الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المتحفة العراقية
افتتح جلالة نائب الملك في صباح أول أيلول (سبتمبر) المعرض الموسمي للمتحفة العراقية، وقد شرف جلالته المتحفة في الساعة الثامنة، وحضر الوزراء ورؤساء الدوائر، ورجال السلك السياسي، والقنصلي، وبعض البريطانيين، فطاف الجميع في الغرفة التي وضعت فيها الآثار التي نبشت في هذا العام.
وأكثر هذه الآثار حديثة تعود إلى العهد الفرثي. وفيها قليل من الآثار الشمرية وآثار أور القديمة. وهناك تحف نادرة ثمينة بينها:
آثار إصابتها في أور البعثة المشتركة للمتحفة البريطانية وجامعة بنسلفانية بينها حلي جميلة، وخرز وأدوات زينة مختلفة، تدل على مبلغ عناية الأوريات القديمات بالتأنق، والظهور بمظهر خلاب، تعادلهن فيه نساء (تل عمر) الذي أصاب فيه الدكتور (واترمن) جواهر نادرة كانت تتخذ للزينة.
أما تأنق رجال أور فقد أبقت ذكراه لهذا العهد، تلك المقابض الجميلة التي كانوا يضعونها على عروض كثيرة حتى على رؤوس (دبابيسهم). وبينها أشكال مختلفة تدل على عنايتهم الفائقة بهذا السلاح، الذي يبدو أنهم كانوا يتخذونه أينما ذهبوا.
وبين آثار أور، صفائح مكتوبة، ولم يكن أهل أور لينسون موتاهم من الزينة، ففي المتحفة خرز استخرج من المقابر، بعضها بديع جداً، وهناك أختام أورية أيضاً بالغ أصحابها في نقشها والتفنن بها وقد يكاد المرء يعتقد أن التأنق حصر في سكان العراق الأسفل في ذلك العهد، لولا بعض الآثار التي أصابها في نينوى (كمبيل تومس) من المنتمين إلى المتحفة البريطانية، فعرضت في هذا المعرض ودلت على عناية السكان في شمالي العراق، بأثاثهم آن ذلك ولاسيما بالقسم الخاص بالمأكولات والزيوت منها، فالآثار الباقية من عهد نينوى بديعة، فيها أوان فخارية لا تزال باقية على لونها الذي لونت به وهو لون براق اجتمع فيه الحسن إلى الهندسة فجعل منها تحفة، لها قيمتها من حيث النفاسة كما هي من حيث القدم.
ولعل أثمن ما في المعرض، رأس نحاسي بالحجم الطبيعي، أصيب في نينوى وهو يعود إلى 3000 سنة قبل المسيح، وملامحه الدقيقة تدل على أن سكان الشمال كانوا يصورون
في المعادن تصوير سكان الجنوب في الكلس والطين.
وهناك في زاوية من المعرض اجانة من (تل بلة) في الشمال، وجدتها بعثة جامعة شيكاغو، التي على رأسها الدكتور سبايزر، ولعلها من الآنية التي كانت تقدم بها العطور إلى الآلهة والأصنام. ويحملها الأمراء وكبار الكهان تقرباً إليها.
ويبدو أن مدينة (تل عمر) كانت ذات مركز كبير في عالم الفنون، وخاصة في العهد اليوناني، فقد عرضت من آثاره تماثيل من حجر متقنة النحت بعضها كاملة، وبعضها ناقصة وكلها صنعت بتناسق لا نتصور أن التماثيل الحديثة تفوقها فيه إذ جسمت فيها أعضاء الجسم الإنساني، أحسن تجسيم، ولم ينبغ الفنان في (تل عمر) بصنع التماثيل وحدها، بل إن هذه الأواني الخزفية المزججة. وبعض المسارج التي عرضت معها مسارج آخر، من (كيش) تدل على إن يده كانت تستطيع تصوير الجمال في كل ما تمسه أن من الطين، أم من الحجر، أم من المعدن، والظاهر إن الأغنياء، والأمراء والكهان، كانوا يشجعون هؤلاء الفنانين، باستخدامهم في منازلهم لصنع الدعائم الجميلة، ونقشها بالأزاهير، وصور الحيوانات. ففي المعرض من هذه أنواع مختلفة، نقشت عليها تماثيل جميلة لبشر، وحيوانات. وهي تعود إلى العهد الفرثي. ومن بقايا آثار (تل عمر) تمثال صغير مقطوع الرأس صاحبه ولد جالس جلوساً طبيعياً، ولعله ابن أحد الأمراء، فكوفئ صانعه مكافأة عظيمة عليه. ومما يلاحظ إن هذه التماثيل الآتية من (تل عمر) مصنوعة كلها من نوع واحد من الأحجار الشمعية اللون وربما جيء بهذه الأحجار من محل بعيد لصنع التماثيل والأصنام في (تل عمر).
وهنالك تمثال أسد أصيب في (تلو) وهو يكاد يكون بالحجم الطبيعي. وقد يكون هذا التمثال، مما اتخذ زينة لقصر الأمير، ليدل به على قوته وجبروته، تشبهاً بأمراء الشمال، الذين كان من عادتهم الذهاب لصيد الأسود وجرها وراءهم في المدينة، افتخاراً ولكن أمير (تلو) اكتفى من الأسد بتمثاله، فزين به باب قصره، أما أور فقد تركت لهذا المعرض عدداً كبيراً من التماثيل الصغيرة والكبيرة،
ففيه صور متنوعة من طين، وآخر حجرية مختلفة الأشكال، تمثل رجالاً ونساء بمواقف مختلفة، وفيها صور لبعض الآلهة، ومن تماثيلها الكبيرة تمثال كلسي من عهد الأسرة الثالثة، تبدو على شكله الدمامة، وليست فيه رشاقة
تماثيل (تل عمر) وهنالك تمثال أوري آخر، أعلاه إنسان، وأسفله ثور، ولحيته ورأسه آثوريان، وهنالك نصب تبدو عليه آثار نقوش بارزة تحيط بأطرافه.
وفي المتحفة رؤوس لتماثيل شمرية، بعضها من حجر، وبعضها من طين، والآخر من كلس، وكلها جميلة متقنة قريبة بدقتها من تماثيل (تل عمر) مع أنها من عهد طفولة فن النحت وصنع التماثيل.
وفي المعرض رأسا تمثالين، متوسطا الحجم، صنعا من الجبس، وأصيبا في كيش، وهما متشابهان يكاد الواحد يكون نسخة الآخر، ولولا تأكيد بعضهم انهما من كيش، لخلناهما تمثالين لرجلين فرنسيين من عهد الثورة الكبرى، فشكل الشعر الموجود على رأسهما، شبيه بالشعر الذي نراه في صور (مارا) و (دانتون) وتقاطيع الوجه لا تبدو عليها السحنة المغولية المشهورة في بعض التماثيل الأخرى مثلاً.
وثم تصميم لمعبد (اشتر) والظاهر أن المعماري أراد أن يظهر فيه فنه كله فقد رغب في أن يجعله مربع الشكل، ومن ثلاث طبقات، وعند نهاية كل واحدة وبداية الآخرة، تعاريش ونقوش بارزة وفي كل جانب وفي كل طبقة باب أو شباك، زينت أطرافه زينة بديعة، ولا يدرى أتمكن هذا المعماري التركلاني من بناء العبد لمعبودته، أم أن الأيام لم تساعده، فاكتفى بهذا التصميم، فكان يضعه في داره كل ليلة عيد، وينير فيه الشموع والمسارج ويحتاطه هو وأهلوه، فيتعبدون له، وقد يكون لهذا التصميم شأن آخر، إذ ربما صنعه المعماري وقدمه للأمير فعجز هذا عن تقويم المعبد واكتفى بالتصميم تحفة نفيسة وضعها نصب عينيه، يريها لكل زائر، ويقول سأبني، ثم ذهب، ولم يعمل وبقي التصميم في خزائن قصره.
وفي المعرض زينات من (الحضر) و (كيِش) بعضها نقوش أزاهير ونباتات والأخرى تماثيل بشر: حيوانات ناتئة، وأبدع ما فيها مدمر (تمثال نصفي)