المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيفية إصلاح العربية - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌كيفية إصلاح العربية

‌العدد 87

- بتاريخ: 01 - 02 - 1931

‌كيفية إصلاح العربية

1 -

نظرة عامة في اللغة ومفرداتها

لسنا في زمن سعادة العرب وعظمتهم، فيكون حفظ كلمة شاذة مفيداً لحافظها، رزق سنة أو سنين، ولا في عهد خلفائها، وملوكها، وأمرائها، الذين مدت الحياة الطيبة إليهم يدها، وعرضت الدنيا عليهم كنوزها، فنقضي الأوقات بنوادر العربية، وأساطيرها، استعداداً للمحاورة، والمحاضرة، والملاغاة، والمكابرة.

أجل أن استجماع أسباب السعادة، ووفرة الثراء، وازدياد النعم، واشتداد السلطان، تصرف اللغة إلى التلهي بقشور الدنيا، ولهوها، وقشارات لغتها وغثها ونوادها لان الناس إذا تساوت في معرفة الأصول تفاضلت في عرافان الشاذ، والإغراق في غمراته؛ الولوع الشديد بالإغراق، يبعد عن الأصول ويتعب العقول.

ولقد مر على العربية دهور تنازع فيها العلماء في الرئاسة اللغوية، وزعامة الرواية، والتجلية في الحفظ، فولدت هذه الأمور الإصرار على ما ذهبوا إليه فإذا غلط أحدهم خصمه في شيء مقيس أدرع بإنكار قياسه وانه سماعي، وإذا غلط احداً، اقفل عنه أبواب العربية على سعتها، فعل ذلك كثير فضلا عن انهم

ص: 81

تعمدوا الكذب، والتوليد على القدماء، لحرج ما أصابهم أو شهرة تطلبوها، والكذب والتوليد أن استحل يسيرهما، ارتكب كبيرهما.

وكثيراً ما اقر بعضهم بالكذب الذي كذبه، أو رجع عن الخطأ الذي أصر عليه تورعاً، وتدينا، وندماً، وتوبة، وقد عقد السيوطي باباً في مزهره لمن قال قولا ورجع عنه، قال البغدادي في 1: 36 من خزانته: (روي أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائراً لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه قال له عيسى: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال: هل من شاهد؟ قال نعم قول الراجز:

لم يبق من آل الحميد نسمه

إلا عنيز لجبة مجثمه

فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل عليه قال: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف

قفاها، فقال: كيف تقول وهذا شيخ أهل العراق يقول: هي مثل اللجبة؟ وانشده الشعر. فقال أبو حنيفة: إيمان البيعة تلزمه إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه وان كان الشعر إلا لساعته هذه. فقال أبو العباس: صدق الشيخ، فأنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا اعرفه. فاستحسن منه هذا القرار). أهـ فالمبرد على بسطته في العلم، وتنسكه المشهور، اضطر إلى الكذب والتوليد، فكيف غيره؟ وهو القائل كما في (2: 203) من المزهر برواية أبي الحسن الأخفش عنه: (سمعت أبا العباس المبرد يقول: إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ. لأنه قد خرج منه برجوعه عنه، وإنما الخطأ البين الذي يصر على خطأه ولا يرجع عنه فذاك يعد كذاباً معلوناً) كذا والصواب: (ملعوناً) ولولا اعتقاده هذا ما رجع عن كذبته قي الشاة المجثمة.

وان كثرة اضطراب العلماء وتسرعهم في تقدير منازل أنفسهم، ودعواهم التبريز، جعلت بعضهم يؤلفون كتباً ينقض بعضها بعضاً، لغة، أو نحواً أو أخبارا فضلا عن أن بعضهم لم يتقن إلَاّ فن الجمع، والقرش، فجمع الغث والسمين

ص: 82

وهو

لا يدري وربما درى أنه لا يدري.

والجدال في العربية يدور غالباً على أمور منها أن المجادلة فيه: - 1 - مقيس أو سماعي - 2 - مسموع أو غير مسموع - 3 - مروي في شعر العرب القديم أو غير مروي - 4 - فصيح أو غير فصيح - 5 - فصيح أو أفصح - 6 - فصيح أو رديء - 7 - رديء أو قبيح - 8 - مستعمل أو متروك ومهجور - 9 - مجمع عليه أو مختلف فيه - 10 - عربي أو معرب، عدا اختلاف اللهجات والتذكير والتأنيث، وهذه الأمور جعلت اللغة مباءة للتخليط، والعبث، والتصادم، والتناقض، فواحد منهم يثبت شيئاً، وآخر ينقضه وينكره، وهذا يستفصح كلمة، وذاك يستقبحها؛ بل تجد إنساناً بعينه يبيح لنفسه القياس في أمر ويحرمه على آخر في وقت آخر، وهو هو، بله أن العلماء لم يجمعوا على تحديد الفصاحة، ولا اتفقوا على حقيقتها، فان كانت فصاحة الكلمة مستندة إلى:

1 -

كثرة الاستعمال فأنا نرى العلماء يمنعون من استعمال الكلمات المبتذلة المتداولة كثيراً، قال ابن درستويه كما في 1: 125 من المزهر: (وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلته). أو كانت مستندة إلى:

2 -

كثرة استعمال العرب لها فمردود أيضاً بتعدد لهجات العرب. مثلا أهل الحجاز يقولون: (هلم) للواحد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث. وأهل نجد يصرفونه بحسب المخاطب. فيقولون: هلم، وهلمي، وهلما، وهلموا وهلممن، وقالوا: الأول أفصح لوروده في القرآن الكريم. أو استندت إلى:

3 -

كونها مقيسة فأنا نرى أكثرهم يتركون القياس ويستعملون الشاذ كما جرى في الفعل (أخال) قال المخطيبي في شرح التلخيص كما في 1: 113 من المزهر: (أما إذا كانت مخالفة القياس لدليل فلا يخرج عن كونه فصيحاً) وقال أبن درستويه بعد قوله المذكور آنفاً: (وقد يلهج العرب الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس، البعيدة من الصواب، حتى لا يتكلموا بغيرها، ويدعوا المنقاس، المطرد المختار) أو إلى:

4 -

سهولتها على اللسان فلا يقر ذلك العقل لوجود كلمات ثقيلة كثيرة مستعملة والخفيف بمعناها مهمل مثل: (الباذنجان، وتجشم وجشم، وتقهقر

ص: 83

والأوتومبيل والشمندفر والذريعة وليست افرنقع أصعب من تشتت ولا أضطر أخف من الجأ وحمل، ولا جشمه أخف من كلفه، فلكل دهر ناس وألفاظ، أو إلى:

5 -

عربية الكلمة فهذا الباذنجان ولأنب والقسطاس والميزان والسخت والدشت والإستبرق والمارستان والبريد، وقد خصص السيوطي في مزهره باباً بالمعرب وله اسم في لغة العرب، ونقل أن الإبريق: التامورة، والهاون: المنجاز والمهرس. والطادن: المقلى، والأشنان: الحرض، والميزاب: المثعب والمسك: المشموم، والباذنجان: الحدج، والرصاص: الصرفان، والياسمين: السمسق والسجلاط وغير ذلك. أو إلى:

6 -

قلة أحرفها فهذه. أنقذ واستنقذ، وتثبت واستثبت، وأوصى وأستوصى ومر واستمر، وقر واستقر، وتقدم واستقدم، وهزم وأستهزم، وغلظ وأستغلظ، وبان وأستبان، ويئس واستيأس، ويبس واستيبس، ويقظ واستيقظ، وغلق واغلق، وطلق واطلق، ووفى وأوفى، تدل على أن الأمر ذوقي اختياري وقد نقل السيوطي في 1: 121 من المزهر عن عروس الأفراح ما صورته: (وحيث كان للمعنى الواحد كلمتان ثلاثية ورباعية، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى، كان العدول إلى الرباعية عدولا عن الأفصح، ولم يوجد هذا في القرآن الكريم) أهـ ونرد عليه بأنه ورد في القرآن المجيد: (أوفى) ولم يرد: (وفى) وجاء

(أوحى) ولم يجيء (وحى)، وورد (تبع واتبع) بمعنى: و (سقى وأسقى) بمعنى؛ فحجته ساقطة. أو استندت الفصاحة إلى:

7 -

المحافظة على الأصل فهذا باب الوهم، والتضمين، والتشبيه، وحمل النظير على نظيره، والنقيض على نقيضه، يمنع ذلك ويدكه، وليست الفصاحة عندنا إلا كثرة الاستعمال، والتداول - وان أنكرها بعض العلماء - لأن المراد تفهيم الغير بأسهل أسلوب.

2 -

دجاجلة إصلاح العربية

يقال: إن الغربيين المتلبسين بالعربية، ينعون عليها كتبها الصفر وتفرعاتها السقيمة المبهمة، وقيودها الناهكة، وشواذها المتوافورة، وعجزها عن متابعة

ص: 84

هذا الدهر، وفقدانها المرونة والاتساع، بل أن أبناء العرب، والمستعربين الجهلة كثيراً ما تبرموا بالعربية، وقذفوها بالجمود واستحقروها، واستحبوا عليها اللغات الأجنبية لأنها لا تسمنهم اليوم، ولا تغنيهم من جوع؛ فأما الغربيون فالحق في جانب من قولهم لأن التفاريع، والشروح والتمحلات والتعاليل المريضة، جعلت العربية مستحكمة السور كاستحكام دول الحلفاء اليوم.

ورأينا بعض المغفلين يقترح لإصلاح العربية أشياء أقل قباحتها أن تحرم المتعلم الجديد التمتع بما خلفته العرب من العلم، والأدب، والشعر، فهذا اختراع لغة تخليطية، لا اقتراح إصلاح، فمن إصلاحه المزعوم إهمال أعراب المثنى، وما أدري إذا أهمله كيف يعرف الجارح مثلا في قول القائل:(جرح الشرطيين السارقين) فان ترك الأعراب يلجئ إلى استعمال قرينة من اللغة العامية ولعامة كل قطر عربي لغة، فضلا عن أن العامية كثيرة القرائن، فعوامنا يقولون بدلا من (جرح الشرطيين اللصان): البليسية الاثنين جرحهم الحرامية اثنينهم. وفي ذلك من الحشو البارد والإطالة الفاسدة ما يسمى ألمي الأكبر بل اقترح أن يزال استواء المذكر والمؤنث في (فعول) و (فعيل). ولعمري ليس هذا من الإصلاح. فالإصلاح يبنى على ما تقدم من اللغة لا ينقصه كله، والعرب ساوت بين المذكر والمؤنث في (فعول) لفائدة عظيمة لا يدركها الطافون على اليعاليل لأنها إذا قالت للمؤنث (فعولة) انصرف الذهن إلى أنها بمعنى مفعولة مثل:(ركوبة أي مركوبة) و (حلوبة أي محلوبة) و (حمولة أي محمولة) أو إلى أن الهاء للمبالغة لا للتأنيث مثل ترجل ملولة،

فروقة، وامرأة ملولة، فروقة.

أما فعيل فلا يستويان فيه إلا قليلا مثل: (جددت العباءة فهي جديد أي مجدودة، وتقول جديدة) ومثل (عتقت القنطرة فهي عتيقة) بمعنى عاتقة،

ص: 85

قال الجوهري في (ع ت ق) ما نصه: (وإنما قيل قنطرة عيقة بالهاء وقنطرة جديد، بلا هاء لان العتيقة بمعنى الفاعلة والجديد بمعنى المفعولة ليفرق بين ما له الفعل وبين ما لفعل واقع عليه) فتأمله.

فالإصلاح يجب أن تنظر عواقبه. وتزول معايبه، وما شكا طلاب العربية كشكايتهم من شواذها، والنواد عن مطرداتها، فأول رأي نراه لإصلاحها:

3 -

تعميم القياس في القاعدة

ونريد بهذا التعميم تطبيق القاعدة على الشواذ أيضاً لتكون في حكم المقيس وهذا يقتضي تغيير شيء في شروط المقيسات، وأن استبدالنا كلمة بكلمة اسهل وأخف من حفظ خمسين كلمة فما فوقها، فاسم التفضيل مثلا لا تحصى شواذه إذا عرف بتعريف القدماء، من انه يصاغ من الفعل الثلاثي بشرط أن يكون: 1 - تاماً - 2 - مثبتاً - 3 - مبنياً للمعلوم - 4 - لم يجئ الوصف منه على افعل - 5 - للفاعل لا للمفعول - 6 - متصرفاً لا جامداً - 7 - قابلا للتفاوت. فهذه الشروط يصعب مراعاتها. فضلا عن أن الشذوذ دكها دكاً، والذي رأيناه نشرناه قبل هذا إن:

اسم التفضيل: يصاغ من (المصدر الثلاثي أو الاسم مطلقاً) فالأفهم من الفهم، والآدى من الأداء، والأوفق من الوفق، والأشبه من الشبه، والأشهى من الشهوة، والأخلف من الخلف، والأشغل من الشغل، والاحوط من الحيطة، والأجدى من الجدوى، والأعطى من العطاء، والأشهر من الشهرة، والأتقن من التقن، والأعقد من العقدة، والأبر من البر، والأعذر من العذر، ولولا تعريفنا المذكور لبقيت هذه كلها شاذة أما غيرها الشاذ فاكثر رأينا قبل هذا أن:

اسم الآلة: يشتق من (المصدر أو الاسم مطلقاً أيضاً). فالمروحة من الريح، والمصباح من الصباح، والمهدى من الهدية، والمسيعة من السياع والمئذنة من الأذان، والمذوب من الذوب، ولا يشترط فيه أن يعالج الفعل به كله بل يكفي بعضه أو شيء له اتصال فالمطر لا يمطر به كما إن المفتاح يفتح به، ولكن له اتصال بالمطر، والمنفاض ليس آلة ينفض بها بل متصلا بالنفض، فأدنى ملابسة بين الفعل واسم الآلة تجيز صيغة اسم الآلة.

وإذا نظرت إلى تعريفنا السابق لاسم الآلة بطل عندك اشتراطهم التعدي في

ص: 86

الفعل الذي يصاغ منه هذه الاسم، ففي العربية:(المثفد والمذوب، والمربأ، والمرقاق، والمروحة، والمئذنة، والمصباح، والمرساة، والمئزر، والمسيعة، والمحراك والمنضاج وغيرها) وهي مخالفة لقياسهم شاذة عنه داخلة في قياسنا.

ذكرنا هذه الأمور ليتبين للقارئ أن التعاريف، وشروط القياس مستوجبة للإصلاح. وإذا ما تطرقنا إلى كل تعريف ننفي عنه الخبث ونحو إليه الشواذ النواد، بطل تتبعها، وتأثرها، وإضاعة الأوقات من أجلها، فان الحياة اليوم ما فيها فسحة لقضاء الوقت بلا طائل، ولا العقول متفرغة للغوص في اللجج، على الحجج، فضلا عن أن العرب اليوم غير العرب بالأمس لضعف القريحة ومرض السليقة العربية، وكثرة التداول للألفاظ الأجنبية، ولهذه الأسباب الضاغطة نرى أن من إصلاح العربية:

4 -

عد كل مقيس فصيحاً وجواز استعماله

نقلنا قبل هذا عن ابن درستويه أن العرب الفصحاء قد تلهج بالكلمة الشاذة المخافة للصواب ولا تستعمل غيرها من المطرد المختار: ثم قال بعد ذلك كما في (1: 126) من المزهر: (ثم لا يجب لذلك أن يقال: هذا أفصح من المتروك) وقال في (2: 30) منه: إنما أهمل استعمال ودع ووذر، لأن في أولهما واواً وهو حرف مستثقل، فاستغني عنهما بما خلا منه وهو ترك قال: واستعمال ما أهملوا من هذا جائز صواب وهو الأصل بل هو في القياس الوجه) وفي 1: 37 من المزهر: (قال أبو علي في ما حكاه ابن جني: يجوز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم وشعرنا على شعرهم) وفي ص 71 (وروي عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظاً لم يسمعاها ولا سبقا إليها وعلى ذلك قال المازني: ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم وأيضا (فالأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها). وقال ابن درستويه أيضاً في ص 126: (وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر أو لعلة غير ذلك) وجاء في ص 148 (فان الأعرابي إذا قويت فصاحته وسمت طبيعته تصرف وارتجل ما لم يسبق إليه). وقال الجوهري في مادة س ج د: (وسمعنا المسجد والمسجد والمطلع والمطلع والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه). وقال ابن الأنباري كما في (ص و

ع) من المصباح: (لأنه وإن كان غير

ص: 87

مسموع من العرب لكنه قياس ما نقل عنهم). وقال الفيومي في (خ ل ف) من مصباحه: (وخدم السماع يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس).

وقد ألفنا بين هذه الأقوال إثباتاً لأن نعد كل مقيس فصيحاً. فاستعماله جائز لا مطعن فيه ولا مغمز، ولا عيب على غير المتبحرين الراسخين في العربية إذا لم يحفظ الشواذ، وجروا على القياس اللاحب. ومن كثرة إباحة العلماء: التساهل في العربية أنهم لم يخطئوا من تكلم بلغة من لغات العرب، ففي (1: 153) من المزهر: (قال ابن جني في الخصائص: اللغات على اختلافها كلها حجة ألا ترى أن لغة الحجاز في أعمال (ما) ولغة تميم في تركه كل منهما يقبله القياس فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى؛ لمن غاية ما لك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها واشد نسباً بها) ثم قال: (فان الناطق على قياس لغة من لغات العرب، مصيب غير مخطئ، لكنه مخطئ لا جود اللغتين). وفي هذه الصفحة: (قال أبو حيان في شرح التسهيل: كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه). وإذا لاحظ الإنسان تصرف العرب في لغتهم، تعجب من تلك الأذواق المتوثبة، والطباع المترقرقة. روى الفيومي في مادة ك ت ب من مصباخه ما عبارته:(قال أبو عمرو: سمعت إعرابياً يمانياً يقول: فلان لغوب، جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت: أتقول: جاءته كتابي؟ فقال أليس بصحيفة؟ قلت: ما اللغوب؟ قال: الأحمق) ومثل هذا كثير، وأرى من إصلاح العربية:

5 -

ترك تعليل الإعراب في النحويات

نريد بذلك أن يعلل رفع الفاعل، ونائبه ونصب المفعول، وللتمييز مثلا، فان ذلك لا تعليل له على الحقيقة وكل ما جيء به تكلفات وتفيهقات تدل على أن القوم رغبوا في إضاعة أعمارهم، وجهد أذهانهم، بلا جدوى ولا طائل. فالفاعل مثلا سمع مرفوعاً والمفعول سمع منصوباً فأي علة لشيء حصل قبل العلة وأي سبب لشيء كان قبل السبب؟ قال ابن خلكان في (1: 143) عن وفياته في ترجمة أبي علي الفارسي: (ويحكى أنه كان يوماً في ميدان شيراز يساو عضد الدولة فقال له: لم انصب المستثنى في قولانا: قم أقوم إلَاّ زيداً؟ فقال الشيخ: بفعل مقدر، فقال: كيف تقديره؟ فقال: نستثني زيداً، فقال له

ص: 88

عضد الدولة: هلا

رفعته وقدرت الفعل، امتنع زيد! فانقطع الشيخ) فهذه الحكاية تؤيد دعوانا أن تعليلهم الأعراب تكلف محض واختلاق صرف، والاشتغال بمثل هذه الأمور معسر لفهم القواعد العربية زيادة على إفساده القاعدة، ومن ذلك أنهم زعموا أن كل منادى منصوب، وقدروا له فعلا ناصباً هو (أدعو) أو جعلوا أحرف النداء بمكان (أدعو) فيقولون في:(يا الله) مبني على الضم في محل نصب، وفي (يا عليون) مبني على الواو في محل نصب؛ وما ندري كيف تكون علامة الرفع بمكان البناء والنصب، وما فائدة نصبك اسماً بالتقدير والتصور وأنت تراه وتسمعه وتلفظه مرفوعاً؟ فذلك جهل مركب، والحقيقة إن المنادى ورد عن العرب بنوعين نوع منصوب، ونوع مرفوع، كالمستثنى بالا فمنه المرفوع أيضاً، وان جاء منه المنصوب. فالمنادى المنصوب (1) المضاف نحو يا خالق العالم (2) والتشبيه به مثل يا خالقاً كل البشر (3) والنكرة غير المقصودة نحو يا حاكما انصف، والمنادى المرفوع (1) العلم غير المركب مثل يا علي ويا عليان ويا عليون (2) والنكرة المقصودة نحو يا رجل ويا رجلان ويا مؤمنون (3) وحرف النداء هو أيها أو أيتها أو اسم الإشارة مثل يا أيها النبي، ويا أيتها النفس المطمئنة. ويا هذا الإنسان؛ ويبقى أن العلم غير المركب يبنى لحذف تنوينه أم تكون الضمة علامة رفع؟ والأول أن تكون الضمة علامة رفع ويعد حذف التنوين من هذا المنادى شيئاً مسموعاً ولا فائدة في تغييره أبداً.

بسطنا هذا الإيضاح لبيان أن تعليل الأعراب قد يجر المعلل إلى ما لا تحمد مغبته، ولا تقبل، ولا يصح نتاجه. أضف هذا إلى إن أقل اعتراض على المعلل، يربكه، ويورطه في ورطة كبيرة فلا ينجو منها؛ ونرى أن من إصلاح العربية.

6 -

تمهيد أسلوب تدريسها والتأليف بها

عددنا هذا التمهيد إصلاحاً لأن التدريس في كل علم يجب أن يسير على سنة التدرج في الارتقاء، فإذا تعلم الطالب بطريقة وعرة أو وعثة، مل العلم، واستصعبه، ويئس من إدراكه، وأول ظلام الخسران، اليأس، والمعلم الذي يعلم تلميذه بأسلوب شكس يكون كمن يحمل الطفل الحابي على العدو، والجري، فتنقطع به الأسباب، لأنه طلب المحال،

وإدراك المحال لا ينال.

ص: 89

قضيت في تدريس العربية ست سنين: وطالما رأيت التلاميذ يتضجرون، ويشتكون من

العربية، ويعدون فهماها والنجاح فيها من المعجزات؛ وما ذلك إلَاّ لعدم وجدانهم كتباً تناسب عقولهم، وتسير في تقديم البحوث على أسلوب قويم ومنهج مستقيم، وإلى الآن ما وجدت كتاباً في القواعد العربية مبنياً على التجربة، وأساليب التعليم الفنية؛ ونقائص هذه الكتب لا تبدو إلَاّ لمجرب مرب متضلع من العربية، فان حرم أحد هذه الثلاثة لم يفطن لها، فمن تلك النقائص:

(1)

التخليط في التعاريف كأن يعرف أحد المؤلفين الاسم بقوله: (الاسم: كلمة تذكر لتسمية شخص أو حيوان أو شيء) ولا يعلم أن الشخص والحيوان شيئان، فيعتقد الطلاب هذا الاعتقاد، ولكنه هو نفسه إذا عرف اسم الاستفهام قال:(اسم الاستفهام: هو ما يسأل به عن شيء) فهذا يستوجب عند التلميذ أن لا يسأل به عن إنسان، ولا عن حيوان، لأن الشيء عندهم قد صار لا يتعدى الجماد، فتأمل هذا الاضطراب. ويعد من باب الخطأ في التعريف (التورط في التفهيم) كأن يقول أحدهم للتلميذ:(إذا قلت: نفتح الباب، نفهم أن الحدث يجري الآن) ثم يقول: (أما إذا قلنا: يقرا الولد درسه) فأننا نفهم أنه لا يزال يقرأ في وقت التكلم وسيستمر على القراءة بعد التكلم) وأنت تعلم أن لا فرق بين (نفتح) و (يقرأ) من حيث الزمان، فيشتبه الأمران على التلميذ ولا يكون علمه متحققاً عنده.

(2)

التعابير المغلوط فيها، لأن المؤلف لكتاب في القواعد العربية يجب عليه أن يكون سلس التعبير، طاهر العبارة، متين الجمل، محكم البحث: وإلا ففساد كتابه اكثر نصحه، ومن ذلك قولهم للتلميذ:(على كل إنسان أن يحب وطنه، ويفدي دونه كل نفيس) فالفداء حصل ل (كل نفيس)، لا للوطن، ومصدر هذا الخطأ خاصة قول الرصافي الأستاذ في أحد أناشيده:

نبذل الأرواح نف

ديها لإحياء الوطن

فالفداء صار للأرواح لا للوطن، فصواب الخطأ الأول (ويفديه بكل نفيس) وصحيح الغلط الثاني ونفدي بها أحياء الوطن).

(3)

فساد السؤال كأن يقول أحدهم لتلميذ لم يتعلم إلَاّ لتعريف الكلام،

ص: 90

وأنواع الكلمة: (أدخل هذه الأحرف في جمل مفيدة: في. لم. من. إلى. ثم. عن.) فهذا من الأسئلة العقيمة، لأن التلميذ قبل أن يستعمل الحرف يلزمه أن يعرف عمله، ومعناه، وموضع استعماله، وهذا لا

يعرف بالاتفاق والتصادف، فضلا عن أنه مضيعة للأوقات، وأسلوب وعر.

(4)

جهل المؤلفين، وهنا الطامة الكبرى، فو الله لقد تقدم إلى التأليف من لا يميزون بين اسم الإشارة والاسم الموصول كقولهم:(أدخل أسماء الإشارة الآتية في جمل مفيدة: ذا، تان (التي) هذا، (اللتان)، (اللذين) تانك) فالتي، واللتيان، واللذان، أسماء موصولة لا أسماء إشارة، وإذا فهم أحدهم تعريف الفاعل، والمفعول، عرض نفسه لأن يؤلف، ومن ألف فقد استهدف ويكون كتابه مفسدة للعربية من أوله إلى آخره، وبرز للتأليف من لا يعلم أن فعل الأمر لا يصاغ للغائب فيقول للتلميذ:(ما هو مضارع وأمر هذه الأفعال شكر. استحسن. انتقد. . .) وهلم جرا في المواضي المختصة بالغائب: وما ادري كيف يؤمر الغائب بدون لام الأمر؟ فعلي الرواية وعلي العجب.

(5)

التلبيس على المتعلم، وذلك كأن يذكر له أن (سأل) ينصب مفعولين ولا يبين له المراد ب (سأل) الناصب للمفعولين، مع أن سأله عن كذا) شيء، و (سأله كذا) آخر؛ ومن سوء هذا التدريس وجدت بعضهم يكتبون (سألت المدرس قضية) يريدون (عن قضية) وهناك مثل هذا التلبيس ما لا يحصى كثرة، ولا يستقصي عداً.

(6)

عدم مراعاة سنة العلم العامة، كأن يقول أحدهم للدارس:(فرق بين المذكر والمؤنث مما يأتي: فريدة، حمام، أفعى، بطن. . . حرب. . . دكان. . دار.) فالفريدة بها علامة تأنيث، وما بقي لا يعرف تأنيثه، ولا تذكيره، إلا بالسماع، ومعجم العربية، فكيف يسأل عنه طالب لم يراجعه في كتاب ولا سمعه من نفر، فضلا عن أن البطن بطنان بطن ضد الظهر، وهو مذكر، وعن أبي عبيده أن تأنيثه لغة، وبطن دون القبيلة وهي مؤنثة وتذكر إن أريد بها الحي. فتأمل هذا السؤال الذي لا يسأله إلَاّ عقيم التدريس، عظيم التلبيس، متنكب لسنة العلم العامة، والبلية العظمى السؤال عن (الحمام) أمؤنث هو أم

ص: 91

مذكر؟ ولا شك عندي في أن السائل لا يعرف الجواب عنه.

(7)

والابتسار في التدريس وهو تدريس الشيء قبل أوانه كأن يقول للتلميذ: (إذا كان الكلام تاماً منفياً فيجوز نصب المستثنى بإلا، على الاستثناء. وإتباعه على البدلية) والتلميذ لا يعرف البدل ولا البدلية، ولو ظل هذا المعلم المبتسر ينفخ في الشبور لتفهيم الدرس، لما فهم التلميذ من هذه المعميات شيئاً. ومن الابتسار، تدريس تثنية الاسم قبل تعليم أنواع

إعرابه، لان المثنى يضيف إلى المفرد ألفاً ونوناً عند الرفع، وياءاً ونوناً عند النصب والجر؛ وإذا انعكس الأمر ضاعت الفائدة، وطال الطريق.

ومنه تقديم تعليم المبني على المعرب، لان المتعلم إذا درس المعرب، ورأى تغير آخره، سهل عليه معرفة ضد المتغير الآخر أي المبني، ولان المعلم إذا علم المعرب، أبان حقيقة التغير وكشف عن تطور المعربات، فضلا عن انه إذا ضرب مثلا للمعرب، المرفوع ليقابله بالمبني المرفوع، كأن الطالب عارفاً للرفع والمرفوع، فلا يكل ذهنه، ولا تخمد قريحته، ولا يدرس شيئاً مفاجئاً لذهنه، غريباً عن كل ما في عقله.

ومنه تدريس النداء في خصائص الاسم قبل تعليم النداء والمنادى.

ومنه تعليم الفاعل لشبه الفعل المعلوم ونائب الفاعل لشبه الفعل المجهول، قبل تعليم عمل اسم الفاعل، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم المفعول والاسم المنسوب إليه.

ومنه طلب إصلاح شيء قبل أن يدرس قاعدة إصلاحه كأن يقول: (اصلح لمساعدة أبوك خالداً) وهو لم يدرس البدل ولا عطف البيان. فيصلح هذه الجملة، وأمثلة الابتسار كثيرة.

(8)

الأسئلة المكسلة أو الملقنة للجواب؛ فان الكتاب إذا أشتمل على أسئلة لا تعمل أفكار التلامذة، ولا تهيج قرائحهم؛ بل تعلمهم التواكل والكسل أو تحتوي على الجواب، فيكون عديم الفائدة، ميت العائدة، زيادة على ضرره من حيث التربية المهذبة، وكيفية هذه الأسئلة كأن يقول في الكتاب:(ما فاء كلمة (وجل) وهل قلبت إلى حرف آخر في صيغة الأمر؟) فالجزء الأخير من

ص: 92

السؤال فهم التلاميذ أن الواو تقلب إلى حرف آخر في صيغة الامر، فضلا عن انهم يجيبون ب (لا) أو (نعم) وهو الغالب لان فيه راحة ومكسلة، فلا أعمال فكر فيه، ولا جهد قريحة. ومثله أن يقال للتلاميذ (ألا ترون أن جميع هذه الكلمات التي تدل على الجمع، تزيد عن مفردها لفظاً بالواو والنون؟) فالجواب (نعم). ولا ينجو من هذا العيب التدريسي إلَاّ ذو حظ عظيم.

(9)

وارتباك المؤلفين لاعتمادهم على قلة علمهم، فيضربون مثلا للفعل اللازم:(صبر، واستقل، وجاء) ولا يعلمون انه يقال: (صبره صبراً، واستقله، وجاءه) فشغل أذهان المتعلمين بالأشياء المشتركة وتوريط المؤلف نفسه في ما لم يتحققه مفسدة للعلم والكتاب ومخسرة لأعمار المتعلمين.

(10)

تفكيك الدروس بعضها عن بعض لان العلم يجب أن يتألف من مفرداته صفوف متصلة بعضها ببعض حتى إذا عرضها صاحبها، مرت كالجنود المجندة وإذا تفرقت وتقطعت كانت كالجيش المتشرد لا قوة له ولا استعداد، فيجب ربط الدروس بعضها ببعض. ومثل عدم الربط تدريس علامات نصب الاسم بعد الاسم المنصوب، يفصل بينهما المرفوع وتدريس الفعل المتعدي بعد المفعول به مثلا.

(11)

الإكثار من الدروس كأن يدرس المتعلم في ستة اشهر (120) درساً وليس له في الأسبوع إلَاّ درسان وهي تسعة وثلاثون أسبوعاً يستغرقها ثمانية وسبعون درساً جديداً. فمتى يكون الامتحان الشهري وغيره وفي أي فرصة تعاد. وتزاد الدروس التي درسها التلميذ في السنة الماضية عملاً بأن تكون الدروس متوسعة بالتدرج كتوسع حركة الأرجوحة فإنها تتردد إلى مركز الحركة لا تمتد بمرة واحدة. فإتباع الإكثار على هذه الصورة قبيح في تأليف الكتب. ومن جنس هذا النقص تكليف عقل المتعلم فهم معلومات كثيرة في وقت واحد فذاك أسوأ التعليم.

واعلم إني لو تأثرت نقائص المؤلفات والمؤلفين. وأساليب تدريس العربية الوعرة، لجئتك بشيء كثير. هو الذي صعّب العربية على المتعلمين وكرهها إليهم وجعل فهمها من المعجزات.

مصطفى جواد

ص: 93