المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كنوز هيكل أدب - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌كنوز هيكل أدب

‌كنوز هيكل أدب

أعظم مصدر لهذه الأنباء كتاب (بسمايا أو مدينة أدب المفقودة) لصاحبه الدكتور جمس بنكس النقاب الأمريكي وبعض كتب إنكليزية أثرية.

كان في حروب العصور القديمة يفتك بالشعب المغلوب فتك ذريع، فيقتل الرجال وتسبي النساء وتهتك العذارى وتذبح الشيوخ والأطفال بدون رحمة وتدك القلاع والأسوار وتهدم الهياكل والقصور وتقلع المباني والدور بعد سلب ما فيها من الأحجار الكريمة والذهب والفضة والأثاث النفيس والتحف النادرة.

وقد حدث لمدينة أدب ما حدث لغيرها من المدن الكبيرة التي دكت أسسها إلى الحضيض فأصبحت قاعاً صفصفاً بعد أن أستأصل العدو من ربوعها الحضارة والعمران فان آثار الدمار والخراب لا تزال ظاهرة كل الظهور في أطراف هذه العاصمة العظيمة فقد عثر المنقبون في هيكلها الكبير على تماثيل مبتورة الرؤوس مهشمة الأعضاء وعلى بضعة آلاف شقفة وشظية لأوان حجرية وصلصالية وخزفية وكلها تنبئنا بأن الجيش المنتصر لما استولى على هذه المدينة أخذ يسلب ما في قصورها وهياكلها ودورها من الجواهر واللآلئ بعد أن مثل بملكها وأمرائها وقوادها وأبطالها شر تمثيل وأغتال كهنتها ورؤسائها واستباح دماء الضعفاء العاجزين عن مقاومته.

كانت العادة قديما في ديار شمر أن تصف على أحد أطراف قاعدة الهيكل تماثيل الملوك والملكات وأنصاب آلهة المدينة المقامة لحراستها من الطوارئ والنوائب فكان من أول واجبات الجيش الظافر أن يستأصل تلك الآلهة بقطع رؤوسها وبتر أذرعها وإنزالها من فوق قواعدها اعتقادا منه أن ذلك مما يزيل عنها قوة الألوهية التي فيها، ويحط من عظمتها وجبروتها، وبعد أن يتم لهم قطع أعناق الآلهة والملوك يقبلون على الهيكل فينزعون صفائح الذهب الملصق على جدرانه ويجمعون الآنية الفضية والنحاسية والأوعية المصنوعة من الجزع والهيصمي واللازورد وسائر ضروب الأحجار الكريمة فيحملونها إلى ديارهم

ص: 692

علامة للظفر والانتصار على عدوهم الأزرق باستيلائهم على تحف هياكله المقدسة ومجوهراته كما حدث للعبرانيين بعد ذلك بقرون. فأن نبوكد نصر الملك العظيم لما

قهر الأمة الإسرائيلية حمل آنيتهم المقدسة المصنوعة من الذهب والفضة من هيكل أورشليم إلى بلاد بابل وقد خف لاستقباله الكهنة وشيوخ المدينة مستبشرين متهللين بفوزه المبين.

أما المحفورات والأواني الخزفية والمصابيح والقناديل وما يضارعها من أدوات الزينة التي تحطمت كسراً عديدة حينما هجم الجيش الغالب على الهيكل للسلب والنهب؛ ولم تكن تصلح لشيء ما فألقيت في النفايات وطرحت في الزوايا ومنها دفن في أنقاض المباني فشيدت فوقها الأسس وقامت عليها العمارات ولم يحفل بها لأنها عدت في ذلك الحين من سقط الديار، فتلك العروض التي نبذها الفاتحون نبذ النواة ورموا بها عرض الحائط كشيء خسيس تافه أصبح في نظر الأثريين لا نظير له، بل لا يقاس بثمن لأنها وقفتهم على حياة أبناء تلك القرون وأنبأتهم بأساليب عيشتهم وصور عباداتهم وفنون حروبهم وضروب من شن غاراتهم.

إن عثور المنقبين على تمثال (دا او ود) بين أنقاض قاعدة هيكل أور أنجور وعلى قطع تماثيل أخرى وشظايا أوان حجرية. (وقد وجدت مبعثرة تحت طبقات الأرض) تثبت قولنا كل الإثبات وتؤيد ما كتبه رجال التحقيق والتدقيق في مصنفاتهم وخلاصة قولهم: إن الأمة المغلوبة على أمرها كانت تسلم الذل والمسكنة وتمسي صاغرة لا حول لها ولا طول، فينزع من هياكلها وقصور ملوكها كل التحف والآثار النفيسة قسراً.

إني رأيت أولاً أن أبحث في التماثيل التي زينت هياكل أدب لأن أهميتها في نظر الباحثين تفوق سائر التحف، ومنها تمثال الملك (دا او ود) إذ أن منزلته عظيمة عند الأثريين. وقد قال بعضهم أنه أقدم تمثال في العالم وعليه سأفرد له مقالا قائما برأسه وأنشره على صفحات هذه المجلة في فرصة أخرى.

لقد عثر المنقبون على رؤوس تماثيل واذرع وأقدام وملابس ليست من الهيكل فقط، بل من جميع أطراف خرائب بسمى، فبعد أن أتموا جمعها وأكملوا تنسيقها ألفوا أن حجمها لم يكن واحدا فبينها الصغير والمتوسط والكبير، ومنها

ص: 693

أكبر من تمثال (دا او ود) وكان معظمها مصنوعاً من حجر يشبه حجر الرخام الأبيض، وبعضها مصنوع من الهيصمي ومن المستماز، وقد وجد الأثريون أن سبعة تماثيل كانت من طراز وعصر تمثال الملك (دا او ود) وثلاثة من رؤوس التماثيل كانت صحيحة، وهي سالمة من التشويه والتمثيل بها، غير

أن بعض التماثيل كانت ناقصة الأعضاء فلو أهتم النقابون اهتماما صادقاً بالحفر والتنقيب لكانوا عثروا على القطع المفقودة وأعادوا تلك التماثيل الصحيحة كما كانت في أول أمرها بهيئتها ومنظرها.

كشف النقابون أكبر رأس تمثال بالقرب من سطح احدور قائم إلى جنوبي الرابية السادسة وقد حمل من الهيكل وألقي هناك وهو من نوع تمثال الملك (دا او ود)، ومن حجمه بيد أن حجره أبيض مرن، وقد تشوه منظره على أثر إلقائه بقوة على الأرض وسحقه كرها له، فأعلى رأس التمثال مكسور، وكان وجهه عريضاً بصورة خارقة للعادة، وأنفه منبسطا، ومحاجر عينيه واسعة جدا ويعلوها أثناء ومطاو فارغة، وقد أزيلت تلك المادة التي كانت تركب فتمثل الحواجب، ويظهر أن إحدى المقلتين قلعت عمداً، هذا وان أغلب رؤوس تماثيل الشمريين مكتشفة، بيد أن على هذا التمثال أثناءاً قليلة الغور متوازية سائرة من طرفي الرأس إلى أعلاه. وهي تمثال شعرا منسدلا على الكتفين.

وعثر الحفارون على رأس تمثال أصفر من الأول، وعلى هامته شعر طويل منسدل على المنكبين بصورة ضفائر، وقد كشفوا رأس هذا التمثال مع رأس تمثال الملك (دا او ود) بالقرب من الزاوية الشمالية القائمة على قاعدة الهيكل وكان علوه سبعة سنتيمترات في عرض ستة سنتيمترات ونصف سنتيمتر، ويلوح للناظر انه رأس امرأة، بيد أن المحققين من الأثريين ذهبوا إلى أنه رأس تمثال رجل وهو منحوت من حجر رخو، ولم يطرأ عليه ما يشوه رونقه، ويذهب بحسن تقاطيعه. على أن مادة الترصيع التي مثلت الحاجبين والمقلتين قد أزيلت.

كان الرأس الثالث أصغر من الرأسين المتقدمين، وحجمه لا يزيد على حجم برتقالة، وهو مستدير، ونوعه وهيئته يشبهان رؤوس التماثيل التي اكتشفت في أنقاض المدن الشمرية، ولم يصبه أدنى عطب، وقد حفظ رونقه من التشويه

ص: 694

لأن الحجر الأبيض الذي نحت منه كان أصلب وأشد من غيره، وقد جدع أنفه وصلحت أطراف أذنه، وكان رأسه أملس ورأسه أصلع، وهو يشبه تماثيل رؤوس الشمرين، غير أن نقر الحواجب ومحاجر العينين كانت فارغة.

كانت شظايا رؤوس التماثيل الأخرى مشوهة تشويها عظيماً، ومقطعة قطعا يصعب تلفيقها

وتركيبها بحيث لا ينطبق عليها وصف كاتب، وعندي أحسن وصف لها عرض رسومها على نظر المطالع لتثبت صورها في ذهنه. فمنها ما كان مكسورا كسرا عديدا يصعب تركيبها، ومنها ما كان يظهر طرفا من الوجه الأيمن، ومنها كان يبين الطرف الأعلى من الأذن اليسرى، ومنها كان يشاهد منه قحف رأس يمثل شعره خطوطاً متعرجة تشبه الموج، وكانت هذه أحسن وأكبر رؤوس التماثيل المحطمة التي عثر عليها المنقبون. أما سواها فلا تستحق الذكر لأنها كانت كسرا صغيرا من الحجر المحطم بالمطارق والفؤوس. وقد كان من بينها قطع من قدم محفورة حفراً بديعاً وهي واقفة على قاعدة عمود، وأيضاً شظية طرف من العضد اليمنى مع الكتف مصنوعة من الهيصمي وفيها كتابة تكاد أن تكون آثارها طامسة لطول عهدها.

أن معظم هذه الرؤوس كان متماثلا. بيد أن أحدها كان يختلف في شكله اختلافاً عظيماً، ويعد من أبدع واحسن الآثار التي وجدت في الأنقاض، وقد أكتشف هذا الأثر أحد رؤساء الفعلة بينما كان يزيل النفايات من غرفة صغيرة تبعد ثمانية أمتار عن الزاوية الغربية من برج الهيكل، وهنا عثر أيضاً على قطعة من أناء مثلم مصنوع من حجر أزرق وفيه بقايا أطراف كتابة لثلاثة اسطر.

كان رأس ذلك التمثال مصنوعاً من الهيصمي الأبيض الناصع، وكان طوله من جبهته إلى أطراف لحيته عشرة سنتيمترات، وعلى رأسه غطاء ووجهه نحيف ذو أسل أي مثلج، وأنفه طويل، وهيئته تدل على أنه سامي النجار، وهو لا يشبه بوجه من الوجوه الرؤوس الشمرية، وكانت مقلتاه من العاج، وقد ألصقتا في محجريها بالقار الصلب، ولما كشفتا للنور سقطتا، لأن القار تكسر كسراً عديدة وقد أعادهما النقاب الأمريكي (جمس بنكس) إلى موضعيهما وألصقهما بغراء الزجاج، بيد أن بؤبؤي العينين كانا مفقودين، وقد بالغ في البحث عنهما

ص: 695

بين تلك الأنقاض ولكن بلا جدوى، إذ يحتمل أنهما كانا مصنوعين من حجر كريم نادر الوجود، وقد قلعا حينما نهبت كنوز الهيكل، وقد اكتشفت في الهيكل صور حيوانات مصنوعة من الهيصمي، وعيونها مرصعة بالحجر اللازوردي فيغلب على الظن أن ذينك البؤبؤين كانا من الحجر الأزرق.

إن من يقابل هذا الرأس بالرؤوس الأخرى، فمن أول وهلة يرى أنه يمثل رجلا من سلالة

غريبة، ومما لا ريب فيه أنه من عنصر سامي يرتقي إلى عصر سرجون الأول أو إلى الفاتحين الساميين الأشداء الذين اجتاحوا هذه البلاد واستولوا على المدينة ودمروا هيكلها ونهبوا ما فيه من الكنوز النفيسة، وهذا الرأس يمثل أقدم تمثال لملك سامي عرف حتى اليوم.

وقد كشف النقابون تمثالا صغيراً منحوتاً من الحجر الأبيض ارتفاعه ثمانية سنتيمترات ونصف سنتيمتر، وهو يمثل صورة آلهة جالسة، وهذه الآلهة كان مقامها الأول في الهيكل، على أنها وجدت ملقاة تحت وجه الأرض بنحو متر ونصف متر في الرابية الثالثة بين أنقاض المنازل القائمة في محلة الساميين ولهذه الآلهة شعر طويل، ويداها مضمومتان، ورداؤها يشبه تنورة ذات طيات متعددة، وهي جالسة على قاعدة عمود منخفض. وقد عثر المنقبون على جملة تماثيل صغيرة من الخزف لهذه المعبودة القائمة في أطراف عديدة من الأنقاض وكلها تمثل (لن هرسج) آلهة ذلك المحل.

كان ردم الهياكل القديم ومحل النفايات أعظم مكتشفات (بسمى) أهمية في عالم الآثار، لأن الكهنة كانوا يلقون هناك الأواني المحطمة والمصابيح المكسرة وسائر أدوات زينة معبدهم التي لم تكن تفيدهم شيئاً في أجراء شعائرهم ومراسيم دينهم. وقد وجدت هذه اللقى في الطرف الشمال الغربي من دكة الهيكل في الزاوية المنعطفة أي الجانحة إلى السهل. وكان هذا الاكتشاف نبهاً، فبينما كان أحد الفعلة يزيل التراب المتلبد والأوساخ المتراكمة من أساس الدكة لكي يقاس ارتفاعها إذ عثر على شظية من أناء حجري، ثم أخرى فأخرى، وفي لحظة كشف بقعة مملوءة من شظيات وشقف وقطع من آنية مختلفة الأشكال والأنواع، وفي نهاية ذلك النهار نقل بضع سلاسل مملوءة قطع آنية مصنوعة من الهيصمي والجزع وحجر

ص: 696

البرفير والرخام وغيرها.

كان معظم تلك الشظايا بسيطاً وكثير منها منقوشاً وبينها عدد قليل مكتوب وكان عمق خزانة الردم نحو قدمين. وهي تمتد إلى قاعد الهيكل؛ وهذه الخزانة حوت قطع آنية من هيئات وأشكال شتى منحوتة من أحجار متنوعة، فبعضها كان من الهيصمي وغيرها من حجر البرفير وأخرى من الجزع، ومنها من حجر البلاط والرمل والرخام والحجر المسمى بالصلبي، فكل شظايا هذه الأواني كانت مصقولة، بيد أن منها ما هو منقوش نقشاً بسيطاً،

وبعضها مزينة ومزخرفة زخرفة بديعة برسوم رجال وحيوانات، وقليل منها كان مرصعاً بالعاج وبأحجار لامعة براقة، وأخرى كان مكتوباً عليها اسم الملك أو الهيكل، ومما يؤسف منه أن أغلب تلك الأواني كان محطماً، غير أن بعض المصابيح كانت صحيحة. وقد بذل النقابون غاية جهدهم في غسل وتنظيف وإزالة التراب المتلبد، وحك ملح البارود (الشورة) منها، ثم جلاء تلك الأواني وتركيب قطعها معا لإعادة رونقها وبهائها الأولين.

كان من السهل تعيين عصر خزانة ردم الهيكل لأنه وجد بين النفايات قطع من الآجر المسنم، وأسماء الملوك المسطرة على بعض تلك الآنية لم تكن معروفة، وصور حروف الكتابة وقطع الآجر تنبئ بأن الزاوية الصغيرة القائمة في السهل المنعطف لم تكن قد أصبحت خزانة الردم قبل عصر سرجون وعصر الآجر الرابع.

والأمر الذي لم يجزم بصحة جوابه علماء الآثار هو من أين أحضر سكان السهل الغريلي الخالي من الحجر مواد تلك الأواني الحجرية البديعة المختلفة الأشكال والأنواع، فقد صرح الملك جودياء أن المستماز الذي صنعت منه تماثيل (أدب) جلبه من مجان. ولعلها شبه جزيرة سينا، فأن الرحالين الذين قطعوا السهل العربي المرتفع، أو تبعوا مجرى الفرات أو رحلوا إلى جبال أرمينية وحطوا رحالهم في بلاد فارس، وجدوا في هذا الموطن ضروباً وأشكالا متعددة من الحجر.

ص: 697

هذا وأن سرجون الأول سار بجحافله إلى البحر المتوسط، وهجم بجيوشه الجرارة على بلاد جبليه. فحمل شيئاً كثيراً من حجارها الكريمة. ونحت منها تماثيل وآنية كثيرة. وأعراب العراق اليوم النازلون في البوادي البعيدة عن العمران يقطعون حجاراً عظيمة من الجبال الكثيرة المنبثة حول مكة لينحتوا منها هواوين واجراناً لسحق البن وطحنه.

فيظهر من هذا أن قدماء هذه الديار لم يبتعدوا كثيراً في طلب الأحجار، ففي منطقة الفرات بالقرب من الدير هضبة من الحجر الأبيض الرخو الشبيه بالرخام وفي الصحراء الواقعة في أطراف حائل صخور كثيرة من المستماز. وفي الجبال القائمة في شمال وشرق العراق أنواع مختلفة من الحجر الذي يضارع حجر تلك الأواني كل المضارعة ويمثلها تمثيلاً

صادقاً.

إن المسألة التي حيرت عقول علماء الآشورية هي جواب (كيف استطاع قدماء هذه الديار

أن يصوروا آنيتهم ويشكلوها بأشكال متنوعة؟) فان اغلب الأواني كانت مستديرة ومنها مستطيلة ومربعة ومقعرة. هذا وانحناء الدائرة المناسب كل المناسبة يدل على إن عمل الإناء تم بواسطة المخرطة في صناعة اسطوانات الخواتم أيضاً.

كان الحجر الآنية المستديرة مصقولا صقلا نعما بحيث لم يبق للمخرطة اثر فيه. بيد أن المصابيح الصدفية لا تزال آثار الأزميل ظاهرة فيها برغم الصقل المجود وكانت الأدوات القاطعة من النحاس. لان الشبه والحديد لم يكونا معروفين في ذلك الحين. وعليه فقد استعمل النحاس لقطع اصلب الأحجار وأمتنها.

من أين جاء الشمريون بأشكال آنيتهم البديعة إلى هذه الأقطار؟ فهذا السؤال ليس بسهل أن يجيب عنه الأثريون جواباً شافياً. فقد ظهر لهم من تتبعهم آثار الشمريين. إن هذا الشعب قدم العراق وهو حامل في حقائبه بذور حضارة قديمة من بلاد مجهولة. واخذ بنشر الفن والعلم والصناعة التي زاولها في دياره الأصلية حتى عم انتشارها. واخذ السكان الأولون يقلدونهم ويحاكونهم محاكاة عجيبة أدت إلى توالي السنين إلى اتحادهم بالتحالف والتعاضد. ثم بالاقتران والمصاهرة حتى اصبحوا أمة واحدة.

رزوق عيسى

ص: 698