الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدن العراق القديمة
كيش (تل الاحيمر)
تابع:
وعلى من يزور كيش أن يصعد قبل كل شيء إلى الزقورة الخربة (تل الأحيمر) فيرى في وسطها المتخذ من اللين ما يدل على إن الزقورة العظيمة أحرقت برمتها، لان الملاط الصلصالي نفسه مشوي. وهناك نوافذ تخترق التل من جانب إلى جانب وقد أصبحت الآن مأوى الثعالب. ويرى بين طبقات الآجر طبقات الرماد الأبيض الدال إلى هذا اليوم على نوع الحصير المستعمل، وهو من جنس الحصير الذي يتخذه العرب في زمننا هذا ليعمروا به أكواخهم (راجع أيضاً ما يخص عقرقوف وبرسبا).
ويتضح عظم المدينة الواسعة الأرجاء لمن يجول بنظره وهو واقف فوق قمة برج الهيكل الذي يبلغ اليوم من الارتفاع نحو ستين قدماً. ولكنه كان في حينه أعلى من هذا بكثير. ويمكن اقتفاء أثر أهم مزايا البلدة بمراجعة الخريطة. وطول مدينة كيش زهاء خمسة أميال في عرض ميلين، ويظهر أنها كانت في بادئ أمرها مدينتين توأمتين واقعتين على ضفتي الفرات المتقابلتين، وكان يجري النهر من الفجوة التي ترى بين طائفتي الروابي الرئيستين. وكان هيكل إلبابا وزقورته قائمين على ضفة النهر على نيف ونصف ميل من باب المدينة الغربي. وفحصت الروابي الواقعة هنا وهناك بين ساحة الهيكل وبين موقع الباب فاتضح أنها بقايا دور سكنى، وكانت تتألق في الزمان الذي أعاد ملوك بابل العظام، ملوك السلالة الأولى، هيكل اله الحرب وزخرفوه.
ومن هناك يسير الزائر إلى أخربة قصر محصن واقع على مسافة نحو ميل شرقاً في وسط منطقة تجذب الأنظار لخلوها من التلول، ويظهر في أول وهلة أنه لا يتوقع شيء فيها. ومع ذلك بعد مرور يومين من هبوط الأمطار تبدو في الموقع نفسه عدة أبنية كبيرة بدواً جلياً فوق التراب. ويمكن إذ ذاك اقتفاء أثر
الغرف والدهاليز حتى الأبواب والمنزويات، وذلك لما بين اللبن القديم والتربة المحيطة به من الفرق في الجفاف.
وإلى اليوم لم يكشف القصر كشفاً صادقاً إلا إنه يبدو جلياً أن هناك من الفائدة الخارقة العادة
ما لا يخفى على أحد، ولعل الزائر يخيب ظنه بعد الالتفاته الأولى لما يرى حواليه من الخراب الظاهر. ولكن لو نقب القسم الشرقي من البناء لكشف دهليزاً تحت الأرض يمتد على موازاة جدار الحصن في الخارج. وثخن ذلك الجدار أربع عشرة قدماً، ولعل تلك الأزقة أقدم أزقة تعرف من نوعها، وكأنها تبيح للمنفرج بمكنونات غابر عهدها، وما جرى فيها من الوقائع الخطرة، والحوادث الروائية، التي تروق الإنسان لما فيه من عواطف الأطفال. إذ أن هذه العواطف لا تبرح معظم البشر طول حياتهم. ولم يوقع بعد على أحد طرفي هذا الممر مع أنه حفر فيه ما طوله مائتا قدم، ويرى بين تلول تلك الأنقاض المملة ما تحتويه من أسس الأبراج المستديرة والبئر الواقعة في الفناء، والحمامات والبلاليع المقيرة وموائد الطعام وطبقات الرماد الدالة على أن القصر غزي واحرق غير مرة. وبإجهاد الفكر بعض الإجهاد، يمكننا أن نعيد إلى مخيلتنا ذلك البناء وقديم مجده وما طرأ عليه من الطوارئ الخيالية وما شهده من المحاربة والموت، وهو اليوم خراب غريب في موضع مهجور.
وعلى الزائر بعد ذلك أن يعرج نحو الجنوب ليرى الأبنية المحفورة في كتلة التلول المرتفعة التي يسميها العرب هنالك (عين غرا) وكان أسمها في القدم (هر سجكالما)، وترى في ذلك الموطن زقورتان (مفتولتان)، وهيكلان على أقل تقدير، وقصر محصن، وهناك أيضاً أبنية أخر لم يطلع على حقيقتها بعد. وأول شيء يستوجب كشفه هيكل عظيم، لم يحفر منه إلى الآن إلا قسم لا غير، ولا تزال بعض جدرانه قائمة في بعض الأماكن وارتفاعها ثماني عشرة قدماً. وجدد نبو كدراصر الثاني هذا الهيكل في القرن السادس ق. م. ويتضح أنه جرت فيه ترميمات غير مرة قبل ذلك الحين، وفي الحقيقة أن هناك ما يدل على أن الهيكل الأصلي يعود إلى زمن قديم جداً ولعله يرجع إلى سابق تاريخ
الشمريين. وربما كان الهيكل (إهر سجكالما). والزقورة الكبيرة من الزقورتين يعودان إلى (انينة) معبودة الشمريين والصورة الأولى لاشتر، إلا انه لم يعثر إلى هذا الحين على برهان جازم يفصح عن الآلهة لمن كانت هياكل هرسجكالما مرصدة.
ويقتضي أن الزقورتين كانتا قائمتين في زمن مجد سرجون الأول ومملكة أكد، إذ أن قلبيها اتخذا من الآخر المسطح المقبب. وأهمل استعمال هذا النوع من الآجر بعد إخضاع
الساميين للشمريين. وقد ظهر أن الزقورة الكبيرة جددها سرجون نفسه وأعاد وجهها بالآخر المربع الضخم الذي كان يستحسنه.
وبعد أن يدور الزائر حول الزقورتين يأتي إلي بناء كان نقب فيه المسيو (دي جنوياك) سنة 1912. وتثبت أنواع الآجر المبنية به الجدران العالية. إنَّ هذا البناء جدد أيضاً عدة مرار، ويظن أنه جزء من هيكل (؟)(لانينة) وستنكشف حقيقته بعد تنقيب يمعن فيه، كما أنه يعتقد أن الهيكل الذي تعود إليه الزقورة الصغيرة واقع في رواب كبيرة مجاورة لها.
وفي جنوبي هذا الهيكل، وعلى قرب منه، يرى خليط من التلول هي أنقاض تدل على موضع القصر المحصن العجيب لملوك كيش، وربما كانوا من السلالة الثانية، وبني ذلك القصر وأضيف إلى بناءه فترك قبل 300 ق. م. وإذا جال الزائر بين الروابي وقف بغتة على فناء دار رحيب، أمام وجهه بناء يذهل الناظر إليه، وهنالك درج عريض ومنخفض ذو أربع عشرة مرقاة، ولم يبق منها شيء غير اللبن ولكن ينبغي أنها كانت في بادئ أمرها مكسوة بمادة أصلب، ولعل تلك المادة كانت النحاس الأحمر، إذ يظهر أنه كانت للشمريين كمية وافرة من ذلك المعدن، ولا ريب في أنه كان لصف العمد القائمة في أحد أطرفا الفناء منظر هائل حين ذاك، كما إنه لا يشك في أن تلك الأساطين الشامخة كانت مغشاة بالمعدن، أو يحتمل أنها كانت مرصعة بالصدف والمحار ومحفورة في الحجر الكلسي على شكل يرى في القطع التي عثر عليها في الغرف المجاورة لا، وتلك القطع على جانب عظيم من الرونق والإتقان تروق الألباب. (راجع المحفورات في تل العبيد).
وينجلي كل الانجلاء للجوابة الخبير أن هذا القصر العظيم أكتسح وأحرق وربما حدث ذلك في سقوط السلالة التي أضافت إلى القصر جبهته القائمة على العمد. وهناك ما يدل دلالة لا ريب فيها على أن حماة الحصن دافعوا دفاع الأبطال وما زالوا يقاومون، الأعداء مدة طويلة ويتنقلون من غرفة إلى أخرى، وأقاموا الموانع هنا وهناك بسرعة بعد أن اقتحمت أسوار القصر المحكمة التحصين.
ووقع على صفيحة صغيرة من حجر الكلس في إحدى الغرف فيها من أقدم خط الشمريين المعروف، وهي محفوظة الآن في المتحفة في بغداد. وتعود رسومها الرمزية إلى زمن أقدم من زمن ذلك القصر، ويجوز إنها اذخرت كذكرى منقولة أو كمطرقة من حجر.
وقبل مغادرة هذا الموقع المفيد يجب زيارة مسكن النساخ المنهدم الواقع على ربع ميل من غربي القصر. فقد عثر على عدد كثير من الصفائح اللغوية والنحوية والدينية في دور متخربة من عصر (إسن) وعصر بابل الجديد. وكثير من تلك الصفائح مسطر على شكل دفاتر هذا اليوم. والبعض منها ملقى في الأزقة الضيقة، وفي ذلك ما يذكرنا بأن في تلك الأيام القديمة نفسها كان الأولاد الصغار يذهبون إلى الكتاب على رغم من إرادتهم.
وإلى ما وراء أبنية هيكل (هرسجاكالما) تنساب تلول واسعة الامتداد وتتصل بتخوم المدينة الشرقية. وربما كانت تلك الروابي بيوتاً عديدة للمأوى، وفيها ما يبين أنها سكنت إلى زمن الفرس وعصر الفرثيين. ولكن لم يقم أحد بتنقيب هذه المنطقة تنقيباً منظماً.
وقد استفيدت فائدة جليلة جمة من الحفريات التي قام بها في أخريات الأيام، الأستاذ (لنغدن) المدير العام لبعثة كيش، في محل يسمى (جمدة ناصر) على خمسة عشر ميلاً من الشمال الشرقي، ولا جرم أن هذه الأخربة ترجع إلى ما يسبق تاريخ الشمريين، والآجر هنالك قائم الزوايا. ولكنه يختلف كل الاختلاف عن الآجر الذي حل محل المسطح المقبب. والخزف المطلي يشبه نماذج الخزف القديمة جداً التي كشفت في السوس وميشان في عيلام.
بابلو (بابل) - (هي بابل المذكورة في التوراة: سفر الملوك الثاني 17: 30 ودانيال 4: 30 الخ). وهي على مسافة 54 ميلاً من بغداد في السيارة. وأما من الحلة فعلى ثلاثة أميال.
يقال ساكن الأسد الوزغة حيث كان يعز جمشيد ويشرب. (بيت شعر فارسي) لا ترى مدينة من المدن يصح فيها قول الشاعر الفارسي كما يصح في بابل، لما يرى فيها من الخراب الهائل الموحش، واللبن الممل بوحدة لونه. فلقد أنقرض الأسد الآن من أرض الرافدين - إلا أن الحاكم التركي في الحلة أهدى إلى (لايرد) في نصف القرن المنصرم أسدين كانا آخر نوعهما في هذه الديار، بيد أن الضبع والثعلب يحلان محل الليث. وهناك أبارص صغيرة تسرح على الروابي التي يعلوها الغبار.
ولو خرقنا بفكرنا الستار الحالي، ستار الخراب السائد في هذه المدينة، وعبرنا تلك الأيام حين كانت بابل في أبان مجدها وذروة عظمتها في عصر نبو كدراصر الثاني، لرأينا مزايا عجيبة في أكوام اللبن المتراكمة وربما ظهر فيها بعض الرونق.
ومن ير بابل المرة الأولى يرتبك في منطقة الأخربة الفسيحة التي تكاد تتشابه في الحجم واللون، وعليه يشار على الباحث أن يباشر مشاهدة هذه المواطن القديم آخذاً بكويرش، وهي قرية صغيرة يسكنها الأعراب في يومنا هذا، وواقعة على ضفة النهر، وسكنها الأثري الألماني (الدكتور روبرت كولدواي) مدة تنقيبه الطويل الذي بدأ به في سنة 1899 وانتهى عند نشوب الحرب العظمى. ويقع تل القصر في شرقي القرية تواً، ويتضمن ذلك التل أهم أبنية المدينة الجليلة التي كاد يعيدها نبو كدارصر كلها لتكون آية لمجده وجلاله (دانيال 6: 30) وهناك طريق آثار أقدام تمتد من جانب التل الشمالي فتمر بالزاوية الشمالية الغربية من جدار المدينة الداخلي إلى أن تؤدي إلى أسد بابل الشهير الواقع على مرتفع صغير محاطاً بغدران مملوءة قصباً، وهذا الأسد متخذ من البصلد وهو كبير واقف فوق رجل مضطجع.
ويرى على قرب من ذلك الأسد الطريق المقدسة، وهي طريق مرتفعة
معتدلة كانت في حينها مبلطة بقطع كبار من حجر الكلس، وكان يسار عليها بالآلهة في كل رأس سنة باحتفال جليل فتنقل إلى هيكل مردوك المسمى (إي ساجلا) أهم هياكل بابل.
وكان يقوم على جانبي الهيكل جدران فيها رسوم السباع الهائلة بحجم طبيعي وأسود وثيران وحيوانات خرافية محفورة حفراً تتألف فيه الألوان الزاهية ومصنوعة بإتقان فاق به الحذاق البابليين سواهم، وكان في الجانب الأيمن قصور وفي الجانب الأيسر هيكل (نن مخ) الآهة الأمهات، وكانت النساء تنذرن لها التماثيل بشكل والدة وأبنها لتمن عليهن بولد.
ويحسن بالزائر أن يلاحظ عند مروره بباب أشتر اقيسته الخارقة العادة. ذلك الباب الفخم الزاهي إلى هذا العهد مع أنه في حالة خربة. ولا جرم أن هذا الباب بابان لان جدار المدينة الداخلي كان مزدوجاً. ويحتوي ذلك الباب على ما يشبه فناء وسطاً ناشئاً من تشييد جدار في كل جانب منه يمر الواحد بالآخر. وارتأى بعض الثقات أنَّ دانيال حين القي في جب السباع كان هذا الجب الخندق الواقع بين الجدارين وكانت السباع فيه معتقلة (دانيال 6: 16). ولباب أشتر طبقان، وكانت الطريق المقدسة تمر بطبقته العليا المزخرفة بالحيوانات بحجمها المألوف ومنحوتة نحتاً محكماً والمدهونة بألوان بديعة. وأما الطبقة السفلى فكانت غرفاً وآزاجاً تحت الأرض، وكثيراً ما تشبه السراديب التي يسكنها أهل
العراق في عصرنا هذا، وهم يشيدون بعضها تحت الأرض هرباً من حر الشمس اللافح في القيظ، ويرى أيضاً في ذلك القسم من الباب حيوانات منحوتة ولكن يظهر أنها لم تلون قط.
وتل القصر كله الواقع في شمالي باب أشتر وجداره كتلة من الآزاج المتداخلة وكلها متهدمة، ويتعذر الوقوف على خطة البناء الأصلية. ولكن كانت تقوم في هذا التل قصور (نبوبلصر) وقصور نجله نبو كدراصر الثاني، الذي حاز من الشهرة ما يفوق شهرة والده.
وقد سعى الألمان ههنا سعياً محموداً حتى انجلت لهم رسوم الطبقة الأرضية من الأفنية الواحد بعد الآخر فضلاً عن رسوم عدة غرف محاطة به. ويدعون أن في
هذا التل كانت (الجنان المعلقة) الشهيرة المعدودة من عجائب الدنيا السبع، وكان في التل أيضاً غرفة عرش نبو كدراصر التي ظهرت فيها لبلشصر اليد المنبئة الكاتبة على جدرانها (دانيال 5: 5) قبل احتلال كورش الفارسي تلك المدينة (539 ق. م) بيد أنه لا يرى فيه ما يفصح عن عظم بابل في سابق عهدها سوى عقود الأبنية التي كان عليها بناء ضخم فضلاً عن رسم ردهة انهدمت جدرانها منذ زمن طويل فأصبحت تراباً.
وتنحدر الطريق المقدسة إلى ما وراء القصر شيئاً فشيئاً فتمر بهيكل أشتر و (تل المركز)، وهو أخربة دور سكنت في عدة عصور، ويقع هذا التل على يسار القصر، ثم تنعرج الطريق انعراجاً قويماً فتتجه نحو (تل عمران).
وتمكن المنقبون الألمانيون من أن يقعوا هنالك على رسم الطبقة الأرضية (لأي سجلا) هيكل الإله القهار مردوك بين خليط كثير من اللبن والأنقاض. ولكن لم يبق شيء الآن ينطق بجليل مجد ذلك الهيكل الذي أمر حمرب أن تدون شرائعه فيه على صفيحة حجر عظيمة. وبعد سبعة عشر قرناً عقد فيه قواد الاسكندر مجلساً بعد وفاة زعيمهم، ويرى إلى شمالي الهيكل كل ما بقي من (أنتمن انكي)(دار حجر أساس السماء والأرض)، وهي برج بابل العظيم ذو الطبقات السبع الواقع الآن في حفرة كبيرة يغمر الماء قسماً منها في الشتاء، وهو من غريب الاتفاق.
ويمتد من هيكل مردوك ممر يؤدي إلى مركز الجسر الذي كان يجمع قسمي بابل أحدهم إلى الآخر وكلاهما راكب ضفتي النهر، ولا تزال أسس ادعمة الجسر ظاهرة في ثغور
عقيق النهر القديم وكان واقعاً في شمالي تل عمران على ما يرى اليوم وقوعاً قاصداً، ويتسنى للجوابة الواقف فوق هذا التل أن يطلع على وضع الأخربة العام، ومن ثم يسير إلى المسرح اليوناني المشيد قبل موت الاسكندر في بابل (323 ق. م) بنحو سنتين، ولسوء الحظ لم يبق من المسرح المتدرج شيء غير خطته الخارجية.
ويمكن اقتفاء أثر خطوط جدران المدينة من قمة (تل حميراء) القائم على شمال شرقي المسرح وبالقرب منه، ويبلغ محيط الجدار نحو عشرة أميال وكان
محكماً إحكاماً خارق العادة، وفي الحقيقة كان عريضاً جداً، إذ نقل عن هيرودوتس أنه كان يتيسر لعجلة تجرها أربعة رؤوس خيل، أن تدور في الطريق الواقعة بين صفي أبنية ذات طبقة واحدة قائمة على حافتي سطح الجدار.
وعلى مسافة قصيرة من الاخربة الرئيسة وشمالها داخل الجدار الخارجي تواً، يرى تل بابل، وهو بقايا القصر المحصن الذي بناه نبو كدراصر لمحافظة المدينة حين يهاجمها عدو من الجانب الشمالي. ووضع نبو كدراصر نظام دفاع عظيم لأنه كان يخشى دائماً غزوات الماذيبن، ومن ضمن ذلك النظام سور منيع كبير ترى أخربته إلى هذا الحين على خمسة عشر ميلاً من جنوب شرقي سامراء، وهناك أيضاً حصن (سفر) وهو سور آخر يمتد نحو كيش، وفضلاً عن ذلك كانت لديه وسائل تمكنه من أن يغمر الأراضي ماء حوالي بابل فتحول دون العدو.
(راجع ما يخص أوبس وسفر).
ويتطلب تدوين تاريخ بابل مجلدات طوالاً، مع أن المدينة حديثة العهد بالنسبة إلى كثير من بلدان سهل شنعار المجاورة لها. ومعظم تاريخها حروب واضطرابات، وحربها لآشورية لم تنقطع البتة، وكانت آشورية خصم بابل في الشمال، وقد سلبت بابل مراراً واحرقت، واختطف الإله مردوك من هيكله (راجع ما يختص بآشور ونينوى). بيد أن بابل أصبحت في أزمنة الصلح مقر الديانة والعلم والفلسفة، فضلاً عن أنها كانت موئل التجار، وكانوا يؤمونها من ديار شاسعة، وتبرز ثلاثة أزمنة من تاريخ بابل بروزاً جليلاً وهي:
عرفت سلالة بابل الأولى بحكم حمرب العظيم. وله اليد البيضاء لما أوجد من الشرائع التي أنتفع بها العالم نفعاً جماً يقدر حق قدره.
عظم شأن بابل بعد ذلك حين حكمت سلالة (فاشي)(1169 - 1101 ق. م) فتلالا نجمها في أثناء سلطنة نبو كدراصر الأول. إذ أن هذا الملك فاق فوقاً عظيماً حكم ملوك كيش الخامل. لأنهم ملكوا في بابل زهاء ستة قرون ولم يتمكنوا من أن يقهروا جيرانهم الآشوريين القهارين في الشمال. ولكن سلالة (فاشي) دانت لعزم (تغلث فلاشر) الأول وقوته (راجع ما يختص بآشور) ورزحت المملكتان تحت حمل غزوات الآرميين في الشمال مدة تقارب القرنين.