الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي
- 5 -
تاريخ (أما بعد)
ونقل في ص 19 بترجمة قس بن ساعدة (ويقال أنه أول من خطب على شرف واتكأ على سيف وقال في خطبه: أما بعد) قلنا: وكذلك نقل عبد القادر البغدادي من كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني انه أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكأ على عصاً وأول من قال: أما بعد، وأول من كتب: من فلان ابن فلان (ولكن نقل السيوطي من آمالي ثعلب (حدثنا عمر ابن شيبة، حدثنا إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال: أول من قال (أما بعد) كعب بن لؤي وهو أول من سمى يوم الجمعة الجمعة وكان يقال له العروبة.) فهذه الرواية أقوى من تلك، وكعب بن لؤي اقدم من قس كثيراً وهو الجد السابع لرسول الله - ص - فهو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وإذا تعارضت روايتان في مثل هذا فالقدم أولى من الحداثة.
أمن شعر قس هذا؟
وقال في ترجمة قس بن ساعدة المذكور بصفحة 20 (ومن شعره قوله يرثي أخوين له وقف على قبريهما بدير سمعان:
خليلي هبا طالما قد رقدتما
…
أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرد
…
وما لي فيه من حبيب سواكما
أقيم على قبريكما لست بارحاً
…
طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى الموت مجرى اللحم والعظم منكما
…
كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية
…
لجدت بنفسي أن تكون فداكما
سأبكيكما طول الليالي وما الذي
…
يرد على ذي عولة أن بكاكما؟
ووردت نسبته كذلك إلى قس في (1: 369) من خزانة الأدب، ثم قال في ص 373 (أورد أبو تمام في الحماسة هذه الأبيات على غير هذا النمط وقال: ذكروا أن رجلين من بني أسد خرجا إلى أصبهان فآخيا بها دهقاناً في موضع يقال له (راوند) فملت أحدهما، وبقي الآخر، والدهقان، يندمان قبره ويشربان كأسين ويصبان على قبره كأساً فمات الدهقان؛ فكان الأسدي ينادم قبريهما ويشرب قدحاً ويصب على قبريهما قدحين ويترنم بهذا الشعر: خليلي هبا طالما. . . وروى الأصبهاني بسنده إلى يعقوب بن السكيت أن هذا الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي، قدم قاشان وله نديمان فماتا، فكان يجلس عند قبريهما، وهما براوند، بموضع يقال له (خزاق) فيشرب، ويصب، على القبرين، حتى يقضي وطره، ثم ينصرف وينشد، وهو يشرب، وروى ما رواه أبو تمام وزاد عليه) فالذي رواه أبو تمام:
ألم تعلما ما لي براوند كلها
…
ولا بخزاق من صديق سواكما؟
أصب على قبريكما من مدامة
…
فإلا تنالاها تروجناكما
جرى النوم بين الجلد واللحم منكما
…
كأنكما ساقي العقار سقاكما
وزيادة الاصبهاني:
تحمل من يبقي العقول وغاروا
…
أخالكما أشجاه ما قد شجاكما
وأي أخ يجفو أخاً بعد موته؟
…
فلست الذي من بعد موت جفاكما
أناديكما كيما تجيبا وتنطقا
…
وليس مجاباً صوته من دعاكما
قضيت باني لا محالة هالك
…
وأني سيعروني الذي قد عراكما
قال عبد القادر: (وروى الاصبهاني أيضاً بسنده إلى عبد الله ين صالح البجلي أنه قال: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجهه الحجاج إلى الدليم وكانوا يتنادمون ولا يخالطون غيرهم وانهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه فكانا يشربان عند قبره فإذا بلغه الكأس هرق على قبره وبكيا ثم أن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصب كأسين عليهما ويبكي ويقول - ثم ذكر الأبيات التي تقدم ذكرها - وقال: خزاق مكان براوند بقزوين، قال: وقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء، قال الاصبهاني: وذكر العتبي عن أبيه أن الشعر للحزين بن الحرث أحد بني عامر بن صعصعة وكان أحد نديميه من بني أسد والآخر من بني حنيفة، فلما مات
أحدهما كان يشرب ويصب على قبره ويقول:
لا تصر دهامة من كأسها
…
واسقه الخمر وان كان قبر
كان حراً فهوى في من هوى
…
كل عود ذي شعوب ينكسر
ثم مات الآخر فكان يشرب على قبريهما ويقول: خليلي هبا. . . وأما أبو عبيدة في معجم ما أستعجم وياقوت في معجم البلدان فقد نسبا هذه الأبيات للأسدي (أي عيسى بن قدامة المتقدم الذكر) وذكرا حكايته كابي تمام. ثم قال ياقوت: وقال بعضهم: إن هذا الشعر لقس بن ساعدة في خليلين كانا وماتا. وقال آخرون: هذا الشعر لنصر بن غالب يرثي به أوس بن خالد وزاد في الأبيات ونقص. . .) أهـ كلام البغدادي رحمه الله وهو غاية في التحقيق، فإسناد الأبيات إلى قس على طريقة الإيمان والإيقان ليس على شيء من التحري في الرواية ولا على شفاً من التمحيص ولا بعد الفتن، فالأولى للأستاذ الزيات أن يذكر هذه الأبيات في معرض اضطراب الرواية للشعر العربي واختلاف الرواة لا غير.
دين عمرو بن معد يكرب الزبيدي
وقال في ص 21 بترجمة عمرو بن معد يكرب الزبيدي وهو يعني عمراً
(ولكن قلباً شاب في الجاهلية الجهلاء؛ ورتع في الدماء والاشلاء، واستهتر في اللهو والصهباء، لا يقبل على الدين بإخلاص وصدق فارتد بعد إسلامه، ثم رجع إلى الحق وجاهد في الله حق جهاده). ونحن لا نرى لهذا التعليل وجاهة لان كثيراً من أصحاب الرسول الصالحين كانوا قد شابوا في الجاهلية الجهلاء، واستهتروا باللهو والصهباء، وألفوا الدماء والاشلاء، أفلم يقبلوا على الإسلام بإخلاص ولا بصدق؟ فالزيات نفسه قال عنه:(لقي النبي - ص - لدى منصرفه من تبوك سنة تسع من الهجرة فاسلم هو وقومه) فهو قد دخل في الإسلام مختاراً لا مضطراً، ويظهر لنا انه كان في وفد مذحج على النبي - ص - وكان سيد الوفد ظبيان بن حداد في سراة بني مذحج ولم يرتد هو وحده حتى يصح في حاله ذلك التأويل وإنما ارتدت مذحج وهو فرد منها. وذلك أن رسول الله - ص - أمر على مذحج فروة بن مسيك المرادي فأساء السير ونابذ عمراً هذا ففارقه في كثير من قبائل مذحج، فاستجاش فروة رسول الله - ص - وعليه وعليهم، فأرسل خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد بعده في سرية وفي سرية ثانية وعلي بن أبي طالب - ع - في سرية ثالثة وكتب إليهم: (كل
واحد منكم أمير من معه فإذا اجتمعتم فعلي أمير الكل) فاجمعوا بموضع من أرض اليمن يقال له (كسر) فاقتتلوا هناك وصمد عمرو بن معد يكرب لعلي - ع - وكان يظن انه لا يثبت له أحد من شجعان العرب فثبت له علي - ع - وعلا عليه ورأى عمرو منه ما لم يكن يحتسبه فأقلت من يده بجريعة الذقن وفر هارباً ناجياً بنفسه بعد أن كاد علي يقتله وفر معه رؤساء مذحج وفرسانهم وغنم المسلمون أموالهم وسبيت ذلك اليوم ريحانة بنت معد يكرب أخت عمرو فأدى خالد بن سعيد بن العاص فداءها من ماله.
مصطفى جواد