناً، وينقطع نياط القلوب جزعاً، ثم أبحروا

ص: 94

ووجهتهم بلاد أسبانية. وكان زادهم قليلا من الخبز وقنينتين من الماء العذب وبعد سفر دام بضعة أيام، كابدوا في أثنائها من الأهوال والنكبات ما يعجز القلم عن وصفه. وصلوا جزائر مينرقة وهم إلى آخر رمق من الحياة لشدة ما أصابهم من الجوع والعطش والتعب. فاكرم مثواهم الإسبانيون ورثوا لحالهم وأمدوهم في الحال بطعام وشراب ولباس وزودوهم بكل ما يقوم

بأودهم ثم وضعوهم في إحدى سفن ملكهم ووجهوهم إلى إنكلترا بلادهم وقد حفظ سكان جزيرة مينرقة ذلك الزورق المصنوع من الخيش، ووضعوه في كنيستهم الكبرى ذكرى لنجاة أولئك الملاحين الإنكليز الذين نجوا بأعجوبة من أهوال البحار بذلك القارب الصغير. وقد، حفظت أضلاعه وقاعدته من التلف مدة من الزمن، واخذ الرحالون يؤمون تلك الأصقاع لمشاهدة صقل ذلك الزورق القديم بعد الحادثة بأكثر من مائة سنة، فهذه الواقعة تؤيد بأجلى بيان ما حدث للملاح البابلي وزوجته التقية وإيداع رسم زورقهما أحد هياكل أدب.

وفي الخامس من كانون الثاني سنة 1904 استؤنف الحفر بعد أن توقف بضعة أيام من جراء النزاع القائم بين شيوخ تلك المنطقة. فكان كل منهم يدعي أن موقع بسمى ملكه. وقد عثر النقابون في ذلك اليوم في الطرف الشمالي الغربي من قاعدة الهيكل على رأس تمثال صغير منحوت من الحجر الأبيض يماثل التماثيل المكتشفة في تلو ونفر وكان رأس ذلك التمثال اصلع. ووجهه مستديراً أمرد ويرتقي عهده إلى الشمريين، ولا يتخطى عصر جودياء ملك تلو. ووجد المنقبون في اليوم التالي 65 صفيحة من الآجر وبينها قطع وطائفة من الجرار الصحيحة وكل هذه الآثار اكتشفت في ارض الطبقة السفلى من الهيكل.

هذا وفي ذات يوم بينما كان أحد المعمارين يبحث عن آجر للبناء عثر نبهاً على بئرين بالقرب من سفح الرابية الرابعة. وكانت أعضاد إحداهما مطوية بالآجر المربع (الطابوق السلطاني) وعلى كثير منها اسم اور انجور وكتاباته. وكانت البئر الأخرى مطوية بالآجر المسنم، ويحيط بها دكة مبنية بالآجر أيضاً، ووجد الحفارون في الرابية الأولى بناء عظيماً. وفي أنقاضه صفائح من

ص: 95

الآجر وتماثيل وآنية من الخزف. والذي ابهر أنظارهم وأفاد المؤرخين فائدة تذكر، عثورهم في الهيكل على قطعة صغيرة متجمدة من المعدن الأصفر، وبعد أن نظفت وصقلت عادت إلى رونقها الأول، فظهرت عليها كتابة بديعة طولها أربعة عشر سنتيمتراً في عرض خمسة سنتيمترات، تشتمل على ستة اسطر، وتبدأ بهذه الكلمات:(نرام سن ملك أكد).

كان نرام سن بن سرجون العظيم، أحد الملوك الذين أعادوا بناء هذا الهيكل؛ وقد وجدت تلك الشذرة الذهبية بجوار قبر قائم في غرفة صغيرة مربعة الشكل. ويرتئي فريق من

الأثريين أن نرام سن دفن في الهيكل؛ وذلك الموطن موضع قبره. وقد فتحه لصوص الآثار وسلبوا كل محتوياته، ولم يهتدوا إلى هذه الكتابة المسطورة على تلك الصفيحة الذهبية المقطوعة من صفيحة أكبر منها؛ لأن أطرافها غير المستوية تدل على أنها نزعت بعنف من تمثال كانت معلقة عليه لتدل على اسم صاحبه، أو لعلها كانت بمثابة مئزر أو رداء، يستر ظاهر جسم ذلك التمثال.

وبعد أيام قلائل رأى الفعلة قريباً من ذلك المدفن قطعة أخرى من الذهب أتمت طرفاً آخر من الكتابة. وكان مطبوعاً عليها بضعة أسطر بخطوط متآزية وهي تشير إلى أنها كانت قد اتخذت لغرض التجمل والزينة.

وقد صادف المنقبون كثيراً من الحلي الذهبية والحجارة الكريمة في قبور البابليين، ومدافن ملوكهم ولكن معظمها - إلم أقل كلها - كان غفلا خالياً من الكتابة. أما هذه فتعد فريدة في مادتها، وحيدة في نوعها. نعم وجد الأثريون في خرائب خرستاباذ (خرساباد) قطعاً من الذهب، عليها كتابات ونقوش ولكن ليس في بابل.

ووجد أحد الفعلة من البنائين - حينما كان يحث عن آجر للبناء في السهل الواقع في آسفل الرابية السادسة - خابئتين كبيرتين (راقودين) من الخزف ولكل منهما جوف واسع، وعنق صغيرة جداً بصورة غير مألوفة.

وكانت الخابئتان قائمتين الواحدة بجنب الأخرى؛ ومثبتتين في الأرض وإحداهما اصغر من الأخرى قليلا. وكان من الأمر الهين وقعهما وإفراغ ما فيهما

ص: 96

ولكن حينما رفعت إحداهما من موضعها تكسرت كسراً عديدة وفي الخابئة الصغيرة كان رماد جثث محرقة، وقطع من العظام الدقيقة واثنا عشر صحناً صغيراً عميقا ذا شكل قديم جداً وقطعة من الآجر.

وقد ظهر بعد التحري والتدقيق، أن هاتين الخابئتين الضخمتين اتخذتا مدفناً لرماد الجثث المحرقة للآسر النبيلة، ووجد أيضاً في تلك الصحون العميقة رماد جثث محرقة لإفراد ممتازين. فمن هنا يتبين أجلى تبين أن عادة إحراق جثث الموتى، كانت مألوفة وشائعة عند سكان العراق في ذلك الزمن البعيد. والمر الذي استرعى الانتباه بنوع خاص وجود جثث محرقة في موضع آخر وقد نسقت الواحدة بجنب الأخرى وذلك تحت سطع الأرض.

وصادف المستر وولي الأثري منذ نحو سنتين مدفن ملك نفي أور، ووجد تسعاً وخمسين

جثة من رجال ونساء، دفنوا أحياء بإرادتهم، ليرافقوا ملكهم في العالم الآخر، ويصبحوا أفراد حاشيته في مملكته الجديدة، كما كانوا على الأرض. (راجع لغة العرب 8: 78)

وصف الهيكل

كان الهيكل يعد عند الشمريين، والبابليين، والآشوريين، بؤرة حضارتهم وقبلة خاصتهم، وعامتهم. وكان الناس على اختلاف درجاتهم، وتفاوت مشاريعهم، يحجون المعابد، والمساجد، والهياكل، المرصودة لعبادة الآلهة، ويقدمون إليها هداياهم النفيسة، وآثارهم الثمينة، ففي هذه الأماكن المقدسة كانوا ينصبون تماثيل ملوكهم، ويجرون الحفلات الدينية، ويشيدون حولها قصورهم، ودور أغنيائهم، ويقيمون أسواقهم ومخازنهم، وبيوت تجارتهم واهراء غلاتهم، لما لها من الدرجة السامية في نظر الكهنة والأشراف، وسائر المتعبدين من السوقة.

وكان الهيكل كثيراً ما يقام على ضفة نهر، أو مصب ترعة، لان الفروض الدينية، تلزم أحياناً رؤساء الهيكل أن ينقلوا تماثيل الآلهة الضخمة على أكلاك أو أطواف من مدينة إلى أخرى، ويطوفوا بها حينما تنتشر في البلاد

ص: 97

أمراض شديدة الوطأة، تحصد نفوس السكان، وتفتك بهم فتكاً ذريعاً لا تهاب بطش ملك، ولا تخشى رقية كاهن، ولا ترحم شاباً أو شابة وان غض أهابها.

أنبأتنا الآثار المكتشفة حديثاً بان تخطيط الهياكل وهندسة بنائها يكاد يكون واحداً. فالمنقبون عثروا على طائفة صالحة منها، وكلها مشيدة على طرز متماثل، فإنها تشتمل على برج يتألف من ثلاث أو سبع طبقات أو لفات تشبه مصطبات مربعة تقوم الواحدة فوق الأخرى. وفي قاعدة البرج، أي في طرفه الأسفل يقوم موضع تماثيل الآلهة المقدسة، ومخادع الكهنة وهذا الوصف ينطبق بنوع خاص على هيكل أدب قبل أن عملت في أنقاضه معاول الحفارين.

الهيكل القائم في الرابية الخامسة

ذكرنا في فصول متقدمة، وصف بعض هياكل بسمى؛ عثر عليها الأثريون نبهاً في الروابي التي نقبوا فيها. وأما الآن فنبحث عن بضعة هياكل، نقب فيها المنقبون، فوجدوها قائمة

بعضها على بعض، والواحد على الآخر؛ وقد وضعوا عمارتها وتاريخ تأسيسها، والكنوز المذخورة فيها، وبعضها أنشئ في فجر التاريخ.

اكتشف الأثريون في تنقيباتهم التي قاموا بها عدة هياكل، وكان أولها قائماً على ذروة رابية، ولما أزاحوا ما كان من الإنقاص رأوا برج هيكل، ووجدوا الآجر الذي غشى وجه الجدار منقوشاً عليه اسم دنجي ملك أور (2350 ق. م) ولما أزالوا هذه الآجر عن موضعة، القوا تحته آجراً آخر، مسطوراً عليه اسم اور انجور، وهو والد دنجي (2400 ق. م) ولما أمعنوا في الحفر، عثروا على شذرات ذهبية ترتقي إلى عهد نرام سن (2600 ق. م) وعلى آجر مربع الشكل من عهد (سرجاني سري)، وهو سرجون الأول (2650 ق. م) وعلى هذا المنوال وضح وضوح الشمس في رابعة النهار؛ أن الرابية التي نحن بصددها، كانت تضم طبقات متعاقبة من الأنقاض، لأن المنقبين كانوا كلما أوغلوا في التنقيب، عثروا على أنقاض متناهية في القدم.

حفر النقابون في وسط الرابية التي تعلو نحو خمسين قدماً عن مستوى سطح الصحراء فشاهدوا بئراً قطرها نحو ثماني أقدام مربعة في طبقات عديدة من الأنقاض، ولما توغلوا في الخفر، اكتشفوا الجدران، وشظايا من الخزف

ص: 98

وغير ذلك من الآثار القديمة التي وقفتهم على تاريخ تلك الرابية، حينما كان يقطن فيها السكان الأولون، حتى عصرها الأخير، حين هجرها أهلها وأصبحت أثراً بعد عين.

أن البئر التي حفرها النقابون، أفصحت كل الإفصاح عن الطبقات المتعددة وتاريخ بنائها، وأسماء طائفة من الذين بذلوا جهد استطاعتهم في تشييد معالمها؛ وإليك البيان:

وجد النقابون تحت آجر دنجي، واور نجور، وذهب نرام سن، وآجر سرجون خمس عشرة آجرة، طويلة مخططة؛ أنبأتهم أن ملوكاً كثيرين عاشوا قبلي عصر سرجون؛ وقد عادوا بناء الهيكل عدة مرات.

وكشق الحفارون تحت تلك الآجرات، هيكلا مشيداً بالآجر الصغير الحجم، المسنم، يرتقي إلى زمن أقدم من بناء الهيكل الأول، وقد تخلل الهياكل أنقاض كثيرة، فان الفعلة - بعد أن نبشوا بضع أقدام - وجدوا أكثر من أربعين قدماً من الردم تحت معاولهم، ولما شرعوا في حفر الهيكل المسنم الحجارة ألفوا طبقة من التراب، وأخرى من الرماد، وبدا لهم أن الرماد

يدل على هيكل كان مبنياً من الخشب، فالتهمته النيران. وعثروا بعد ذلك على جدار مبني بالطين ولما توغلوا في الحفر، وجدوا قطعاً من حجر الكلس، تشبه حجر البناء؛ ويظهر إنها بقايا هيكل كان مشيداً بالحجارة. وشاهدوا بين الأحجار مسماراً كبيراً من النحاس الأحمر طوله ثمانية وأربعون سنتيمتراً، وطرفه الغليظ ينتهي بصورة أسد رابض ورأسه قائم، أي مستقر على يديه، وذيله ممتد على المسمار، إلى جهة طرفه الدقيق، وقد اخضر النحاس ومادته باليه ولا اثر للكتابة فيه. ويحتمل أن الكتابة محيت لطول عهدها. وقد سكب هذا الأسد أحد فناني شمر وكان آية في الإبداع والرونق.

ويذهب النقاب الأميركي بنكس، إلى هذا المسمار البديع يرتقي زمنه إلى ما بعد بناء الهيكل المسنم الآجر؛ وقد دفن اتفاقاً في الأنقاض حينما كان البناءون يرممون الهيكل، أو يعيدون بناءه؛ وذلك بأزمنة قديمة جداً. ولا يعرف على التحقيق الغرض من ذلك الأسد المصنوع بهذه الصورة الغريبة؛

ص: 99

ويغلب على الظن أن طرفه الرفيع أن يثبت في آجر الجدار، والأسد يظهر بصورة بارزة ويتخذ كدعامة؛ ويحتمل أنه كان يوضع في الهيكل لمجرد الزينة.

وبعد أن توغل النقابون في الحفر عثروا على قارورتين من الخزف واقفة الواحدة بجنب الثانية، وأحدهما أصغر من الأخرى قليلا، وشكلاهما واحد وهما منبسطتان وقطراهما كبيران جداً وعنقاهما صغيرتان بالنسبة إلى ضخامتهما وكان حولهما دكة صغيرة مشيدة بالآجر المسنم؛ وقد دفنتا في الأرض ولا يظهر منهما سوى عنقيهما؛ وكانتا مملوئتين رماداً. والآجر يدل على العصر الذي أحرقت فيه تلك الجثث وأودعت هاتين الخابئتين. وكان كل ذلك في عصر الهيكل المشيد بالآجر المسنم؛ فحفرت حفرة عميقة في هذه البقعة لهذه الغاية وقد ملئت تلك الحفرة تراباً لطول الأمد.

هذه وقد تضاربت آراء المنقبين في من أودع هذين الراقودين، فذهب بعضهم إلى أنه رماد جثث كهنة الهيكل وسدنته، وقال آخرون رفات جثث نبلاء البلاد وعظمائها، وارتأى غيرهم أنه رماد بقايا الملوك والملكات أو الأمراء والأميرات، أو رماد رجال ونساء ضحوا بحياتهم على قبر أحد ملوكهم. وهذه كله حدس وتخمين لأنه لم يقف أحد على صفائح منقوشاً عليها أبناء تينك الخابئتين. ويحتمل أنهما أقيمتا مقام مدفن مقدس للأولياء أو الأنبياء الذين نالوا شهرة واسعة في ذلك العهد القديم، كما اشتهر في العراق بعض مراقد الأئمة.

وبات الناس يدفنون موتاهم بجانبهم للتبرك برفاتهم.

وبعد أن أمعن الحفارون في التنقيب في تلك الحفرة عثروا على إناء مركب من كسر؛ بيد أنه أصغر حجماً من الخابئتين المار ذكرهما؛ وفي عنقه شفتان مثقوبتان وضعتا للتعليق وتحت ذلك الإناء كان وعاء آخر صغير ويشبه الخابئتين المذكورتين، وأخيراً بلغت معاول النقابين إلى رمل الصحراء الخالص من الشوائب والأنقاض على عمق 13 متراً و20 سنتيمتراً أي تحت آجر هيكل دنحي بثلاث وأربعين قدماً.

ولما بلغ الحفارون مستوى الصحراء لم يعثروا على شظايا وشقف من آنية مكسورة، لأن يد الإنسان الأول لم تصل هناك لتخلف آثاراً تدل على صاحبها

ص: 100

في ذلك العهد القديم؛ وعليه آثر النقابون أن يكشفوا هيكلا بعد هيكل، وجداراً بعد جدار، فوجدوا على سطحها وقممها أنقاضاً وعاديات مسطوراً عليها أنباء قديمة، وفي أنقاض هذه الهياكل اقدم الآثار التي خلفها ابن آدم العريق في الحضارة والعمران. فقد كانت الأرض الواقعة تحت الردم مستورة بكسر خزفية واغلبها كبيرة جداً حتى استطاع النقابون أن يعيدوا تركيب بعضها ويظهر أن الصلصال الفاخر وضع باعتناء عظيم في قالب، وألقي في دولاب خزاف، وشوي، فأصبح آية في الإتقان والإبداع، وصفائح تلك الأوعية رقيقة ولونها ضارب إلى الحمرة الغامقة وهو لون الطين الطبيعي.

وقد حاول النقابون عبثاً أن يبحثوا وينقبوا في طبقات أرض الصحراء، للوقوف على عاديات تنبئهم عن شعوب تلك الأزمنة العريقة في القدم، فرجعوا بخفي حنين، غير أنه رسخ في أذهانهم أن صانعي تلك الأواني لم يكونوا أقواماً متوحشين، بل بالعكس كانوا أمة متمدنة استطاعت بسمو مداركها أن تخترع دولابً لصنع الخزف، وأدوات لتنميق الصلصال، ووضعه في أشكال ظريفة، ونقشه وتزويقه، ثم شيه في أتون ليصلب كالحجارة. وفي وسع ابن القرن العشرين أن يحكم حكماً قاطعاً على أن شعباً يتقن صناعته إلى هذه الدرجة قد بلغ إلى أسمى منزلة في علم العمران، واستنبط أموراً كثيرة غير هذه.

إذا رغبنا في أن نقف وقوفاً تاماً على عصر الخزف، ومعرفة الشعوب والأقوام التي سكنت وجه الصحراء، قبل أن مصرت وشيدت فوقها المباني والهياكل، علينا أن نصعد أولا إلى قمة الحفرة وندرس طبقات الأنقاض المختلفة درساً دقيقاً لكي نكشف النقاب عن وجه

الحقيقة، ونتحقق الزمن الذي مرت فيه الأجيال قبل بلوغنا إلى قلب الصحراء.

أن الآجر العائد إلى دنجي، واور أنجور، في الطبقتين المرتفعتين يعين زمن بناء قمة الرابية في نحو 2450 - 2300 ق. م. ثم أن ذهب نرم سن وآجر سرجون القائمين تحت الطبقتين يرجع بنا إلى قبل ذلك التاريخ بمائتي سنة والآجر المحدد المستطيل المنتمي إلى خمسة عشر حاكماً وأكثر، فإنه سابق لعصر سرجون ويتجاوز عصر الهيكل المشيد بالآجر المسنم وتمثال الملك دا أو دو (داود) بعدة قرون.

رزوق عيسى

ص: 101